المجازات النبويه

اشارة

سرشناسه:شريف الرضي، محمدبن حسين، ق 406 - 359

عنوان و نام پديدآور:المجازات النبويه/ محمدبن حسين الشريف الرضي؛ تصحيح مهدي هوشمند؛ مقابله النص مهدي امام، كريم اكبري

مشخصات نشر:قم: موسسه فرهنگي دار الحديث، 1422ق. = 1380.

مشخصات ظاهري:ص 460

فروست:(دار الحديث 81)

شابك:964-7489-18-820000ريال ؛ 964-7489-18-8 ،20000ريال

وضعيت فهرست نويسي:فهرستنويسي قبلي

يادداشت:عربي

يادداشت:كتابنامه: ص. [441] - 460؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع:احاديث -- مسايل ادبي

موضوع:احاديث -- زبان

موضوع:محمد(ص)، پيامبر اسلام، 53 قبل از هجرت - 11ق. -- احاديث

موضوع:احاديث شيعه -- قرن ق 4

شناسه افزوده:هوشمند، مهدي، 1342 - ، مصحح

شناسه افزوده:امام، مهدي

شناسه افزوده:اكبري، كريم

رده بندي كنگره:BP112/8/ش 4م 3 1380

رده بندي ديويي:297/264

شماره كتابشناسي ملي:م 81-11587

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

مقدّمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوكّل عليه، و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، و نسأله تعالى أن يهدينا سبل الرشاد؛ فإنّه من يهد اللّه فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أمين وحيه، و خاتم رسله، و الصلاة و السلام عليه و على وصيّه و خليفته من بعده، و على ذرّيته الطاهرين الأئمّة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، و لا سيّما بقيّة اللّه الأعظم، عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف.

و بعد؛ فإنّ القرآن العظيم هو المصدر الأوّل للهداية، و الحديث هو المصدر الثاني و العدل الواضح له، و مكانته- شرفا- بعد القرآن، و لا ريب أنّ علم الحديث من أهمّ العلوم الشرعية التي تبتنى عليها سعادة الإنسان في حياته الدنيويّة قبل الاخروية، و لذلك احتاجت غوامض القرآن و مجملاته إلى البيان و التفسير، فكان الحديث هو الشارح و المفصّل و المبيّن للكتاب الكريم، فلا عجب أن يقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أوتيت القرآن و مثله معه» (1)، و هذه العبارة تدلّ- و بمنتهى الدقّة و الوضوح- على أنّ حكم حديثه حكم القرآن من جهة المصدر


1- الرواشح السماوية: 202، و فيه: «الكتاب» بدل «القرآن» لاحظ البحار 16: 417، و فيه: «و مثليه».

ص: 6

وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (1)، و أنّه بيان له، و الشاهد له قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (2).

و البيان: هو إخراج الشي ء عن حيّز الخفاء إلى حيّز الظهور و الوضوح، و هو إمّا موافق للقرآن و مؤكّد له، مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ اللّه تعالى ليملي للظالم حتّى إذا أخذه لم يفلته» (3)، إذ هو موافق لظاهر قوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (4).

أو مفصّل له، و مثاله قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، و الْبِئْرُ جُبَارٌ، و الْمَعْدِنُ جُبَارٌ (5).

و فِي الرِّكَازِ (6) الخُمْسُ» (7)، في مقابل قوله تعالى: وَ آتُوا الزَّكاةَ* (8).

أو مخصّص له، و مثاله قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» (9)، في قضية الّتي فيه ظهور إلى إشارة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيها بقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (10).


1- النجم (53): 3- 4.
2- النحل (16): 44.
3- صحيح البخاري 5: 214، الدرّ المنثور 3: 349.
4- هود (11): 102.
5- جرح العجماء جبار- بالضمّ؛ أي هدر. قال الأزهري: معناه أنّ البهيمة العجماء تنفلت فتتنلف شيئا، فهو هدر، و كذلك المعدن إذا أنهار على أحد فدمه جبار بالضمّ؛ أي هدر.
6- الركاز: المال المدفون في الجاهلية، فعال بمعنى مفعول، كالبساط بمعنى المبسوط، و الكتاب بمعنى المكتوب. و يقال: هو المعدن. المصباح المنير: 237، مادّة (رك ز).
7- المبسوط 3: 92 و 7: 186، سنن النسائي 5: 44، مسند أحمد 2: 228، 239، 254، صحيح البخاري 2: 137، سنن أبي داود 2: 388، سنن الترمذي 2: 77.
8- البقرة (2): 43.
9- مسند أحمد 2: 80 و 5: 185، صحيح البخاري 2: 134، سنن ابن ماجة 2: 746.
10- البقرة (2): 275.

ص: 7

أو مقيّد له، و مثاله كثير، و لا سيّما في مسألة الوصيّة.

أو بيان له، و أمثال ذلك أيضا في القرآن كثير، خصوصا في آيات الفرائض.

و لمّا كان هذا موقف الحديث من الكتاب، قدّمه بعض على الكتاب في الاستدلال و إن تقدّمت رتبة الكتاب، كما هو واضح.

و على أيّ تقدير: لا يشكّ إنسان و لا يرتاب في أنّ فصاحة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تقابلها فصاحة و لا يقارب أسلوبه في الحديث و البلاغة أسلوب؛ إلّا أسلوب أئمّة الهدى؛ فإنّهم، نور واحد، و حديثهم حديث جدّهم رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و الأحاديث كما أنّها المصدر الثاني للتشريع، فكذلك هي المصدر النحوي و البلاغي، ذهب إلى ذلك كثير من علماء البلاغة و الأدب، مؤكّدين على أنّ كلام النبوّة دون كلام الخالق، و فوق كلام فصحاء المخلوقين، و فيه جوامع الكلام، و إعجاز البلاغة و الفصاحة، و أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفصح العرب قولا، و أبينهم كلاما، و أعلاهم بلاغة، فقد وصف الجاحظ كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قائلا:

«هو الذي قلّ عدد حروفه، و كثر عدد معانيه، و جلّ عن الصنعة، و نزه عن التكلّف، و كان كما قال اللّه تبارك و تعالى: قل يا محمّد: وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (1)، فكيف و قد عاب التشديق (2)، و جانب أهل التعقيب (3)، و استعمل المبسوط في موضع البسط، و المقصور في موضع القصر، و هجر الغريب الوحشي، و رغب


1- ص (38): 86.
2- تشدّق: لوى شدقه- جانب فمه- للتفصّح، و يقال: هو متشدّق في منطقه و متفيهق؛ إذا كان يتوسّع فيه، و هو مذموم. العروس 13: 236، مادّة (ش د ق).
3- يقال: قعّب فلان في الكلام؛ أي أخرجه من قعر حلقه. أقرب الموارد 2: 1017 مادّة (ق ع ب).

ص: 8

الهجين السوقي، فلم ينطق إلّا عن ميراث حكمة، و لم يتكلّم إلّا بكلام قد حفّ بالعصمة، و شيّد بالتأييد، و يسّر بالتوفيق، و هو الكلام الذي ألقى اللّه عليه المحبّة، و غشّاه بالقبول، و جمع له بين المهابة و الحلاوة، و بين حسن الإفهام و قلّة عدد الكلام، و هو مع استغنائه عن إعادته و قلّة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، و لا زلّت به قدم، و لا بارت (1) له حجّة، و لم يقم له خصم، و لا أفحمه خطيب، بل يبذّ (2) الخطب الطوال بالكلم القصار، و لا يلتمس إسكات الخصم إلّا بما يعرفه الخصم، و لا يحتجّ إلّا بالصدق، و لا يطلب الفلج (3) إلّا بالحقّ، و لا يستعين بالخلابة (4)، و لا يستعمل المواربة (5)، و لا يهمز (6)، و لا يبطئ، و لا يعجل، و لا يسهب، و لا يحصر (7).

ثمّ لم يسمع الناس بكلام قطّ أعمّ نفعا، و لا أقصد لفظا، و لا أعدل وزنا، و لا أجمل مذهبا، و لا أكرم مطلبا، و لا أحسن موقعا، و لا أسهل مخرجا، و لا أفصح معنى، و لا أبين عن فحواه؛ من كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (8).


1- أي كسدت.
2- أي يغلب و يفوق. أقرب الموارد 1: 34، مادّة (ب ذ ذ).
3- فلج بحجّته: أثبتها، و أفلج اللّه حجّته- بالألف-: أظهرها. المصباح المنير: 480، مادّه (ف ل ج).
4- أي الخديعة باللسان.
5- أي المخادعة.
6- أي لا يتحامل.
7- أي لم يعجز في منطقه.
8- البيان و التبيين 2: 17، 18.

ص: 9

«المجازات النبويّة»

كان يأتي من بلاغة الحديث متفرّقا أثناء شرحه، أو كان يذكر الحديث مثالا أو شاهدا مع ذكر آيات مناسبة في خلالها، فبلغ عدد الأحاديث ما يقرب من ستّين و ثلاثمئة حديث، جلّى و بيّن مقدار البلاغة فيها و الفصاحة التي استفيدت من مضمون الأحاديث، قائلا في مقدّمته: «فإنّي عرفت ما شافهتني به من استحسانك الخبيئة التي أطلعتها و الدقيقة التي أثرتها من كتابي الموسوم ب «تلخيص البيان عن مجازات القرآن» و إنّي سلكت من ذلك حجّة لم تسلك، و طرقت بابا لم يطرق، و ما رغبت فيه من سلوك مثل تلك الطريقة في عمل كتاب يشتمل على مجازات الآثار الواردة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ كان فيها كثير من الاستعارات البديعة، و لمع البيان الغريبة، و أسرار اللغة اللطيفة، يعظم النفع باستنباط معادنها، و استخراج كوامنها، و إطلاعها من أكمّتها و أكنانها، و تجريدها من خللها و أجفانها، فيكون هذان الكتابان- بإذن اللّه- لمعتين يستضاء بهما، و عرينين لم اسبق إلى قرع بابهما، فأجبتك إلى ذلك- مستخيرا اللّه سبحانه فيه- على كثرة الأشغال القاطعة» (1).

و السيّد الشريف قد اعتذر من الإطناب، و سلك طريق الإيماء و الإشارة، بقصد عدم المشقّة على القارئ؛ لضعف القلوب في زمانه. و هو مع هذا متواضع؛ يذكر أنّه لا يشكّ في أنّ ما يفوته من الجنس الذي يقصده، أكثر من الحاصل له منه. و يشير إلى أنّه ترك التكرار، و اعتمد في الإيجاز على كتب السابقين التي


1- المجازات النبوية: 27، و يأتي في الصفحة 27- 28 شرح بعض الكلمات المذكورة في كلامه قدس سرّه فراجع.

ص: 10

تشرح متشابه الأخبار و تبيّنه، و بيّن بعض المصادر التي اعتمد عليها في استخراج المجاز؛ و هي كتب غريب الحديث، و أخبار المغازي المشهورة، و مسانيد المحدّثين، و الموجز من حديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام و ذكر لنا طرق وقوفه على كلّ ذلك.

و مع ذلك لم يرتّب مختاره على أبجديّة خاصّة، فجاء بأحاديث أو بأجزاء منها بحسب ما وقع له في اطلاعه على مراجعه. و منهجه ذكر النصّ، و تعقيب الإشارة إلى اللون البياني، و ذكر ما يستدعي الذكر من التناسب، شارحا موضّحا رغم إيجازه، مبيّنا الوجوه التي جرى المعنى عليها؛ فمن ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «هذه مكّة قد رمتكم بأفلان كبدها» قال في ذيلها: «و هذا من أنصع العبارات، و أوقع الاستعارات (1) ...» الخ. و بيّن الترديد المفهم من «أفلاذ أكبادها» و أنّه إمّا أن تراد الكناية، أو المجاز بالاستعارة، و حلّ العبارة في تشبيهين: تشبيه مكّة بالحشا، و تشبيه رجال مكّة بشعب الكبد.

كما أشار أحيانا إلى قرينة المجاز، و شرحها في ضمن إيراد أمثلة قرآنية أو شعرية، فتفهم من ملخّص كتابه: أنّه أدرك المجاز بصفة أعمّ، و تعدّى كتابه إلى المفهوم الأعمّ للمجاز، أو الاستعارة، أو الكناية، أو الاتساع.


1- المجازات النبويّة: 29.

ص: 11

الشريف الرضي

اسمه و نسبه:

قد وردت ترجمته في كتب التراجم و الرجال بعناوين مختلفة و ألقاب متعدّدة، كلّها اتفقت على لقب «الشريف الرضي» له رحمه اللّه:

قال المحقّق الخونساري رحمه اللّه في ترجمته: «العالم العفيف، و العلم الغطريف (1)، و العلم العريف (2)، و العنصر الشريف، و السيّد الشريف، و الأيّد (3) المنيف؛ ابو الحسن محمّد ابن السيّد النقيب و النجيب المحترم أبي أحمد حسين ابن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق عليه السّلام إمام الامم، أخو سيّدنا المرتضى علم الهدى، و الملقّب بالسيّد الرضي عند الأحبّة و العدى. لم يبصر بمثله إلى الآن عين الزمان في جميع ما يطلبه إنسان العين من عين الإنسان، فسبحان الذي ورّثه غير العصمة و الإمامة ما أراد، من قبل أجداده الأمجاد، و جعله حجّة على قاطبة البشر في يوم الميعاد. و أمره في الثقة و الجلالة أشهر من أن يذكر (4)، كما ذكره الأمير مصطفى التفرشي في كتاب رجاله المعتبر (5).

يروي عنه شيخنا الطوسي، و جعفر بن محمّد الدوريستي، و السيّد عبد الرحمان النيسابوري، و ابن قدامة الذي هو شيخ رواية شاذان بن جبرئيل القمّي، و جماعة، و يروي هو أيضا عن جماعة، منهم شيخنا المفيد المتقدّم عليه التمجيد، كما في رجال النيسابوري.


1- أي السيّد الشريف.
2- أي القيّم بأمر القوم الذي عرف بذلك و شهر. و قيل: المراد به النقيب، و هو دون الرئيس.
3- أي القويّ.
4- انظر: روضات الجنات 6: 190.
5- نقد الرجال 4: 188. رجال النجّاشي 398: 1065.

ص: 12

و فيه أيضا: أنّه كان يوما عند الخليفة الطائع باللّه العبّاسي و هو يعبث بلحيته و يرفعها إلى أنفه، فقال له الطائع: أظنّك تشمّ منها رائحة الخلافة؟! فقال: بل رائحة النبوّة.

و كان يلقّب بالرضي ذي الحسبين؛ لقّبه بذلك بهاء الدولة بن بويه، و كان يخاطبه بالشريف الأجلّ، كما عن «الدرجات الرّفيعة» للسيّد علي خان الشيرازي (1).

و ذكره الفاضل الباخرزي في «دمية القصر» و كذا الثعالبي في «يتيمة الدّهر» و ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» و غيرهم، كما في «أمل الآمل».

و فيه أيضا: و ذكر ابن أبي الحديد أنّه كان عفيفا، شريف النفس، عالي الهمّة، لم يقبل من أحد صلة و لا جائزة، حتّى أنّه ردّ صلات أبيه، و ناهيك بذلك! و كانت تنازعه نفسه إلى امور عظيمة يجيش بها صدره، و ينظمها في شعره، و لا يجد عليها من الدهر مساعدا، فيذوب كمدا، حتّى توفّي و لم يبلغ غرضا (2)، انتهى، و ذكر له أشعارا دالّة على ذلك (3).

و قال ابن خلّكان: ذكر أبو الفتح بن جنّي في بعض مجاميعه: أنّ الشريف الرضي أحضر إلى ابن السيرافي النحوي و هو طفل جدّا لم يبلغ عشر سنين، فلقّنه النّحو، و قعد يوما في الحلقة فذاكره بشي ء من الإعراب- على عادة التعليم- فقال: إذا قلنا: رأيت عمر، فما علامة النصب في «عمر»؟ فقال: بغض عليّ، فتعجّب السيرافي و الحاضرون من حدّة خاطره (4).


1- الدرجات الرفيعة 466.
2- شرح نهج البلاغة 1: 33.
3- أمل الآمل 2: 261.
4- انظر: امل الامل 2: 265، الدرجات الرفيعة 468، معجم رجال الحديث 17: 26.

ص: 13

و قال ابن خلّكان الشافعي: ذكره الثعالبي في «اليتيمة» فقال في ترجمته:

ابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل، و هو اليوم أبدع أبناء الزمان، و أنجب سادة العراق، يتحلّى- مع محتده (1) الشريف و مفخره المنيف- بأدب ظاهر، و حظّ من جميع المحاسن وافر، ثمّ هو أشعر جميع الطالبيّين؛ من مضى منهم و من غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين (2)، و لو قلت: إنّه أشعر قريش، لم أبعد عن الصدق (3)، و سيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القدح (4)، الممتنع عن القدح (5)، الذي يجمع إلى السلاسة متانة، و إلى السهولة رصانة.

و ذكر أيضا: أنّه تلقّن القرآن بعد أن دخل في السنّ، فحفظه في مدّة يسيرة.

و صنّف كتابا في معاني القرآن يتعذّر وجود مثله، دلّ على توسّعه في علم النحو و اللّغة، و صنّف كتابا في «مجازات القرآن» فجاء نادرا في بابه.

و قد عني بجمع ديوان الرضي جماعة، و أجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الخيري. و لقد أخبرني بعض الفضلاء: أنّه رأى في مجموع أنّ بعض الادباء اجتاز بدار الشريف الرضي ببغداد و هو لا يعرفها، و قد جنى عليها الزمان، و ذهبت بهجتها، و أخلقت ديباجتها (6)، و بقايا رسومها تشهد لها بالنضارة، و حسن الشارة، توقّف عليها متعجّبا من صروف الزّمان، و طوارق الحدثان (7)،


1- أي نسبه.
2- المفلق من الشعراء: الذي يأتي بالعجائب في شعره.
3- انظر: يتيمة الدهر 3: 116 طبع مصر سنة 1353 ق، و الفوائد الرجاليّة للسيّد البحر العلوم 131، و دمية القصر 73 طبع حلب سنة 1348.
4- القدح: اسم السهم قبل أن يصلح و يركّب نصله.
5- القدح: التعبييب و التنقيص، يقال: قدح فلان في فلان؛ إذا عابه و تنقّصه.
6- أي بليت نقوشها.
7- أي نوائب الدهر.

ص: 14

و تمثّل بقول الشريف الرضي المذكور:

و لقد وقفت على ربوعهم (1)و طولها (2) بيد البلى نهب

فبكيت حتّى ضجّ من لغب (3)نضوي و لجّ بعذلي الرّكب

و تلفّتت عيني فمذ خفيت عنّي الديار تلفّت القلب

فمرّ به شخص و سمعه و هو ينشد الأبيات، فقال له: هل تعرف هذه الأبيات لمن هي؟ فقال: لا، فقال: هذه الدار لصاحب هذه الابيات؛ الشريف الرضي، فتعجّب من حسن الاتفاق ... إلى آخر ما ذكره (4).

و قد نقل عن لسان الجامع لديوان سيّدنا المرتضى أخي هذا أنّه قال:

سمعت بعض مشايخنا يقول: ليس لشعر المرتضى عيب إلّا كون الرضي أخاه، فإنّه إذا افرد بشعره كان أشعر أهل عصره، و ناهيك به دلالة على كون الرجل أشعر جميع العرب، فلا تعجب.

و قال سيّدنا الشريف النسّابة أحمد بن علي بن الحسين الحسني في كتابه الموسوم ب «عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب»- بعد ذكر أبيه أبي أحمد، و أخيه الأجلّ المرتضى-: و أمّا محمّد بن أبي أحمد الحسين بن موسى الأبرش، فهو الشريف الأجلّ الملقّب بالرضي ذي الحسبين، يكنّى أبا الحسن، نقيب النقباء ببغداد، و هو ذو الفضائل الشائعة، و المكارم الذائعة. كانت له هيبة و جلالة، و فيه ورع، و عفّة و تقشّف، و مراعاة للأهل و العشيرة. ولي نقابة الطالبيين مرارا، و كانت إليه إمارة الحاجّ و المظالم؛ كان يتولّى ذلك نيابة عن أبيه


1- أي دورهم و منازلهم، أو محلّاتهم.
2- أي ما بقيت من آثار الدور و البيوت.
3- اللغب: التعب، و النضو: المهزول من الإبل و غيرها، و في الإبل أكثر، و هو الذي أهزله السفر و أذهب لحمه، و المراد: بكيت و أطلت البكاء و الوقوف حتّى ضجّ بعيري من شدّة التعب.
4- وفيات الاعيان 4: 44.

ص: 15

ذي المناقب، ثمّ تولّى ذلك بعد وفاته مستقلّا، و حجّ بالنّاس مرّات. و هو أوّل طالبي خلع عليه السواد و كان أحد علماء عصره؛ قرأ على أجلّاء الأفاضل.

و له من التصانيف: كتاب «المتشابه في القرآن» و كتاب «مجازات الآثار النبوية» و كتاب «نهج البلاغة» و كتاب «تلخيص البيان عن مجازات القرآن» و كتاب «الخصائص» و كتاب سيرة والده الطاهر، و كتاب انتخاب شعر ابن الحجّاج، سمّاه «الحسن من شعر الحسين» و كتاب «أخبار قضاة بغداد» و كتاب رسائله إلى أبي إسحاق الصابي في ثلاثة مجلّدات، و كتاب ديوان شعره، و هو مشهور (1). و حكى الشيخ الرافعي: أنّها كانت مئة ألف و أربعة عشر ألفا.

إلى أن قال: و أعقب المرتضى من ابنه أبي جعفر محمّد، و هو الذي من ولده أبو القاسم النسّابة، صاحب كتاب «ديوان النّسب» و غيره علي بن الحسن بن محمّد بن علي بن أبي جعفر محمّد بن المرتضى، و كان له ابن اسمه «أحمد» درج و مات و انقرض علي بن مرتضى النسّابة، و انقرض به الشريف المرتضى علم الهدى، انتهى.

ثمّ إنّ كتاب «الخصائص» المنسوب إلى سيّدنا الرضي هو كتاب «خصائص الأئمّة» الذي ينقل عنه في «البحار» كثيرا، و هو الآن موجود أيضا مثل سائر كتبه الأربعة المتقدّمة عليه في عبارة «العمدة».

و له أيضا تفسيران آخران غير تفسيره الكبير الذي هو على كبر «تبيان الشيخ رحمة اللّه» ذكرهما النّجاشي و غيره، أحدهما «حقائق التنزيل» و الآخر:

«حقائق التأويل» قال في كتاب «مجازات الحديث»: و القوّة أحد المعاني التي يعبّر عنها باسم «اليد»، و قد استقصيت ذلك في كتابي الكبير الموسوم ب «حقائق التأويل».


1- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب 207- 208.

ص: 16

و كتابه الموسوم ب «متشابه القرآن» أيضا كبير ذكره في «المجازات» فقال في مسألة عصمة الأنبياء عن المعاصى: و في الصغائر خلاف ليس كتابنا هذا موضع بيانه، و قد بسطنا الكلام على ذلك في باب مفرد من جملة كتابنا الكبير في «متشابه القرآن» (1).

و له أيضا كتاب «الزيادات في شعر أبي تمّام» و كتاب الجيّد من شعره، و كتاب «تعليق خلاف الفقهاء» و كتاب تعليقه في «الإيضاح» لأبي علي.

و قد أنكر بعض المخالفين كون «نهج البلاغة» من جملة مؤلّفاته، و نسبه إلى أخيه المرتضى، و بعضهم أنكر كون جميع ما جمعه من كلام الإمام، و قال: إنّ كثيرا منه كلام محدث (2) من علماء الشيعة، و نسبها بعض آخر إلى جامعه الرضي.

و قد بالغ ابن أبي الحديد المعتزلي في تزييف معتقداتهم جميعا، و أقام في شرحه المشهور على الكتاب المذكور، حججا قاطعة للكلام على كونه بتمامه من كلمات الإمام عليه السّلام (3) و يكفينا في تصحيح نسبة الجمع إلى سيّدنا الرضي شهادة شيخنا النجّاشي- المطّلع الخبير و الثقة البصير، المعاصر لحضرة المؤلّف، بل الحاضر في حلقة إفادته و تدريسه- بأنّ له الكتاب المذكور؛ من غير إشارة إلى احتمال غير ذلك في حقّه (4)، كما لا يخفى.

مضافا إلى تصريح نفس الرجل بذلك في مواضع من كتاب «مجازات الحديث» الذي لم يشكّ أحد في كونه من جملة مصنّفاته، منها ما ذكره قدس سرّه في ذيل قوله: و من ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في خطبة له: «ألا و إنّ الدنيا قد ارتحلت مدبرة،


1- انظر: الصفحة 254 من هذا الكتاب.
2- يقال: هو رجل حدث و حدث؛ أي حسن الحديث و الكلام.
3- انظر: شرح نهج البلاغة 1: 8 و 9.
4- انظر: رجال النجاشي 398.

ص: 17

و إنّ الآخرة قد ارتحلت مقبلة» (1)، فقال: و هذه استعارة ... إلى أن قال: و يروى هذا الكلام على تغيير في ألفاظه لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و قد أوردناه في كتابنا الموسوم ب «نهج البلاغة» و هو المشتمل على مختار كلامه عليه السّلام في جميع المعاني و الاغراض و الأجناس و الأنواع (2)، انتهى.

و يظهر أيضا من كتاب مجازاته المذكور أنّ من جملة مشايخه المعظّمين من علماء الجمهور؛ هو الشيخ أبو الفتح عثمان بن جنّي في النحو، و أبو الحسن علي بن عيسى الربعي، و أبو القاسم عيسى بن عليّ بن عيسى، و أبو عبيد اللّه محمّد بن عمران المرزباني، و غيرهم في الحديث، و القاضي عبد الجبّار البغدادي في الأصول، و الشيخ أبو بكر محمّد بن موسى الخوارزمي في الفقه، و عمر بن إبراهيم بن أحمد المقرئ أبو حفص الكتّاني في القراءة، فليلاحظ» (3).

مولده و وفاته:

ولد سنة تسع و خمسين. قال صاحب «الرياض» رحمه اللّه: «كان عمره سبعا و أربعين سنة» فعلى هذا فوفاته سنة أربع و أربعمائة. و رثاه أخوه المرتضى بقصيدة مشهورة، من جملتها:

يا للرجال لفجعة جذمت (4) يدي و وددت لو ذهبت على رأسي» (5)

و قال: «رأيت «المجازات النبوية» في ناحية عبد العظيم عند المدرس» (6).


1- الخصال 51: ح 62، تحف العقول: 281، خصائص الأئمّة: 96، الإرشاد 1: 230، البداية و النهاية 7: 342، لاحظ البحار 77: 117 ح 13.
2- انظر: الصفحة 192 من هذا الكتاب.
3- روضات الجنات 6: 190- 202.
4- أي قطعت.
5- الدرجات الرفيعة: 478.
6- رياض العلماء 5: 84.

ص: 18

أساتذته و مشايخه:

الشيخ أبو عبد اللّه المفيد محمّد بن محمّد المعروف ب «ابن المعلّم»، المولود سنة 336، و المتوفّى سنة 413.

الشيخ عبد الجبّار بن أحمد الشافعي المعتزلي، قرأ عليه كتاب «شرح الاصول الخمسة» و «العمدة».

الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد الطبري الفقيه المالكي، قرأ عليه القرآن و هو شابّ، كذا في مقدّمة «البحار» الطبع الجديد.

الشيخ محمد بن موسى الخوارزمي، قرأ عليه أبوابا في الفقه.

الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني.

الشيخ أبو الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي.

الشيخ أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني، قرأ عليه القرآن بروايات كثيرة (1).

الشيخ عبد اللّه بن محمّد الأسدي الأكفاني، قرأ عليه «مختصر أبي الحسن الكرخي».

الشيخ أبو الحسن علي بن عيسى الرمّاني، قرأ عليه كتبا في النحو و العروض و القوافي.

الشيخ ابن نباتة صاحب الخطب، و هو أبو يحيى عبد الرحيم بن محمّد.

الشيخ أبو الفتح عثمان بن جنّي.

الشيخ أبو سعيد الحسن بن عبد اللّه بن المرزبان السيرافي، قرأ عليه «مختصر الجرمي» في سنة أربع و أربعين.

الشيخ الجليل هارون بن موسى التلّعكبري.


1- لاحظ ما يأتي ص: 39.

ص: 19

الشيخ أبو نصر الغاري، ذكره في آخر الكتاب عند ذكر مشايخه من العامّة في طريق رواية «النهج».

الشيخ عبد الرحيم بن أحمد أبو الفضل الشيباني المعروف ب «ابن الإخوة» ذكره في آخر الشرح.

الشيخ أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي.

الشيخ أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح، شيخه في الحديث.

تلاميذه و الراوون عنه:

الشيخ المفيد أبو محمّد عبد الرحمان بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي.

الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري الخزاعي.

القاضي أحمد بن علي بن قدامة.

السيّد أبو زيد عبد اللّه بن علي كيابكي بن عبد اللّه بن عيسى بن زيد بن علي الحسيني الكجي الجرجاني.

الشيخ أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي الشاعر، قيل: «إنّه كان غلام السيّد المرتضى».

الشيخ جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي الرازي.

القاضي السيّد أبو الحسن علي بن بندار بن محمّد الهاشمي.

الشيخ أبو منصور محمّد بن أبي نصر محمّد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز العكبري المعدّل.

الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن علي الحلواني.

الشيخ أبو الأعزّ محمّد بن همام البغدادي.

ص: 20

العلوية السيّدة النقيّة بنت المرتضى أخيه، ذكرها القطب في آخر شرح «النهج».

الشيخ أبو نصر عبد الكريم بن محمّد بن الديباجي المعروف ب «سبط بشر الحافي» ذكره القطب في آخر شرح «النهج».

الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ذكره القطب في أوّل الشرح. و فيه بعد؛ لأنّ شيخ الطائفة ورد بغداد بعد موت الرضي عليه بسنتين. و اللّه العالم.

آثاره العلمية:

نهج البلاغة.

أخبار قضاة بغداد.

تلخيص البيان عن مجازات القرآن.

حقائق التأويل في متشابه التنزيل.

الرسائل في ثلاثة مجلدات.

الزيادات في شعر ابن الحجّاج.

الزيادات في شعر أبي تمّام.

سيرة أبي طاهر والده.

كتاب ما دار بينه و بين أبي إسحاق الصابي.

مختار شعر أبي إسحاق الصابي.

منتخب شعر ابن الحجّاج، سمّاه «الحسن من شعر الحسين».

طيف الخيال، قيل: «هو لأخيه السيّد المرتضى».

تعليقة على إيضاح أبي علي الفارسي.

تعليق خلاف الفقهاء.

انشراح الصدر في مختارات من الشعر.

ديوان شعره.

ص: 21

منهج تحقيق الكتاب

خطوت في تحقيق هذا الكتاب المراحل التالية:

فأوّلا: اعتمدت على النسخة المطبوعة من قبل دار الأضواء في بيروت سنة 1406 ه. ق.

و ثانيا: قابلت الكتاب مع بعض نسخه الخطّية الموجودة، و أهمّها النسخة الرضويّة التي اصطلحنا عليها ب «الف» و نسخة اخرى اصطلحنا عليها ب «ب» و أوردنا الاختلافات في الهامش.

و ثالثا: قابلت أحاديث الكتاب مع المصادر الأصليّة من كتب الخاصّة و العامّة.

و رابعا: أوردت في الهامش تفسير و ضبط بعض المفردات غير المألوفة.

و خامسا: أثبتّ الأحاديث التي انفردت بها النسخ الخطّية دون النسخة المطبوعة في بيروت.

و سادسا: استخرجت الآيات و الأشعار من المصادر التي أشار المصنف إليها أو من مواضع اخر.

و سابعا: وضعت لكلّ حديث رقما من أجل تسهيل الفهرسة و الرجوع إلى المواضيع.

و ثامنا: وضعت الفهرس الفنّي للآيات و الأحاديث و الأشعار و الأعلام.

و لا يسعني في الخاتمة إلّا أن أشكر الباري سبحانه و تعالى على توفيقه في هذا المشروع الخطير منذ بدئه إلى نهايته، و أشكر الأعزّة الذين عاضدوني في مقابلة النسخ و استخراج المصادر، أخصّ بالذكر منهم سماحة السيّد مهدي الإمام، و سماحة الأخ كريم أكبري، و سائر الإخوة الأفاضل.

و قد كان الفراغ من تسويد هذه المقدّمة في يوم عيد الأضحى سنة 1419 ه.

ق ببلدة قم المقدّسة، و بيد أقلّ العباد الشيخ مهدي هوشمند.

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أمّا بعد حمد اللّه سبحانه بمحامده التي يستحقّها، و اختصاص نبيّه محمّد و آله الطاهرين بالصلوات التي هم أهلها؛ فإنّي عرفت ما شافهتني به من استحسانك الخبيئة (1) التي أطلعتها، و الدفينة التي أثرتها من كتابي الموسوم ب «تلخيص البيان عن مجازات القرآن» و إنّي سلكت من ذلك محجّة لم تسلك، و طرقت بابا لم يطرق، و ما رغبت إليّ فيه من سلوك مثل تلك الطريقة في عمل كتاب يشتمل على مجازات الآثار الواردة عن رسول اللّه عليه الصلاة و السلام؛ إذ كان فيها كثير من الاستعارات البديعة، و لمع البيان الغريبة، و أسرار اللغة اللطيفة؛ يعظم النفع باستنباط معادنها، و استخراج كوامنها، و إطلاعها من أكمّتها و أكنانها (2)، و تجريدها من خللها (3) و أجفانها، فيكون هذان الكتابان- بإذن اللّه- لمعتين يستضاء بهما، و عرنينين (4) لم اسبق إلى قرع بابهما، فأجبتك إلى ذلك- مستخيرا اللّه سبحانه فيه- على كثرة الأشغال القاطعة، و العوائق المانعة،


1- الخبيئة: ما خبّئت و غابت.
2- الأكمّة: جمع كمّ؛ و هو الغلاف الذي ينشقّ عن الثمر و يحيط به، و الأكنان: جمع كنّ؛ و هو وقاء كلّ شي ء و ستره. أقرب الموارد 2: 1104 و 1109، مادّة (ك م م) و (ك ن ن).
3- الخلل: جمع خلّة؛ و هي جفن السيف المغشّى بالأدم، و قيل: بطانة يغشّى بها جفن السيف. أقرب الموارد 1: 298- 299، مادّة (خ ل ل).
4- عرنين الشي ء: أوّله، أي إنّ الكتابين أوّلان و سابقان في بابهما؛ لم يتقدّمها كتاب مثلهما. لسان العرب 9: 174، مادّة (ع ر ن).

ص: 28

و الأوقات الضيّقة، و الهموم المخنقة، و عملت- بتوفيق اللّه- على تتبّع ما في كلامه عليه الصلاة و السلام من ذلك، و الإشارة منه إلى مواضع النكت، و مواقع الغرض، بالاعتبارات الوجيزة، و الإيماءات الخفيفة؛ على طريقتي في كتاب:

«مجازات القرآن» لئلّا يطول الكتاب فيجفو (1) على الناظر، و يشقّ على الناقل؛ فإنّ القلوب في هذا الزمان ضعيفة عن تحمّل أعباء العلوم الثقيلة، و الإجراء (2) في مسافات الفضائل الطويلة؛ لأنّه لم يبق من الفضل إلّا الذّماء (3)، و من الفضلاء إلّا الأسماء، و للّه الحمد على السرّاء و الضرّاء، و البؤس و النعماء.

و لست شاكّا في أنّ ما يفوتني من الجنس الذي أقصده، أكثر من الحاصل لي و الواقع إليّ، و لكنّني أقتصر على ما تناله في هذا الوقت يدي، و يقرب من تصفّحي و تأمّلي، و إذا ورد- بمشيئة اللّه- من هذه الآثار ما فيه موضع مجاز قد تقدّم الكلام على نظير له أو ما يقوم مقامه، اقتصرت على القول الأوّل طلبا للاقتصاد، و وقوفا دون الإبعاد؛ على مثل الأصل المقرّر في كتاب «مجازات القرآن».

و لو لا أنّ أبا عليّ محمّد بن عبد الوهّاب قد سبق إلى تفسير متشابه الأخبار التي ظاهرها التشبيه و التجسيم، و صريحها التجوير و التظليم، و استقصى هذا المعنى في كتابه الموسوم ب «شرح الحديث» و تعاطي ذلك جماعة غيره من علماء أهل العدل في مواضع من كتبهم، لتتبّع هذا الفنّ جميعا تتبّعا يكشف


1- أي يثقل.
2- يقال: أجرى الفرس و غيره؛ أي جعله يجري. أقرب الموارد 1: 119، مادّة (ج ز ي).
3- الذّماء: بقيّة النفس، و في المثل «أطول ذماء من الضبّ» لأنّه إذا قتل يبطئ كثيرا تمام موته. أقرب الموارد 1: 373، مادّة (ذ م ي).

ص: 29

الشبه، و يوضح المشتبه؛ على طريقتي في كتابي الكبير الموسوم ب «حقائق التأويل في متشابه التنزيل» إلّا أنّني- بعون اللّه- أورد من ذلك ما كان داخلا في باب الاستعارات اللغوية بكلّية، أو بشعبة كبيرة من شعبه (1).

و الذي أعتمد عليه في استخراج ما يتضمّن الغرض الذي أنحو نحوه و أقصد قصده؛ كتب غريب الحديث المعروفة، و أخبار المغازي المشهورة، و مسانيد المحدّثين الصحيحة، مضيفا إلى ذلك ما يليق بهذا المعنى من جملة كلامه عليه الصلاة و السلام الموجز الذي لم يسبق إلى لفظه، و لم يفترع (2) من قبله. و جميع ذلك ممّا أتقنّا بعضه رواية، و حصّلنا بعضه إجازة، و خرّجنا بعضه تصفّحا و قراءة، مستمدّين في ذلك- و في سائر الأنحاء و المرامي، و المطالب و المغازي- توفيق اللّه سبحانه الذي يهوّن الشديد، و يقرّب البعيد، و يذلّل الصعب إذا أبى، و يقوّم المعوّج إذا التوى، و ما توفيقنا إلّا باللّه، عليه توكّلنا، و إليه ننيب.


1- في نسخة: بسعة كثيرة من سعته.
2- يقال: افترعت الجارية؛ أي أزلت بكارتها، و لعلّه مأخوذ من قولهم: «نعم ما افرغت» أي ابتدأت.

ص: 30

[المجاز] (1)

فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ رَمَتْكُمْ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا»

(2).

و هذه من أنصع (3) العبارات، و أوقع الاستعارات.

وَ قَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى بَدْرٍ لِلْقِتَالِ، وَ قَدْ خَرَجَ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ مُجْلِبَةً عَلَيْهِ، وَ مُجْلِبَةً إِلَيْهِ، وَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ ظَفِرُوا بِبَعْضِ فُرَّاطِهِمْ (4)، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ عَمَّنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ مِنْ عِلْيَةِ (5) قُرَيْشٍ، فَقَالَ: فُلَانٌ وَ فُلَانٌ، وَ عَدَّدَ قَادَتَهُمْ وَ ذَادَتَهُمْ (6) وَ الْوُجُوهَ وَ السَّادَاتِ مِنْهُمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ رَمَتْكُمْ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا».

و لهذا الكلام معنيان:

أحدهما: أن يكون المراد به أنّ هؤلاء المعدودين صميم قريش و محصنها، و لبابها و سرّها، كما يقول القائل منهم: «فلان قلب في بني


1- نثر الدر 1: 196، و فيه: «قد ألقت إليكم» النهاية في غريب الحديث 3: 470، تاج العروس 5: 387، مادة (ف ل د) قال الزبيدي: «الأفلاذ من الأرض: كنوزها و أموالها، و قد جاء في حديث أشراط الساعة: و تقي ء الأرض بأفلاذ كبدها».
2- نثر الدر 1: 196، البداية و النهاية 3: 324.
3- نصع الأمر: وضع و بان. لسان العرب 8: 355، مادّة (ن ص ع).
4- الفرّاطة: جمع الفارط، و هو المتقدّم إلى الماء، يتقدّم الواردة، فيهي ء لهم الارسان و الدلاء، و يملأ الحياض، و يسقي لهم. لسان العرب 7: 366، مادّة (ف ر ط).
5- عليه القوم: أشرافهم. لسان العرب 15: 86، مادّة (ع ل و).
6- الذادة: جمع ذائد، و هو المحامي و المدافع.

ص: 31

فلان» إذا كان من صرحائهم (1)، و في النّضار (2) من أحسابهم، فيجوز أن يكون المراد ب «الكبد» هاهنا كالمراد ب «القلب» هناك؛ لتقارب الشيئين، و شرف العضوين، فيكنّى باسم كلّ واحد منهما عن العلق (3) الكريم، و اللباب الصميم.

و الأفلاذ: القطع المتفرّقة عن الشي ء، و قلّ ما يستعمل ذلك إلّا في الكبد خاصّة، قال الشاعر:

تكفيه فلذة كبد إن ألمّ بهامن الشّواء و يروي شربه الغمر

(4) و المعنى الآخر: أن يكون المراد بذلك أعيان القوم و رؤساؤهم، و العرانين المتقدّمة منهم، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أقام مكّة مقام الحشا التي تجمع هذه الأعضاء الشريفة، كالقلب و النياط (5) و الكبد و الفؤاد، و جعل رجال قريش كشعب الكبد التي تحنو (6) عليها الأضالع، و تشتمل عليها الجوانح وقاية لها، و رفرفة عليها.

[المجاز] (2)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ مُنْصَرَفَهُ مِنْ غَزَاةِ خَيْبَرَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَ نُحِبُّهُ» (7).


1- الصّرحاء: جمع الصريح، و هو الرجل الخالص النسب. لسان العرب 2: 509، مادّة (ص ر ح).
2- أي الخالص النسب.
3- أي النفيس.
4- الكامل 4: 65، أمالي المرتضى 1: 66 و 3: 111، غريب الحديث للهروي 2: 35، 402، و فيهما:«حزّة فلذ».
5- عرق غليظ نيط به القلب إلى الوتين، فإذا قطع مات صاحبه.
6- تحنو: تكبّ و تعطف و تشفق. لسان العرب 14: 203، مادّة (ح ن و).
7- الموطّأ: 2: 889: 10، 893: 20، مسند أحمد 3: 149، 159، صحيح البخاري 3: 223، 225 و 5: 40 و 6: 207 و 8: 153، صحيح مسلم 4: 114، سنن الترمذي 5: 379: 4041، السنن الكبرى 5: 197، مجمع الزوائد 4: 13 و 10: 42، كنز العمّال 12: 268: 34989، 34992، 34994، 14: 143: 38184، إعلام الورى: 124.

ص: 32

و هذا القول محمول على المجاز؛ لأنّ الجبل- على الحقيقة- لا يصحّ أن يحبّ و لا يحبّ؛ إذ محبّة الإنسان لغيره إنّما هي كناية عن إرادة النفع له، أو التعظيم المختصّ به؛ على ما بيّناه في عدّة مواضع من كتابينا المشهورين في علوم القرآن، و كلا الأمرين لا يصحّ على الجماد؛ لا التعظيم المختصّ به، و لا النفع العائد عليه، فمستحيل أن يعظّم أو يعظّم، أو ينفع أو ينتفع به، فالمراد إذا أنّ أحدا جبل يحبّنا أهله، و نحبّ أهله، و أهله هم أهل المدينة من الأنصار؛ أوسهم و خزرجهم، و غير خاف حبّهم النبيّ عليه الصلاة و السلام، و حبّه لهم، و تعظيمهم له، و إعظامه لقدرهم؛ ألا ترى إلى

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «... وَ لَوْ سَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْباً وَ سَلَكَ النَّاسُ شِعْباً، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، وَ لَوْ لَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ»

(1) ... إلى غير ذلك من الكلام الذي يطول بذكره الكتاب، و ينقض قاعدتنا في الاختصار.

و مثل هذا الحديث ما روي عنه عليه الصلاة و السلام في حديث آخر،

قَالَ: «نَهْرَانِ مُؤْمِنَانِ، وَ نَهْرَانِ كَافِرَانِ: أَمَّا الْمُؤْمِنَانِ فَالنِّيلُ وَ الْفُرَاتُ، وَ أَمَّا الْكَافِرَانِ فَدِجْلَةُ وَ نَهْرُ بَلْخَ»

(2).


1- مسند أحمد 3: 172 و 5: 137- 138، صحيح مسلم 3: 106، مجمع الزوائد 10: 29، كنز العمّال 12: 17: 33764، البداية و النهاية 4: 410.
2- النهاية 1: 69، و 5: 135، الكافي 6: 391: 5، و قد رواه عن الإمام الحسن عليه السّلام، البحار 60: 42: 11 و 100: 230: 20، مجمع البحرين 1: 114.

ص: 33

و الأولى أن يكون تأويل هذا الخبر- إن كان صحيحا- كتأويل الخبر المتقدّم، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: أهل هذين النهرين مؤمنون، و أهل هذين النهرين كافرون، و تكون هاتان الصفتان جاريتين على هذه الأنهار في وقت مخصوص، أو على الأغلب من الأحوال في زمان معلوم؛ لأنّ من أهل هذين النهرين المؤمن و الكافر، كما أنّ من أهل ذينك النهرين البرّ و الفاجر.

و قد قيل في ذلك قول آخر لست أرتضيه: «و هو أن يكون إنّما جعل النيل و الفرات مؤمنين على التشبيه و التمثيل؛ لكثرة انتفاع الناس بسقياهما كالانتفاع بالمؤمنين، و جعل دجلة و نهر بلخ كافرين؛ لقلّة الانتفاع بهما، كقلّة الانتفاع بالكافرين» و القول الأوّل أخلق (1) بالصواب، و أشبه بالمراد.

[المجاز] (3)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ (2)، وَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَ هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (3).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «و هم يد على من سواهم» استعارة و مجاز، و لذلك وجهان:


1- أي أجدر.
2- أي يؤمّن و يغاث.
3- أمالي المفيد: 187، الكافي 1: 404، تهذيب الأحكام 4: 131، الخصال: 150: 182، سنن النسائي 8: 20، مسند أحمد 1: 122، سنن ابن ماجة 2: 895: 2683، سنن أبي داود 1: 625: 2751، السنن الكبرى 8: 29، كنز العمّال 1: 99: 444.

ص: 34

أحدهما: أن يكون عليه الصلاة و السلام شبّه المسلمين في التضافر و التوازر و الاجتماع و الترافد، باليد الواحدة التي لا يخالف بعضها بعضا في البسط و القبض، و الرفع و الخفض، و الإبرام و النقض، و قد يسمّى أنصار الرجل و أعوانه «يدا» على طريق الاتساع، تشبيها لهم باليد التي ينتصر بها و يدافع بقوّتها قال الراجز:

أعطى فأعطاني يدا و داراو باحة (1) خوّلها عقارا (2)

يقول: بوّأني دارا، و أحفّ بي أعوانا و أنصارا.

و الوجه الآخر: أن يكون «اليد» هاهنا بمعنى القوّة، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: و هم قوّة على من سواهم، و القوّة أحد المعاني التي يعبّر عنها باسم «اليد» و قد استقصيت ذلك في كتابي الكبير الموسوم ب: «حقائق التأويل» و ذكرت أنّ قول القائل: «لا أفعل ذلك يد الدهر» معناه عندي: لا أفعل ذلك قوّة الدهر؛ أي مادام الدهر قويّ الأركان، قائم البنيان.

فأمّا الحديث الآخر عنه عليه الصلاة و السلام، و هو

قَوْلُهُ: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْفُسْطَاطِ»

(3).

فليس المراد «باليد» فيه كالمراد «باليد» في الحديث الأوّل، بل المراد «باليد» هاهنا حفظ اللّه و رعايته، كما يقول القائل: «مالي في يد فلان» إذا أراد أنّه حافظ له، و أمينه عليه.


1- الباحة: باحة الدار، و هي ساحتها، و الباحة: عرصة الدار. لسان العرب 2: 416.
2- لسان العرب 2: 416، مادّة (ب و ح).
3- غريب الحديث لابن قتيبة 1: 100: 41، النهاية في غريب الحديث 5: 293، معجم مقاييس اللغة 4: 502، مجمع البحرين 1: 488.

ص: 35

و «الفسطاط» هاهنا: البلد، و منه سمّي «فسطاط مصر» فكأنّه عليه الصلاة و السلام أمرهم بلزوم الجماعة في الأمصار، و نهاهم عن الانشعاب و الافتراق، و لم يرد أنّ الخارج عن المصر خارج (1) عن قبضة اللّه و مملكته، لكنّه خارج عن حفظه و رعايته.

و إنّما أمرهم بلزوم الأمصار، لأنّها- في الأكثر- مواضع الجماعة، و إلّا فالأمر- على الحقيقة- إنّما هو بلزوم الجماعة و لو كان أهلها في أكناف الفيافي و مطارح البوادي (2).

[المجاز] (4)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الْخَيْلِ: «ظُهُورُهَا حِرْزٌ، وَ بُطُونُهَا كَنْزٌ» (3).

و هذا القول خارج على طريق المجاز؛ لأنّ بطون الخيل- على الحقيقة- ليست بكنز، و إنّما أراد عليه الصلاة و السلام أنّ أصحابها ينتجونها (4) من الأفلاء (5) ما تنمّى به أموالهم، و تحسن معه أحوالهم، فهم باستيداع بطونها نطف الفحولة كمن كنز كنزا؛ إذا أراده وجده، و إذا لجأ إليه دعم ظهره، كما يكون الكانز عند الرجوع إلى كنزه و التعويل على ما تحت يده.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «و ظهورها حرز» أوضح من أن نوضّحه،


1- في نسخة ب: فارع بدل خارج.
2- الفيافي: جمع فيفاء، و هي البراري الواسعة و الصحراء الملساء، النهاية 3: 485، و المطارح: جمع مطرح، من طرحت النوى بفلان كلّ مطرح: إذا نأت به. لسان العرب 2: 529.
3- نثر الدر 1: 152، تأريخ اليعقوبي 1: 101، عنه البحار 60: 185: 15.
4- أي يعلفونها.
5- الأفلاء: جمع فلاة، و هي الصحراء الواسعة.

ص: 36

و المراد: أنّها منجاة من المعاطب، و ملجاة (1) عند المهارب.

[المجاز] (5)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ (2): «فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ (3)؛ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» (4).

و في هذا الكلام مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام إنّما جعل العبد أو الأمة غرّة؛ لأنّهما أفضل ما يملكه المالك و أفخره، و أظهره و أشهره، و لذلك سمّي أيضا في لسانهم الفرس «غرّة» لأنّه من أنفس ما يملك.

و لمثل هذا المعنى أيضا سمّوا الخيل «جبهة»

وَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: «لَيْسَ فِي الْجَبْهَةِ وَ لَا فِي النُّخَّةِ وَ لَا فِي الْكُسْعَةِ صَدَقَةٌ»

(5)، و «النَّخَّة»:

الرقيق، و من قال: «النُّخَّة» بالضمّ قال: «هي البقر العوامل» و «الكُسْعَة»:

الحمير. و هذا أشهر الأقوال في هذا الحديث، قال ابن أحمر:

إن نحن إلّا أناس أهل سائمةو ما لهم دونها حرث و لا غرر (6)

أي: ليس لهم زرع يعتمد، و لا خيل تقتعد (7).


1- ملجاة: يحذف الهمزة، و إنّما حذفت تخفيفا و مزاوجة مع كلمة منجاة.
2- نقله البيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت احدهما الاخرى بحجر فأصابت بطنها فقتلتها و ألقت جنينها، فقضى رسول اللة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بديتها على عاقلة الاخرى ... الخ.
3- غرّة المال: خياره و أنفسه، كالجمال و الخيل و العبيد في ذلك الزمان، و في اصطلاح الفقهي: ما بلغ ثمنه من العبيد و الاماء نصف عشر الدّية.
4- مسند أحمد 2: 438، السنن الكبرى 8: 115، مجمع الزوائد 6: 299، كنز العمّال 15: 58/ 40079، عوالي اللآلي 3: 648.
5- النهاية في غريب الحديث 1: 237، الفائق 1: 184، السنن الكبرى 4: 118.
6- ديوان ابن أحمر: 107، لسان العرب 4: 214. في نسخة ب: ما إن لهم دونها حرث و لا غرر.
7- أي تركب.

ص: 37

و قال الآخر:

كلّ قتيل في كليب غرّةحتّى ينال القتل آل مرّة (1)

يقول: كلّ قتيل نقتله بكليب- من غير آل مرّة- عبد لا نقبله (2) بواء (3)، و لا نرضى به كفاء (4).

و كأنّ فحوى الكلام: أنّ العبد و الأمة و الفرس من أظهر الأشياء (5) المملوكة، و أدلّها على وفارة الثروة، و فخامة النعمة؛ لأنّ غيرها من الأعراض- في الأكثر- لا يشتهر اشتهارها، و لا ينتشر انتشارها.

[المجاز] (6)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً عَسَلَهُ» قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ مَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ لَهُ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ عَمَلًا صَالِحاً يُرْضِي حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ» (6).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «عسله» و هو مأخوذ من العسل، كما يقول القائل: «عسلت الطعام» إذا جعل فيه عسلا، و «سمنته» (7) إذا جعل فيه سمنا، و «زيّتّه» إذا جعل فيه زيتا، و معنى «عسله»: أي جعل


1- الأغاني 5: 40، لسان العرب 5: 18، العين 4: 347.
2- في نسخة: لا نقتله.
3- أي مثلا و مساويا لنا.
4- أي مساويا.
5- في نسخة: الأسماء.
6- مسند أحمد 4: 200، كنز العمّال 11: 95: 30763، 101: 30796، 102: 30798، الفتح الكبير 1: 73.
7- في نسخة ب: أسمنته.

ص: 38

عمله حلوا يحمده الصالحون، و يرضاه المتقون، فيكون كالشي ء المعسول الذي يسوغ في اللهوات، و يلذّ على المذاقات.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «بين يدي موته» و لا يد للموت على الحقيقة، و لكنّها كناية عن الشي ء الواقع أمام الشي ء المتوقّع، و قد تكلّمنا على هذا المعنى في كتاب «مجازات القرآن» عند قوله سبحانه في البقرة: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها (1)سبأ (34): 46.

(2)، و عند قوله تعالى في سبأ: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (3) (4)، و ذلك كما تقول (5) لمن يسأل عن أحد بالعشيرة، و هو سالك طريق وسائل عن رفيق:

«ها هو ذا بين يديك» أي قد تقدّمك، و لا يقال ذلك إلّا فيما إذا كنت وراءه، و هو أمامك، لا فيما كنت أمامه و هو وراءك، و كلّ ذلك إنّما يراد به- في الأكثر- تقريب الشي ء من الإنسان حتّى كأنّه لفاف (6) يده، و قراب (7) تناوله، كما تقول: «هذا الشي ء أخذ يدي» أي ممكن لها، و قريب من تناولها.

[المجاز] (7)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ (8) الْقَوْلِ، وَيْلٌ


1- البقرة
2- : 66.
3- سبأ (34): 46.
4- مجازات القرآن: 115- 116.
5- في نسخة ب: كما يقول أحدنا لغيره.
6- اللّفافة: ما يلفّ على اليد و الرّجل و غيرهما.
7- أيّ قريب.
8- الأقماع: جمع قمع، و هو آله توضع على فم الإناء، فيصبّ فيه الماء و غيره.

ص: 39

لِلْمُصِرِّينَ» (1).

و في هذا الكلام مجاز و استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام عنى به الذين يكثرون استماع الأقوال، و اختلاف الكلام، فيكون ذلك ثالما في دينهم، و قادحا في يقينهم، فشبّه عليه الصلاة و السلام آذانهم بالأقماع التي يفرغ فيها ضروب القول إفراغ المائعات، و هذه من أحسن العبارات عن هذا المعنى؛ لأنّ الآذان هي الطرق التي يوصل منها إلى الصدور، و الأنقاب (2) التي يدخل منها على القلوب، فهي أبواب موصلة، و طرق مبلغة.

و قد حمل بعض العلماء هذا الحديث على تأويل غير مشبه لفحوى اللفظ؛ لأنّه قال: «المراد بذلك الذين تتكرّر المواعظ على أسماعهم و هم مع ذلك مصرّون على المعاصي، و موضعون (3) في طرق المغاوي (4)».

و هذا القول و إن كان سائغا، فإنّ الأشبه بظاهر الكلام أن يكون على ما قدّمت القول فيه؛ من ذمّ من يجعل سمعه مساغا للأقوال المختلفة و الأنباء المتضادّة، و يكون قوله عليه الصلاة و السلام: «المصرّين» تماما لهذا المعنى المراد، و مبالغة في وصف هؤلاء المذمومين بكثرة استماع


1- مسند أحمد 2: 165، 219، مجمع الزوائد 1: 191، كنز العمّال 3: 5976164، الدرّ المنثور 2: 78.
2- الأنقاب: جمع نقب؛ و هو الثقب، الجبل.
3- أي مسرعون.
4- المغاوي: جمع مغواة و مغوّاة، و هي المضلّة.

ص: 40

الأقوال، فيكون ذلك من قولهم: «أصرّ الفرس اذنيه» إذا نصبهما للتوجّس (1)؛ لأنّه يقال: «أصرّ أذنيه» و «صرّ بأذنيه» و هذا التأويل لم أعلم أحدا سبقني إليه.

[المجاز] (8)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ حِينَ أَتَاهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ ابْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْأَلَانِهِ عَنْ أَبَوَيْهِمَا السِّقَايَةَ (2)، فَتَوَاكَلَا الْكَلَامَ (3)، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَخْرِجَا مَا تَصُرَّانِ» (4).

و في هذا القول استعارة؛ لأنّه عليه السّلام أراد: أظهرا ما تكتمان في قلوبكما، و صرّحا بما تلجلج به ألسنتكما، فجعل القلب بمنزلة الوعاء، و الكتمان بمنزلة الوكاء (5)، و الأمر المكتوم بمنزلة الشي ء الموعى، و كلّ شي ء جمعته فقد صررته، و منه قيل للأسير: «مصرور» إذا جمعت يداه بالغلّ، و قدماه بالحجل.

[المجاز] (9)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ كَلَامٍ جَرَى فِي شَأْنِ قُرَيْشٍ: «فَإِنِ اتَّبَعُونَا اتَّبَعَنَا مِنْهُمْ عُنُقٌ يَقْطَعُهَا اللَّهُ» (6).

و في هذا القول استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه من تبعه منهم-


1- أي لتسمّع الصوت الخفيّ.
2- في المصادر: السعاية، و الموجود في المتن أصحّ؛ لأنّه ورد في أمر نيابة كلّ منهما في سقاية الحاجّ، و هي من مظاهر الشرف عند العرب في الجاهلية.
3- أي اتكل كلّ واحد على صاحبه فيه.
4- النهاية في غريب الحديث 3: 23، و فيه: «ما تصرّانه». شرح الأخبار 2: 487 بلفظ «تسرّان» طبقات ابن سعد 4: 58.
5- الوكاء: رباط القرية و غيرها، يقال وكاها يكيها وكيا و أوكاها و عليها؛ إذا ربطها بالوكاء.
6- تاريخ الطبري 2: 620، تاريخ بغداد 11: 311، كنز العمّال 10: 489: 30154، و فيه: «قطعها اللّه».

ص: 41

في التلاحق و الامتداد و الجدّ و الاجتهاد- بالعنق الواحدة التي لا تختلف أجزاؤها، و لا تتباين أعضاؤها، فهو أشدّ لقوّتها، و أوهن لصدمتها.

و على هذا المعنى قول الشاعر- و أنشدناه شيخنا أبو الفتح عثمان بن جنّي النحوي رحمه اللّه في حال القراءة عليه-:

أبلغ أمير المؤمنين (1) أخا العراق إذا أتيتاأنّ العراق و أهله

عنق إليك فهيت هيتا (2)

و لقول الشاعر: «عنق إليك» معنيان:

أحدهما: أن يكون على الوجه الذي ذكرناه أوّلا من تشبيه الطالبين له و القاصدين إليه، بالعنق في التلاحق إلى فنائه، و التسرّع إلى لقائه.

و المعنى الآخر: أن يكون أراد أنّ (3) أهل العراق على توقّع لوروده، و تشوّق إلى طلوعه، فهم كالعنق الممتدّة نحوه، و ذلك على المتعارف بيننا من قول القائل منّا إذا أراد أن يعبّر عن انتظاره لوارد أو توقّعه لطالع أن يقول: «عنقي ممتدّة إلى ورود فلان» كما يقول: «عيني ممدودة إلى طلوع فلان» و قول الشاعر في البيت الثاني: «فهيت هيتا» يشهد بأنّ مراده الوجه الأخير من الوجهين؛ لأنّ في هذا القول حثّا له على التعجّل، و إزعاجا (4) إلى التسرّع.


1- أي أمير المؤمنين حقّا؛ أعني أبا الأئمّة الأطهار عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.
2- لسان العرب 10: 273.
3- لا توجد في النسخة: ألف.
4- أي إقلاقا و قلعا و حثّا.

ص: 42

فأمّا قول اللّه سبحانه و تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (1)، فقد فسّر أيضا على وجهين أوردناهما في مواضع من كلامنا في تأويل القرآن (2):

فأحد الوجهين: أن يكون سبحانه ذكر الأعناق، ثمّ ردّ الذكر على أصحاب الأعناق؛ لأنّ خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها لمّا لم يكن خضوعهم إلّا بها.

و الوجه الآخر: أن يكون أراد الجماعات؛ لأنّه قد تسمّى الجماعة «عنقا» على الوجه الذي قدّمنا ذكره، يقول القائل: «جاءني عنق من الناس» أي جماعة، فيكون خاضِعِينَ صفة للجماعات، و المعنى في ذلك ظاهر غير محتاج إلى التأويل.

و قد يجوز أن يكون «الأعناق» هاهنا كناية عن السادات و المتقدّمين من القوم، يقال: «هؤلاء أعناق القوم» أي ساداتهم، كما يقال: «هؤلاء رؤوسهم و عرانينهم» (3) ذكر ذلك صاحب «العين» في كتابه (4).

و قال لي أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني- صاحب ابن مجاهد، و قد قرأت عليه القرآن بروايات كثيرة-: «سمعت أبا بكر بن سفيان (5) النحوي صاحب المبرّد يقول: أولى الوجوه بتأويل هذه الآية أن يكون خاضِعِينَ


1- الشعراء (26): 4.
2- مجازات القرآن: 170.
3- أي ساداتهم و أشرافهم.
4- انظر كتاب العين 1: 191.
5- في نسخة ب: أبا بكر بن شقر.

ص: 43

مردودا على الضمير في أَعْناقُهُمْ فكأنّه تعالى قال: فظلّوا هم لها خاضعين» (1).

و يبعد أن يحمل قوله عليه الصلاة و السلام في هذا الخبر: «عنق يقطعها اللّه» على أنّه أراد به الجماعة؛ لأنّ قوله «يقطعها اللّه» بالعنق المعروفة- التي هي العضو المخصوص- أشبه، و في موضع الكلام أحسن. و إنّما جاء ب «العنق» هاهنا على طريق الاستعارة؛ تشبيها للقوم الذين ذكر اتباعهم له بالعنق في الاحتشاد لطلبه، و الامتداد لللّحاق به.

[المجاز] (10)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِعَمَائِرِ (2) كَلْبٍ وَ أَخْلَافِهَا وَ مَنْ ظَأَرَهُ الْإِسْلَامُ مِنْ غَيْرِهَا» (3).

و في هذا الكلام استعارة؛ لأنّ «الظأر»- في الحقيقة-: العطف، و منه ظأر الناقة: و هو أن يموت ولدها، فتعطف على البوّ (4) الذي يجعل لها لتدرّ عليه لبنها. و أصله العطف على الشي ء بالأخذ و الحمل، لا بالاختيار و الطوع، و يبيّن هذا المعنى قول الكميت الأسدي:

و هم رئموها (5) غير ظأر و أشبلواعليها بأطراف القنا و تحدّبوا (6)


1- الكامل 5: 2، المقتضب 4: 198 و 199.
2- العمائر: جمع عميرة، و هي دون القبيلة.
3- العقد الفريد 2: 29، النهاية في غريب الحديث 3: 114، 299، الفائق 3: 26.
4- البوّ: جلد الفصيل الميّت، يحشى بالتبن أو غيره، فيقرّب من امّه لتعطف عليه و تدرّ.
5- كذا في شرح الهاشميات: 65، و في الأصل: رأّموها، و ما أثبتناه أولى.
6- شرح هاشميات الكميت: 65.

ص: 44

أي عطفوا عليها طائعين مختارين، لا مجبرين محمولين. ثمّ استعمل بعد ذلك فيمن عطف طائعا، كما استعمل فيمن عطف كارها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الإسلام يعطف على الدخول فيه؛ إمّا طوعا و مشيئة، أو عنادا و خيفة.

و من أمثال العرب: «الطّعن يظأر» (1)؛ أي يعطف على السلم و التواهب، و يحمل على البقيا و التقارب (2).

[المجاز] (11)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِحَادِي مَطِيِّهِ (3): «يَا أَنْجَشَةُ، رِفْقاً بِالْقَوَارِيرِ»

(4).

و هذه استعارة عجيبة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه النساء- في ضعف النحائز (5) و وهن الغرائز- بالقوارير الرقيقة التي يوهنها الخفيف، و يصدعها اللطيف، فنهى عن أن يسمعهنّ ذلك الحادي ما يحرّك مواضع الصبوة (6)، و ينقض معاقد العفّة.


1- مجمع الأمثال 1: 432، لسان العرب 4: 515. رئموها: أي قبل الأنصار دعوة الإسلام و عطفوا عليها مختارين غير مكرهين، من غير ظأر: أي لم يكن عطفهم على الدعوة لإكراه و إجبار، و أشبلوا: أي دافعوا عن الدعوة الإسلامية طائعين، القنا: جمع قناة، و هي الرمح، و تحدّبوا: تآزروا على نصرتها.
2- فأخف الناس حتّى يحبّوك.
3- المطيّ: جمع مطيّة، و هي الدابة.
4- إعلام الورى: 146، أخرجه أحمد و مسلم عن أنس: قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض أسفاره و غلام أسود يقال له «أنجشة» يحدو بنسائه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «يا أنجشة و يحك! إرفق بالقوارير». مسند أحمد 3: 172، 187، 202، صحيح مسلم 4: 1445: 2323.
5- النّحائز: جمع النّحيزة: الطبيعة و الغريزة، لسان العرب 5: 415، مادّة (ن ح ز).
6- و الصبوة: جهله الفتوّة و اللهو من الغزل، لسان العرب 14: 449، مادّة (ص ب و).

ص: 45

و قد حمل بعض العلماء قوله تعالى: قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (1) على أنّ المراد به غير الزجاج هاهنا (2)، و «القارور»: فاعول من استقرار الشي ء فيه، فكأنّه قرار للشراب و غيره من المائعات، فيصلح أن يكون للزجاج، و يكون لغير الزجاج.

و أمّا عامّة المفسّرين فيذهبون إلى أنّ تلك الآنية الموصوفة من فضّة و لكنّها تشفّ (3) شفيف القوارير من الزجاج، فهو أعجز لتصويرها و أعجب لتقديرها إذا كانت جامعة للرقّة اللطيفة، و القوّة الحصيفة (4) (5).

[المجاز] (12)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ تَذَاكَرَ النَّاسُ عِنْدَهُ أَمْرَ الطَّاعُونِ، وَ انْتِشَارَهُ فِي الْأَمْصَارِ وَ الْأَرْيَافِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «فَإِنِّي أَرْجُو أَلَّا يَطْلُعَ إِلَيْنَا نِقَابَهَا» (6).

يعني: نقاب المدينة، و «النقاب»: جمع نقب، و هو الطريق في الجبل.

و في هذا الكلام استعارة حسنة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أقام هذا الداء المسمّى ب «الطاعون»- في تغلغله إلى البلاد المنيعة، و ذهابه بالأعلاق (7) الكريمة- مقام الجيش المغير الذي يوفي على الأنشاز (8)،


1- الإنسان (76): 16.
2- هداية المسترشدين: 54.
3- أي ترقّ.
4- انظر الكشّاف للزمخشري 4: 671، تفسير القرطبي 19: 92.
5- أي المحكمة.
6- مسند أحمد 5: 207، مجمع الزوائد 3: 309، كنز العمّال 12: 249: 34900 و 14: 139: 38170.
7- الأعلاق: جمع علق، و هو النفيس.
8- الأنشاز: جمع النّشز: المتن المرتفع من الأرض. لسان العرب 5: 417، مادّة (ن ش ز).

ص: 46

و يهجم على الحصون و الديار، يقال: «طَلَعَ فُلَانٌ الثَّنِيَّةَ» (1) إذا أوفى عليها و قرع ذروتها، و من أحسن التمثيل و أوقع التشبيه أن تشبّه أسباب الموت و طوارق الدهر بالجيش الهاجم، و المقنب (2) المصمّم الذي تخاف سطوته، و تنكأ شوكته (3)، و لا يسدّ طريقه، و لا يؤمن طروقه (4).

و قوله عليه الصلاة و السلام: «ألّا يطّلع إلينا نقابها»- و هو يريد نقاب المدينة و لم يجر لها ذكر- من الفصاحة العجيبة؛ لأنّه أقام علم المخاطبين بها مقام تصريحه بذكرها. و مثل ذلك قوله سبحانه و تعالى: وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها (5)، و المراد المدينة، و لم يجر لها ذكر، و لذلك في القرآن نظائر.

و كان شيخنا أبو الفتح النحوي رحمه اللّه يسمّى هذا الجنس: «شجاعة الفصاحة» لأنّ الفصيح لا يكاد يستعمله إلّا و فصاحته جريّة الجنان، غزيرة الموادّ.

[المجاز] (13)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عُلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَ سَيَعُودُ غَرِيباً»

(6).


1- الثنيّة من الجبال: ما يحتاج في قطعه و سلوكه إلى صعود و انحدار، فكأنّه يثني السير.
2- المقنب من الخيل: ما بين الثلاثين إلى الأربعين. لسان العرب 1: 690، مادّة (ق ن ب).
3- يقال: نكأ العدوّ و في العدوّ؛ أي قتل فيهم و جرح و أثخن، و الشوكة: القوّة.
4- أي هجومه ليلا.
5- الأحزاب (33): 14.
6- مسند أحمد 1: 398 و 4: 73، سنن الدارمي 2: 312، صحيح مسلم 1: 90، سنن ابن ماجة: 2: 1319: 3987، سنن الترمذي 4: 129: 2764، مجمع الزوائد 1: 106، 156 و 7: 259، 278، كنز العمّال 1: 238: 1192، 1193، 329: 1415، شرح الأخبار 3: 371: 1241، الغيبة للنعماني: 321: 1، كمال الدين: 200، عوالي اللآلي 1: 33: 12.

ص: 47

و هذا الكلام من محاسن الاستعارات و بدائع المجازات؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الإسلام غريبا في أوّل أمره؛ تشبيها بالرجل الغريب الذي قلّ أنصاره، و بعدت دياره؛ لأنّ الإسلام كان على هذه الصفة في أوّل ظهوره، ثمّ استقرّت قواعده، و اشتدّت معاقده، و كثر أعوانه و ضرب جرانه (1)، و قوله عليه الصلاة و السلام: «و سيعود غريبا» أي يعود إلى مثل الحال الاولى في قلّة العاملين بشرائعه، و القائمين بوظائفه (2)، لا أنّه- و العياذ باللّه- تمحّى (3) سماته، و تدرس آياته.

[المجاز] (14)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ...» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ: «قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ» (4).


1- أي ثبت و استقرّ، و هو مجاز منقول عن الكناية من قولهم: «ألقى البعير بجرانه» إذا برك.
2- في نسخة ب: العالمين بشرائعه و العاملين بوظائفه.
3- في نسخة ب: تنمحي.
4- سنن النسائي 7: 119، مسند أحمد 1: 88، 160 و 3: 52 و 4: 145 و 5: 42، صحيح البخاري 4: 179 و 6: 115 و 8: 52، صحيح مسلم 3: 110، سنن ابن ماجة 1: 59: 168، 60: 169، سنن أبي داود 2: 4768429، مستدرك الحاكم 2: 146، السنن الكبرى 3: 225، مجمع الزوائد 6: 225، كنز العمّال 11: 137: 30939، الفقيه 1: 124: 288، الإيضاح: 49، الخصال: 574، اعلام الورى: 330. و هو حديث طويل في باب قتال الخوارج، هكذا أخرجه أحمد في مسنده: حدّثنا أبو كثير مولى الأنصار، قال: كنت مع سيّدي علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه) حيث قتل أهل النهروان، فكأنّ الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم، فقال علي (رضي اللّه عنه): «يا أيها الناس، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد حدّثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، ثمّ لا يرجعون فيه أبدا حتّى يرجع السهم على فوقه».

ص: 48

و في هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه دخولهم في الدين و خروجهم منه بسرعة- من غير أن يتعلّقوا (1) بعقدته، أو يعيقوا (2) بطينته- بالسهم الذي أصاب الرّميّة؛ و هي الطريدة المرميّة، ثمّ خرج مسرعا من جسمها، و لم يعلق بشي ء من فرثها و دمها، و ذلك من صفات السهم الصائب؛ لأنّه لا يكون شديد السرعة إلّا بعد أن يكون قويّ النزعة.

[المجاز] (15)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مُضَرُ صَخْرَةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تَنْكَلُ» (3).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه السّلام جعل مضر- و هي القبيلة المعروفة- بمنزلة الصخرة الراسية و الهضبة الثابتة التي لا تزحزح عن مقرّها، و لا تؤخّر عن مجثمها (4)، و هذا معنى قوله عليه الصلاة و السلام: «لا تنكل» و ذلك مأخوذ من قولهم: «نكلت عن الأمر أنكل نكولا إذا تأخّرت عنه. و منه قيل لللّجام: «نكل» لأنّه يؤخّر به المركوب إذا جمح (5)، و يحبس به إذا انطلق. و لهذا المعنى أيضا قيل للقيد: «نكل» لأنّه يقصّر الخطو و يمنع


1- في نسخة ب: يعلّقوا.
2- أي يلتصقوا.
3- النهاية في غريب الحديث 5: 117.
4- أي موضع تلبّدها و لزقها بالأرض.
5- أي هاج.

ص: 49

العدو. و إنّما أضاف عليه الصلاة و السلام اسم «الصخرة» إلى «اللّه» تعالى ليكون أفخم لها في القلوب، و أجدر لها بالرسوخ.

[المجاز] (16)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «بُعِثْتُ فِي نَسَمِ السَّاعَةِ إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي» (1).

و في هذا القول استعارة؛ لأنّه عليه السّلام كنّى عن ابتداء الساعة بالنسم، و «النسم» و «النسيم» جميعا: اسم لابتداء الريح، و هي ضعيفة قبل شدّتها، و مريضة قبل استكمال قوّتها، و «النسم» أيضا: النفوس، جمع واحده «نسمة» و إنّما سمّيت بذلك، لأنّها في الأصل ضعيفة، و إنّما يشتدّ من جسمها بروافد ترفدها، و دعائم تسندها.

و قد روي هذا الخبر على وجه آخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ»

(2)، و له معنيان:

أحدهما: أن يكون: بعثت في تنفيس الساعة، أي في إمهالها و تأخّرها، من قولهم: «نفّس فلان عن غريمه» إذا أنظره و أخّر الدين بعد أن حان قضاؤه، و وجب اقتضاؤه، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: بعثت و قد حان قيام الساعة، إلّا أنّ اللّه تعالى نفّسها- أي أخّرها قليلا- فبعثني في ذلك النفس.

و الوجه الآخر: أن يكون جعل للساعة نفسا كنفس الإنسان، و قال:


1- حلية الأبرار 4: 161، الفتح الكبير 2: 8، النهاية في غريب الحديث 5: 49، مجمع الزوائد 1: 312 عن البزّار، كنز العمّال 14: 191/ 38331.
2- سنن الترمذي 3: 336: 2310، كنز العمّال 14: 190: 38329، مجمع البحرين 4: 350.

ص: 50

بعثت في وقت احسّ فيه بنفسها و قربها، كما يحسّ الإنسان بنفس الإنسان إذا قرب من شخصه، و سمع مجرى نفسه (1).

[المجاز] (17)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» (2).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد ب «اليد العليا» يد المعطي، و ب «اليد السافلة» يد المستعطي، و لم يرد على الحقيقة أنّ هناك عاليا و سافلا، و صاعدا و نازلا، و إنّما أراد أنّ المعطي في الرتبة فوق الآخذ؛ لأنّه المنيل المفضل، و المحسن المجمل، و ليس هذا في معطي الحقّ (3)، و إنّما هو في معطي الرّفد (4) و مسترفده. و ليس المراد أنّه خير في الدين، بل المراد أنّه خير في النفع للسائلين.

و إنّما كنّى عليه الصلاة و السلام عن هاتين الحالتين باليدين؛ لأنّ الأغلب أن يكون بهما الإعطاء و البذل، و بهما القبض و الأخذ.

[المجاز] (18)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ بِيَدِ اللَّهِ؛ فَمَنْ


1- انظر: النّهاية في غريب الحديث 5: 94.
2- أمالي المرتضى 2: 66، الرّسالة السّعديّة: 156، الكافي 4: 11/ 4، 26/ 1 عن أبي عبد اللّه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الفقيه 2: 56/ 1688 و 4: 376/ 5763، تفسير القمّيّ 1: 291، الإمامة و التّبصرة: 176، الاختصاص: 342، تلخيص الحبير 6: 143، الموطأ 2: 998/ 8، سنن النّسائيّ 5: 60، مسند أحمد 2: 4، 67، 98، 152، سنن الدّارميّ 1: 389، صحيح البخاريّ 2: 117، صحيح مسلم 3: 94، سنن أبي داود 1: 372/ 1648، سنن الترمذى 2: 94/ 675، السّنن الكبرى 4: 177، مجمع الزّوائد 3: 98، كنز العمّال 6: 358/ 16048.
3- في نسخة ب: معطي الحقّ و آخذه.
4- الرفد: العطاء و الصّلة. لسان العرب 3: 181، مادّة (ر ف د).

ص: 51

شَاءَ أَنْ يَمْنَحَهُ مِنْهَا خُلُقاً حَسَناً فَعَلَ» (1).

و ذكر «اليد» هاهنا مجاز، و المراد: أنّ الأخلاق في قبضة اللّه، و تحت ملكة اللّه تعالى (2)، فلمّا كان- في الأكثر- ما يقبضه الإنسان و يملكه إنّما يقبضه بيده و ينقله إلى يده، خاطب عليه الصلاة و السلام بلسان العرف المتقرّر (3) عند المخاطبين و في لغة السامعين.

و قد مضى الكلام على هذا المعنى في عدّة مواضع من كتبنا الموضوعة في علوم القرآن، و لا يحتمل كتابنا هذا أكثر من هذا المقدار.

[المجاز] (19)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَ قَدْ أَعْطَاهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ قَوْساً لَهُ جَزَاءً عَلَى إِقْرَائِهِ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأُبَيٍّ: «تَقَلَّدْهَا شِلْوَةً مِنْ جَهَنَّمَ» (4).

و في هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل القوس إذ كانت تكسب آخذها- على الوجه المكروه- عذاب جهنّم، كأنّها شلوة من نار جهنّم. و إنّما قال: «شلوة» و لم يقل: «شلوا» لأنّه حمل على معنى القوس، و هي مؤنّثة. و «الشّلو»: العضو.

وَ مِنْهُ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأُضْحِيَّةِ: «ائْتِنِي بِشِلْوِهَا الْأَيْمَنِ»

(5)، و أصله في لغتهم: البقيّة الباقية من الشي ء، و من ذلك يقال


1- الاختصاص: 225، الفتح الكبير 1: 427، كنز العمّال 3: 668/ 8410، مجمع الزوائد 8: 20.
2- أي هي ملكه سبحانه.
3- في نسخة ب: المقرّر.
4- النهاية في غريب الحديث 2: 498، كنز العمّال 2: 343: 4199.
5- النهاية في غريب الحديث 2: 498، الصحاح 6: 2395، لسان العرب 14: 422.

ص: 52

لبقيّة الأكيلة (1) إذا فرسها السبع: «شلو».

و يقال لبدن القتيل: «شلو» على أحد ثلاثة وجوه:

إمّا أن يكون مفردا من رأسه، فيكون كالبقيّة القليلة؛ لأنّ الرأس هو العضو الأرأس، و العلق (2) الأنفس، ألا ترى إلى قول الشاعر:

إذا قطعوا رأسي و في الرّأس أكثري و غودر عند الملتقى ثمّ سائري (3)

و الوجه الثاني: أن يكون إنّما سمّي بذلك لخروج نفسه و كون الجسم بعدها، و إن كان بتمامه بمنزلة البقيّة التي قد ذهب أكثرها، و فقد جوهرها.

و الوجه الثالث: أن يكون إنّما سمّي بذلك؛ لأنّه بقيّة أبقتها مضارب السيوف؛ تشبيها بالبقيّة التي أبقتها مخالب الأسود.

و إنّما عظّم عليه الصلاة و السلام الوعيد في هذا الخبر؛ زجرا لهم عن أن يأخذوا على تعليم القرآن أجرا، أو يتخذوه مكسبا و مطعما.

[المجاز] (20)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَغْبَطُ النَّاسِ عِنْدِي مُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ، ذُو حَظٍّ مِنْ صَلَاةٍ» (4).

و في هذا القول استعارة؛ لأنّ «الحاذ»- على الحقيقة- اسم لما وقع عليه الذنب من مؤخّر الفخذين، هذا قول الأصمعي.


1- أكيلة السبع: هي التي يأكل منها السبع ثمّ تستنقذ منه.
2- أي النفيس.
3- كتاب الحيوان للجاحظ 6: 450، العقد الفريد 6: 195، الأغاني 21: 182.
4- مسند أحمد 5: 255، مستدرك الحاكم 4: 123، سنن ابن ماجة 2: 41171379، كنز العمّال 3: 152، الكافي 2: 140: 1.

ص: 53

و قال غيره: «بل هو لحم باطن الفخذ» و هما حاذا الفخذين، و قد جاء في كلامهم: «خفيف الحاذين» و قد استعملوا ذلك في الإنسان أيضا، قال الشاعر:

سيكفيك الحمالة (1) مستميت خفيف الحاذ من أبناء جرم (2)

و قال بعضهم: «بل هو طريقة المتن (3) من الإنسان، و الموضع الذي يسمّى: الحال من الفرس، و هو ما وقع عليه اللّبد (4) من ظهره».

و القولان الأوّلان أعجب إليّ؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام كنّى بخفّة الحاذ هاهنا عن قلّة المال، أو قلّة العيال.

وَ مِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْبِطُونَ الرَّجُلَ بِخِفَّةِ الْحَاذِ كَمَا يَغْبِطُونَهُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ» (5).

لأنّ الخفيف الحاذ إذا كان على ما ذكر أوّلا في الوجهين الأوّلين- من قلّة لحم باطني أو ظاهري الفخذين- كان ذلك أسرع لخطوه، و أخفّ لعدوه؛ لأنّ الدنيا بمنزلة المضمار (6)، و الناس فيها بمنزلة الخيل المجراة،


1- في اللسان و المقاتل: الجعالة. و الحمالة: الكفالة، و المستميت، الشجاع الطالب للموت.
2- لسان العرب 11: 111، مقاتل الطالبيين: 167.
3- أي الظهر.
4- لبد الفرس: ما يوضع على ظهره تحت السرج.
5- النهاية في غريب الحديث 1: 457، و فيه: «كما يغبط أبو العشرة» مجمع الزوائد 7: 282، كنز العمّال 11: 186: 31150.
6- المضمار: الموضع الذي تربط فيه الخيل، فيكثر ماؤها و علفها حتّى تسمن، ثمّ يقلّل ماؤها و علفها مدّة و تركّض في الميدان حتّى تهزل. و مدّة التضمير عند العرب أربعون يوما.

ص: 54

و الغاية هي الآخرة، فكلّما كان الواحد منهم أخفّ نهضا و امتراقا (1)، كان أسرع بلوغا و لحاقا.

وَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ لَهُ: «تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا» (2).

و قد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم ب «نهج البلاغة» (3) الذي أوردنا فيه مختار جميع كلامه، عليه الصلاة و السلام، و على الطاهرين من أولاده.

و أمّا القول الثالث الذي ذكرناه عن بعضهم من قوله: «إنّ الحاذ هو المتن» فقد يجوز أن يعبّر به أيضا عن قلّة العيال و نزارة (4) المال، كما يقولون «فلان خفيف الظهر» إذا أرادوا هذا المعنى؛ و لأنّ قلّة اللحم- على الجملة- في أيّ عضو كان من أعضاء الحيوان، أعون على خفّة نهوضه و سرعة تصرّفه في اموره.

[المجاز] (21)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ شُرَيْحٌ الْحَضْرَمِيُّ:

«ذَاكَ رَجُلٌ لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ» (5).

و هذه من الاستعارات العجيبة، و الكنايات الغريبة، و هي تحتمل معنيين: أحدهما مدح، و الآخر ذمّ:


1- أي إسراعا.
2- روضة الواعظين: 490، مناقب ابن شهر آشوب 1: 326، تفسير نور الثقلين 1: 711، خصائص الأئمّة: 112، مجمع البحرين 1: 671.
3- نهج البلاغة 1: 59 و 2: 80.
4- أي قلّته و تفاهته.
5- سنن النسائي 3: 257، مسند أحمد 3: 449، النهاية في غريب الحديث 5: 183.

ص: 55

فأمّا المدح، فهو أن يكون المراد به أنّه لا ينام عن قراءة القرآن، بل يقطع ليله بالتهجّد به، و التصرّف مع تلاوته، فيكون القائم بدرسه كالمشتمل (1) به، و النائم (2) كالمتوسّد له، كأنّه جعله وسادا لخدّه، و فراشا لجنبه. و ممّا يقوّي هذا الوجه

مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ، وَ اتْلُوهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» (3).

و أمّا المعنى الآخر الذي يحتمل الذمّ، فهو أن يكون المراد أنّه غير حافظ للقرآن، فليس بخازن من خزنته، و لا وعاء من أوعيته، فإذا نام لم يكن متوسّدا له كما يتوسّده من هو ظرف من ظروفه الحاوية له، و المشتملة عليه.

وَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ: «لَأَنْ تَتَوَسَّدَ الْعِلْمَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتَوَسَّدَ الْجَهْلَ» (4).

أراد: أن تنام و معك العلم خير من أن تنام و معك الجهل، فجعل العلم كالفراش الممتهد، و الوساد المتوسّد (5).

[المجاز] (22)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، فِي كَلَامٍ لِلْأَنْصَارِ: «أَنْتُمُ الشِّعَارُ،


1- يقال: اشتمل الرّجل بثوبه؛ إذا تلفّف به و أراده على جسده كلّه حتّى لا تخرج منه يده. و هي اشتماله الصّمّاء.
2- في نسخة ب: النّائم عنه.
3- النّهاية في غريب الحديث 5: 183، كنز العمّال 1: 611: 2803.
4- النّهاية في غريب الحديث 5: 183، مجمع البحرين 4: 498.
5- في نسخة ب: كالفراش الممهد و الوساد الموسد.

ص: 56

وَ النَّاسُ الدِّثَارُ» (1).

و هذا مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد: أنّكم أقرب الناس منّي، و أشدّهم اشتمالا عليّ، فأنتم لي كالشعار، و هو الثوب الذي يلي بدن الإنسان، و الناس الدثار (2)؛ لأنّهم أبعد منّي، و أنتم بينهم و بيني.

و مثل ذلك قولهم: «فلان من بطانة فلان» كناية عن القرب منه و الاختصاص به؛ تشبيها ببطانة الثوب التي تلي الجسد، و تكون أقرب إلى البدن.

[المجاز] (23)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَكُونُ قَبْلَ الدَّجَّالِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ»

(3).

و هذه استعارة؛ لأنّه جاء في التفسير: أنّ المراد بذلك اتصال المحمول (4) و قلّة الأمطار في تلك السنين، يقال: «خدع المطر» إذا قلّ.

و الأصل فيه قولهم: «خدع الريق» إذا جفّ، قال سويد بن أبي كاهل:

أبيض اللّون لذيذ طعمه طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع (5)

و جفوف الريق و قلّته من أسباب تغيّره و فساده؛ لأنّه كلّما كثر ماع (6)، و كلّما ماع طاب.


1- مسند أحمد 3: 246، صحيح البخاري 8: 37، سنن ابن ماجة 1: 58، مجمع الزوائد 10: 31، كنز الدقائق 2: 208، البداية و النهاية 4: 410.
2- و هو الثوب الذي يلبس فوق الشعار.
3- مسند أحمد 3: 220، مجمع الزوائد 7: 284، كنز العمّال 14: 229: 38510، 231: 38519.
4- أي يبس الأرض و جفافها لقلّة بالأمطار.
5- ديوان سويد: 24، الصحاح 3: 1202.
6- أي سال. أقرب الموارد 2: 1256، مادّة (م ى ع)؛ ماع الشي ء، يميع ميعا: إذا جرى على وجه الأرض، و الميع: سيلان الشي ء (الصحاح: 3: 1287 مادّة ميع).

ص: 57

و قيل: «السنون الخدّاعة»: هي التي تخدع زكاء (1) الزرع؛ أي تنقصه، من قولهم: دينار خادع؛ و هو الذي ينقص من وزنه أو من ذهبه».

و قال عليه الصلاة و السلام: «سنون خدّاعة» و المطر هو الخادع، إلّا أن خدع المطر لمّا كان فيها حسن إجراء الاسم عليها و لهذا نظائر كثيرة في القرآن قد استقصينا ذكرها في كتاب «المجازات».

و قال بعضهم: «بل السنون الخدّاعة (2): التي يكثر فيها المطر، و يقلّ العشب، و ذلك مأخوذ من الخديعة، فكأنّ هذه السنين يطمع أهلها في الخصب و الإمراع (3) بكثرة أمطارها، ثمّ تخلف المخايل (4) باتصال جدبها و أمحالها».

و القول الأوّل أقرب إلى الصواب، و أشبه بالمراد.

[المجاز] (24)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَحَابُّوا بِذِكْرِ اللَّهِ وَ رُوحِهِ» (5).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد ب «الروح» هاهنا القرآن، تشبيها له بالروح القائمة بالحيوان المصحّحة لانتفاع الأبدان، و هذا من التشبيه الواقع، و التمثيل النافع؛ لأنّ انتفاع الناس بالقرآن في رشاد السبيل و مصالح الدنيا و الدين، كانتفاع الأبدان بالأرواح في تصريف حركاتها، و ترتيب إرادتها، و تصحيح لذّاتها و شهواتها، و قد


1- أي نموّه. راجع أقرب الموارد 1: 469، مادّة (ز ك و).
2- انظر: النهاية في غريب الحديث 2: 14.
3- أي الإخصاب بكثرة العشب. راجع المصباح المنير: 569، مادّة (م ر ع)؛ لسان العرب 8: 66.
4- أي الغيوم المنذرة بالمطر. راجع أقرب الموارد 1: 314، مادّة (خ ى ل).
5- النهاية في غريب الحديث 2: 272.

ص: 58

ذكرنا ذلك مشروحا في مواضع من كتابنا في علوم القرآن.

[المجاز] (25)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «قَدْ أَنَاخَتْ بِكُمُ الشُّرُفُ الْجُونُ» (1).

يعني: الفتن المتوقّعة. و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الفتن بالنوق المسنّات؛ لجلالة خطبها و استفحال أمرها، و جعلها جونا، و هي السود هاهنا؛ لظلام منهجها، و التباس مخرجها. و «الشرف» جمع شارف، و هي الناقة المسنّة، و هم يشبّهون الحرب بها، قال: الكميت الأسدي يصف حربا:

مبسورة شارفا مصرّمة (2)محلوبها الصّاب (3) حين تحتلبه (4)

يقال: «بسرت الناقة» و «ابتسرت» إذا حمل عليها الفحل و لم تضبع (5).

و قد يجوز أن يكون الفائدة في تشبيه الفتن بالمسنّات من الإبل؛ لأنّها أكره مناظر، و أقلّ منافع، كما شبّهوا الحرب بالمرأة العجوز، فقال بعضهم في أبيات:

شمطاء (6) عابسة (7) عقيما بطنهامكروهة للشمّ و التقبيل (8)


1- النهاية في غريب الحديث 2: 463، و فيه: «تخرج بكم الشرف الجون» كنز العمّال 11: 127: 30894، و فيه «أناخ».
2- المصرّمة: الناقة التي قطعت حلمتا ضرعها، أو التي كوي ضرعها فانقطع لبنها. راجع أقرب الموارد 1: 646، مادّة (ص ر ي).
3- الصاب: عصارة شجر مرّ. أقرب الموارد 1: 667، مادّة (ص و ب).
4- غريب الحديث لابن قتيبة 2: 268: 819.
5- أي و لم تجامع. المصباح المنير: 51، مادّة (ب ض ع).
6- أي خالط بياض رأسها سواد. أقرب الموارد 1: 611، مادّة (ش م ط).
7- في نسخة ب: عانسة.
8- ديوان معديكرب الزبيدي: 143.

ص: 59

و قال بعض العلماء: «الشرف هاهنا: الفتن التي يستشرفها الناس لعظمها» و الصحيح التأويل الأوّل.

و قد روي هذا الحديث بلفظ آخر؛ رواه بعضهم: «الشرق الجون» (1) بالقاف؛ أي أمور عظام تأتي من قبل المشرق، و كلّ ما أتى من ناحية المشرق فهو شارق، «فشارق» و «شرق» ك «شارف» و «شرف».

و القول الأوّل أصحّ في النقل، و أشبه بطريقة القوم.

[المجاز] (26)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ لَمَّا رَأَى مُجْتَلَدَ الْقَوْمِ (2): «الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» (3).

و هذه اللفظة الأغلب عليها أنّها من جملة الأمثال من كلامه عليه الصلاة و السلام، و قد شرطنا ألّا نذكر هاهنا ما تلك حاله، إلّا أنّ لها بعض الدخول (4) في باب الاستعارة، فلذلك رأينا الإيماء إليها، و التنبيه عليها.

فقوله عليه الصلاة و السلام: «الآن حمي الوطيس»- و هو يعني حمس (5) الحرب، و عظم الخطب- مجاز؛ لأنّ «الوطيس» في كلامهم حفيرة تحتفر فيوقد فيها النار للاشتواء، و تجمع على «وطس» فإن احتفرت للاختبار فهي «إرة» و تجمع على «إرين» و لا وطيس هناك على


1- النهاية في غريب الحديث 2: 465، تاج العروس 23: 499.
2- أي مقاومة الكفّار.
3- مسند أحمد 1: 207، مجمع الزوائد 6: 180 و 182، الدرّ المنثور 3: 226، تفسير نور الثقلين 2: 200، الإرشاد 1: 130، إعلام الورى: 115، مناقب ابن شهر آشوب 1: 181.
4- أي الدخالة.
5- أي شدّتها و صلابتها. أقرب الموارد 1: 230، مادّة (ح م س).

ص: 60

الحقيقة، و إنّما المراد ما ذكرنا من حرّ القراع (1)، و شدّة المصاع (2)، و التفاف الأبطال، و اختلاط الرجال، و من هنا قالت العرب: «أوقدت نار الحرب بين آل فلان و آل فلان» و قال اللّه سبحانه مخرجا للكلام على مطارح لسانهم و معارف أوضاعهم: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ (3)أي فتيلتها.

(4).

و تشبيه الحرب بالنار يكون من وجهين:

أحدهما: لحرّ مواقع السيوف، و كرب (5) ملابس الدروع، و حمي المعترك؛ لشدّة العراك، و كثرة الحركات.

و الوجه الآخر: أن يكون إنّما شبّهت بالنار؛ لأنّها تأكل رجالها، و تفني أبطالها، كما تأكل النار شعلها (6)، و تحرق حطبها.

[المجاز] (27)

وَ مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: أَنَّهُ قَالَ- وَ الْخَبَرُ مَطْعُونٌ فِي سَنَدِهِ-: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؛ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» (7).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «لَا تَضَارَّوْنَ فِي رُؤْيَتِهِ»

(8)، بالتشديد فيهما و فتح التاء.


1- أي المضاربة و الاشتباك.
2- أي المقاتلة و المجالدة. أقرب الموارد 2: 1218، مادّة (م ص ع).
3- المائدة
4- : 64.
5- أي ضيق.
6- أي فتيلتها.
7- أمالي المرتضى 1: 29، مسند أحمد 4: 360، صحيح البخاري 1: 139، صحيح مسلم 2: 114، سنن ابن ماجة 1: 63، السنن الكبرى 1: 359، كنز العمّال 14: 447/ 39207، تنزيه الأنبياء: 178.
8- مسند أحمد 2: 389.

ص: 61

و عامّة المحدّثين يقولون: «تُضَارُونَ» و «تُضَامُونَ» بالتخفيف و ضمّ التاء، كأنّه من الضير و الضيم؛ أي لا تختلفون في مطلعه، و لا تتمارون في رؤيته، فيضير بعضكم بعضا، أو يضيم بعضكم بعضا في دفعه عن ذلك، أو الاستئثار به عليه، و الإدراك له دونه.

فأمّا من روى: «تَضَارَّوْنَ» و «تَضَامَّوْنَ» بفتح التاء و التشديد، فالضرار هاهنا راجع إلى معنى الضير هناك؛ لأنّه من المضارّة، و هي المفاعلة بين الإثنين، فكأنّ الضرار وقع بينهما لأجل اختلافهما و تنازعهما، و من قال: لا «تَضَامَّوْنَ»- بالتشديد- فمعناه: أنّكم ترون القمر رؤية جليّة لا تحتاجون معها إلى أن ينضمّ بعضكم إلى بعض طلبا لرؤيته، و استعانة على مشاهدته، فهو مأخوذ من «الانضمام» و هو الاجتماع للتقوّي على نظر الشي ء البعيد، أو الخفيّ الضئيل.

و هذا الخبر- كما قلنا- مطعون في سنده، و لو صحّ نقله و سلّم أصله لكان مجازا، كغيره من المجازات التي تحتاج إلى أن تحمل على التأويلات الموافقة للعقل.

و بعد هذا، فهذا الخبر من أخبار الآحاد فيما من شأنه أن يكون معلوما، فغير جائز قبوله؛ لأنّ كلّ واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط فيما يخبر به، و يصحّ كونه كاذبا في نقله، و لا يجوز أن يقطع في ديننا على الشي ء من وجه يجوز الغلط فيه؛ لأنّا لا نأمن بالإقدام على اعتقاده من أن يكون جهلا، و لا نأمن من أن يكون إخبارنا عنه كذبا، و إنّما نعمل بأخبار الآحاد في فروع الدين؛ و ما يصحّ أن يتبع العمل به غالب الظنّ.

ص: 62

و ممّا علّقته عن قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد عند بلوغي في القراءة عليه إلى الكلام في الرؤية: «إلى من شرط في قبول خبر الواحد أن يكون راويه عدلا، و راوي هذا الخبر قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللّه البجلي، و كان منحرفا عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و يقال: إنّه كان من الخوارج، و ذلك يقدح في عدالته، و يوجب تهمته في روايته (1).

و أيضا: فقد كان رمي في عقله قبل موته، و كان مع ذلك يكثر الرواية، فلا يعلم هل روى هذا الخبر في الحال التي كان فيها سالم التمييز، أو في الحال التي كان فيها فاسد المعقول؟ و كلّ ذلك يمنع من قبول خبره، و يوجب اطراح روايته».

و أقول أنا: و من شرط قبول خبر الواحد أيضا- مع ما ذكره قاضي القضاة من اعتبار كون راويه عدلا- أن يعرى الخبر المروي من نكير السلف، و قد نقل نكير جماعة من السلف على راوي هذا الخبر، منهم

الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ السُّلَمِيُّ، وَ هُوَ مِنْ مُخْتَصِّي الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّداً رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ»

(2).

وَ رُوِيَ أَيْضاً عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ»

(3). و قالت ذلك


1- انظر: تاريخ بغداد 12: 452، اسد الغابة 4: 211، تهذيب التهذيب 2: 73.
2- مسند أحمد 6: 49، صحيح البخاري 6: 50 و فيهما: من حدثكهنّ.
3- صحيح مسلم 1: 110، سنن الترمذي 4: 328: 5063، روي فيهما عن عائشة.

ص: 63

عند ذهاب بعض الناس إلى أنّ قوله تعالى: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (1)، إنّما اريد بها رؤية اللّه سبحانه، لا رؤية جبرائيل عليه السّلام كما يقوله أهل العدل (2).

و أيضا: ففي هذا الخبر كان التشبيه؛ لأنّه قال: «ترونه كما ترون القمر» الذي هو في جهة مخصوصة، و على صفة معلومة. و إذا كان الأمر كما قلنا لم يكن للخبر ظاهر، و احتجنا إلى تأوّله كما احتجنا إلى ذلك في غيره.

و قد يجوز أن نحمله على ما حملنا عليه الآية؛ و هي قوله تعالى:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (3)، لأنّا نقول: إنّ في الكلام إسقاط مضاف، كأنّه تعالى قال: إلى ثواب ربّها ناظرة، فكذلك هذا الخبر قد يجوز أن يكون المراد به: أنّكم ترون أشراط يوم المعاد، و ما وعد اللّه به و أوعد من الثواب و العقاب، كما ترون القمر ليلة البدر، يريد في البيان و الظهور و الإصحار (4) للعيون.

و لو كان هذا الخبر صحيح الأصل واضح النقل، لكان عندنا محمولا على العلم؛ لأنّ إطلاق لفظ «رؤية» بمعنى العلم في الكلام مشهور، و الاستشهاد على ذلك كثير، و هذا موضع المجاز الذي يختصّ ذكره بكتابنا هذا.


1- النجم (53): 13.
2- هذا إشارة إلى قول القاضي عبد الجبّار في كتابه في مسألة رؤية الربّ مرّة بعد اخرى، لاحظ: تنزيه القرآن: 405.
3- القيامة (75): 21- 22.
4- يقال: أصحر الأمر؛ إذا أظهره. أقرب الموارد 1: 634، مادّة (ص ح ر).

ص: 64

و أمّا اعتراض المخالفين على هذا التأويل: «بأنّ النبيّ عليه الصلاة و السلام، أخرج هذا الكلام مخرج البشارة لأصحابه، و لا يجوز أن يبشّرهم بمعنى كان حاصلا لهم في الدنيا؛ و هو العلم باللّه سبحانه علم استدلال تعترضه الشكوك، و تعتوره الشبه و الظنون، و يحتاج العالم في حلّ عقود تلك الشبه إلى كلف و مشاقّ، تتعب الخواطر، و تعنّي الناظر، فبشّرهم عليه الصلاة و السلام بأنّ ذلك يزول في الآخرة، فيكون علمهم باللّه سبحانه اضطرارا غير مشوب بكلفة، و لا معقود بمشقّة».

و هذا كقول القائل منّا إذا أراد أن يخبر عن شدّة تحقّقه للشي ء: «أنا أعلم هذا الأمر كما أرى هذه الشمس»، و قوله من بعد: «لا يضامون في رؤيته» أو «لا يضارون» بالتخفيف و التشديد- على الخلاف الذي قدّمنا ذكره- مقوّ للتأويل الذي تأوّلناه من معنى العلم الذي لا شبهة فيه، و لا شكّ يعتريه.

و الصحيح أن يكون الضمير في قوله: «لا تضامون في رؤيته» راجعا إلى القمر، لا إلى اللّه سبحانه و تعالى، كأنّه قال: تعلمون ربّكم كما ترون القمر؛ لا تضامون في رؤيته، أي في رؤية القمر.

و قد يجوز أيضا أن يكون الضمير راجعا إلى اللّه سبحانه، و يكون بمعنى العلم، كأنّه قال: تعلمون ربّكم كما ترون القمر؛ لا تضامون في علمه، أي في علم ربّكم.

[المجاز] (28)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛

ص: 65

لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ» (1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه لا ظهر للآية و لا بطن على الحقيقة، و إنّما المراد أنّ لها فحوى و ظاهرا، و سرّا و باطنا، ف «الظهر» هاهنا بمعنى الظاهر، و «البطن» بمعنى الباطن. و هذا القول ينصرف إلى الآي المتشابهة دون الآيات المحكمة؛ لأنّ المتشابهة هي التي لا ظهر لها، و المحكمة هي التي لا بطن لها، و المتشابهة هي التي يستعمل فيها النظر، و يعمل فيها الفكر، و يتفاضل العلماء في استفتاح مبهمها، و استنطاق معجمها (2).

[المجاز] (29)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا (3) الْخَيْرُ» (4).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ الخير- في الحقيقة- ليس يصحّ أن تعقد به نواصي الخيل، و إنّما المراد أنّ الخير كثيرا ما يدرك بها، و يوصل إليه عليها، فهي كالوسائل إلى بلوغه، و الأرشية (5) إلى قليبه، فكأنّه معقود


1- صحيح ابن حبان 1: 243، شرح السنة 1: 263، تفسير القمّي 1: 409، مناقب ابن شهر آشوب 1: 321، مجمع الزوائد 7: 152.
2- أي غامضها.
3- النواصي: جمع ناصية، و هي مقدّم الرأس. راجع المصباح المنير: 609، مادّة (ن ص و).
4- الكافي 5: 48: 2، دعائم الاسلام 1: 345، الفقيه 2: 283: 2459، سنن النسائي 6: 215، و فيه: «في نواصيها»، مسند أحمد 2: 57 و 3: 39، سنن الدارمي 2: 212، صحيح مسلم 6: 32، مجمع الزوائد 5: 258، كنز العمّال 12: 325: 35228.
5- الأرشية: جمع رشاء، و هو الحبل، و القليب: البئر. أقرب الموارد 1: 407، مادّة (ر ش و) و 2: 1028، مادّة (ق ل ب).

ص: 66

بنواصيها لشدّة ملازمته لها، و كثرة انتهاز (1) فرصه بها؛ لأنّهم عليها يدركون الطوائل (2)، و يحبّون المغانم، و يفوقون الأعداء، و يبلغون العلياء.

و ممّا يقوّي ذلك ما روي من تمام هذا الخبر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ؛ الْأَجْرُ وَ الْغَنِيمَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (3).

و في هذا الكلام حثّ على ارتباط الخيل؛ (4) لما في ذلك من الغنم العاجل، و الأجر الآجل: فأمّا الغنم فما يدرك بها من الأسلاب (5) و الأنفال، و أمّا الأجر فعلى ما يدفع بها من أعداء الإسلام و أشياع الضلال، و كلا الأمرين خير تنحوه الطلبات، و تتعلق به الرغبات.

[المجاز] (30)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا» (6).

و في هذا الكلام استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد: أنّ المرأة لا ينبغي لها أن تطلب طلاق أختها لتتّصل بالزوج الذي كان لها طالبا؛ لأن


1- انتهزتها: اغتنمتها، الصحاح 3: 900، النهاية في غريب الحديث 5: 135، لسان العرب 5: 421.
2- الطوائل: جمع طائل و طائلة، و هو الغنى و السعة. راجع أقرب الموارد 7231، مادّة (ط و ل).
3- مسند أحمد 4: 361، 375، 376، و فيه «المغنم» بدل «الغنيمة»، صحيح مسلم 6: 32، كنز العمّال 12: 327/ 35245، البحار: 64: 180/ 40 نقلا عن حياة الحيوان.
4- أي المحافظة عليها، و في المثل «استكرمت فارتبط» أي وجدت فرع كريما فاحفظه. راجع أقرب الموارد 1: 384، مادّة (ر ب ط).
5- الأسلاب: جمع سلب؛ أي ما يسلب من القتيل.
6- صحيح البخاري 3: 24، صحيح مسلم 4: 136، و فيه: «صفحتها» بدل «ما في إنائها» الموطأ 2: 683، سنن النسائي 7: 258، السنن الكبرى 5: 344.

ص: 67

تجرّ حظّها إليها، و تستبدّ بالنفع عليها، فتكون كأنّها اكتفأت ما في إنائها؛ أي أمالت الإناء إلى نفسها، فقلبته لتستفرغ ما فيه، و تستأثر عليها به، يقال: «كفأت الإناء» إذا كببته، و «اكتفأته» إذا شربت ما فيه أجمع، أوأكلت ما فيه أجمع.

[المجاز] (31)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمِيسَمِهَا» (1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه لا مِيسَمَ هناك. و لا يبعد أن يكون هذا الكلام داخلا في حيّز الحقيقة، و يكون «المِيسَم» مفعلا من «الوسامة» يقال:

«وسمت المرأة وسامة، و إنّها ذات ميسم و جمال».

و هذا القول مجاز؛ لأنّه لا ميسم هناك على الحقيقة، و إنّما أراد عليه الصلاة و السلام أنّها تنكح لأثر الجمال الظاهر عليها. و جعل الجمال ميسما لها؛ مبالغة في وصفه بالعلوق بها، و الظهور على وجهها، كما يشهر أثر الميسم الذي تكوى به الإبل، فلا يذهب بذهاب الجلد الذي أثّر فيه و علق به، و يقولون في أمثالهم: «يبقى بقاء الوسم» إذا وصفوا الأمر بالخلود و الدوام، و البقاء على الأيّام.

[المجاز] (32)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» (2).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ أصل الجبّ: هو اختزال (3) السنام من أصله،


1- غريب الحديث للهروي 1: 258، عن أبي عبيد.
2- مسند أحمد 4: 199، و فيه «ما كان قبله»، مجمع الزوائد 9: 351، الفتح الكبير 1: 507، كنز العمّال 11: 751/ 33664، الايضاح: 506، عوالي اللآلي 2: 54/ 145 و 224/ 38، و جاء في بعض المصادر ما يشبهه، مثل: «الاسلام يهدم ما كان قبله».
3- أي اقتطاع. المصباح المنير: 168، مادّة (خ ز ل).

ص: 68

فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الإسلام مستأصلا لكلّ ذنب تقدّم للإنسان قبله؛ حتّى لا يدع له جناية يحذر عاقبتها، و لا معرّة (1) يسوء الحديث عنها، بل يعفّي (2) على ما تقدّم من السوءات، و يحثو على ما ظهر من العورات.

[المجاز] (33)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي وَصِيَّتِهِ لِأُمَرَاءِ الْجَيْشِ الَّذِي بَعَثَهُ إِلَى مُؤْتَةَ: «وَ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ لِلشَّيْطَانِ فِي رُءوسِهِمْ مَفَاحِصُ، فَاقْلَعُوهَا بِالسُّيُوفِ» (3).

و هذه من الاستعارات العجيبة و المجازات اللطيفة؛ و ذلك أنّ من كلام العرب أن يقول القائل منهم إذا أراد أن يصف إنسانا بشدّة الارتكاس في غيّه (4) و الارتكاس في عنان بغيه: «قد فرّخ الشيطان في رأسه» أو «قد عشّش الشيطان في قلبه» فذهب عليه الصلاة و السلام إلى ذلك الوضع، و بنى على ذلك الأصل، فقال «للشيطان في رؤوسهم مفاحص» و «المفحص» في الأصل: الموضع الذي تبحثه (5) القطاة لتجثم عليه أو لتبيض فيه، و إنّما قيل له: «مفحص» لأنّها لا تجثم فيه إلّا بعد أن تفحص (6) التراب عنه؛ توطئة لمجثمها، و تمهيدا لجسمها، و يقال: «ما


1- أي مساءة و إثما. المصباح المنير: 2401 مادّة (ع ر ر).
2- أي يصلح بعد الفساد. أقرب الموارد 2: 804، مادّة (ع ف و).
3- الموطأ 2: 447 مع اختلاف، النهاية في غريب الحديث 3: 415، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أوصى امراء جيش مؤتة، السنن الكبرى: 9: 91.
4- الغيّ: الضلال و الخيبة، الصحاح 6: 2450، لسان العرب 15: 140.
5- أي تحفره. المصباح المنير: 36، مادّة (ب ح ث). في نسخة ب: تجنّه، و هو من سهو النسّاخ.
6- أي تكشفه و تنحّيه. أقرب الموارد 2: 905، مادّة (ف ح ص).

ص: 69

بقي لفلان مفحص قطاة» إذا لم يبق له ربع (1) يؤويه، و لا جرئ (2) يكون فيه.

فيحتمل قوله عليه الصلاة و السلام: «للشيطان في رؤوسهم مفاحص» أحد معنيين:

أحدهما: أن يكون أراد أنّ الشيطان قد بدا يختدعهم و يغرّهم، و يستهويهم و يضلّهم، و لم يبلغ بعد من ذلك غايته، و لا استوعب خديعته، كالقطاة التي بدأت باتخاذ المفحص لتبيض فيه، و ترتّب فراخها فيه.

و المعنى الآخر: أن يكون أراد أنّ الشيطان قد استوطن رؤوسهم، فجعلها له مقيلا (3) و مبركا، و ملعبا و متمعّكا (4)، كما تتّخذ القطاة مفحصا لتأوي إليه، و تستجنّ فيه.

[المجاز] (34)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» (5).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ غوث اللّه و نصره، يأتيان من قبل اليمن؛ يعني القبيلة لا البلدة، و القبيلة هم الأنصار الذين نفّس اللّه بهم خناق الدين، و كشف بأيديهم كرب المؤمنين. و من


1- أي محلّة و منزل. المصباح المنير: 216، مادّة (ر ب ع).
2- الجريئة- وزان خطيئة: بيت يصطاد فيه السباع. أقرب الموارد 1: 111، مادّة (ج ر أ).
3- أي موضعا لقيلوته. أقرب الموارد 2: 1058، مادّة (ق ى ل).
4- أي محلّا لتمرّغه.
5- مسند أحمد 2: 541، غريب الحديث لابن قتيبة 1: 84/ 21، مجمع الزوائد 10: 56، تفسير نور الثقلين 5: 691، معجم مقابيس اللغة 1: 460.

ص: 70

كلامهم: «أنت في نفس من أمرك» أي في متّسع طويل، و مضطرب عريض، و يقول القائل: «اللهم نفّس عنّي» أي فرّج كربي، و اكشف همّي.

و ممّا يقوّي هذا التأويل الحديثان المرويّان عنه عليه الصلاة و السلام في مثل هذا المعنى:

و أحدهما:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَانِ» (1)

، يريد أنّه تعالى يفرّج بها الكروب، و يطرد بها الجدوب (2).

و الحديث الآخر:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ (3)» (4)

، فقوله عليه الصلاة و السلام: «من روح اللّه» كقوله: «من نفس الرحمان»، و المعنيان متقاربان.

[المجاز] (35)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ، وَ هِيَ سِجْنُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ؛ يَحْبِسُ بِهَا عَبْدَهُ إِذَا شَاءَ، وَ يُرْسِلُهُ إِذَا شَاءَ»

(5).

و في هذا الكلام استعارتان عجيبتان:

إحداهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «الحمّى رائد الموت» تشبيها


1- النهاية في غريب الحديث 5: 94، مستدرك الحاكم 2: 272، الدرّ المنثور 1: 164، عوالي اللالي 1: 51/ 73.
2- الجدوب: جمع جدب، و هو انقطاع المطر و يبس الأرض. أقرب الموارد 1: 105، مادّة (ج د ب).
3- أي من رحمة اللّه. تاج العروس 4: 59، مادّة (ر و ح).
4- مسند أحمد 2: 268، سنن أبي داود 2: 498/ 5097، كنز العمّال 3: 601/ 8113، مستدرك الحاكم 4: 285، السنن الكبرى 3: 361، الدرّ المنثور 1: 165.
5- الكافي 3: 111/ 3 عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، مسند الشهاب 1: 69، كشف الخفاء 1: 439، التمحيص 43: 50، الخصال: 62، مجمع الزوائد 5: 95، كنز العمّال 3: 319/ 6744.

ص: 71

لها برائد الحيّ الذي يتقدّمهم، فيرتاد (1) لهم مساقط السحاب و منابت الأعشاب، فيكون ارتحالهم على خبره، و استنامتهم (2) إلى نظره، و

مِنْهُ الْحَدِيثُ: «الرَّائِدُ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ»

(3)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الحمّى مقدّمة للموت، و طليعة للحتف.

و الاستعارة الاخرى: قوله عليه الصلاة و السلام: «و هي سجن اللّه في الأرض؛ يحبس بها عبده إذا شاء، و يرسله إذا شاء» فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّهها بالسجن من حيث منعت صاحبها من التصرّف و الاضطراب، و غفّلته عن قضاء الآراب (4)، فكان أسيرها حتّى تطلقه، و رقيقها حتّى تعتقه.

و مثل ذلك الحديث الآخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ»

(5).

لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الدنيا بالسجن للمؤمن من حيث قصّر


1- أي يطلب. المصباح المنير: 245، مادّة (ر و د).
2- أي استكانتهم. أقرب الموارد 2: 1362، مادّة (ن و م).
3- حلية الابرار 1: 71، الدرجات الرفيعة: 317، البداية و النهاية 7: 340 و 8: 181، الاعتقادات: 64، روضة الواعظين: 53.
4- أي الحاجات.
5- دعائم الاسلام 1: 47، الفقيه 4: 363، التمحيص: 48، الاعتقادات: 31، معاني الاخبار: 289 ح 3، تحف العقول: 53، مسند أحمد 2: 323، 389، 485، صحيح مسلم 8: 210، سنن ابن ماجة 2: 1378/ 4113، سنن الترمذي 3: 384/ 2426، مجمع الزوائد 10: 289، كنز العمّال 3: 185/ 6081.

ص: 72

فيها خطوه عن اللذات، و كبح لجامه (1) عن الشهوات، و حصر نفسه عن التسرّع إلى ما تدعو إليه الدواعي المخزية، و الأهواء المردية، و كان زمام نفسه و خطامها (2)، و هاديها و إمامها، خائفا خوف الجاني المرعوب، و الطريد المطلوب، في عصبة عملوا للمعاد، و فطنوا للزاد، تحسبهم من طول سجودهم أمواتا، و من طول قيامهم نباتا.

و من أحسن ما سمعته في هذا المعنى: «أنّ بعض الزهّاد المنقطعين طلب القوت من بعض الراغبين المفتونين، فقيل له في ذلك (3) فقال: أنا مسجون و هو مطلق، و هل يأكل المسجون إلّا من يد المطلق؟!».

و شبّهها عليه الصلاة و السلام بالجنّة للكافر من حيث استوعب فيها شهواته، و استفرغ لذّاته، و قضى فيها الأوطار، و تعجّل المسار، و استهواه عاجل حطامها، و ريّق جمامها (4)، فنسي العاقبة، و استهان بالمغبّة (5)، فكان ميّت الأحياء، كما كان المؤمن حىّ الأموات.

و لي في بعض كتبي فصل، و هو لائق بهذا الموضع؛ و ذلك قولي:

«فالحمد للّه الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم، كما جعل أهل معصيته أمواتا في حياتهم».


1- أي منع نفسه.
2- الخطام: كلّ ما وضع في أنف البعير أو عنقه ليقتاد به. أقرب الموارد 1: 287، مادّة (خ ط م).
3- أي عوتب على طلبه.
4- الريّق: الأفضل، و الجمام: الراجة. أقرب الموارد 1: 140، مادّة (ج م م) و 1: 448، مادّة (ر و ق).
5- المغبّة و العاقبة سيّان. راجع المصباح المنير: 442، مادّة (غ ب ب).

ص: 73

[المجاز] (36)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا مَرِجَ الدِّينُ ...!»

(1) في حديث طويل.

و في هذا القول مجاز؛ لأنّ أصل قولهم: «مرج الشي ء» مأخوذ من القلق و الاضطراب، و المجي ء و الذهاب، يقال: «مرج الخاتم في الإصبع» إذا قلق و تحرّك، فكأنّه عليه الصلاة و السلام وصف دين الناس على ذلك العهد بالتكفّي (2) و المرجان، و اضطراب الأركان. و المراد بذلك اضطراب أهل الدين فيه، و قلّة ثباتهم عليه، قال الشاعر:

مرج الدّين فأعددت له مشرف الحارك (3) محبوك الكبد

(4) و مثل هذا الحديث الحديث الآخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَ أَمَانَاتُهُمْ!»

(5).

أي لا يستقرّون على عهد، و لا يقيمون على عقد، يصفهم عليه الصلاة و السلام بقلّة الثبات، و كثرة الانتقالات، و المراد أصحاب الأمانات و العهود و إن كان ظاهر اللفظ يتناولها، و صريح الكلام يتعلّق بها، و ذلك


1- مسند أحمد: 6/ 333، مجمع الزوائد: 1/ 320، كنز العمّال: 11/ 25/ 31418.
2- يقال: تكفّأت المرأة في مشيتها تكفّؤا: إذا اضطربت و مادت في مشيتها. راجع أقرب الموارد 2: 1090، مادّة (ك ف أ).
3- الحارك: أعلى الكاهل، و المشرف: العالى.
4- الأغاني 16: 373، إصلاح المنطق: 347، الصحاح 1: 341، في بعض النسخ الكتد، و الكتد: موصل العنق في الظهر.
5- مسند أحمد 2: 162، السنن الكبرى 8: 165، مجمع الزوائد 7: 239، كنز العمّال 11: 182/ 31140، 212/ 31270.

ص: 74

أيضا من جملة المجازات المقصود بيانها في هذا الكتاب.

و «الحُثَالَة»: الردي ء من كلّ شي ء، و أصله ما يتهافت من قشارة التمر و الشعير، يقال: «حثالة» و «جفالة» و «حفالة» و «جثالة»، فشبّه عليه الصلاة و السلام بذلك الرّذال الباقين من الخيار الذاهبين، و هذا أيضا داخل في باب المجاز.

[المجاز] (37)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ مُحْتَضِناً أَحَدَ ابْنَيْهِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: «لَتُجَبَّنُونَ وَ تُبَخَّلُونَ وَ تُجَهَّلُونَ، وَ إِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ، وَ إِنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا اللَّهُ بِوَجٍّ ...»

(1)، في كلام طويل.

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «و إنّكم لمن ريحان اللّه» و للريحان هاهنا وجهان: أحدهما يكون الكلام به استعارة، و الآخر يكون به حقيقة.

فأمّا الوجه الذي يكون به حقيقة: فهو أن يكون الريحان بمعنى الرزق، و قد قيل: «إنّه الرزق الذي يؤكل خصوصا» و من كلامهم:

«خرجنا نطلب ريحان اللّه» أي رزق اللّه، و الولد من رزق اللّه سبحانه، فصار الكلام حقيقة (2).

و أمّا الوجه الذي يكون به استعارة: فهو أن يكون «الريحان» هاهنا


1- مسند أحمد 6: 409، سنن الترمذي 3: 212/ 1975، مجمع الزوائد 10: 54، كنز العمّال 16: 289/ 44518، مناقب ابن شهر آشوب 3: 154، ذخائر العقبى: 124.
2- في نسخة ب: به حقيقة.

ص: 75

يريد به النبت المخصوص الذي يستطاب للشميم، فجعل الولد بمنزلته؛ لأنّه يستلذّ شمّ ريحه، و يستروح إلى استنشاق عرفه (1)، و عادة الناس معروفة في شمّ الولد و ضمّه. و أصل «الريحان» مأخوذ من الشي ء الذي يستروح إليه، و يتنفّس من الكرب به، و على ذلك قول الشاعر:

سلام الإله و ريحانه و رحمته و سماء درر (2)

و أصله من الواو، كأنّه مأخوذ من «الروح».

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «و إنّ آخر وطأة وطئها اللّه بوجّ» (3) و أصحّ ما قاله العلماء في تأويل هذا الخبر: «أنّ فيه مضافا محذوفا، تقديره أن يكون: و أنّ آخر وطأة وطئها جند اللّه أو رسول اللّه بوجّ، و وجّ: جبل بالطائف».

و هذا كما نقوله في قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ (4)؛ أي يؤذون أولياء اللّه و أصفياء اللّه، لأنّ حقيقة الأذى لا يصحّ على اللّه سبحانه.

و المراد بذكر الوطأة بوجّ: أنّ آخر إيقاع اللّه سبحانه بالمشركين على أيدي المؤمنين بوجّ، و لذلك

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: «آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ الطَّائِفُ»

يريد أنّه لم يغز بعدها غزاة فيها


1- أي رائحة الطيّبة، العرف: الرّيح طيّبة كانت أو منتنة (الصحاح 4/ 1400).
2- الأغاني 22: 272، شعراء إسلاميون: 345، و الدرر: جمع درّة، يقال: «للسماء درّة» أي صبّ. راجع أقرب الموارد 1: 328، مادّة (د ر ر).
3- وجّ: وادي من بلاد ثقيف بينها و بين مكّة اثنا عشر فرسخا و هو الطائف. انظر: معجم البلدان ذيل كلمة «طائف و وجّ».
4- الأحزاب (33): 57.

ص: 76

قتال؛ لأنّ مخرجه عليه الصلاة و السلام إلى تبوك من بعد لم يلق فيه كيدا، و لم يقابل أحدا (1)، و العرب تكنّي عن الوقيعة أو الحال الشديدة «بالوطأة» يقولون: «وطئ آل فلان آل فلان في يوم كذا و في مكان كذا وطأ شديدا».

و منه ما حكي عن أبي سفيان بن حرب: «أنّه خرج يوما بعد وفاة النبيّ عليه الصلاة و السلام إلى ظاهر المدينة، فلمّا نظر إلى احد قال: لقد وطئنا محمّدا و أصحابه هاهنا وطأ شديدا».

و من ذلك

قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ»

(2).

أي أصبهم بالشدائد، و اقرعهم بالقوارع (3).

و منه قول الشاعر:

و وطئتنا وطأ على حنق وطأ المقيّد نابت الهرم

(4) و إنّما قال: «المقيّد» لأنّ وطأه أشدّ، و اعتماده أثقل.

و قال الآخر:


1- انظر: السيرة النبوية لابن هشام 2: 515.
2- سنن النسائي 2: 201، مسند أحمد 2: 255، سنن الدارمي 1: 374، صحيح البخاري 1: 195، صحيح مسلم 2: 134، سنن ابن ماجة 1: 394/ 1244، سنن أبي داود 1: 325/ 1442، السنن الكبرى 2: 198، مجمع الزوائد 2: 138، كنز العمّال 8: 83/ 21997، تفسير الامام العسكري: 420.
3- أي الدواهي و النزائل الشديدة.
4- العين 4: 50، عن زهير، النهاية في غريب الحديث 5: 200، لسان العرب 12: 607، و وطئتنا: دستنا، حنق: حقد، الهرم: ضرب من النبات فيه ملوحة، مفرده هرمة.

ص: 77

وطئنا تميما (1) وطأة المتشاغل (2)

و قوله عليه الصلاة و السلام في أوّل الحديث: «إنّكم لتجبّنون و تبخّلون و تجهّلون». يريد به إنّكم لتجبّن الناس آباءكم و تبخّلهم و تجهّلهم، فأضاف هذه الأحوال إلى الأبناء؛ إذ كانوا شبها للآباء، و هذا أيضا مجاز ثالث في الخبر الذي كلامنا عليه.

[المجاز] (38)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْجُوعِ الْأَغْبَرِ، وَ مِنَ الْمَوْتِ الْأَحْمَرِ» (3).

و هاتان الاستعارتان من أحسن الاستعارات؛ لأنّ الجوع أبدا إنّما كان يلحق العرب في اللّأواء (4) و الأزمات و السنين المجدبات، و تلك السنون تسمّى «غبرا» لاغبرار آفاقها من قلّة الأمطار، و أراضيها من عدم النبات و الأعشاب، و يقولون: «هذه حجج (5) غبر» إذا كانت كذلك، ألا ترى إلى قول الشاعر:

أغرّ يباري الريح في كلّ شتوةإذا اغبرّ أقدام الرجال من المحل (6)

و قيل: «عام الرمادة» لهذا المعنى على أحد القولين.


1- في نسخة ب: قعينا.
2- انظر: الأنوار في محاسن الأشعار: 239، صدره: ألم يأت أحياء الأراقم أنّنا.
3- النهاية في غريب الحديث 3: 337، عن أبي هريرة، و فيه: «لو تعلمون».
4- أي الشدّة و المحنة. أقرب الموارد 2: 1122، مادّة (ل أ ى).
5- أي سنين.
6- فرس أغرّ: أي في جبهته بياض قدر الدرهم، يباري الريح: يعارضها و يفعل مثل فعلها، شتوة: ستاء، المحل: الجفاف و قلّة الأمطار.

ص: 78

و القول الآخر: أنّه إنّما سمّي بذلك لهلاك الناس فيه، مأخوذ من «الرمد» و هو الهلاك (1)، قال الشاعر:

صببت عليهم حاصبي فتركتهم كأصرام عاد حين جلّلها الرّمد (2)

أي الهلاك. و الاستعارة الاخرى قوله: عليه الصلاة و السلام:

«و الموت الأحمر» و هذه طريقة للعرب في وصف اليوم العماس (3)، و اشتداد البأس بالحمرة، فكما يقولون: «يوم أحمر» كذلك يقولون:

«موت أحمر» قال الشاعر في صفة الأسد:

إذا علقت أظفاره في فريسةرأى الموت في عينيه أحمر أسودا (4)

و قد يجوز أن يكونوا إنّما وصفوا يوم الحرب بالحمرة لاحمرار؛ أرضه و سلاحه بأسابيّ النجيع (5)، و العلق الصبيب (6)، لكثرة الجراح التي يحمرّ من نضحها معارف الأبدان (7)، و سرابيل الأقران، و إذا ساغ هذا في صفة اليوم ساغ مثله في صفة الموت.


1- تأريخ الإسلام للذهبي 3: 165، تاج العروس 8: 117.
2- الأغاني 12: 239، إصلاح المنطق: 178، الصحاح 2: 477، عن أبي وجزة حاصبي: ريحي الشديدة التي تحمل التراب و الحصباء، أصرام عاد: جماعتهم.
3- أي اليوم ذي: الحرب الشديدة، راجع الصحاح 3: 952، مادّة (ع م س).
4- شعراء إسلاميون 619، و فيه: إذا علقت قرنا خطاطيف كفّه.
5- الأسابي: جمع إسباءه، و هي طرائق الدماء، و النّجيع: دم الجوف. أقرب الموارد 1: 493، مادّة (س ب ي) و 2: 1275، مادّة (ن ج ع).
6- أي الدم المصبوب المراق.
7- أي ما تعرف به الأبدان؛ فهي الوجوه.

ص: 79

[المجاز] (39)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَزْوَاجِهِ: «أَسْرَعُكُنَّ لِحَاقاً بِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً» (1).

و الحديث أنّهنّ لمّا سمعن منه عليه الصلاة و السلام هذا القول، جعلن يتذارعن (2) ينظرن أيّهنّ أطول يدا، إلى أن توفّيت زينب بنت جحش بن رياب الأسدي؛ أوّل من توفّي منهن، و كانت كثيرة المعروف، فعلمن حينئذ أنّه عليه الصلاة و السلام إنّما أراد بطول اليد، كثيرة البرّ، و بذل الوفر. و كنايته عليه الصلاة و السلام عن هذا المعنى بطول اليد مجاز و اتساع؛ لأنّ الأغلب أن يكون ما يعطيه الإنسان غيره من الرفد و البرّ أن يعطيه ذلك بيده، فسمّي النيل باسم «اليد» إذ كان- في الأكثر- إنّما يكون مدفوعا بها، و مجتازا عليها، و قد أشرنا إلى هذا المعنى فيما تقدّم.

و مثل ذلك

قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ يُعْطَ بِالْيَدِ الْقَصِيرَةِ يُعْطَ بِالْيَدِ الطَّوِيلَةِ» (3).

و معنى هذا القول: أنّ من يبذل خير الدنيا يجزه اللّه خير الآخرة، و كنّى عليه السّلام عمّا يبذل من نفع الدنيا باليد القصيرة؛ لقلّته في جنب نفع الآخرة، لأنّ ذلك زائل ماض، و هذا مقيم باق، و قد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم ب «نهج البلاغة».

و قد جمعوا- «اليد» التي هي الجارحة على «أيد» و «أياد» و هو


1- صحيح البخاري 3: 226، صحيح مسلم 7: 144، سنن النسائي 5: 66، مستدرك الحاكم 4: 25، مجمع الزوائد 8: 289.
2- أي يقسن أيديهنّ.
3- نهج البلاغة 4: 51/ 232، البحار 96: 132/ 66.

ص: 80

شاذّ فيها، كما جمعوا «اليد» التي هي العطية على «أياد» و «أيد» و هو شاذّ فيها. و قد جاء أيضا في جمعها «يديّ» أنشدنا شيخنا أبو الفتح عثمان بن جنّي، و أبو الحسن عليّ بن عيسى الربعي- و أظنّه من أبيات «الكتاب»-:

و لن أذكر النّعمان إلّا بصالح فإنّ له عندي يديّا و أنعما (1)

[المجاز] (40)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ» (2).

و ذلك مجاز؛ لأنّه جعل الحتف لأنفه خاصّا، و هو في الحقيقة له عامّا؛ لأنّ الميّت على فراشه- من غير أن يعجله القتل- إنّما يتنفّس شيئا فشيئا حتّى ينقضي ذماؤه، و تفنى حوباؤه (3)، فخصّ عليه الصلاة و السلام الأنف بذلك؛ لأنّه جهة لخروج النفس و حلول الموت، و لا يكاد يقال ذلك في سائر الميتات؛ حتّى تكون الميتة ذات مهلة، و تكون النفس غير معجلة، فلا يستعمل ذلك في الميتة بالغرق و الهدم، و جميع فجأة الموت، و إنّما يستعمل في العلّة المطاولة، و الميتة المماطلة.

وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «مَا سَمِعْتُ كَلِمَةً عَرَبِيَّةً مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا وَ قَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، وَ سَمِعْتُهُ


1- الصّحاح 6: 2540، لسان العرب 15: 421.
2- مسند أحمد 4: 36، مستدرك الحاكم 2: 88، السّنن الكبرى 9: 166، كنز العمّال 4: 313/ 10660، الفقيه 4: 379/ 5796، تفسير نور الثّقلين 4: 209.
3- الذماء: بقيّة الرّوح في المذبوح، الصّحاح 6: 347، لسان العرب 14: 289، و الحوباء: روح القلب، و قيل: النّفس، النّهاية في غريب الحديث 1: 456، لسان العرب 1: 340.

ص: 81

يَقُولُ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَ مَا سَمِعْتُهَا مِنْ عَرَبِيٍّ قَبْلَهُ» (1).

[المجاز] (41)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ» (2).

و لهذا القول تعلّق بباب المجاز، و للعلماء في تأويله قولان:

أحدهما: أنّه عليه الصلاة و السلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن، و هي في المنبت السوء، أو في البيت السوء، فوجه المجاز من هذا القول: أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة (3)؛ لجمال ظاهرها، و شبّه منبتها السوء بالدمنة؛ لقباحة باطنها.

و «الدمنة»: هي الأبعار المجتمعة تركبها السوافي (4)، و يعلوها الهابي (5)، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتا خضرا يروق منظره، و يسوء مخبره، فنهى عليه الصلاة و السلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها، أو مطعونا عليها في نسبها؛ لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها، و تضرب في نسلها، قال الشاعر:

و أدركنه خالاته فخذلنه (6)ألا إنّ عرق السّوء لابدّ مدرك (7)


1- غريب الحديث للهروي 1: 422، النهاية في غريب الحديث 2: 42، كنز العمّال 7: 214 ح 18674.
2- مسند الشهاب 2: 96، غريب الحديث 3: 99، كنز العمّال 16: 496/ 45620، فقه الرضا عليه السّلام: 234، المقنع 100، المقنعة: 512، السرائر 2: 559، الكافي 5: 332/ 4، الفقيه: 3: 391/ 4377، التهذيب 7: 403/ 1608، معاني الأخبار: 316/ 1، عوالي اللآلي 3: 301/ 92.
3- في نسخة ب: خضيرة.
4- السوافي: جمع سافية، و هي الريح التي تحمل التراب و تذريه. راجع أقرب الموارد 1: 523، مادّة (س ف ي).
5- التراب الهابي: المنتشر في الجو. راجع أقرب الموارد 2: 1369، مادّة (ه ب و).
6- في نسخة ب: فاختزلنه.
7- ثمار القلوب: 345.

ص: 82

و القول الآخر: أن يكون عليه الصلاة و السلام إنّما نهى- في الحقيقة- عن تعارض النفاق، و تغاير الأخلاق، و أن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل، و ينطوي على الباطن الذميم، أو يخدعه بحلاوة اللسان، و من خلفها مرارة الجنان. و إلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله:

و قد ينبت المرعى على دمن الثّرى و تبقى حزازات النفوس كما هيا (1)

كأنّه أراد: أنّا و إن لقيناكم بظاهر الطلاقة و البشر، فإنّا نضمر لكم على باطن الغشّ و الغمر (2).

و مثل هذا قول الآخر:

و فينا و إن قيل اصطلحنا تضاغنّ كما طرّ (3) أوبار الجراب على النّشر (4)

و قال أهل العربية: «النشر: أن ينبت وبر البعير و تحته داء العرّ، و هو الجرب، فيرى كأنّ ظاهره سليم، و باطنه سقيم».

[المجاز] (42)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَ عَيْبَتِي»

(5).

و في هذا القول مجازان:


1- العين 3: 17، الصحاح 3: 873، مجمع البحرين 1: 501.
2- أي الحقد. المصباح المنير: 453، مادّة (غ م ر).
3- أي طلعت. راجع المصباح المنير: 370، مادّة (ط ر ر).
4- الصحاح 1: 98 و 2: 828.
5- مسند أحمد 3: 156 و 3: 173، صحيح البخاري 4: 227، صحيح مسلم 7: 174، سنن الترمذي: 5: 373، مجمع الزوائد 10: 37، الارشاد 1: 133.

ص: 83

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «كرشي» و يحتمل ذلك معنيين:

أحدهما: أن يكون أراد عليه الصلاة و السلام أنّهم مادّتي التي أقوى بها، و أفزع إليها، كما تفزع ذوات الاجترار إلى أكراشها في انتزاع الجرّة منها، و الاعتماد عند فقد المرعى عليها، فأراد عليه الصلاة و السلام أنّ الأنصار- رحمة اللّه عليهم- يمدّونه بأنفسهم، و يكون معوّله في السرّاء و الضرّاء عليهم.

و المعنى الآخر: أن يكون المراد أنّ الأنصار أهلي و عيالي و حامّتي (1) و جماعتي، و «الكرش» اسم للجماعة، قال الشاعر:

و سبينا بنات قيصر قسراو استبحنا كراكرا و كروشا (2)

أي جماعات.

و قال أبو زيد: «الكرش: اسم من أسماء الأصل، كالسنخ، و الجذم، و ما في معناهما (3)»، و يقول القائل: «لفلان كرش منثورة» إذا أراد أنّه ذو كثرة من العيال، و عدد من الأولاد، و معنى «منثورة»: أنّهم متفرّقون متشعّبون؛ لأنّ الكرش مجتمعه، و هؤلاء- مع شبههم بها- كالشعب المتفرّقة.

و إنّما شبّه الأولاد و العيال بالكرش؛ لأنّها في الأنعام مستقر لأعلافها،


1- أي خاصّتي. أساس البلاغة: 96، مادّة (ح م م).
2- أساس البلاغة 390، لسان العرب 6: 340 و 14: 368، تاج العروس 17: 358 و في جميعها: و أفأنا السّبيّ من كلّ حيّ و أقمنا كراكرا و كروشا و الكراكر: كراديس الخيل.
3- انظر النوادر في اللغة: 190، غريب الحديث لأبي عبيد 1: 138.

ص: 84

و مغيض (1) لما يصل إلى أجوافها، و كذلك عيال الرجل و ولده، إليهم تنصرف مكاسبه، و عليهم تنفق خزائنه.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: و «عيبتي» و أراد أنّهم موضع ثقتي، و مستودع نفثتي، و مكان سرّي، و لجأ ظهري، كالعيبة التي يودعها الإنسان نفائس ذخره، و كرائم وفره، و يكون ما استودعها قوّة لظهره، و عدة لدهره.

و قد ذكر الواقدي في كتاب «المغازي» هذا الكلام في جملة خطبة النبيّ عليه الصلاة و السلام التي خطب بها قبل وفاته بزيادة في ألفاظه، فقال:

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَلَا إِنَّ الْأَنْصَارَ عَيْبَتِيَ الَّتِي آوِي إِلَيْهَا، وَ نَعْلِيَ الَّتِي أَطَأُ بِهَا، وَ كَرِشِيَ الَّتِي آكُلُ فِيهَا»

(2).

و هاهنا زيادة مجاز لم تكن هناك؛ و هو قوله عليه الصلاة و السلام:

«و نعلي التي أطأ بها»، و لهذا القول وجهان:

أحدهما: أن يكون شبّههم بالنعل التي تقي القدم نكت الظراب (3)، و وخز الشبّاك (4)، و ما في معنى ذلك، فأراد أنّهم تقوية ضدّ الأعداء، و اشتداد اللّأواء.


1- المغيض: الموضع الذي يذهب فيه الماء. المصباح المنير: 459، مادّة (غ ي ض).
2- صحيح مسلم 7: 74، في ذكر فضائل الصحابة، مسند أحمد 3: 156، الطبقات الكبرى 2: 251 عن الواقدي، النهاية في غريب الحديث 3: 327، كنز العمّال 12: 11/ 33734 «لم ترد فيها لفظ: «آوي إليها».
3- الظراب: جمع ظرب، و هي ما نتأمن الحجارة و حدّ طرفه. أقرب الموارد 2: 728، مادّة (ظ ر ب).
4- هو نبات ورقه دقيق الطرف كالسيف.

ص: 85

و الوجه الآخر: أن يكون أراد أنّهم جنوده التي يطأ بها البلاد، و يغلب الأضداد، و تقول العرب: «داس آل فلان آل فلان، و وطى ء بنو فلان بني فلان» إذا كانوا الغالبين لهم، و العالين عليهم. و من ذلك ما حكي عن أبي سفيان بن حرب: «أنّه قال و قد مرّ باحد: لقد دسنا هاهنا محمّدا و أصحابه دوسة منكرة» و يروى: «وطئنا».

[المجاز] (43)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَ قَدْ أَلْحَفَ (1) فِي سُؤَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ هَوَازِنَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَ مَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ...»

(2)، في كلام أكثر من هذا.

فقوله عليه الصلاة و السلام: «إنّ هذا المال خضرة حلوة» مجاز؛ لأنّه شبّه حلاوة المال في القلوب بحلاوة الثمرة تشرف النفس إليها، و يكثر التتبع لها، فكذلك الأموال الدّثرة (3) تلهج النفس لها، و يكثر النزوع إليها.

و في قوله عليه الصلاة و السلام: «خضرة حلوة» سرّ لطيف؛ و هو أنّه شبّه المال بالثمرة التي حسن منظرها، و طاب مخبرها، و ليس كلّ ثمرة مأكولة كذلك صفتها؛ لأنّ في النابتات و الثمرات ما يحسن ظاهره،


1- ألحف السائل: ألحّ، الصحاح 4: 1426، النهاية في غريب الحديث 4: 237.
2- المحلّى 9: 155، سنن النسائي 5: 60، مسند أحمد 3: 434، و فيه «أخذه بحقّه» بدل «أخذه بسخاوة»، صحيح البخاري 2: 129، سنن الترمذي 4: 16/ 2480، السنن الكبرى 4: 196، كنز العمّال 6: 620/ 14117.
3- أي الكثيرة. أقرب الموارد 1: 319، مادّة (د ث ر).

ص: 86

و يقبح باطنه، و منها ما تقبح ظواهره، و تحسن مخابره، فجعل عليه الصلاة و السلام المال من قسم النابتات التي تروق في العيون، و تحلو في الأفواه و القلوب، و المال على الحقيقة بهذه الصفة؛ لأنّ العيون تعلقه، و القلوب تمقه (1).

و ممّا يشبه ذلك

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ خُضِّرَ لَهُ فِي شَيْ ءٍ لَزِمَهُ» (2).

و المراد: من اعتاد الانتفاع بشي ء علق به، و توكّل عليه، فكأنّه شبّه تلويح الأمر بنفعه، و إيذانه (3) بالخير المرجوّ من جهته، بالخضيرة الطالعة إذا أذنت بالثمرة اليانعة.

[المجاز] (44)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» (4).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ المراد بذلك أنّ المتصدّق إنّما يجب عليه الصدقة، إذا كانت له قوّة من غنى، و «الظهر» هاهنا عباره عن القوّة، فكأنّ المال للغنيّ بمنزلة الظهر الذي عليه اعتماده، و إليه سناده. و من ذلك قولهم: «فلان ظهر لفلان» إذا كان يتقوّى به و يلجأ في الحوادث إليه.

وَ قَدْ جَاءَ فِي السِّيرَةِ: «أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا عِنْدَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ بِالْمَدِينَةِ،


1- أيّ تحبّه. أقرب الموارد 2: 1488، مادّة (و م ق).
2- النّهاية في غريب الحديث 2: 42.
3- في نسخة: إيدائه، و لعلّه و هو من سهو النّاسخ.
4- سنن النّسائيّ 5: 62، مسند أحمد 2: 394، صحيح البخاريّ 2: 117، صحيح مسلم 3: 94، مجمع الزّوائد 3: 115، كنز العمّال 6: 590/ 17028، أمالي المرتضى 2: 66، الكافي 4: 46/ 2.

ص: 87

يَرْتَجِزُونَ بِجُعَيْلِ بْنِ سُرَاقَةَ الضَّمْرِيِّ وَ يَقُولُونَ:

سَمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْراًوَ كَانَ لِلْبَائِسِ يَوْماً ظَهْراً (1)

وَ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ يَقُولُ مَعَهُمْ: «عَمْراً، وَ ظَهْراً» وَ لَا يَقُولُ بَاقِي الشِّعْرَ، وَ كَانَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ يَعْمَلُ مَعَهُمْ، وَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، وَ يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَسُوؤُهُ ارْتِجَازُهُمْ بِهِ. وَ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَدْ سَمَّاهُ: «عَمْراً» وَ اسْمُهُ الْأَظْهَرُ جُعَيْلٌ، وَ يُقَالُ: جَعَّالٌ، وَ كَانَ رَجُلًا صَالِحاً مِنْ قُدَمَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ، وَ الَّذِينَ شَهِدُوا الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، وَ كَانَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ اخْتِصَاصٌ بِخِدْمَتِهِ وَ مُلَازَمَةٌ لِمَنْزِلِهِ (2).

وَ كَانَ مِنْ فُقَرَاءِ الصَّحَابَةِ، وَ لَمَّا قَسَّمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، لَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْهَا شَيْئاً، وَ لَا كَثِيراً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَ فَرَّقَهَا فِي قُرَيْشٍ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؛ لِيَثْبُتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَ يُؤْمَنُ مِنْهُمُ الْفَسَادُ، وَ كَانَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ مِمَّنْ حُرِمَ الْعَطِيَّةَ، فَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي شَأْنِهِ، وَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَحْرُمُ جُعَيْلًا مَعَ مَا تَعْلَمُهُ مِنْ خَلَّتِهِ، وَ مَعَ مَا لَهُ مِنْ حُرْمَتِهِ، وَ تُعْطِي عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَ فُلَاناً، وَ فُلَاناً؟! فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَمَا وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ (3) مِثْلِ عُيَيْنَةَ وَ الْأَقْرَعِ،


1- سيرة ابن هشام 2: 217، تاريخ الطّبريّ 2: 567، البداية و النّهاية 4: 109.
2- في نسخة: لمعزله.
3- أيّ ملؤها: راجع أساس البلاغة: 282، مادّة (ط ل ع).

ص: 88

وَ لَكِنِّي تَأَلَّفْتُهُمَا لِيُسْلِمَا، وَ وَكَلْتُ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ إِلَى إِسْلَامِهِ» (1).

و ممّا في هذا المعنى أيضا قول القائل: «أعطيت فلانا كذا عن ظهر يد» أي عن امتناع و قوّة، و لم أعطه عن خيفة و ذلّة. و هذا المعنى ضدّ قوله سبحانه: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (2)، فكأنّ خلع لفظ «الظهر» من الكلام غيّر المعنى، و المراد بذلك هاهنا- على الأظهر من التأويلات التي ذكرناها في كتاب «مجازات القرآن» (3)- أن يكون: حتّى يعطوا الجزية عن قهر و ذلّة و خيفة و رقبة، فهو نقيض قول القائل: «أعطيته عن ظهر يد» أي عن اختيار و مشيئة، و استظهار قوّة.

[المجاز] (45)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ عَلَى الْعِرْقِ السَّاكِنِ، وَ اللَّيْلِ النَّائِمِ» (4).

و وصف الليل بالنوم مجاز؛ لأنّ النوم إنّما يكون فيه لا منه، و لكنّه لمّا كان مظنّة (5) للنوم و ظرفا له، حسن أن يوصف به، و يضاف إليه. و على هذا قول جرير:

لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى و نمت و ما ليل المطيّ بنائم (6)


1- الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 246، السيرة النبوية لابن هشام 4: 139، اسد الغابة 1: 284، كنز العمّال 11: 670/ 33239، شرح الأخبار 1: 317.
2- التوبة (9): 29.
3- مجازات القرآن: 47.
4- لم أعثر له على مصدر.
5- في نسخة ب: مطيّة.
6- ديوان جرير 2: 933، التبيان في تفسير القرآن 4055 و 8: 123، السرى: سير عامّة الليل. أقرب الموارد 1: 5141، مادّة (س ر ي).

ص: 89

[المجاز] (46)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الْبَقْلَتَيْنِ (1) فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَمَنْ كَانَ آكِلَهُمَا- لَا بُدَّ- فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخاً» (2).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ الإماتة- على الحقيقة- لا تلحق إلّا ذا حياة، و إنّما المراد: فليستخرج ما فيهما من القوّة التي عنها تكون شدّة الرائحة المكروهة بالطبخ، تشبيها بالميّت الذي لا يبلغ إلى مفارقة الحياة إلّا بعد بلوغ قوّته منقطعها، و تفريق الموت مجتمعها.

و في رواية اخرى: «فليمثهما (3) طبخا» بالثاء؛ أي فليطبخهما حتّى تتفتّتا فتنماثا.

[المجاز] (47)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ» (4).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مِرْآةُ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ يَرَى فِيهِ حُسْنَهُ وَ قُبْحَهُ»

(5) و هذا القول مجاز و استعارة، و المراد أنّ المؤمن الناصح لأخيه المؤمن يبصرّه مواقع رشده، و يطلعه على خفايا عيبه، فيكون كالمرآة له؛ ينظر فيها محاسنه، فيستحسنها و يزداد منها، و يرى مساوئه فيستقبحها و ينصرف عنها.


1- أي الثوم و البصل.
2- صحيح البخاري 5: 498، الموطأ 1: 17، سنن النسائي 2: 43، السنن الكبرى 3: 78، و فيه: «الشجرتين» بدل» البقلتين»، كنز العمّال 15: 269/ 40922، عنه البحار 66: 205/ 22.
3- أي فليذبهما. أساس البلاغة: 439، مادّة (م و ث).
4- سنن الترمذي: 1927- 1930، سنن أبي داود:/ 4918، كنز العمّال 1: 154/ 7681، مصادقة الاخوان: 42، مشكاة الانوار 189: 502.
5- لم أعثر له على مصدر.

ص: 90

[المجاز] (48)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ»

(1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ اليمين الفاجرة- على الحقيقة- لا تخرب الديار، و لا تعفّي الآثار، و إنّما المراد أنّ اللّه سبحانه إذا أقدم الحالف على اليمين الفاجرة- استهانة بها، و استغرارا بالعقوبة المرصدة عليها- قطع تعالى دابره، و أخرب منازله، و ردّاه رداء خزيه، و قنّعه قناع بغيه.

[المجاز] (49)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ: «تُصَلَّى فِي حَلَاقِيمِ الْبِلَادِ» (2).

و هذا الكلام مجاز، و «حلاقيم البلاد» عبارة عن نواحيها و أطرافها، و المداخل إليها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه تلك الأطراف المفضية إلى الأوساط، بالحلاقيم التي هي الطرق إلى الأحشاء و الأجواف.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

[المجاز] (50)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنِّي مُمْسِكٌ بِحُجَزِكُمْ (3): هَلُمُّوا عَنِ النَّارِ وَ تَغْلِبُونَنِي، تَقَاحَمُونَ (4) فِيهَا تَقَاحُمَ الْفَرَاشِ وَ الْجَنَادِبِ،


1- الكافي 7: 435/ 2 و 436/ 3، ثواب الاعمال: 226، السّنن الكبرى 10: 35، كنز العمّال 3: 363/ 6956 و 16: 61/ 43942، و البلاقع: جمع بلقع و بلقعة، و هي الأرض القفر الّتي لا شي ء بها. أقرب الموارد 1: 60، مادّة (ب ل ق ع).
2- النّهاية في غريب الحديث 1: 428، لسان العرب 12: 150 و فيهما عن الحسن.
3- الحجز: جمع حجزة، و هي موضع شدّ الإزار و السروال. المصباح المنير: 122، مادّة (ح ج ز).
4- أيّ ترمون أنفسكم. المصباح المنير: 491، مادّة (ق ح م).

ص: 91

وَ أُوشَكُ أَنْ أُرْسِلَ حُجَزَكُمْ» (1).

و في هذا الكلام مجاز و توسّع؛ و ذلك أنّ المراد به أنّه عليه الصلاة و السلام، يبالغ في زجر امّته- عن التقحّم في المعاصي، و الارتكاس في المضالّ و المغاوي- بشكائم (2) المنع، و خزائم (3) الردع، فشبّه ذلك عليه الصلاة و السلام بإمساك الرجل بحجزة صاحبه إذا كاد أن يسقط في مهواة (4) أو يرتكس في مغواة؛ ليتماسك بإمساكه، و ينجو بعد إشفاقه، فلمّا شبّه إحدى الحالتين بالاخرى، أجرى عليها الاسلام على سبيل المجاز و طريق الاتّساع، و حسن أن يقول عليه الصلاة و السلام: «إنّني آخذ بحجزكم عن النار» و مراده: عن الأعمال المؤدّية إلى دخول النار؛ لأنّ السبب للشي ء جار مجرى نفس الشي ء.

و ممّا يبيّن أنّ المراد ذلك: أنّهم لم يكونوا في حال سماعهم لهذا الخطاب متهافتين في النار، و إنّما كانوا في الأعمال التي يستحقّون بها عذاب النار.

و ممّا يشبه هذا الخبر

مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ بَعْدَ مَا امْتَحَشُوا وَ صَارُوا حُمَماً وَ فَحْماً»

(5)، فمعنى هذا


1- مسند أحمد 2: 312، مجمع الزوائد 3: 85، كنز العمّال 4: 543/ 11600.
2- الشكائم: جمع شكيمة، و هي من اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس. و قوله قدس سره:«بشكائم» متعلّق بقوله: «زجر» السابق.
3- الخزائم: جمع خزامة، و هي حلقة من شعر تجعل في و نزة أنف البعير يشدّ فيها الزمام. أقرب الموارد 1: 272، مادّة (خ ز م).
4- المهواة: ما بين الجبلين و نحو ذلك أقرب الموارد 2: 1412، مادّة (ه و ي).
5- مسند أحمد 1: 23، كنز العمّال 14: 438/ 39197، الدرّ المنثور 3: 60.

ص: 92

الكلام عندنا: أنّه يخرج من استحقاق النار بالتوبة قوم هذه صفتهم، و هذا على طريق المجاز؛ أي أنّهم بأعمالهم المؤدّية إلى دخول النار كمن احرق بضرمها، و صار من حممها، و معنى «امتحشوا»: احرقوا.

و المرجئة يحملون هذا الخبر على ظاهره، و لا يفزعون إلى تأويله (1).

و معنى «هلمّوا عن النّار»: أي ارجعوا إلى طاعة اللّه سبحانه التي هي الأمان من العذاب، و جانبوا معاصيه التي هي الطريق إلى العقاب.

و معنى «تغلبونني تقاحمون فيها»: أي أنّني مع كثرة الزجر لكم و الإعذار إليكم، تنفلتون (2) و تنازعون إلى المقبّحات، كما يتهافت الفراش في الشهاب، و الذباب في الشراب.

و معنى «و اوشك أن ارسل حجزكم»: أي اوشك أن يطرقني طارق الموت، فتفقدون نهيي لكم عن المعاصي، و أخذي بكم عن طريق المغاوي، فجعل ذلك عليه الصلاة و السلام بمنزلة إرسال حجزهم، و إلقاء أزمّتهم، و هذا مجاز ثان.

[المجاز] (51)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِمُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ فِي قَتْلِهِ عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيَّ وَ هُوَ مُسْلِمٌ: «أَ قَتَلْتَهُ فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ؟!»

(3).

و هذه استعارة، و أراد عليه الصلاة و السلام ب «غرّة الإسلام» أوّله، تشبيها بغرّة الفرس التي هي أوّل ما يستقبلها منه المستقبل، و يراها


1- انظر: الفرق بين الفرق، مقالات الاسلاميّين.
2- في نسخة ب: تنقلبون.
3- سنن أبي داود 2: 367، و فيه زيادة لفظ «بسلاحك»، السنن الكبرى 9: 116.

ص: 93

المتأمّل، و لها أيضا يشتهر شينه و تيمن (1) صورته. و يقولون: «هذه غرّة الشهر» أي أوّله؛ لأنّه أوّل عدّه، و مبدأ مدخله، و يقولون: «فلان غرّة قومه» إذا كان المنظور إليه منهم، و المعوّل عليه من بينهم.

[المجاز] (52)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي مَثَلٍ ضَرَبَهُ لِقُرَيْشٍ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ: «وَ يَقْطَعُ النَّاسُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى بَقِيَتْ عَجُزٌ مِنَ النَّاسِ عَظِيمَةٌ» (2).

و هذه استعارة؛ لأنّ المراد بالعجز هاهنا مآخير الناس و عقابيلهم (3) تشبيها بعجز الناقة أو غيرها من الدوّاب؛ لأنّ أوّل ما يتحرّك للسير هاديها (4) و عنقها، ثمّ يتبعه ردفها و عجزها، فسّمي القوم الذين يتأخّرون في السير «أعجازا» كما سمّي المتقدّمون «أعناقا» يقال: «قد طلعت أعناق القوم: أي أوائلهم و متقدّموهم، و «جاءت أعجازهم» أي أواخرهم و مثبّطوهم، و على هذا سمّوا مقدّمي القوم في الوجاهة و المنزلة «أعناقا» و «رؤوسا» و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم.

و قد يجوز أن يكون

الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ: «يَجِي ءُ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلَ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(5)، من هذا أيضا، يريد: أنّهم يوافون يوم القيامة


1- في نسخة ب: يتميّز.
2- لم أعثر له على مصدر.
3- أي أعقابهم.
4- الهادي و العنق سيّان في المعنى.
5- دعائم الاسلام 1: 144، مسند زيد بن علي 75، مسند أحمد 3: 169، صحيح مسلم 2: 5، سنن ابن ماجة 1: 240/ 725، السنن الكبرى 1: 433، مجمع الزوائد 1: 326، كنز العمّال: 7: 682/ 20895.

ص: 94

أوجه الناس وجوها و رؤوسا، فيكون قولنا: «أطول» هاهنا من الطّول، لا الطّول، و لا بدّ أن يكون المراد ب «الناس» هاهنا الخصوص دون العموم، كأنّهم يكونون في القيامة أوجه من الناس الذين هم كالنظراء لهم في الطبقة معهم؛ لأنّه لا يجوز أن يكونوا يومئذ أعظم وجاهة مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ، وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ.

[المجاز] (53)

14 وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا أَرَادَ الِاخْتِصَاءَ وَ السِّيَاحَةَ: «خِصَاءُ أُمَّتِي الصِّيَامُ» (1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ الصيام يميت الشهوات، و يشغل عن اللّذات، كما أنّ الخصاء- في الأكثر- يكسر النزوة، و يقطع الشهوة.

و ممّا يؤكّد ذلك الخبر الآخر

الْمَرْوِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاهَ (2) فَلْيَتَزَوَّجْ، وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهُ، فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الصَّوْمَ وِجَاءٌ» (3).

و «الوجاء»: الخصاء، و سمعت شيخنا أبا بكر محمّد بن موسى الخوارزمي- عفا اللّه عنه- يقول في أثناء قراءتي عليه و قد اعترض ذكر الخلاف في وجوب النكاح: «يمكن الاستدلال بهذا الخبر على أنّ


1- مسند أحمد 2: 173، مجمع الزوائد 4: 253، كنز العمّال 8: 449، الدرّ المنثور 2: 310.
2- الباه: النكاح، و المراد من وجد مؤن النكاح؛ على حذف مضاف. المصباح المنير: 67، مادّة (ب و أ).
3- صحيح البخاري 3: 354/ 5065، مسند أحمد 2: 25/ 4259، سنن النسائي 6: 57 و 58، السنن الكبرى 7: 77، المقنعة: 497، روضة الواعظين: 374.

ص: 95

النكاح غير واجب خلافا لداود، فإنّه يقول: إنّه واجب على الرجل مرّة في عمره».

قال: «و موضع الاستدلال منه: أنّه عليه الصلاة و السلام نقل النكاح إلى الصوم، و جعل الصوم بدلا منه، و الأبدال حكمها حكم المبدلات، فلو كان الأصل واجبا كان بدله كذلك، كالتيمّم و الماء، و أبدال الكفّارات مثلها، فلو كان الصوم الذي هو بدل من النكاح غير واجب، دلّ على أنّ المبدل أيضا- و هو النكاح- غير واجب».

[المجاز] (54)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ لَكَ بَيْتاً، وَ إِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْهَا»

(1).

و هذه استعارة؛ لأنّ المراد أنّك ذو قرني الأمّة، فكأنّه عليه السّلام قال: و إنّك رأس هذه الأمّة؛ لأنّ الرأس هو ذو القرنين، لأنّ القرنين إنّما يكونان فيه، و يظهران عليه. و هذا الخبر- على هذا التأويل- من الأخبار الدالّة على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أفضل الناس بعد رسول اللّه عليه الصلاة و السلام؛ إذ كان رأس أمّته، و رئيس أسرته.

و مثل قوله عليه الصلاة و السلام: «لذو قرنيها» في أنّ المراد به الأمّة و إن لم يجر لها ذكر، قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (2)، و قوله سبحانه: وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها (3) في أنّ المراد الشمس


1- النهاية في غريب الحديث 4: 51، لسان العرب 13: 332، المناقب للخوارزمي: 355.
2- ص (38): 32.
3- الاحزاب (33): 14.

ص: 96

و المدينة و إن لم يجر لهما ذكر.

و قد قال بعضهم «المراد بهذا الخبر: أنّك في هذه الأمّة كذي القرنين في أمّته، و على هذا التأويل أيضا لابدّ من تسليم الرئاسة له على كافّتهم؛ لأنّ ذا القرنين كان مستتبعا ذمّة الملوك كلّهم، و العالي بالقدرة و البسط على جماعتهم. هذا إن كان ذو القرنين هو الإسكندر الرومي، على ما يقوله بعضهم (1).

و إن كان اسم نبيّ من الأنبياء ع على ما يقوله الآخرون (2)- فموضع الاحتجاج بالفضل أيضا موجود؛ لأنّ ذلك النبيّ في دهره كان أفضل امّته، و خيار أهل دعوته.

وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ قَالَ وَ قَدْ ذُكِرَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: «دَعَا قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيْهِ ضَرْبَتَيْنِ، وَ إِنَّ فِيكُمْ لَمِثْلَهُ»

(3)، فترى أنّه عليه السّلام أراد بهذا القول نفسه؛ أي أنا أدعو إلى اتباع الحق، و سأضرب على رأسي ضربتين تكون فيهما منيّتي، فأكون كذي القرنين. و قد يجوز أن يكون النبيّ عليه الصلاة و السلام أراد بقوله: «و إنّك لذو قرنيها هذا المعنى، و اللّه أعلم».

و قال بعضهم: «إنّه عليه الصلاة و السلام لمّا ذكر في أوّل الكلام الجنّة قال: «و إنّك لذو قرنيها» يريد قرني الجنّة؛ أي طرفيها (4)، فكأنّه وصفه


1- انظر: الفائق في غريب الحديث 3: 173.
2- انظر: تاريخ الطبري 1: 572.
3- راجع: علل الشرائع 1: 40/ 1، تفسير العيّاشي 2: 339 و 340، المناقب للخوارزمي: 355، النهاية في غريب الحديث 4: 52.
4- النهاية في غريب الحديث 4: 51، لسان العرب 13: 332.

ص: 97

ببلوغ غايات المثابين فيها» و في هذا القول بعد.

و حكي عن ثعلب أنّه سئل عن هذا الحديث، فقال: «أراد عليه الصلاة و السلام: إنّك لذو جبليها؛ يعني الحسن و الحسين عليهما السّلام (1)» قال:

«و يجوز أن يكون قوله: «ذو قرنيها» يريد به طرفي الأمّة؛ أي أنت في أوّلها، و المهديّ من ولدك في آخرها».

قال: «و يجوز أن يكون ذلك من قوله: عصرت الفرس قرنا أو قرنين؛ أي استخرجت عرقه بالجري مرّة أو مرّتين، فكأنّه عليه الصلاة و السلام ذو اقتباس العلم الظاهر، و استخراج العلم الباطن.» و الاعتماد على ما قدّمنا ذكره من التأويل الأوّل، و هو من استنباطي.

[المجاز] (55)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِذَا صُبَّتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ صَبّاً»

(2).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد: غمرتكم الدنيا بمنافعها، و عمّتكم بفوائدها و عوائدها، فشبّه كثرة ذلك بالوبل (3) الغزير المنصبّ على الإنسان في أنّه يبلّه بدفعانه و يغمره من جميع جهاته.

و مثل ذلك: «انغمس فلان في الدنيا انغماسا» إذا كثر التباسه لها، و عظم أخذه منها؛ تشبيها لها بغمرة الماء إذا خاضها الخائض، أو غمس فيها الغامس.


1- غريب الحديث لابن الجوزي 2: 238.
2- مسند أحمد 5: 155، و فيه: «أخوف لي عليكم الدنيا اذا صبّت عليكم صبّا» مجمع الزوائد 5: 147، كنز العمّال 6: 675/ 17359، و فيهما مع اختلاف في العبارة.
3- أي المطر الشديد. راجع المصباح المنير: 646، مادّة (و ب ل).

ص: 98

[المجاز] (56)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام لم يرد حقيقة الزناء المذموم، و إنّما أراد أنّ كلّ عين لا بدّ أن تكون لها طمحة إلى حسن، أو طرحة إلى إرب، و إن كان ذو التقوى يكبح نفسه بالشكيم، و يعرك شهوته عرك الأديم (2)، و لا يكون نظره إلّا فلتة، و «لا تتبع النظرة النظرة» كما قال عليه الصلاة و السلام. و قد قال الشاعر:

نظرت إليها بالمحصّب من منى و لي نظر لو لا التّحرّج عارم (3)

فوصف النظر بالعرام في هذا الشعر، كوصف العين بالزنى في هذا الخبر.

فأمّا الحديث الآخر و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ الزَّانِيَةُ»

(4)، فالمراد به الزاني أهلها، و ذلك كما جاء في التنزيل من ذكر القرى، مثل قوله تعالى: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً (5)، ... و قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً (6)؛ أي أهلها ظالمون، و أهلها آمنون، و ذلك في القرآن كثير.


1- مسند أحمد 4: 394 و 407 و 418، سنن الترمذي 4: 194/ 2937، مجمع الزوائد 6: 256، كنز العمّال 16: 384/ 45017.
2- أي كما يدلك الجلد حين دباغه.
3- ديوان عمر بن أبي ربيعة: 348، الأغاني 1: 61.
4- غريب الحديث لابن قتيبة 2: 365/ 38، النهاية في غريب الحديث 2: 317، لسان العرب: 14: 360.
5- الانبياء (21): 11.
6- النحل (16): 112.

ص: 99

[المجاز] (57)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ إِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ»

(1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «و لم يتندّ بدم حرام» مجاز؛ لأنّه أراد:

لم يصب دما حراما، و من قولهم: «ما نديت من فلان بشي ء» أي لم اصب منه شيئا، فجعل عليه الصلاة و السلام الذي يسفك الدم، متندّيا به و إن كان لم يباشر سفكه بنفسه؛ لأنّ الأغلب فيمن يتولّى سفك الدم مباشرا، أن يصيبه منه بلل، و يشهد عليه أثر. و على هذا قول الشاعر:

تبرّأ من دمّ القتيل و بزّه (2)و قد علقت دم القتيل إزارها

(3) و لم يكن هناك على الحقيقة أثر دم علقت الإزار، و إنّما أخرجه الشاعر على الوجه الذي ذكرناه، فكأنّه جعل القاتل و إن لم يظهر عليه شاهد الدم، كمن ظهرت عليه شواهده الناطقة، و دلائله القاطعة؛ لقوّة الأمارات التي تشهد بفعله و تعصّب (4) الأمر به، و هذا المعنى أيضا أراد جرير بقوله:

و قلت نصاحة لبني عديّ:ثيابكم و نضح دم القتيل

(5) فكأنّه خاطب قوما و نهاهم عن أن يقفوا موقف الظنّة، و ينزلوا منزل


1- مسند أحمد 4: 148 و 152، سنن ابن ماجة 2: 873/ 2618، مستدرك الحاكم 4: 352، مجمع الزوائد 1: 19، كنز العمّال 15: 34/ 39958، مع اختلاف قليل في العبارة.
2- أي سلبه.
3- جمهرة اللغة 2: 328، لسان العرب 4: 16، تاج العروس 10: 43.
4- أي تلبسّه.
5- ديوان جرير 2: 719، لسان العرب 3: 62 عجز البيت.

ص: 100

التهمة، ليبرؤوا (1) من دم قتيل اتّهموا بنفسه، و قرفوا (2) بقتله.

[المجاز] (58)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَ كَذَا فَقَدِ احْتَظَرَ مِنَ النَّارِ بِحِظَارٍ»

(3).

و هذا القول مجاز؛ و المراد أنّه من فعل ذلك فقد احتجز من النار بحاجز، و «الحظار»: الحائط المستدير على الشي ء، فجعل عليه الصلاة و السلام المتباعد عن الفعلة التي توجب دخول النار، كمن ضرب بينه و بينها سياج، و اغلق عليه رتاج (4)، و «الحظار» و «الحظيرة» بمعنى واحد، و هو حظار بفتح الحاء، و الجمع أحظرة، كما يقال: «دوار» و الجمع أدورة.

[المجاز] (59)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا» (5).

و هذا استعارة، و المراد انكحوا في الغرائب، و لا تنكحوا في القرائب؛ لأنّهم يقولون: «الغرائب أنجب» و «الضوى»: ضؤولة الجسم و دقّته، و يقال: «أضوت المرأة» إذا أتت بولد ضاو، كما يقال: «أذكرت» إذا أتت بولد ذكر. و كانوا يعتقدون أنّ القريبة تضوي كما أنّ الغريبة تدهي؛ أي تأتي بالولد داهية، و قال الشاعر:

فتى لم تلده بنت عمّ قريبةفيضوى و قد يضوى رديد القرائب

(6)


1- في نسخة: ليتبّرؤوا.
2- القرف و الاتهام سيّان. راجع أقرب الموارد 2: 989، مادّة (ق ر ف).
3- مجمع الزوائد 3: 7 و 88/ 271، البداية و النهاية 5: 348، و مثله في مسند أحمد 2: 419.
4- أي باب عظيم مغلق. راجع المصباح المنير: 218، مادّة (ر ت ج).
5- غريب الحديث لابن قتيبة 2: 355/ 6، المحيط في اللغة 6301، اصلاح المنطق: 236.
6- لسان العرب 14: 489، و الرديد- كأمير-: الشي ء المردود، تاج العروس 4: 451، مادّة (ر د د).

ص: 101

و قال الآخر:

و أترك بنت العمّ و هي قريبةمخافة أن تضوي عليّ سليلي

(1) و قوله عليه الصلاة و السلام: «اغتربوا»- عبارة عن هذا المعنى- من أحسن العبارات؛ لأنّه جعل التباعد عن المنكح في العشيرة و البيت و الذهاب به إلى غير السنخ و الأصل، بمنزلة الرجل المغترب الذي يوطن غير وطنه، و يسكن غير سكنه.

[المجاز] (60)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «خَيْرُ الْمَالِ عَيْنٌ سَاهِرَةٌ لِعَيْنٍ نَائِمَةٍ» (2).

و هذه استعارة؛ لأنّ المراد بذلك عين الماء الجارية التي لا ينقطع جريها ليلا، كما لا ينقطع نهارا، فسمّاها «ساهرة» لهذا المعنى؛ لأنّها في ليلها دائبة، و عين صاحبها نائمة. و لفظ «السهر» في هذا الكلام أحسن ما جعل بهذا المعنى متلبّسا، و صبّ عليها ملبسا.

[المجاز] (61)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ هَوًى شَاطِنٌ فِي النَّارِ» (3).

و هذا مجاز؛ لأنّه وصف الهوى بالشطون (4)، و هو البعد، و أراد به تباعد صاحبه عن الرشد، و تراميه إلى الغيّ.


1- لم أعثر له على مصدر.
2- غريب الحديث لابن قتيبة 2: 364/ 35، النهاية في غريب الحديث 2: 428، لسان العرب 4: 384، و السليل: الولد، أقرب الموارد، مادّة (س ل ل).
3- غريب الحديث لابن قتيبة 2: 367/ 49، النهاية في غريب الحديث 2: 475، لسان العرب 13: 238، كنز العمّال 1: 205/ 1025، و فيه: «كلّ شاطن هوى في النار».
4- في نسخة ب: بالشطن.

ص: 102

و قال أبو عبيدة: «الشاطن هاهنا: المعوجّ عن الحقّ، و الهوى- على الحقيقة- ليس بجسم فيوصف بالقرب و البعد، و الزوال و اللبث. و سمّي الشيطان شيطانا؛ لأنّه شطن عن أمر ربّه، أو أبعد في مذاهب غيّه، و منه قيل: نوى شطون، و بئر شطون، و من ذلك سمّي الحبل شطنا؛ لأنّه يبلغ القعر العميق، و الماء و البعيد» (1).

و في هذا الخبر أيضا مجاز آخر؛ و هو أنّه عليه الصلاة و السلام جعل الهوى الشاطن في النار، و مراده صاحب الهوى الشاطن، و هو الذي يمتدّ به هواه فيقذفه في المضالّ، و يحمله على المزال.

و نظير هذا الخبر الآخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ، وَ هُمَا فِي الْجَنَّةِ، وَ إِيَّاكُمْ وَ الْكَذِبَ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ، وَ هُمَا فِي النَّارِ»

(2)، و أراد عليه الصلاة و السلام صاحب الصدق و البرّ، و صاحب الكذب و الفجور.

[المجاز] (62)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَيْفَ بِكُمْ وَ بِزَمَانٍ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ، وَ يَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَ أَمَانَاتُهُمْ!» (3).

و هذه استعارة، و المراد: أنّهم يتنقّى خيارهم، فيهلكون بالقتل السريع، و الموت الذريع، كما يغربل الحبّ بالغربال، فيسقط قشبه


1- غريب الحديث لابن قتيبة 2: 367/ 49.
2- مسند أحمد 1: 3، 5، 7، سنن ابن ماجة 2: 1265/ 3849، كنز العمّال 2: 624/ 4923، 625/ 4924 و 3: 345/ 6860.
3- سنن ابن ماجة 2: 1307/ 3957، سنن ابي داود 2: 324/ 4342، مستدرك الحاكم 2: 159 و 4: 435، كنز العمّال 11: 112/ 30831.

ص: 103

و صغاره، و يبقى جلاله و خياره. و قد قيل: «إنّ الغربلة: اسم للقتل خصوصا، و منه قول الشاعر:

ترى الملوك حوله مغربله يقتل ذا الذّنب و من لا ذنب له (1)

أي مقتّلة» و القول الأوّل أشبه بالمراد و أليق بالصواب.

و قد تكلّمنا فيما تقدّم على

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ يَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ» (2).

[المجاز] (63)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟

فَقَالَ: «الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ» قِيلَ: وَ مَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: «الْخَاتِمُ الْمُفْتَتِحُ» (3).

و في هذا الكلام مجاز،؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام إنّما أراد المداوم لتلاوة القرآن، فهو يختم و يفتتح، و يتمّ و يستأنف، فشبّهه عليه الصلاة و السلام بالمسافر المجدّ بينا ينزل حتّى يرتحل، و بينا يسير حتّى ينزل، فشبّه عليه الصلاة و السلام ختم التلاوة بنزول المنزل، و شبّه استئنافها بسير المرتحل، و جعله مستمرّا على هذه الطريقة أبدا؛ لا يرمي إلى غاية، و لا يقف عند نهاية.

و قد قيل: «إنّ المراد بذلك المجاهد في سبيل اللّه الذي يغزو و يعقب،


1- الأغاني 15: 79، الصحاح 4: 1710 و 5: 1780، معجم ما استعجم 2: 635.
2- مرّ تفسير ذلك في ذيل الحديث النبوي 64، الرقم 40.
3- كشف الغطاء للجناحي: 301، سنن الدارمي: 2: 469، مستدرك الحاكم 1: 568 و 569، كنز العمّال 1: 612/ 2812، معاني الأخبار: 190/ 1، ثواب الأعمال: 102، و فيه: «أيّ الرجال أفضل؟»، مجمع البحرين 1: 565، الكافي 2: 605/ 7، عن علي بن الحسين عليه السّلام.

ص: 104

و يقفل و يعاود» و القول الأوّل أظهر عند العلماء، و أوغل في مذاهب الفصحاء.

[المجاز] (64)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ قَوْماً يُضْفَرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ يَلْفِظُونَهُ» (1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ المراد أنّهم يلقّنون الإسلام و يعلّمونه، فيتناسونه و يفارقونه، كالّذي يلقم الشي ء فيدسع به (2) و لا يسيغه إلى جوفه، و ذلك مأخوذ من قولهم: «ضفرت البعير أضفره ضفرا» إذا لقمته لقما عظاما.

و قد يجوز أن يكون مأخوذا من قولهم: «ضفر الرجل الدابّة، يضفرها ضفرا» إذا ألقى اللجام في فيها، و المعنيان متقاربان.

[المجاز] (65)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءَ، لَا يُغِيضُهَا اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ» (3).

و هذه استعارة؛ لأنّ المراد ب «اليمين» هاهنا نعمة اللّه، و وصفها بالامتلاء لكثرة منافعها، و عموم مرافدها، فجعلها كالعين الثرّة التي لا يغيضها الموائح (4)، و لا تنقصها النوازح.


1- النهاية في غريب الحديث: 3: 94، مجمع الزوائد 1: 22، و فيه: «يرفضون الإسلام».
2- أي يقيئه. أقرب الموارد 1: 333، مادّة (د س ع).
3- مسند أحمد 2: 242 و 2: 500، صحيح البخاري 5: 213 و 8: 173، صحيح مسلم 3: 77، سنن الترمذي 4: 317/ 5036، كنز العمّال 1: 224/ 1130.
4- يقال: ماح الغلام؛ إذا دخل البئر فملأ الدلو لقلّة مائخا، و لا يمكن أن يستقى منها إلّا بالاغتراف باليد. أقرب الموارد 2: 1254، مادّة (م ي ح).

ص: 105

و «السحّ»: شدّة المطر، يقال: «سحّت السماء سحّا» إذا جادت جودا. و خصّ اليمين؛ لأنّها- في الأكثر- مظنّة العطاء، و موصلة الحباء؛ على طريق المجاز و الاتساع، و قد شرحنا هذا المعنى في عدّة مواضع من كتبنا المشتملة على علوم القرآن.

[المجاز] (66)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَ اتَّخِذُوهَا جُمّاً» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّ المراد: ابنوها و لا تتّخذوا لها شرفا، فشبّهها عليه الصلاة و السلام بالكباش الجمّ،: و هي التي قرونها صغار خافية.

وَ مِنْهُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ فِي ذِكْرِ الْقِيَامَةِ: «إِنَّهُ يُؤْخَذُ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ» (2)

، و ذلك من أحسن التشبيه، و أوقع التمثيل.

و قال ابن الأعرابي: «الأجمّ: الذي لا رمح معه» (3). و من ذلك قول الشاعر:

ويل أمّهم معشرا جمّا بيوتهم من الرّماح و في المعروف تنكير (4)

أراد أنّ بيوتهم خالية من الرماح المركوزة بأبوابها، فهي كالكباش الجمّ التي لا قرون تظهر لها.


1- السنن الكبرى 2: 439، كنز العمّال 7: 657/ 20770، كشف الخفاء 1: 34.
2- مسند أحمد 1: 72، مجمع الزوائد 10: 352، كنز العمّال 14: 373/ 38986، و في الجميع: «يقتصّ للجمّاء»، أي يقتصّ لمن لا قرن لها ممن لها قرن، راجع المصباح المنير: 110، مادّة (ج م م) و 500، مادّة (ق ر ن).
3- الصحاح 5: 1891، لسان العرب 12: 108.
4- ديوان أوس بن حجر: 44، الأغاني 11: 70، الصحاح 5: 1891، لسان العرب 12: 108 و في الأخيرين: و يلمّهم.

ص: 106

و قال الأعشى:

متى تدعهم للقاء الحروب أتتك خيول لهم غير جمّ (1)

أي قد أشرع فوارسها الرماح، فهي كالكباش إذا نهّدت (2) للكفاح، و سدّدت قرونها للنطاح، و قد جاء في كلامهم: «الرماح قرون الخيل».

و مثل ذلك

الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ»

(3)، و «الصياصي» هاهنا: القرون، قيل: «إنّما شبّهها عليه الصلاة و السلام بقرون البقر لكثرة ما يشرع فيها من الرماح».

[المجاز] (67)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ خَفِيفاً مُعْنِقاً بِذَنْبِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً؛ فَإِذَا أَصَابَ دَماً بَلَّحَ» (4).

و هذا مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه المذنب غير القاتل بحامل الحمل، إلّا أنّ فيه بعض الخفّة، فهو يعنق به؛ أي يسرع من تحته، فإذا أصاب دما ثقل ذلك العب ء حتّى يبلح منه، و «التبليح»: الإعياء، مأخوذ من بلوح الشي ء، و هو انقطاعه، فكأنّ منّته (5) قد نفدت، و قوّته قد انقطعت.

و إنّما قال عليه الصلاة و السلام ذلك تغليظا لأمر الدم؛ ليقلّ الإقدام


1- ديوان الأعشى: 41، الأغاني 9: 108، الصحاح 5: 1891، لسان العرب 12: 108، و في الأخيرين: لقراع الكماة تأتك خيل.
2- أي برّزت و اسرع بها. راجع أقرب الموارد 2: 1351، مادّة (ن ه د).
3- مسند أحمد 4: 109، النهاية في غريب الحديث 3: 67، لسان العرب 7: 52.
4- سنن أبي داود 2: 307، و فيه: «لا يزال المؤمن معنقا»، السنن الكبرى 8: 22، كنز العمّال 15: 24/ 39908، الدرّ المنثور 2: 199.
5- المنّة و القوّة سيّان. راجع المصباح المنير: 581، مادّة (م ن ن).

ص: 107

على سفكه، و يكثر التزاجر عن التعرّض له، و مع ذلك فالتوبة تسقط العقاب المستحقّ عليه، كما تسقط العقاب المستحقّ على غيره من المعاصي، خلافا لما ظنّه بعض الناس من أنّ القاتل لا توبة له؛ لأنّ الأمر لو كان على ما قاله لم يكن للقاتل سبيل إلى الانتفاع بطاعته في المستقبل؛ لأنّها تقع محبطة، و لا يجوز ألّا يكون للعاصي طريق إلى الانفكاك من عقاب المعاصي؛ لأنّ في ذلك إغراء له بها، و حملا له عليها.

و في بعض الأحاديث: «أنّ أعرابيا قتل تسعة و تسعين إنسانا، ثمّ أتى راهبا بالشام يستفتيه في توبته، فقال له: ما أرى لك توبة، فقال: لا جرم و اللّه، لاكملنّهم بك مائة، فقتل الراهب (1)».

و ما حكوه عن عبد اللّه بن عبّاس رحمه اللّه من اختلاف فتواه في هذا المعنى؛ لأنّه أفتى مستفتيا سأله عن توبة القاتل: «بأنّه لا توبة له» و أفتى آخر «بأنّ له توبة» فله عندنا وجه صحيح قد نقل عن ثقات الناقلين، و ذلك أنّه سئل عن اختلاف قوليه في هذا الباب، فقال: «أتاني مستفت فأفتيته بأنّ للقاتل توبة؛ لأنّي رأيت عليه من أمارات من قتل و هو نادم على قتله، خائف من جرائر فعله، و استفتاني آخر، فأفتيته بأنّه لا توبة للقاتل؛ لأنّي رأيت عليه أمارات من قد عزم على القتل في المستقبل، و أراد أن يلجأ إلى التوبة بعد الإقدام على سفك الدم المحرّم، فأفتيته بذلك؛ ليقف عن عزمه، و يخاف عواقب إثمه (2).


1- صحيح مسلم 4: 1683/ 2766.
2- صحيح مسلم 8: 104، مجمع الزوائد 10: 212.

ص: 108

[المجاز] (68)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَ لَوْ بِالسَّلَامِ» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «انْضَحُوا أَرْحَامَكُمْ»

(2)، و المعنى واحد.

و هذه استعارة؛ لأنّ المراد: صلوا أرحامكم و لو بالسلام؛ أي جدّدوا المودّة بينكم و بين أقربائكم و لو بالتسليم عليهم تشبيها ببلّ السقاء (3) اليابس؛ لأنّه لا يتبلل إلّا بمل ء الماء، فينتدي قاحله (4)، و يتمدّد قالصه (5)، فشبّهوا بلّ الأرحام بذلك؛ لأنّ في حسن المخالفة تجديدا لمخلقها (6)، و إحكاما لما وهى من علائقها.

و مثل ذلك قول الكميت الأسدي:

نضحت أديم الودّ بيني و بينهم بآصرة الأرحام لو يتبلّل (7)

[المجاز] (69)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِرَجُلٍ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى أَصْبَحَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ فِي أُذُنِهِ الشَّيْطَانُ» (8).

و هذا مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ الشيطان تهكّم به


1- غريب الحديث للهروي 1: 207، الفائق 1: 109، النهاية في غريب الحديث 1: 153، كنز العمّال: 3: 356/ 6914، عوالي اللآلي 1: 255/ 18.
2- لسان العرب 11: 64، و فيه: «انضحوا الرحم».
3- و هو جلد الشاة، يوضع فيه الماء و اللبن. راجع المصباح المنير: 281، مادّة (س ق ي).
4- أي يابسه. المصباح المنير: 491، مادّة (ق ح ل).
5- أي المنكمش من السقاء.
6- أي لما قدم منها.
7- شرح هاشميات الكميت: 185، لسان العرب 2: 620، و الأديم: الجلد المدبوغ، و المراد من أديم الودّ: رابطة المحبّة.
8- سنن النسائي 3: 204، مسند أحمد 1: 427، صحيح البخاري 4: 91، صحيح مسلم 2: 187، السنن الكبرى 3: 15، كنز العمّال 8: 394/ 23409، البداية و النهاية 1: 68.

ص: 109

و سخر منه؛ لأنّهم يقولون ذلك فيمن ظهر اختلاله، و بان انحلاله، و أصله مأخوذ من الإفساد، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ الشيطان قد أفسده و فسخ عقده.

و على ذلك قول الشاعر:

إذا رأيت أنجما من الأسدجبهته أو الخرات و الكتد

بال سهيل في الفضيخ ففسدو طاب ألبان اللّقاح و برد (1)

أي أفسد سهيل اللبن ففسد، فعبّر عن إفساده له ببوله فيه، تشبيها بالبائل في الماء؛ لأنّه يفسد عذبه، و يمنع شربه.

[المجاز] (70)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تُعْرَضُ لِلنَّاسِ جَهَنَّمُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً» (2).

و هذا مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد شدّة احتدامها و التفاف ضرامها، فكأنّ بعضها يحطم بعضا؛ أي يهدّه و يهيّضه (3)، و «الحطم»:

الكسر. و قد يجوز أن يكون المراد أنّها تحطم أبدان المعاقبين بها،


1- مجالس ثعلب 2: 421، تفسير الطبري 14: 81، لسان العرب 2: 29 و 3: 377 و 13: 484، من الأسد: أي من برج الأسد، جبهته: أي جبهة الأسد، و هو منزل من منازل القمر، الخراتان: نجمان من كواكب الأسد بينهما قدر سوط، و هما كتفا الأسد، الكتد: نجم، و هو كاهل الأسد، سهيل: نجم، تنضح الفواكه عند طلوعه و ينقضي القيظ، الفضيخ: لبن رقيق لكثرة مائه، اللقاح: الإبل، واحدتها لقوح. و المراد: أنّ صيرورة النجوم بهذا الوضع، توجب فساد اللبن الرقيق، و طيب ألبان الإبل و بروردتها.
2- صحيح البخاري 5: 179، صحيح مسلم 1: 115، مستدرك الحاكم 4: 582، كنز العمّال 14: 441/ 39198، و فيه: «فيحشرون إلى جهنّم».
3- أي يهيّجه. أقرب الموارد 2: 1415، مادّة (ه ي ض).

ص: 110

و جعلهم بعضها؛ لأنّهم خالدون فيها، غير خارجين منها.

[المجاز] (71)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِرَجُلٍ مِنْ وَفْدِ تُجِيبَ (1): «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَمُوتَ جَمِيعاً»، فَقَالَ: أَ وَ لَيْسَ الرَّجُلُ يَمُوتُ جَمِيعاً يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَتَشَعَّبُ أَهْوَاؤُهُ وَ هُمُومُهُ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا، فَلَعَلَّ أَجَلَهُ يُدْرِكُهُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، فَلَا يُبَالِي اللَّهُ فِي أَيِّهَا هَلَكَ» (2).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «إنّي لأرجو أن تموت جميعا» لأنّ الإنسان لا يموت إلّا جميعا، و إنّما أراد: إنّي لأرجو ألّا يدركك الموت و همومك متقسّمة، و أهواؤك متشعّبة، فكأن يكون متفرّقا بتفرّق أهوائه، و متشعّبا بتشعّب آرائه.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «في أودية الدنيا» و هذه استعارة عجيبة؛ لأنّه شبّه اختلاف طرائق الدنيا و مذاهبها و تباين أحوالها و نوائبها، بالأودية المختلفة، فمنها البعيد و القريب، و المخصب و الجديب، و الواسع و الضيّق، و المنجي و المعطب (3).

[المجاز] (72)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ هُوَ يَعْنِي الْمَدِينَةَ: «أُسْكِنْتُ بِأَقَلِ


1- تجيب: بطن من كندة ينتسبون لجدتهم العليا تجيب بنت ثوبان. تاج العروس 1: 319، مادّة (ت ج ب).
2- الطّبقات الكبرى لابن سعد 1: 323، سنن ابن ماجة 1: 95/ 257، و 2: 1375/ 4106 مع اختلاف في العبارة، كنز العمّال 3: 203/ 6178.
3- أيّ المهلك.

ص: 111

الْأَرْضِ مَطَراً، وَ هِيَ بَيْنَ عَيْنَيِ السَّمَاءِ: عَيْنٍ بِالشَّامِ، وَ عَيْنٍ بِالْيَمَنِ» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد كثرة انهلال السماء بالمطر في هذين الموضعين: الشام، و اليمن، يكنّي عن ذلك ب «عيني السماء» كأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه أفقي السماء المطلّين على هذين البلدين بالعينين الدامعتين، فأراد أنّ العينين لا تنقطع مياههما عن هذين الموضعين، كما لا ترقأ (2) دموع هاتين العينين.

و قد يجوز أن يكون إنّما أراد عليه الصلاة و السلام أن يشبّههما بالعينين من العيون التي تنبع الماء في الأرض، فكما أنّ ماء العين موصول لا ينقطع، فكذلك قطر السماء في هذين البلدين متّصل غير منقطع، و كلا القولين مجاز و توسّع، و قد سمّوا السحاب الناشئ من جهة القبلة: «عينا» على أحد المعنيين اللذين ذكرناهما، فقد يجوز أيضا أن يكون قوله عليه الصلاة و السلام: «بين عيني السماء» يريد بين السحابين الناشئين بهذين البلدين.

[المجاز] (73)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحَيَاءُ نِظَامُ الْإِيمَانِ» (3).

و هذه استعارة، و المراد أنّ الحياء يجمع خلال الإيمان كما يجمع السلك فرائد النظام؛ لأنّ الإنسان الكثير الحياء يحجم عن مواقعة المعاصي، و مطاوعة المغاوي، فإذا قلّ حياؤه تفرّق جماع إيمانه، فأشبه


1- كنز العمّال 12: 254/ 34918 عن ابن عساكر، عن ابن مسعود.
2- أي لا تنقطع بعد جريانهما. راجع المصباح المنير: 236، مادّة (ر ق أ).
3- لم يرد الحديث بهذا اللفظ و إنما جاء بفظ: «الحياء من الإيمان» صحيح مسلم 1: 66/ 36، سنن الترمذي 4: 321/ 2009، مسند أحمد 2: 73/ 4540، و 157/ 5161.

ص: 112

السلك في أنّه إذا انقطع تهافتت خرز نظامه.

و هذا المعنى أراده الشاعر بقوله:

يعيش المرء ما استحيا بخيرو يبقى العود ما بقي اللّحاء (1)

و ليس ينافي هذا الحديث الحديث الآخر؛ و هو

14 قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»

(2)، فإنّه لا يمتنع أن يكون شعبة منه، و يكون مع ذلك نظاما له.

[المجاز] (74)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مِنْبَرِي هَذَا عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» (3).

و قد قيل في تفسير «الترع» ثلاثة أقوال:

أحدها: أن يكون اسما للدرجة.

و الثاني: أن يكون اسما للروضة على المكان العالي خاصّة.

و الثالث: أن يكون إسما للباب (4).

و في هذا الكلام مجاز على الأقوال الثلاثة، و جميعها يؤول إلى معنى واحد، فإن كانت «الترعة» بمعنى الدرجة، فالمراد أنّ منبره عليه الصلاة


1- ديوان أبي تمام الطائي 4: 279، روضة الواعظين: 460، اللحاء: ما على العود من قشره، المصباح المنير: 551، مادّة (ل ح ي).
2- مسند أحمد 2: 414، صحيح البخاري 1: 8، صحيح مسلم 1: 46، سنن ابن ماجة 1: 22/ 57 و 58، سنن أبي داود 2: 408/ 4676، كنز العمّال 1: 35/ 52 و 53.
3- مصباح المتهجّد: 710، الكافي 4: 553/ 1 و 555/ 5، الفقيه 2: 340/ 1572، التهذيب 6: 7/ 12، مسند أحمد 2: 360، السنن الكبرى 5: 247، مجمع الزوائد 4: 8، كنز العمّال: 12: 236/ 34825، معاني الأخبار: 267، مناقب ابن شهرآشوب 3: 139.
4- انظر: الفائق في غريب الحديث 1: 149، النهاية في غريب الحديث 1: 187.

ص: 113

و السلام على طريق الوصول إلى درج الجنة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام يدعو عليه إلى الإيمان، و يتلو قوارع القرآن، و يخوّف و يزجر، و يعد و يبشّر. و إن كانت بمعنى الباب فالقول فيهما واحد.

و إن كانت بمعنى الروضة على المكان العالي، فالمراد بذلك أيضا كالمراد بالقولين الأوّلين؛ لأنّ منبره عليه الصلاة و السلام على الطريق إلى رياض الجنّة لمن طلبها، و سلك السبيل إليها، و فيه زيادة معنى؛ و هو أن يكون إنّما شبّهه بالروضة لما يمرّ عليه من محاسن الكلم، و بدائع الحكم، التي تشبه أزاهير الرياض، و ديابيج (1) النبات، و هم يقولون في الكلام الحسن: «كأنّه قطع الروض، و كأنّه ديباج الرقيم».

و أضاف عليه الصلاة و السلام الروضة إلى الجنّة؛ لأنّ الكلام المونق الذي يتكلّم به عليه الصلاة و السلام يهدي إلى الجنّة، و يكون دالّا عليها، و قائدا إليها. و عندهم أنّ الروضة إذا كانت على الإيفاع و الإنشاز (2) كانت أحسن منظرا، و آنق زهرا. و على ذلك قول الأعشى:

ما روضة من رياض الحزن معشبةخضراء جاد عليها و اكف خضل

(3) و قد قال بعضهم: «الترعة: الكوّة» (4)، و هو غريب، فإن كان المراد


1- الدبابيج: جمع ديباج، و المراد منه هنا الحسن من النبات.
2- أي مرتفعة.
3- ديوان الأعشى: 57، أمالي المرتضى 1: 159، التبيان في تفسير القرآن 2: 339، و 8: 236، الحزن: ما غلظ من الأرض، الواكف: المطر المنهلّ، الخضل: النادي المترشّش البلل و الندي.
4- بضم الكاف و فتحها: الخرق في الحائط.

ص: 114

ذلك فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: منبري على مطلع من مطالع الجنّة، و المعنى قريب من معنى الباب؛ لأنّ السامع لمّا يتلى عليه كأنّه يطّلع إلى الجنّة، فينظر إلى بهجتها، و إلى ما أعدّ اللّه للمؤمنين فيها.

[المجاز] (75)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ لَيَأْرَزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرَزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» (1).

و هذه استعارة، و المراد أنّ الإسلام ليأوي إلى المدينة كما تأوي الحيّة إلى جحرها، و أصل ذلك مأخوذ من التقبّض و الاجتماع، يقال: «أرز أروزا» إذا كان منه ذلك، فجعل عليه الصلاة و السلام المدينة كالوجار (2) للإسلام؛ يتقلّص إليها، و ينضمّ إلى حماها؛ لأنّها قطب مداره، و نقطة ارتكازه.

[المجاز] (76)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ» (3).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه نماء أعضاء البدن بنبات أغصان الشجر؛ لما بينهما من المشاكلة؛ لأنّ العروق كالعروق (4)، و الألحية كالجلود، و الإيراق كالحياة، و الإيباس كالوفاة.


1- مسند أحمد 2: 286، و فيه: «إنّ الايمان»، صحيح البخاري 2: 222، سنن ابن ماجة 2: 1038/ 3111، سنن الترمذي 4: 129/ 2765، و فيه: «إنّ الدين»، كنز العمّال 1: 239/ 1197، البداية و النهاية 3: 250، عوالي اللآلي 1: 429/ 122،
2- أي الجحر. أقرب الموارد 2: 1428، مادّة (و ج ر).
3- سنن الدارمي: 2: 318، و فيه: «لن يدخل»، مجمع الزوائد 5: 248، كنز العمّال 4: 16/ 9275 و 9277، مستدرك الحاكم 4: 127، 422.
4- أي الجذور كالأوردة.

ص: 115

[المجاز] (77)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ ذَكَرَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَ صِيَامَ النَّهَارِ، فَقَالَ: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنَاكَ وَ نَفِهَتْ نَفْسُكَ» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «هجمت عيناك» استعارة؛ لأنّ المراد به غور العينين لطول القيام، و لبعد العهد بالطعام، و ذلك مأخوذ من قولهم:

«هجم فلان على فلان» إذا دخل عليه دخولا فيه سرعة، و له روعة، و يقال: «هجم عليهم البيت» إذا سقط عليهم، فشبّه عليه الصلاة و السلام إفراط دخول العينين في حجاج (2) الرأس بهجوم الرجل الهاجم، أو وجوب (3) البيت الواقع، فالتشبيه بالأوّل لإيغاله في مدخله، و التشبيه بالثاني لزواله عن موضعه. و معنى «نفهت نفسك» أي أصابها الملال، وجدّها الإعياء و الكلال.

[المجاز] (78)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحاً حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً» (4).

و في هذا القول مجاز؛ لأنّ المراد به النهي عن أن يكون حفظ الشعر أغلب على قلب الإنسان، فيشغله عن حفظ القرآن و علوم الدين؛ حتّى


1- صحيح مسلم 3: 165، السنن الكبرى 3: 16، سنن النسائي 4: 214، صحيح البخاري 2: 49، كنز العمّال 3: 32/ 5324.
2- الحجاج: العظم الذي ينبت عليه الحاجب. أقرب الموارد 1: 164، مادّة (ح ج ج).
3- أي سقوط. المصباح المنير: 468، مادّة (و ج ب).
4- مسند أحمد 1: 175، سنن الدارمي 2: 297، صحيح البخاري 7: 109، صحيح مسلم 7: 50، سنن ابن ماجة 2: 7 و 123/ 3760، سنن الترمذي 4: 219، مجمع الزوائد 8: 120، كنز العمّال 3: 573/ 7954، السرائر 3: 633.

ص: 116

يكون أحضر حواضره، و أكثر خواطره، فشبّهه عليه الصلاة و السلام بالإناء الذي يمتلئ بنوع من أنواع المائعات، فلا يكون لغيره فيه مسرب، و لا معه مذهب.

و قال بعضهم: «إنّما هذا في الشعر الذي هجي به النبيّ عليه الصلاة و السلام خصوصا» (1).

و الصحيح أنّه في كلّ شعر استولى على القلب- كلّ استيلاء- عموما؛ لأنّ النهي يتعلّق بحفظ القليل ممّا هجي به النبيّ عليه الصلاة و السلام، و كثيره يراعى فيه أن يكون غالبا على القلب، و طافحا على اللب.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «حتّى يريه» معناه: حتّى يفسده و يهيضه، و يقولون: «وراه الداء» إذا فعل ذلك به. قال الشاعر:

وراهنّ ربّي مثل ما قد ورينني و أحمى على أكبادهنّ المكاويا

(2)

[المجاز] (79)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ»

(3).

[و روي هذا الخبر بلفظ آخر؛ و هو

قَوْلُهُ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا فَهِيَ خِدَاجٌ»] (4).


1- انظر: الفائق في غريب الحديث 3: 238، المغني لابن قدامة 10: 176- 177.
2- ترتيب كتاب العين: 850، المغني لابن قدامة 10: 176.
3- سنن النسائي 2: 135، مسند أحمد 2: 204، سنن ابن ماجة: 1: 274/ 840، سنن أبي داود 1: 189/ 821، السنن الكبرى 2: 38، مجمع الزوائد 2: 111، كنز العمّال: 7: 437/ 19663، المسائل الصاغانية: 119.
4- ما بين المعقوفين من نسخة ب. لاحظ: الاحتجاج 2: 313، البحار 53: 164/ 4 و ج 85: 86/ 2.

ص: 117

و هذه استعارة عجيبة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الصلاة التي لا يقرأ فيها ناقصة بمنزلة الناقة إذا ولدت ولدا ناقص الخلقة، أو ناقص المدّة، و يقال: «أخدج الرجل صلاته» إذا لم يقرأ فيها، فهو مخدج، و هي مخدجة.

و قال بعض أهل اللغة: يقال: «خدجت الناقة؛ إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج و إن كان تامّ الخلقة، و أخدجت؛ إذا ألقته ناقص الخلق و إن كان تامّ الحمل (1)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: كلّ صلاة لا يقرأ فيها فهي نقصان، إلّا أنّها مع نقصانها مجزئّة. و ذلك كما تقول في

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ»

(2): إنّما أراد به نفي الفضل، لا نفي الأصل، فكأنّه قال: لا صلاة كاملة أو فاضلة إلّا في المسجد؛ و إن كانت مجزئة في غير المسجد، فنفى عليه الصلاة و السلام كمالها، و لم ينف أصلها».

و ممّا يؤكّد ذلك الخبر الخبر الآخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ، وَ لَا تَسْلِيمٍ»

(3)؛ أي لا نقصان فيهما، من قولهم:

«ناقة مغارّ» إذا نقص لبنها.


1- انظر: الصحاح 1: 308، ماده (خ د ج)، لسان العرب: 4: 32.
2- الانتصار: 61، دعائم الاسلام 1: 148، التهذيب 1: 92/ 244، و فيه: «إلّا في مسجده»، سنن الدارقطني 1: 420، مستدرك الحاكم 1: 246، السنن الكبرى 3: 57، كنز العمّال 7: 650/ 20737.
3- مسند أحمد 2: 461، سنن أبي داود 1: 928210، مستدرك الحاكم 1: 264، السنن الكبرى: 2: 260، كنز العمّال 7: 514/ 20025.

ص: 118

و منه

الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «لَا تُغَارُّوا التَّحِيَّةَ»

(1)؛ أي: لا تنقصوا السلام، و ردّوا على البادي به مثل ما قال.

[المجاز] (80)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «عَائِدُ الْمَرِيضِ عَلَى مَخَارِفِ الْجَنَّةِ» (2).

و في هذا الكلام مجاز على التأويلين جميعا؛ فإن كان المراد ب «المخارف» جمع مخرف- و هو جنى النخل (3)- فكأنّه عليه الصلاة و السلام شهد لعائد المريض بدخول الجنّة، و حقّق له ذلك؛ حتّى عبّر عنه- و هو بعد في دار التكليف- بعبارة من صار إلى دار الخلود؛ ثقة له بالوصول إلى الجنّة، و النزول في دار الأمنة، و هذا موضع المجاز.

و إن كان المراد ب «المخارف» جمع مخرفة، و هي الطريق، كما

رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ: «وَ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ مَخْرَفَةِ النِّعَمِ» (4)

؛ أي طريق النّعم الواضح الذي أعلمته بأخفافها، و اعتدته بكثرة غدوّها و رواحها، فموضع المجاز منه: أنّه عليه الصلاة و السلام جعل عائد المريض، كالماشي في طريق يفضي به إلى الجنّة، و يوصله إلى دار المقامة.


1- غريب الحديث للهروي 1: 458، و فيه «لا تغارّ»، الفائق 2: 27.
2- الجامع للشرائع 48، مجمع البحرين: 1: 638، المجموع في شرح المهذب 19: 320 و 20: 130، مسند أحمد 5: 279، صحيح مسلم 8: 12، السنن الكبرى 3: 380، و في الثلاثة الأخيرة: «في مخرفة الجنّة».
3- أي ما يجنى من النخل، و هو التمر.
4- النهاية في غريب الحديث 2: 24 عن عمر، السنن الكبرى 10: 134، كنز العمّال 5: 807 ح 1443.

ص: 119

[المجاز] (81)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَ قَدْ خَطَبَ امْرَأَةً لِيَتَزَوَّجَهَا: «لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (1).

و في هذا اللفظ مجاز على التأويلين جميعا:

فأحدهما: أن يكون قوله عليه الصلاة و السلام: «أحرى أن يؤدم بينكما» مأخوذ من الطعام المأدوم؛ لأنّ طيبه و صلاحه إنّما يكون بالإدام، كالزيت و الإهالة (2)، و ما يكون في معناهما، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ ذلك أحرى أن يتوافقا، كما يوافق الطعام ادمه، أو كما يوافق الإدام خبزه.

قال الكسائي: «أدم اللّه بينهما: على مثال فعل إذا ألقى بينهما المحبّة و الاتّفاق» (3).

و أقول: إنّ هذا يشبه دعاءه عليه الصلاة و السلام للباني على أهله؛ و هو قوله: «بالرفاء و البنين» (4)، كأنّه عليه الصلاة و السلام دعا بأن يلائم اللّه بينهما كما يلائم الرافي (5) بين شقق الثوب المرفوء.

و أمّا التأويل الآخر في أصل الخبر: فهو أن يكون بمعنى: ذلك أحرى أن يصلح اللّه بينكما، من قولهم: «عنان (6) مؤدم» إذا كان مصلحا


1- المبسوط للسرخسي 8: 177، بدائع الصنائع 3: 57، مسند أحمد 4: 246، و فيه: «فانظر إليها»، سنن ابن ماجة 1: 599، سنن الترمذي 2: 275/ 1092، السنن الكبرى 7: 84.
2- أي الشحم المذاب. أقرب الموارد 1: 23، مادّة (أ ه ل).
3- غريب الحديث 1: 142، لسان العرب 12: 8.
4- سنن ابن ماجة 1: 614، سنن النسائي 6: 128 و فيهما نهي عن هذا القول.
5- أي مصلح الثياب.
6- العنان: سير اللجام الذي تمسك به الدابّة؛ لاعتراض سيريه على صفحتي عنق الدابّة عن يمينه و شماله. أقرب الموارد 2: 841، مادّة (ع ن ن).

ص: 120

محكما، قال الراجز (1):

في صلب (2) مثل العنان المؤدم (3)

و يقال: «أديم (4) مؤدم» إذا ظهرت أدمته و هو مأوى اللحم منه، و أديم مبشر إذا ظهرت بشرته، و هو مأوى الشعر منه، و يقال: رجل مؤدم إذا كان محبوبا، قال الراجز:

و البيض لا يؤدمن إلّا مؤدما (5)

أي لا يحببن إلّا محبوبا.

[المجاز] (82)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً» (6).

و هذا القول مجاز، و المراد به أنّ البيان قد يخدع بتزويقه (7) و زخارفه، و حسن معارضه و مطالعه؛ حتّى يستزل الإنسان من حال الغضب و المخاشنة (8) إلى حال الرضا و الملاينة، و ينزع حمات (9) السخائم (10)،


1- أي العجّاج يصف امرأة.
2- أي ظهر.
3- ديوان العجاج: 293، إصلاح المنطق: 199 و 226، الكنز اللغوي: 165، الصحاح 1: 164، مفردات الراغب: 284 صدره: ديا العظام فخمة المخدّم.
4- الأديم الجلد المدبوغ. المصباح المنير 9، مادّة (أ د م).
5- الصحاح 5: 1859.
6- مسند أحمد 4: 263، سنن الدارمي 1: 365، صحيح البخاري 7: 30، سنن أبي داود 2: 478/ 5007، مستدرك الحاكم 3: 613، السنن الكبرى 3: 208، مجمع الزوائد 8: 117، كنز العمّال 3: 579/ 7984، المبسوط 8: 228، الفقيه 4: 379/ 5805.
7- زوّقت الكلام و الكتاب، إذا حسّنته و قوّمته، الصحاح 4: 1492.
8- المخاشنة: خلاف الملاينة، الصحاح 5: 2108.
9- في نسخة ب: ينتزع لحمات.
10- الحمات: جمع حمة، و هي السمّ، و السخائم: جمع سخيمة، و هي الحقد. أقرب الموارد 1: 235، مادّة (ح م ي) و 503 مادّة (س خ م).

ص: 121

و يفسخ عقود العزائم، و يكبح (1) الجامح حتّى يرجع، و يسفّ (2) بالمحلّق حتّى يقع، و يعود بالخصم الضالع (3) موافقا، و بالضدّ الأبعد مقاربا.

و السحر في الأصل: هو التمويه و الخديعة، و التلبيس و التغطية، و قال بعضهم: «السحر: ما نقلك من حال إلى حال» (4). و كانت العرب تعتقد أنّ السحر يصرف الوجوه، و يقلّب القلوب، و يمرض الأجسام، و يسفّه الأحلام، و يفرّق بين المتحابّين، و يجمع بين المتباغضين، و هذا في الحقيقة نقل من حال إلى حال، و هو عندنا باطل، إلّا أن يراد به ما قدّمنا القول فيه من خديعة الإنسان بلين القول، و حسن اللفظ؛ حتّى يرضى بعد اشتطاطه (5)، و ينثني بعد جماحه. و هذا الوجه هو الذي ذهب إليه النبيّ عليه الصلاة و السلام، دون ما يقوله أهل الجهالة، و طغام (6) الجاهلية.

[المجاز] (83)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي مِنْهُ بِرَحْمَةٍ»

(7).

و أصل هذا الكلام مستعار؛ لأنّ المراد به: إلّا أن يغطّيني اللّه أو يجلّلني


1- كبحت الدابّة: إذا جذبتها إليك باللجام لكي تقف و لا تجري، الصحاح 1: 398.
2- أي يهبط.
3- أي المسائل المخالف.
4- لسان العرب 4: 348 «مثله»، تاج العروس 11: 516، و فيها: إلى حال.
5- أي بعد تباعده عن الحقّ و تجاوزه القدر. راجع أقرب الموارد 1: 591 مادّة (ش ط ط).
6- الطغام: أراذل الناس و أوغادهم (الصحاح: 5/ 1975).
7- مسند أحمد 2: 256، سنن ابن ماجة 2: 1405/ 4201، مجمع الزوائد 10: 356، كنز العمّال: 1: 253/ 1277، صحيح مسلم 8: 139.

ص: 122

منه برحمة، مأخوذ من «غمد السيف، الذي يكون كنانا (1) له، و سباغا (2) عليه، و قال الشاعر:

نصبنا رماحا فوقها جدّ عامركطلّ السماء كلّ أرض تغمّدا (3)

أي امتدّ جدّهم على أقطار الأرض، فغطّاها كامتداد السماء عليها من جميع جهاتها، يصفهم باستطالة الجدّ، و انبساط اليد، و ثراء المال و العدد.

[المجاز] (84)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً تَلُمُّ بِهَا شَعْثِي»

(4).

و هذه استعارة، و المراد: تجمع بها أمري، فَكَنَّى عليه الصلاة و السلام عن ذلك ب «الشعث» تشبيها بالعود الذي تشعّث رأسه، و تشظّت (5) أطرافه، فهو محتاج إلى جامع يجمعه، و شاعث يشعثه.

و من ذلك قول الشاعر يصف النار:

و غبراء شعثاء الفروع منيفةبها توصف الحسناء و هي جميل (6)

أراد تفرّق أطرافها، و تشعّث شواظها (7).


1- أي غطاء.
2- أي وافيا تامّا.
3- ديوان ابن مقبل: 68، أمالي المرتضى 2: 20، و فيه: رمحا فوقها.
4- سنن الترمذي 5: 147، مع اختلاف في العبارة فيهما، كنز العمّال 2: 171/ 3608، النهاية في غريب الحديث 2: 478، لسان العرب 2: 161.
5- التشظّي و التشعّث: التفرّق. راجع المصباح المنير: 313، مادّه (ش ظ ى) و 314، مادّه (ش ع ى).
6- لم أعثر له مصدر.
7- أي لهبها.

ص: 123

[المجاز] (85)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ» (1).

و هذه استعارة، و الأصل في ذلك رفع الصوت، يقال: «فلان نعّار في الفتن» أي صيّاح فيها، و دعّاء إليها. و قال بعض التابعين و قد صلّى خلف مصعب بن الزبير و هو رافع صوته بالتكبير و التهليل: «قاتله اللّه نعّارا بالبدع» (2)؛ أي صيّاحا بها.

فشبّه عليه الصلاة و السلام شفور (3) دم العرق و تواتره بصوت الصائح المنوّه (4) من وجهين: لارتفاع ندائه، و لتكرير دعائه، فجعل العرق نعّارا للعلّة المذكورة على طريق المجاز و الاتساع.

و قال بعض أهل اللغة: «يقال: نعر العرق نعرا و نعرانا: إذ اهتزّ بالدم و لم يرقا» (5) فإن كان الأمر على ما قال، فقد خرج الكلام عن باب المجاز إلى حيّز الحقيقة.

[المجاز] (86)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَ سَدَمَهُ (6) جَعَلَ اللَّهُ فَقْراً بَيْنَ عَيْنَيْهِ» (7).


1- مسند أحمد 1: 300، سنن ابن ماجة 2: 1165/ 3526، سنن الترمذي 3: 273/ 2157، مستدرك الحاكم 4: 414، كنز العمّال 7: 135/ 18370.
2- تاريخ بغداد 13: 105، فوات الوفيات 4: 143، غريب الحديث للحربي 2: 451.
3- أي شرّة خروجه.
4- نوّهت بالشي ء: رفعته، لسان العرب 13: 550.
5- أي لم ينقطع. المصباح المنير 236، مادّة (ر ق أ).
6- الدمّ: الهمّ، أو الهمّ مع ندم. راجع أحزب الموارد 1: 506، مادّة (س د م).
7- سنن الدارمي 1: 96، سنن الترمذي 4: 57/ 2583، كنز العمّال 3: 206/ 6186، مجمع البحرين: 2: 356.

ص: 124

و هذا الكلام مجاز، و المراد به أنّ من جعل الدنيا همّه، و قرّ عليها باله، و أعرض عن الآخرة بوجهه، و أخرج ذكرها من قلبه، و أقبل على تثمير الأموال، و استضخام الأحوال، عاقبه اللّه على ذلك: بأن يزيده فقر نفس، و ضرع خدّ، فلا تسدّ مفاقره كثرة ما جمع و عدّد، و عظيم ما أثّل (1) و ثمّر، فكأنّه يرى الفقر بين عينيه، فهو أبدا خائف من الوقوع فيه، و الانتهاء إليه، فلا يزال آكلا لا يشبع، و شاربا لا ينقع (2)، فمعه حرص الفقراء، و له مال الأغنياء.

و قال عليه الصلاة و السلام: «جعل فقرا بين عينيه» مبالغة في وصفه بتصوّر الفقر؛ فكأنّه قريب منه، و غيره غائب عنه، كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى: «حاجتك بين عيني» أي هي متصوّرة لي، و غير غائبة عن قلبي.

[المجاز] (87)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي صِفَةٍ شَاءَ ذِكْرَهَا: «فَجَاءَتْ بِهِ كُلُّهُ قَالَبُ لَوْنٍ؛ غَيْرَ وَاحِدٍ أَوِ انين [اثْنَيْنِ]» (3).

و هذه استعارة، و المراد أنّ ألوانها جاءت متساوية، فكأنّما افرغت في قالب واحد، و هذه من أحسن العبارات عن هذا المعنى، و ذلك كما يقول القائل منّا إذا أراد أن يصف قوما متشابهين في الخلق و المناظر، أو في الطبائع و الغرائز: «كأنّما طبعوا على سكّة واحدة، أو خلقوا من طينة واحدة».


1- أي ما اكتسبه و ثمّره. أقرب الموارد 1: 4، مادّة (أ ث ل).
2- أي لا يروى.
3- النهاية في غريب الحديث 4: 97، في ضمن حديث شعيب و موسى عليه السّلام، مجمع الزوائد 4: 150 و 7: 87، البداية و النهاية 1: 284، و في نسخة: «فنتجت على قالب».

ص: 125

[المجاز] (88)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «خَيْرُ الْخَيْلِ الْأَدْهَمُ (1) الْأَقْرَحُ (2)، الْمُحَجَّلُ ثَلَاثاً، طَلْقُ الْيَدِ الْيُمْنَى» (3).

و هذه من محاسن الاستعارات؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الثلاث من قوائمه- لالتفاف التحجيل عليها- بالثلاث المعقولة من قوائم البعير، و المشكولة من قوائم الفرس، و شبّه اليمنى منها- لخلوّها من التحجيل- بالمطلقة من العقال، أو العاطلة من الشكال. و يقال: «ناقة علط» إذا لم تكن موسومة (4)، و يقال «طلق» إذا لم تكن معقولة، و «ناقة علط» إذا لم تكن مزمومة (5).

[المجاز] (89)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيِّ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِراً إِلَى الْمَدِينَةِ- وَ قَدْ لَحِقَ بِهِ وَ هُوَ بَعْدُ عَلَى شِرْكِهِ-: «قِفْ هَاهُنَا، فَعَمِ (6) عَلَيْنَا بِتَهَوُّرِ النُّجُومِ» (7).

و هذه استعارة، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه السماء و ما فيها من


1- الأدهم: الذي اشتدّت ورقته حتى ذهب بياضه. و الورقة: سواد في غبرة. راجع المصباح المنير: 202، مادّة (د ه م) و 656، مادّة (و ر ق).
2- أي في جبهته قرحة؛ و هي بياض بقدر الدرهم أو دونه. أقرب الموارد 2: 980، مادّة (ق ر ح). و في نسخة ب: الأقرع و هو من سهو النسّاخ.
3- سنن ابن ماجة 2: 933/ 2789، سنن الترمذي 3: 120/ 1747، مستدرك الحاكم 2: 92، السنن الكبرى 6: 330، مجمع البحرين 1: 465.
4- الموسومة: التي كويت و أثّر فيها فيها بسمة و كيّ راجع المصباح المنير 660، مادّة (و س م).
5- أي غير مشدودة بالزمام. راجع المصباح المنير 256، مادّة (ز م م).
6- التعمية: أن تعمّي على إنسان شيئا، فتلبّسه عليه تلبيسا. تاج العروس 19: 704، مادّة (ع م ي).
7- دلائل النبوة لأبي نعيم 129، مجمع الزوائد 3: 230. و في نسخة ب: «فعمّ علينا حتّى ينتهور النجوم».

ص: 126

مواقع الكواكب و مراقب (1) الثواقب بالأبنية الموطودة، و الدعائم المرفوعة، و جعل تزحزحها (2) عن مطالعها و انصبابها بعد ترفّعها كالبناء المتهوّر، و السقف المتقوّض.

[المجاز] (90)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَ قَدْ خَطَّ فِي الْأَرْضِ خُطُوطاً يُمَثِّلُ بِهَا أَحْوَالَ ابْنِ آدَمَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:

«وَ هَذِهِ الْخُطُوطُ إِلَى جَنْبِهِ الْأَعْرَاضُ تَنْهَشُهُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا أَصَابَهُ هَذَا» (3).

و في هذا الكلام مجاز، و

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ هَذِهِ الْخُطُوطُ إِلَى جَنْبِهِ الْأَعْرَاضُ تَنْهَشُهُ»

و يروى: «تنغشه» بالغين، و المراد بذلك أعراض الدنيا، و هي ما تعرض فيها من المصائب، و تطرق من النوائب، و شبّهها عليه الصلاة و السلام بالحيّات الناهشة، و الذؤبان الناهسة (4)؛ لأخذها من لحم الإنسان و دمه، و تأثيرها في نفسه و جسمه.

[المجاز] (91)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يُصَلِّ الرَّجُلُ وَ هُوَ زَنَاءٌ» (5).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ أصل «الزناء» الضيق و الاجتماع، و قال الأخطل يذكر حفرة القبر:


1- أي مواضعها المشرفة المرتفعة. راجع أقرب الموارد 1: 422، مادّة (ر ق ب).
2- يعني زوالها. انظر لسان العرب 2: 470.
3- مسند أحمد 1: 385، سنن ابن ماجة 2: 1414/ 4231، كنز العمّال 3: 819/ 8857.
4- أي الذئاب الناهسة، يقال: نهس (الذئب فلانا؛ أي قبض على لحمه و مدّه بالفم. راجع أقرب الموارد 2: 1352، مادّة (ن ه س).
5- النهاية في غريب الحديث 2: 314، و فيه: «لا يصلينّ أحدكم». أمالي المرتضى 4: 192، و فيه: نهى أن يصلّي الرجل.

ص: 127

و إذا قذفت إلى الزّناء تعرّهاغبراء مظلمة من الأجفار (1)

و يقال: «قد زنأ بوله يزنأ زنوء» إذا احتقن، و «أزنأ الرجل بوله إزناء» إذا حقنه، فسمّي الحاقن «زناء» لاجتماع البول فيه، و ضيق وعائه عليه.

و موضع المجاز من هذا الكلام: أنّه عليه الصلاة و السلام وصف الرجل بالضيق، و إنّما الضيق وعاء البول، إلّا أنّ ذلك الموضع لمّا كان شيئا من جملته و نوطا (2) معلّقا، به جاز أن يجري اسمه عليه.

و

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يُصَلِّ الرَّجُلُ وَ هُوَ زَنَاءٌ»

فيه من الفائدة ما ليس في قوله: «و هو حاقن» لأنّ الحاقن قد يحقن القليل كما يحقن الكثير، و الزناء هو الضيق، و لا يكاد يضيق وعاء البول إلّا من الكثير دون القليل.

[المجاز] (92)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحِجَازُ قَطِيفَةُ الْإِيمَانِ»

(3).

و هذه استعارة، و المراد بها أنّه يحيط بالإيمان (4)، و يجمع شمله،


1- ديوان الأخطل: 418، الأغاني 8: 280، تاج العروس 1: 169، و فيه: و إذا قذفت إلى زناء قعرهاغبراء مظلمة من الأجفار أمالي المرتضى 4: 194، و فيه: إذا دفعت إلى أمالي المرتضى 4: 194، و فيه: إذا دفعت إلى زناء بابها. تعرّها: تسوؤها، الأجفار: جمع جفر، و هو البئر الواسعة التي لم تطو، و الأوى ان تكون مصدر الفعل أجفر صاحبه؛ إذا قطعه و ترك زيارته فهي بكسر الهمزة من باب الإفعال. كما أنّ الظاهر عدم استقامة ما في المتن؛ إذ لا معنى لكلمة «تعرّها» هنا، و لا لنصب كلمة «مظلمة».
2- النّوط: ما علّق من شي ء (لسان العرب 7: 418).
3- لم أعثر له على مصدر.
4- في نسخة: و المراد بها أنّ الحجاز يحفظ بالإيمان.

ص: 128

و يضمّ أهله كما تضمّ القطيفة- و هي الكساء الغليظ- جملة بدن الإنسان إذا اشتمل بها، و دخل فيها.

و إنّما قال عليه الصلاة و السلام ذلك؛ لثبات عرب الحجاز- من قريش و غيرها- على الإسلام بعد دخولهم فيه، فلم يرتدّ منهم أحد كغيرهم ممن خلّى حبل الدين عن بدنه، و رجع على عقبه.

و قال أصحاب الآثار: «ما من قبيلة من قبائل العرب بعد وفاة النبيّ عليه الصلاة و السلام إلّا و قد فشا فيها الارتداد عامّة أو خاصة، إلّا قريشا و ثقيفا، فإنّه لم يرتدّ منهم أحد» هذا على أنّ هاتين القبيلتين كانتا في أوّل الإسلام أشدّ نكاية (1)، و لرسول اللّه عليه الصلاة و السلام أحضر عداوة.

[المجاز] (93)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ» (2).

و في هذا الكلام استعارة على تأويل «الكدّ» في العربية:

و أحد التأويلين: أن يكون «الكدّ» بمعنى الإتعاب و الإنصاب، كما يقول القائل: «كددت فرسي» إذا أراد أنّه أتعبه و استنفد طاقته، فعلى هذا التأويل يكون معنى «كدّ الرجل وجهه بالمسائل»: أنّه لكثرة بذله في السؤال و طلب ما في أيدي الرجال، قد أجراه (3) مجرى المطيّة التي يحضرها بكثرة الحلّ و الترحال (4)، و قطع المسافات الطوال.


1- نكيت في العدوّ نكاية: إذا قتلت فيهم و جرحت الصحاح 6: 2515، لسان العرب 5: 341.
2- سنن النسائي 5: 100، مسند أحمد 5: 10، مجمع الزوائد 3: 97، كنز العمّال 6: 496/ 16699.
3- أي أجرى السائل وجهه.
4- الحلّ: النزول و الإقامة، و الارتحال: الانتقال.

ص: 129

و التأويل الآخر: أن يكون «الكدّ» مأخوذا من استقصاء النزح ماء الركيّة (1) حتّى يبلغ حمأتها (2)، و يستنفد غمرتها (3)، يقال: «كدّ الركيّة و اكتدّها» إذا فعل بها ذلك، قال الشاعر:

أمصّ ثمادي و المياه كثيرةأعالج منها حفرها و اكتدادها (4)

و يكون قول القائل على هذا التأويل: «كددت فرسي» أي اعتصرت مادّته، و استقصيت ما عنده، فيكون «كدّ الوجه» على هذا القول يراد به اعتصار مائه، و استقطار حيائه (5)، و من المتعارف بيننا أن يقول القائل إذا أراد هذا المعنى: «قد هرقت ماء وجهي بكثرة الطلب إلى فلان، و الرغبة فيما عند فلان».

[المجاز] (94)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ:

إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ فَسَلِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنْ يَهَبَ لَكَ نَادِيَةَ بِنْتَ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ؛ فَإِنَّهَا إِذَا قَامَتْ تَثَنَّتْ، وَ إِذَا تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ ...

فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ بَلَغَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَنْهُ، وَ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ مُخَنَّثِي (6) الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَقَدْ غَلْغَلْتَ النَّظَرَ يَا


1- أيّ البئر. المصباح المنير: 238، مادّة (ر ك و).
2- أيّ طين القعر.
3- أيّ يفني ماءها الكثير.
4- مجالس ثعلب 2: 596، لسان العرب 3: 378. الثّماد: الماء القليل، و مراده أنّه يرضى بالقليل و يقنع به.
5- في نسخة: استقصاء حمأته.
6- المخنّث: المسترخي المتثنى في فعله و كلامه. راجع أقرب الموارد 1: 304، مادّة (خ ن ث).

ص: 130

عَدُوَّ اللَّهِ» (1).

و في هذا الكلام استعارة؛ لأنّ غلغلة الشي ء هو إدخاله في شي ء يلتبس به و يصير من جملته، و ذلك لا يصحّ في نظر الإنسان إلّا على طريق الاتساع و المجاز، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ هذا الإنسان، بلغ بنظره من محاسن هذه المرأة إلى حيث لا يبلغ ناظر، و لا يصل واصل، فكان كالشي ء المتغلغل الذي يدقّ مدخله، و يلطف مسلكه، و يبعد متولّجه.

و روى لنا أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي الفارسي في كتابه الموسوم ب «الإيضاح» إجازة، و أنشدناه الشيخان أبو الفتح و أبو الحسن النحويان ملافظة، قول الشاعر:

طلين بكديون و أشعرن كرّةفهنّ إضاء صافيات الغلائل

(2) و «الكديون»: عكر الزيت تطلى به الدروع و تحمى به في النار لتذهب أصداؤها، و تصفو ألوانها و قيل أيضا: «إنّ الكديون اسم من أسماء التراب» و «الكرّة»: البعر التي يوقد به النار عليها (3).

و قيل في «الغلائل» التي ذكرها الشاعر في هذا البيت قولان:

فأحدهما: «أنّها اسم لبطائن و شعارات تلبس تحت الدروع، و الواحدة: «غلالة» و إنّما سمّيت غلائل لانغلالها بين الدروع و الأجساد».


1- الموطأ 2: 767، النهاية في غريب الحديث 3: 378، و فيه: «تغلغلت».
2- الصحاح 2: 805، في هامشه نقلا عن اللسان: علين بكديون و أبطنّ كرّة ... فهنّ وضاء صافيات الغلائل. و في لسان العرب 12: 65، مادّة (ك ر ر) علين بدل طلين.
3- و معنى «اشعرن كرّة»: الصقت الدروع بالبعر المشتعل.

ص: 131

و الثاني: «أنّها المسامير التي تجمع بين رؤوس الحلق، و الواحدة:

«غليلة» و إنّما سميت بذلك؛ لأنّها تغلّ في الدروع؛ أي يستقصى إدخالها فيها، فتصير كالأجزاء منها».

[المجاز] (95)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «وَ لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ إِلَّا وَ لَهُ حِمًى، أَلَا وَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، فَمَنْ أَرْتَعَ حَوْلَ الْحِمَى كَانَ قَمِناً (1) أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» (2).

و هذا الكلام مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه ما حظره اللّه سبحانه من محارمه، بالحمى الذي يحميه ذو السلطان و الملكة من مواقع السحاب، و منابت الأعشاب، فلا ترعى فيه إلّا إبله، و لا ينزل به إلّا حيّه، و ما كان يفعل ذلك من العرب إلّا الأعز فالأعزّ، و الأبرّ فالأبرّ، حتّى ضربت العرب المثل بحمى كليب بن ربيعة- و هو كليب وائل- في أنّه رجل حرام و ممنوع لا يرام، فقالوا: «أعزّ من حمى كليب» (3)، فجعل عليه الصلاة و السلام ما حظره اللّه سبحانه على العباد من المحارم، كالحمى الذي يجب عليهم ألّا يطوفوا به، و لا يمرّوا بجوانبه، و من خالف اللّه منهم أرصد له العقاب، و انتظر له النكال، فما حرّم سبحانه من الأشياء حمى لا يرعى، و ما أحلّ منها مرعى لا يحمى.


1- أي جديرا و حقيقتا. المصباح المنير: 517، مادّة (ق م ن).
2- سنن الدارمي 2: 245، صحيح البخاري 1: 19، صحيح مسلم 5: 51، سنن الترمذي 2: 340/ 1221، كنز العمال 1: 373/ 1629 و ج 3: 426/ 7274، البداية و النهاية 8: 269، عوالي اللآلي 2: 83/ 223.
3- مجمع الأمثال 1: 42/ 2594، الأغاني 5: 29.

ص: 132

وَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «فَمَنْ أَرْتَعَ حَوْلَ الْحِمَى كَانَ قَمِناً أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» (1)

، يريد به التحذير من الإلمام بشي ء من صغائر الذنوب؛ لئلّا يكون ذلك مجرّئا على الوقوع في كبائرها، و التهوّك (2) في معاظمها، و هذه من أحسن العبارات عن هذا المعنى. و هذا الغرض نحاه عمر بن عبد العزيز بقوله: «دع بينك و بين الحرام جزء من الحلال؛ فإنّك إن استوفيت الحلال كلّه تاقت نفسك إلى الحرام».

[المجاز] (96)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَ قَدْ كَانَ رَقَّى (3) إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، كَلَاماً سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ؛ فِيهِ طَعْنٌ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، وَ غَمْضٌ (4) لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، وَ هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي، فَاتَّهَمَتِ الْأَنْصَارُ زَيْداً فِي حِكَايَتِهِ، وَ كَانَ إِذْ ذَاكَ صَغِيرَ السِّنِّ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (5)، فَدَعَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَ هُوَ مُتَأَثِّرٌ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ فَرَفَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «وَفَتْ


1- مسند أحمد 4: 267.
2- أيّ تحيّر و تهور و وقع في الشّي ء بغير مبالاة و لا رويّة. أقرب الموارد 2: 141، مادّة (ه و ك).
3- أيّ رفع. أقرب الموارد 1: 426، مادّة (ر ق ي).
4- أيّ استحطاط.
5- المنافقون (63): 8.

ص: 133

أُذُنُكَ يَا غُلَامُ، وَ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «وفت أذنك» مجاز، كأنّه جعل أذنه- في سماعها ما سمعت- كالضامنة لتصديق ما حكت؛ لأنّه صدّق في نفسه، فلمّا نزل ما نزل في القرآن في تحقيق ذلك الخبر، صارت الأذن كأنّها وافية بضمانها، و خارجة من الظنّة (2) فيما أدّته إلى لسانها، و هذا من غريب المجازات.

[المجاز] (97)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «حَسَّانُ حِجَازٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُنَافِقِينَ؛ لَا يُحِبُّهُ مُنَافِقٌ، وَ لَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ» (3).

و في هذا الكلام مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل حسّان (4)، كالسّياج المضروب بين حيّزي الإيمان و النفاق، فمن كان في حيّز الإيمان أحبّه، و من كان في حيّز النفاق أبغضه؛ و ذلك لما كان يظهر عنه من المنافحة (5) عن رسول اللّه عليه الصلاة و السلام و الإسلام بسيف لسانه، و نوافذ أقواله، فكان قوله يسرّ المؤمنين و يغبطهم، و يسوء المنافقين و يزعجهم.

و هذا الكلام عندنا في حسّان متعلّق بوقت مخصوص؛ و هو زمن النبيّ عليه الصلاة و السلام، فأمّا حين ظاهر أمير المؤمنين عليه السّلام بعداوته،


1- مسند أحمد 2: 310، المغازي للواقدي 1: 404، النهاية في غريب الحديث 5: 211.
2- أي التهمة. المصباح المنير: 387، مادّة (ظ ن ن).
3- مختصر تاريخ دمشق 6: 293، كنز العمّال 11: 671/ 33245.
4- إنّما منعه قدس سره من الصرف لأنّه جعله فعلانأ من الحسّ، و لو جعله فعّالا من الحسن لتعيّن صرفه.
5- أي الدفاع.

ص: 134

و رماه بمعاريض القول في أشعاره، فقد خرج من أن يكون حجازا بين الإيمان و النفاق، و تحيّز إلى جانب النقمة و الضلال.

[المجاز] (98)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ: «فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ إِلَّا رَجُلٌ فِي الْحَرَمِ؛ مَنَعَهُ الْحَرَمُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ» (1).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ»، فجعل للسماء أديما- يريد ما ظهر منها للأبصار- تشبيها بأديم الحيوان؛ و هي الجلود التي تلبس الأجساد، و تغطّي اللحوم و العظام، و يقال أيضا:

«أديم الأرض» و يراد به ما ظهر من صفحاتها التي تباشرها النواظر، و تطأها الأقدام و الحوافر.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «منعه الحرم من عذاب اللّه» و الحرم- على الحقيقة- غير مانع من العذاب الذي يريد اللّه سبحانه أن ينزله بالمستحقّين، و إنّما المراد أنّ اللّه تعالى جعل الحرم معاذة (2) لعباده؛ تعظيما لقدره، و تفخيما لأمره، فمن استجار به من عذابه عند مواقعة معصيته، جاز أن يؤخّر عنه العذاب ما كان (3) متعلّقا به. و في إقامة الحدود على اللاجئ إلى الحرم خلاف بين العلماء، ليس هذا موضع ذكره.


1- تأريخ الطبري 1: 162، عرائس المجالس للثعلبي: 71- 72.
2- أي ملجأ و معتصما. أقرب الموارد 2: 845، مادّة (ع و ذ).
3- أي مادام.

ص: 135

و لا بدّ أن يوفّيه تعالى ما يستحقّه من العقاب في دار الجزاء، إلّا أن يكون منه توبة يسقط بها عقابه، أو طاعة عظيمة تصغر معها معصيته.

فالحرم لا يمنع من العذاب، و إنّما يمتنع اللّه سبحانه من فعله باللاجئ إليه و العائذ به؛ للعلة التي ذكرناها، فلمّا كان اللّه تعالى إنّما يفعل ذلك لأجل الحرم، جاز أن ينسبه إليه على طريق المجاز و عادة الاتساع.

[المجاز] (99)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَوْثَقُ الْعُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل التقوى، كالعروة التي يتعلّق بها فتنهض من المعاثر، و تنجي من المزالّ و المزالق؛ لأنّ المتّقي للّه سبحانه يأمن من نقماته، و ينجو من سطواته، فيكون كالممسك بعروة الحبل المتين، و المستند إلى النضد (2) الأمين.

[المجاز] (100)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ هُوَ يَتَجَهَّزُ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ: «إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ» (3).

و هذه استعارة واقعة موقعها، و مقرطسة (4) غرضها؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه السفر بالطائر الذي قد همّ بالمطار، و جعل الآخذ أهبة (5) المسافر كالكائن على جناح ذلك الطائر؛ ينتظر نهوضه، و يترقّب


1- الاختصاص: 342، كنز العمّال 15: 919/ 43587، 929/ 43595، الدرّ المنثور 2: 225، البداية و النهاية 5: 17.
2- النضد: ما نضّد من الأشياء، فجعل بعضها فوق بعض. راجع المصباح المنير: 610، مادّة (ن ض د) ..
3- عنه البحار 83: 343.
4- أي مصيبه للقرطاس، و هو الغرض. راجع أقرب الموارد 2: 986، مادّة (ق ر ط س).
5- الاهبة: العدّة (الصحاح: 1/ 89، لسان العرب: 1/ 217).

ص: 136

تحليقه. و ممّا يؤكّد ذلك قولهم للإنسان الذي تكثر أسفاره و يطول حلّه و ترحاله: «ما هو إلّا طائر طيّار» عبارة عن التردّد في السفر، و كثرة الانزعاج عن الوطن.

[المجاز] (101)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «النَّاسُ مَعَادِنُ» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الناس بالمعادن التي تكون في قرارات الأرض، فلا يحكم على ظواهرها حتّى يستخرج دفائنها، و يستنبط كوامنها، فيكون منها اللجين (2) و النضار (3)، و يكون منها النفط و القار، فكذلك الناس لا يجب أن يحكم على مجاليهم (4) و لا يقطع على بواديهم (5) حتّى يخبروا و يعرفوا، و يثاروا و يجثوا (6)، فيخرج البحث جواهرهم، و يمحّص الامتحان مخابرهم، فيتبيّن حينئذ كرم النحائز (7)، و طيب الغرائز، و تكشف منهم الطرائق، و لئيم الخلائق.

[المجاز] (102)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِبَطْنِ عَرَفَةَ


1- مسند أحمد 2: 257 و 391، صحيح البخاريّ 4: 154، صحيح مسلم 7: 181، مستدرك الحاكم 3: 243، مجمع الزّوائد: 1: 121، كنز العمّال 3: 442/ 7360، شرح الاخبار 2: 484، الكافي 8: 177/ 197، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، الفقيه 4: 380/ 5821، مشكاة الأنوار: 453: 1522.
2- أيّ الفضّة. أقرب الموارد 2: 1131، مادّة (ل ج ن).
3- أيّ الذّهب.
4- المجالي: ما يرى من الرّأس إذا استقبل الوجه. لسان العرب 2: 345، مادّة (ج ل ي). و المراد: لا يحكم على ظواهرهم حتّى يعرفوا.
5- أيّ ما يبدو منهم.
6- أيّ يهاجوا و يقعدوا.
7- النحائز: الغرائز: الطّبائع. راجع أقرب الموارد 2: 1278، مادّة (ن ح ز).

ص: 137

وَ ذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا إِنَّ كُلَّ شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد به إذلال أمر الجاهلية، و حطّ أعلامها، و نقض أحكامها، كما يستذلّ الشي ء الموطوء الذي تدوسه الأخامص (2) الساعية، و الأقدام الواطئة، فلا يبقى منه مرفوع إلّا وضع، و لا قائم إلّا صرع.

[المجاز] (103)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي وَصِيَّةٍ وَصَّى بِهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا أَرَادَ بَعْثَهُ إِلَى مُؤْتَةَ لِيَثْأَرَ بِأَبِيهِ زَيْدٍ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ الْبَارِقَةِ» (3).

و هذا القول مجاز، و «البارقة» هاهنا السيوف، و ليس الجنّة تحتها على الحقيقة، و إنّما المراد أنّ الصبر تحتها لجهاد الكافرين، و دفاع أعداء الدين، يفضي بالصابر إلى دخول الجنّة، و نزول دار الأمنة، فلمّا كان ذلك سبب دخولها و الوصول إلى نعيمها، جاز أن يسمّيه باسمها، و نظائر ذلك كثيرة، و قد أشرنا في كتابنا هذا إلى بعضها.

[المجاز] (104)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: «لَا إِسْلَالَ وَ لَا إِغْلَالَ، وَ إِنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً» (4).


1- سنن أبي داود 1: 426، السنن الكبرى 5: 8، الدرّ المنثور 1: 226.
2- جمع أخمص، و هو القدم.
3- الدرّ المنثور 3: 189، المناقب للكوفي 2: 353 النهاية في غريب الحديث 1: 120 عن عمّار.
4- سنن أبي داود 1: 630/ 2766، السنن الكبرى 9: 222، البداية و النهاية 4: 192 تفسير نور الثقلين 5: 53، مناقب ابن شهر آشوب 1: 175.

ص: 138

و هذه استعارة، و المراد ب «العيبة المكفوفة» السلم الذي يضمّ النّشر (1) و يجمع الأمر، كأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه حال السلم- من أنّها تحجز بين الفريقين عن شنّ الغارات، و تكفّ أيديهم عن المجاذبات- بالعيبة المشرجة (2) التي لا تنشر مطاويها و لا يتناهب (3) ما فيها.

و قد يجوز أن يكون معنى ذلك- على قول من قال: «إنّ الإسلال:

السرقة، و الإغلال: الخيانة»:- أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الصلح الواقع بينهم في أنّ أموالهم تكون به محروسة و خزائنهم محفوظة؛ بالعيبة التي قد استوثق من إشراجها، فلا يصل إليها خائن، و لا يقدر عليها سارق. و المعنيان متقاربان. و يقال: «رجل مسلّ مغلّ» أي صاحب مسلّة، و هي السرقة، و مغلّة، و هي الخيانة.

و قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ (4) قرأنا على شيوخنا القرّاء لأبي عمرو و ابن كثير و عاصم يَغُلَ بفتح الياء و ضمّ الغين؛ أي ما كان له أن يخون. و قرأنا لبقيّة (5) القرّاء السبعة يُغَلَّ بضمّ الياء و فتح الغين؛ أي ما كان له أن يخان. و يجوز أن يراد بذلك أيضا: ما كان له أن يخوّن؛ أي ينسب إلى الخيانة.


1- أي القوم المتفرّقين المختلفين. راجع أقرب الموارد 2: 1301، مادّة (ن ش ر).
2- المجاذبات: المنازعات لسان العرب 1: 258، و العيبة: وعاء من أدم يكون فيها المتاع، و المشرجة: المعقودة، المكفوفة لسان العرب 1: 634.
3- أي ينهب و يسرق.
4- آل عمران (3): 161.
5- في نسخة: قرأ بقيّة.

ص: 139

و قد قال بعضهم: «المراد بالإسلال هاهنا: سلّ السيوف، و بالإغلال:

لبس الدروع» و هذا القول غير معروف، و القول الأوّل هو القول السدد، و الصحيح المعتمد.

[المجاز] (105)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الرَّحِمِ: «هِيَ شِجْنَةٌ مِنَ اللَّهِ» (1).

و فيها لغتان: «شِجْنَة» و «شَجْنَة» و هذا القول مجاز؛ لأنّ أصل «الشجنة»: اسم لشعبة من شعب الغصن المتصل بالشجرة، و يقال:

«شجر متشجّن» إذا التفّ بعضه ببعض، و منه قولهم: «الحديث شجون» و «ذو شجون» (2)؛ أي ذوشعب تتشعّب؛ فيذكر بعضها بعضا، و يجرّ أوّل آخرا.

و قيل أيضا: «إنّ الشجون: هي الشعاب المتصلة بالأودية» فيجوز أن يكون الحديث شبّه بها لكثرة طرقه و مداخله، و تعلّق أواخره بأوائله.

و المراد ب «الشجنة» هاهنا تشبيه الرحم بالشعبة المتصلة بالشجرة، فهي بعض منها، و منتسبة إليها، فكذلك الرحم يجب صلتها على من وجب عليه حقّها، و ضرب إليه عرقها.

و يجوز أيضا أن يكون إنّما شبّهت بشجون الوادي؛ لتعلّقها به، و إضافتها إليه، كما قلنا في «شجون الحديث.


1- مسند أحمد 1: 190 و 321، مجمع الزوائد 8: 178، الدر المنثور 6: 65، مستدرك الحاكم 4: 159، و فيه: «الرحم» بدل «هي»، غريب الحديث 1: 209، معاني الأخبار: 302/ 1.
2- مقاتل الطالبيين: 263، التوحيد: 3، معاني الأخبار: 302/ 1، الفرج بعد الشدّة 1: 41، البداية و النهاية 13: 152، مجمع الأمثال 1: 197، غريب الحديث 1: 209.

ص: 140

و قوله: «من اللّه» المراد أنّ اللّه سبحانه جعل حقّها واجبا، و ذمامها (1) لازما. و قد يجوز أن يكون المراد بذلك أنّ اللّه سبحانه يثيب (2) واصلها، و يرعى راعيها، فكأنّها متعلّقة به تعالى- على طريق التمثيل، لا على طريق التحقيق- لتعظيمه (3) تعالى حقّها بترهيب قاطعها، و ترغيب واصلها.

[المجاز] (106)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» (4).

و هذا مجاز على أحد التأويلين:

و هو أن يكون المراد أنّ العاهر لا شي ء له في الولد، فعبّر عن ذلك «بالحجر»، أي له من ذلك ما لا حظّ فيه، و لا انتفاع به، كما لا ينتفع بالحجر في أكثر الأحوال، كأنّه يريد أنّ له من دعواه الخيبة (5) و الحرمان، كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى: «لَيْسَ لَكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا


1- الذمام: الحقّ. أقرب الموارد 1: 373، مادّة (ذ م م).
2- في نسخة يثيب: و هو من سهو النسّاخ.
3- في نسخة: ليعظّم.
4- فقه الرضا عليه السّلام: 262، المقنع: 134، المبسوط 5: 210، السرائر 2: 659، الكافي 5: 491/ 2 و 7: 163/ 1، 3، دعائم الإسلام 1: 130، الفقيه: 3: 451/ 4557، التهذيب 8: 168/ 587، الاستبصار 3: 368/ 1315، الموطأ 2: 739/ 20، سنن النسائي 6: 180، مسند أحمد: 1: 59، سنن الدارمي: 2: 152، صحيح البخاري 3: 5، صحيح مسلم 4: 171، سنن ابن ماجة: 1: 647 ح 2006، سنن أبي داود 1: 507/ 2273، سنن الترمذي 2: 313/ 1167.
5- الخيبة: الحرمان و الخسران لسان العرب 1: 368.

ص: 141

الْحَجَرُ، وَ الْجَلْمَدُ وَ التُّرَابُ وَ الكَثْكَثُ» (1)، أي ليس لك منه إلّا ما لا محصول له، و لا منفعة فيه.

و ممّا يوكد هذا التأويل

مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَ لِلْعَاهِرِ الْأَثْلَبُ»

(2)، «و الأثلب»: التراب المختلط بالحجارة، و هذا الخبر يحقّق أنّ المراد «بالحجر» هاهنا ما لا ينتفع به، كما قلنا أوّلا.

و ممّا يصدّق ذلك قول الشاعر:

كلانا يا معاذ يحبّ ليلى بفيّ و فيك من ليلى التراب

شركتك في هوى من كان حظّي و حظّك من تذكّرها العذاب (3)

أراد: ليس لنا منها إلّا ما لا نفع به و لا حظّ فيه، كالتراب الذي هذه صفته.

و أمّا التأويل الآخر الذي يخرج الكلام عن حيّز المجاز إلى حيّز الحقيقة فهو أن يكون المراد أنّه ليس للعاهر إلّا إقامة الحدّ عليه؛ و هو الرجم بالأحجار، فيكون «الحجر» هاهنا اسما للجنس لا للمعهود.

و هذا إذا كان العاهر محصنا.

فإن كان غير محصن فالمراد ب «الحجر» هاهنا- على قول بعضهم-:

«الإعناف به و الغلظة عليه بتوفية الحدّ الذي يستحقّه من الجلد له» و في


1- أي التراب و فتات الحجارة. أقرب الموارد 2: 1067، مادّة (ك ث ك ث).
2- مسند أحمد 2: 179 و 207، مجمع الزوائد 6: 2.
3- الأغاني 2: 9، 60.

ص: 142

هذا القول تعسّف و استكراه و إن كان داخلا في باب المجاز؛ لأنّ الغلظة على من يقام الحدّ عليه- إذا كان الحدّ جلدا لا رجما- لا يعبّر عنها ب «الحجر» لأنّ ذلك بعد عن سنن (1) الفصاحة، و دخول في باب الفهاهة (2)، فالأولى إذن الاعتماد على التأويل الأوّل؛ لأنّه الأشبه بطريقهم، و الأليق بمقاصدهم.

[المجاز] (107)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَ الْمَالِ» (3).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «وعثاء السّفر»، و هي فعلاء من «الوعث» (4)، و هو ضدّ «الجدد» (5) و السير فيه يشقّ على القدم و المنسم (6)، فجعل عليه الصلاة و السلام طول السفر و شقّته و تكاليفه و مشقّته، بمنزلة الوعثاء التي قاطعها تعب، و الساري فيها نصب.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «و الحور بعد الكور» أي


1- أي طريق. المصباح المنير: 292، مادّة (س ن ن).
2- أي العي و الحصر في المنطق.
3- الموطأ 2: 977، مسند أحمد 5: 83، سنن الترمذي 5: 161/ 3502، صحيح مسلم 2: 799/ 1343.
4- أي الطريق الشاقّ المسلك. المصباح المنير: 664، مادّة (و ع ث).
5- أي الأرض الغليظة المستوية، و منه المثل «من سلك الجدد أمن من العثار». أقرب الموارد 1: 106، مادّة (ج د د).
6- اي خفّ البعير. أقرب الموارد 2: 1298، مادّة (ن س م).

ص: 143

انتشار الأمور بعد انضمامها، و انفراجها بعد التئامها، و ذلك مأخوذ من حور العمامة بعد كورها، و هو نقضها بعد ليّها، و نشرها بعد طيّها.

و قد قيل: «إنّ معناه: القلّة بعد الكثرة، و النقصان بعد الزيادة، فكأنّه تعوّذ من الانتقال عن حال حسنة إلى حال سيّئة» و على ذلك قول الشاعر:

و استعجلوا عن شديد المضغ فابتلعواو الذمّ يبقى و زاد القوم في حور (1)

أي في نقصان، و المعنيان متقاربان.

و قد روي هذا الكلام على وجه آخر، فقيل: «من الحور بعد الكون» بالنون (2)، من قولهم: «حار» إذا رجع، يقولون: «كان على حال جميلة، فحار عنها» أي رجع عمّا كان عليه منها، و الرواية الاولى أعرف عند أهل اللسان، و أشبه بمزاوجة الكلام.

[المجاز] (108)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلشَّارِبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ:

«إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارُ جَهَنَّمَ» (3).

برفع «النار» و الأكثر من الروايات على نصبها، و هذا القول مجاز؛


1- الصحاح 2: 639، لسان العرب 4: 218، تاج العروس 11: 100، و في جميعها: و استعجلوا عن خفيف المضع فازدردوا.
2- أشار إليها الترمذي في سننه 5: 161 ذيل الحديث 3502، و الهروي في غريب الحديث 1: 220.
3- مسند أحمد 6: 98 و 6: 302، سنن الدارمي 2: 121، صحيح البخاري 6: 251، صحيح مسلم 6: 134، سنن ابن ماجة 2: 1130/ 3413، السنن الكبرى 4: 145، مجمع الزوائد: 5: 77، كنز العمّال 15: 258/ 40854، المعتبر 1: 455.

ص: 144

لأنّ نار جهنّم- على الحقيقة- لا تجرجر في جوفه. و «الجرجرة»:

صوت البعير عند الضجر أو الدأب (1)، قال امرؤ القيس يصف طريقا:

على لاحب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود الدّيافيّ (2) جرجرا (3)

و لكنّه عليه الصلاة و السلام جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة- لوقوع النهي عن الشرب فيها، و استحقاق العقاب على استعمالها- كجرجرة نار جهنّم في بطنه؛ على طريق المجاز، إذ كان ذلك مفضيا به إلى حلول دارها و اصطلاء نارها، نعوذ باللّه منها.

و لفظ الخبر «يجرجر» بالياء، و الوجه أن يكون «تجرجر» بالتاء على قول من رواه برفع «النار» و لكنّه لمّا دخل بين فعل المؤنّث و فاعله- الذي هو «النار»- لفظ آخر حسن تذكير الفعل؛ للبعد بينهما، كما قال الشاعر:

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء (4)


1- أي التعب.
2- في النسخة: الذفافي، و في النسخة ب: الذيافي، و كلاهما من سهو النسّاخ.
3- أمالي المرتضى 1: 165، التبيان في تفسير القرآن 1: 189 و 279 و 444 و 2: 88، 356، و فيه: النباطي. اللاحب: الطريق، المنار: العلم يجعل للطريق، سافه: شمّه، لأنّ الدليل يستدلّ على الطريق في الفلاة البعيدة الطرفين يسوفه ترابها؛ ليعلم أعلى قصد هو أم على جور، العود: المسنّ من الإبل، الدّيافي: نوع من الإبل ينسب إلى قرية بالشام أو الجزيرة، و يعرف المنسوب للجزيرة بالنباطي أيضا، و المراد أنّ هذا الطريق ليس به منار فيهتدي به، و إذا ساف و شمّ الجمل تربته جرجر جزعا من بعده و قلّة مائه. راجع لسان العرب 6: 433، مادّة (س و ف).
4- شرح ديوان جرير: 515، آخره: على باب استهاصلب و شام.

ص: 145

وَ قَدْ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: «كَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَاراً» (1)

ف «الإنسان» هاهنا فاعل، و «النار» مفعوله، و على هذه الرواية فالمراد: كأنّما يجرّ في بطنه نارا، فقال: «يجرجر» طلبا لتضعيف اللفظ الدالّ على تكثير الفعل، كما جاء في التنزيل فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ (2)، و المراد: فكبّوا، فيجوز على هذا أن يقال: «جرّ» و «جرجر» كما يقال: «كبّ» و «كبكب» و إن كان الوجه أن يقال:

«جرّر».

و قد جاء في كلام العرب: «جرجر فلان الماء» إذا جرعه متواترا، له صوت كصوت جرجرة البعير، فيكون المراد على هذا القول: كأنّما يتجرّع نار جهنّم، و هذا أصحّ التأويلين.

فأمّا آنية الذهب و الفضّة، فلا يحلّ عندنا الأكل فيها، و لا الشرب منها، و لا يجوز أيضا استعمالها في شي ء ممّا يؤدي إلى مصالح البدن، نحو الادّهان، و اتخاذ الميل للاكتحال، و المجمر (3) للبخور.

و كنت سألت شيخنا أبا بكر محمّد بن موسى الخوارزمي رحمه اللّه- عند انتهائي في القراءة عليه إلى هذه المسألة من كتاب الطهارة- عن المدخنة (4)؛ إذ لا خلاف في المجمرة، فقال: «القياس أنّها غير مكروهة؛


1- رواه أحمد في مسنده 6: 98، و مسلم في صحيحه 6: 135، و ابن ماجة في سننه 2: 1130/ 3415، و البيهقي في سننه 4: 146.
2- الشعراء (26): 94.
3- أي ما يجعل فيه الجمر.
4- أي ما يخرج منها الدخان.

ص: 146

لأنّها تستعمل على وجه التبع للمجمرة، فهي غير مقصودة بالاستعمال؛ لأنّ المجمرة لو جرّدت من غيرها في البخور لقامت بنفسها، و لم تحتج إلى المدخنة مضافة إليها، فأشبهت الشرب في الإناء المفضّض إذا لم يضع فاه على موضع الفضّة».

و في هذه المسألة خلاف للشافعي؛ لأنّه يكره الشرب في الإناء المفضّض، و ذهب داود الأصفهاني إلى كراهة الشرب في أواني الذهب و الفضّة- دون غيره من الأكل و الاستعمال- في مصالح الجسم؛ مضيّا على نهجه في التعلّق بظاهر الخبر الوارد في كراهة الشرب خاصّة، و ليس هذا موضع استقصاء الكلام في هذه المسألة، إلّا أنّ المعتمد عليه في كراهة استعمال هذه الأواني الخبر الذي قدّمنا ذكره؛ لما فيه من تغليظ الوعيد.

وَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ بِهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ» (1)

، فتثبت بهذين الخبرين و ما يجري مجراهما، كراهة الشرب فيها، ثمّ صار الأكل و الادّهان و الاكتحال مقيسا على الشرب؛ بعلّة أنّ الجميع يؤدّي إلى منافع الجسم.

[المجاز] (109)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «هِيَ لَيْلَةُ إِضْحِيَانَةٍ؛ كَأَنَّ قَمَراً يَفْضَحُهَا» (2).

و هذه استعارة؛ لأنّ حقيقة «الفضح» كشف القبيح؛ و هو أن يكشف


1- مستدرك الحاكم 4: 141، كنز العمّال 15: 320/ 41219، الخصال: 341/ 2.
2- النهاية في غريب الحديث 3: 78، مع اختلاف يسير.

ص: 147

على الإنسان ريبة، أو تثني عليه سوءة، و لكنّ القمر لمّا كان كاشفا للسدفة (1) و صادعا للظلمة، أجراه عليه الصلاة و السلام مجرى الثاني للسوءة المخفاة، و الكاشف للريبة المغطاة، و هذه من محاسن الاستعارات.

و قال الشاعر في فضح الصبح للظلام:

يا ربّ كلّ غابق و مصطبح و ربّ كلّ شيطنيّ منسرح

أرسل على الجوفاء في الصّبح الفضح حويريا مثل قضيب المجتدح

متى نضت من كعبها عرقا يرح (2)

قوله «حويريا» تصغير «حار» يريد حيّة طال بقاؤه حتّى حار؛ أي رجع من غلظ و عظم إلى دقّة خلق و جسم، فصار كقضيب المجتدح، و هو المجدح الذي يحرّك به الشراب و السويق (3) و ما يجري مجراهما.

و من كلامهم: «رماه اللّه بأفعى حارية» يريدون هذا المعنى، و قوله «يرح» أي يميت. و مثل ذلك قول العجّاج:


1- السدفة: الظلمة بلغة تميم. أقرب الموارد 1: 506، مادّة (س د ف).
2- لسان العرب 14: 172، تاج العروس 10: 86، و فيها ذكر البيت الثاني خاصّة. الغابق: الممسي، المصطبح: المصبح، المنسرح: المنسلخ من لباس التقوى و الدين، الجوفاء: الدلو الواسعة، الصبح الفضح: الذي يفضح الظلام و يظهر كلّ شي ء، الحويرية: مصغّر الحاري: و هو الأفعي التي قد كبرت و نقص جسمها من الكبر، و لم يبق إلّا رأسها و نفسها و سمّها، و هي أخبث ما يكون، قضيب المجتدح: رأسه عودان معترضان يخلط به السويق في اللبن و نحوه. الأفعي أخرجت و درّت، من كعبها: أي من ثديها، عرقا: لبنا، و المراد به السمّ، يرح: يمت. يدعو اللّه بأن يرسل على أعدائه أفعي فتنفث السمّ في مائهم فيموتوا.
3- طعام يصنع من الحنطة و الشعير. راجع المصباح المنير: 296، مادّة (س و ق).

ص: 148

«أراح بعد الغمّ و التغمّم» (1)

أي أمات اللّه بعد الكرب و الخناق.

و قيل: «يجوز أن يكون قوله: يرح، عائدا على العرق، لا على الحيّة، كأنّه قال: متى نضت منها عرقا يحدث فيه جرحا؛ إذا قيّح كانت عنه رائحة خبيثة» و القول الأوّل أسدّ، و عليه المعتمد.

[المجاز] (110)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ وَ قَدْ بَعَثَهُ مُصَدِّقاً (2): «خُذْ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» (3).

و هذه استعارة على أصل وضعها في كلام العرب؛ لأنّهم يسمّون صغار الإبل «حشوا» و «حاشية» كأنّهم يشبّهونها بحشو الشي ء الذي يتأتّى ذلك فيه، كالمرفقة (4) و الحشيّة (5)، لأنّها غير معتدّ بها، كما أنّ الحشو غير معتدّ به، و إنّما الاعتداد بما هو في ضمنه، و من هذا الموضع سمّوا الرّذّال و الطّغام (6) من الناس «حشوا».

و قد يجوز أن يكونوا إنّما سمّوها بذلك تشبيها بحشوة الإنسان التي هي حوايا جوفه و أمعاء بطنه، يقولون: «طعنه فانتثرت حشوته» أو «ضربه فخرجت حشوته» و إنّما قيل لها: «حشوة» حطّا لها عن منزلة


1- لسان العرب 2: 461، الصحاح 1: 368، و فيه: و التغمّم.
2- أي جابيا و جامعا للصدقات.
3- مسند أحمد 6: 68/ 20170، النهاية في غريب الحديث 1: 392، لسان العرب: 18014، مجمع الزوائد 3: 82.
4- أي المتكأ و المخدّة. أقرب الموارد 1: 420، مادّة (ر ف ق).
5- أي الفراش المحشوّ. أقرب الموارد 1: 197، مادّة (ح ش ي).
6- أي أوغاد الناس. أقرب الموارد 2: 708، مادّة (ط غ م).

ص: 149

ما هو أعلى قدرا منها من كرائم أعضاء الإنسان التي يشتمل عليها جوفه، كالقلب، و النياط (1)، و الكبد، و الفؤاد.

و قد يجوز أن يكون إنّما سمّوها بذلك تشبيها لها بحواشي الثوب؛ في أنّها كالتبع له، و غير قائمة بذاتها دونه، و كذلك صغار الإبل؛ تابعة لكبارها، و غير قائمة بأنفسها. و على مثل هذا المعنى تسميتهم ردي ء المال و رذاله من الإبل و ما في معناهما «شوى» تشبيها له بشوى الإنسان و الفرس و غيره من الحيوان ذي الأربع؛ و هو الأطراف دون كرائم الأعضاء، و شرائف الأحناء (2)، قال الشاعر:

أكلنا الشّوى حتّى إذا لم نجد شوى أشرنا إلى خيراتها بالأصابع (3)

أي: أكلنا رذال إبلنا، فلمّا أنفدناها عطفنا على خيارها، و أشرنا إلى خيارها.

فكأنّه عليه الصلاة و السلام نهى أن يأخذ المصدّق من كرائم الإبل و عقائلها (4)، و أمره بالعدول إلى حشوها و أراذلها؛ رفقا بأصحابها، و حنّوا على أربابها.

[المجاز] (111)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ يَنْطِقُ


1- هو عرق متّصل بالقلب من الوتين إذا قطع مات صاحبه. المصباح المنير: 630، مادّة (ن و ط).
2- الأحناء: مفرد حنو، و هو كلّ ما فيه اعوجاج من البدن لعظم الحجّاج و اللّحي و الضّلع. أقرب الموارد 1: 241، مادّة (ح ن و).
3- أمالي القالي 2: 205، المخصّص: 4 السّفر 14: 29، و السّفر 15: 166، لسان العرب 14: 448، و فيه: حتّى إذا لم ندع ...
4- العقائل: جمع عقيلة، و هي الكريمة النفسية.

ص: 150

الرُّوَيْبِضَةُ» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أمام الساعة، فقال:

«بين يديها» تقريبا لهذه الحال من قيام الساعة؛ لأنّه لو قال: «قبل الساعة» لما أفاد ذلك من القرب منها ما أفاد قوله: «بين يديها» لأنّك إذا أردت التقريب على من استرشدك مكانا تطلبه أو إنسانا تتبعه، قلت له:

«هو بين يديك» أي قريب منك، و لو قلت: هو أمامك، لاحتمل البعد و القرب كما أنّ (قبل) يحتمل البعد و القرب. هذا على الأغلب و الأكثر.

و قد يجوز أن يكون قولك: «أمامك» و «بين يديك» عبارة عن مراد واحد.

و قالوا في «الرويبضة»: «هو امرؤ السوء التافه» و قالوا: «هو الفويسق الخامل».

[المجاز] (112)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ وَصَفَ بِهِ عِدَّةً مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ «وَ غَطَفَانَ أَكَمَةٌ (2) خَشْنَاءُ تَنْفِي النَّاسَ عَنْهَا» (3).

و هذا القول مجاز؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه غطفان- لاشتداد شوكتها، و اتقاد جمرتها- بالأكمة الشاقّة التي تزلّ الأقدام عنها، و تنقطع أطماع الراقين دونها، فجعل امتناع الناس من التعرّض لها،


1- مسند أحمد 2: 291 و 338، سنن ابن ماجة 2: 1340/ 4036، مستدرك الحاكم 4: 466، مجمع الزوائد 7: 284، الغيبة للنعماني: 278/ 62.
2- الأكمة: تلّ، قيل: شرفة كالرابية، و هو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد، و ربّما غلط، و ربّما لم يغلظ. المصباح المنير: 18، مادة (أ ك م).
3- مسند أحمد 5: 346، و فيه: «و غطفان أكمة خشاء تنعي النّاس عنها».

ص: 151

بمنزلة منعها لهم من التطرّق إليها.

[المجاز] (113)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ ذَكَرَ فِيهِ امْرَأَ الْقَيْسِ بْنَ حُجْرٍ: «يَجِي ءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ» (1).

و هذا القول مجاز؛ و ذلك لأنّه عليه الصلاة و السلام لم يرد أنّ امرأ القيس يحمل لواء الشعراء على الحقيقة، و إنّما أراد أنّه يجي ء يوم القيامة على مقدّمتهم، و يدخل النار قبلهم، كما كان في الدنيا متقدّما لهم، و مقدّما عليهم، و إنّما عبّر عليه الصلاة و السلام عن هذا المعنى بحمل اللواء؛ لأنّ حامل اللواء في الحافل المجرورة (2) يكون مقدّما متبوعا و نابها مشهورا، يطأ الناس عليه قدمه (3)، و يتلاحقون على آثار تقدّمه.

[المجاز] (114)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا مِنْ جُرْعَةٍ يَتَجَرَّعُهَا الْإِنْسَانُ أَعْظَمَ أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ فِي اللَّهِ» (4).

و هذا القول مجاز، و المراد ب «جرعة الغيظ» هاهنا الصبر عند الاهتياج (5)، و الكظم عند الانزعاج، و ترك اتّباع نوازع النفس (6) إلى ما تدعو إليه في تلك الحال- من شفاء غيظ، أو تنفيس كرب، أو إطلاق


1- مسند أحمد 2: 228، عيون أخبار 1: 143، الأغاني 8: 200، مجمع الزوائد 1: 119 و 8: 119، كنز العمّال 3: 573/ 7955، البداية و النهاية 2: 277.
2- أي الجيوش الثقيلة في سيرها؛ لكثرة عددها و عتادها.
3- أي آثر قدمه.
4- سنن ابن ماجة 2: 1401/ 4189، كنز العمّال 3: 130/ 5820، التبيان في تفسير القرآن: 2: 594، مشكاة الأنوار 380: 1249، و فيه: «أحبّ إلى اللّه» بدل «أعظم أجرا عند اللّه».
5- اهتاج و تهيّج: ثار لمشقّة أو ضرر. لسان العرب 2: 394.
6- نازعتني نفسي إلى هواها: غالبتني لسان العرب 8: 349.

ص: 152

عقال، أو فعل- مراقبة للّه سبحانه، و تنجّزا لثوابه، و احتجازا عن عقابه.

و شبّه عليه الصلاة و السلام تلك الحال بالجرعة؛ لأنّ الإنسان كأنّه بالكظم لها و الصبر عليها، قد ضاق بها مرارة، و أساغ منها حرارة (1).

و على ذلك قول الشاعر:

شربنا الغيظ حتّى لو سقينادماء بني أميّة ما روينا (2)

و قد روي هذا الخبر على خلاف هذا اللفظ؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ مُصِيبَةٍ يَرُدُّهَا بِحُسْنِ عَزَاءٍ (3)، أَوْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَرُدُّهَا بِحِلْمٍ» (4).

[المجاز] (115)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعَهُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي ذِكْرِ مَنَافِعِ كَثِيرٍ مِنْ بُقُولِ الْأَرْضِ وَ مَضَارِّهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عِنْدَ ذِكْرِ الْجِرْجِيرِ: «فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ عَبْدٍ بَاتَ فِي جَوْفِهِ شَيْ ءٌ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ إِلَّا بَاتَ الْجُذَامُ يُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى يُصْبِحَ؛ إِمَّا أَنْ يَسْلَمَ، وَ إِمَّا أَنْ يَعْطَبَ (5)» (6).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ الداء المخصوص الذي هو الجذام، لا يصحّ أن


1- في نسخة ب: حزازة.
2- أنساب الأشراف 4: 293.
3- أي صبر. المصباح المنير: 408، مادّة (ع ز ي).
4- مسند أحمد 2: 128، الفتح الكبير 3: 88، كنز العمّال 15: 873/ 4347.
5- أي يهلك. المصباح المنير: 416، مادّة (ع ط ب).
6- لم أعثر له مصدر.

ص: 153

يوصف بالرفرفة على الحقيقة؛ لأنّه عرض من الأعراض، و إنّما أراد عليه الصلاة و السلام أنّ البائت على أكل هذه البقلة، يكون على شرف من الوقوع في الجذام؛ لشدّة اختصاصها بتوليد هذه العلّة، فإمّا أن يدفعها اللّه تعالى عنه فتدفع، أو يوقعه فيها فيقع.

و إنّما قال عليه الصلاة و السلام: «يرفرف على رأسه» عبارة عن دنوّ هذه العلّة منه، فيكون بمنزلة الطائر الذي يرفرف على الشي ء إذا همّ بالنزول إليه، و الوقوع عليه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

[المجاز] (116)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ هَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ ...» (2).

و هذه من الاستعارات العجيبة، و المراد بها أنّ أكثر معاثر الأقدام و مصارع الأنام، إنّما تكون بجرائر ألسنتهم عليهم، و عواقب الأقوال السيّئة التي تؤثر عنهم، هذا في الدار الدنيا، و على المتعارف بين أهلها، و المتعالم من مجاري عاداتها، فأمّا في الدار الآخرة فيؤخذون فيها بآثام الأقوال كما يؤخذون بآثام الأفعال، فيكبّون على مناخرهم في أطوار


1- مسند أحمد 5: 236، 237، سنن ابن ماجة 2: 1314، كنز العمّال 15: 919/ 43586. تحف العقول: 56، مشكاة الانوار: 306: 963.
2- سنن الترمذي 4: 125/ 2749، مستدرك الحاكم 2: 413، مجمع الزوائد 7: 234 و 10: 300، كنز العمّال 3: 835/ 8895، تحف العقول: 395.

ص: 154

العذاب، و بين أطباق النيران، نعوذ باللّه منها.

و العبارة عن هذا الحال ب «حصائد الألسنة» من أحسن العبارات؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه ما تحذف به (1) ألسنتهم- من الأقوال المذمومة التي تسوء عواقبها و يعود عليهم وبالها- بالزارع الذي يستوبئ عاقبة زرعه (2)، و الغارس الذي يستمرّ (3) ثمرة غرسه، و هذا كقول القائل لمن اخذ بجريرة و عوقب على جريمة: «احصد ما زرعت، و استوف أجر ما غرست».

[المجاز] (117)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَدُورُ رَحَا الْإِسْلَامِ لِسَنَةِ كَذَا» (4).

و هذا مجاز، و المراد أنّ الإسلام- على هذا العهد- يضطرب في قراره، و يقلق في نصابه بالولاة الذين يتنكبون (5) واضح السبيل، و تنتقض على أيديهم مرر (6) الدين، فشبّه عليه الصلاة و السلام الإسلام بالرحا الساكنة في مستقرّها، القائمة على قطبها، فإذا كان الوقت الذي وقع الإيماء إليه، دارت دور هرج واضطراب، لا دور قوّة و استتباب.

و دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفتين: إحداهما مذمومة، و الاخرى محمودة:


1- أي ترمي به و تلفظه.
2- أي يجد عاقبة زرعة و بيئة سيّئة.
3- أي يجدها مرّة. أقرب الموارد 2: 1199، مادّة (م ر ر).
4- مسند أحمد 1: 390، سنن أبي داود 2: 303/ 4254، مستدرك الحاكم 4: 521، البداية و النهاية 7: 245 و 7: 259، كنز العمّال 11: 130/ 30910.
5- أي يعدلون و يميلون عنه. المصباح المنير: 624، مادّة (ن ك ب).
6- المرر: جمع مرّة، و المراد بها هنا الشدّة و الاستحكام. راجع المصباح المنير: 568، مادّة (م ر ر).

ص: 155

فالمذمومة: هي الحال التي بني الخبر عليها. و على ذلك كان قول عثمان بن حنيف الأنصاري رحمه اللّه يوم الجمل- و كان في حيّز أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و قد رأى استحرار القتل، و استلحام (1) الأمر-: «دارت رحا الإسلام و ربّ الكعبة» (2)، أراد أنّ الناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و هم أصحاب الجمل، قد أزعجوا الإسلام عن مناطه، و أزحفوه عن قراره (3).

و أمّا الحال المحمودة: فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرّك جدّ (4) القوم، و قوّة أمرهم، و علوّ نجمهم، يقال: «دارت رحا بني فلان» إذا اتفقت لهم هذه الأحوال المحمودة و من هذا القبيل أيضا العبارة ب «دوران الرحا» عن هزم عسكر لعسكر، و كسر فيلق لفيلق (5)، قال الشاعر:

طحنت رحا بدر لمهلك فتيةو لمثل بدر تستهلّ الأدمع (6)

فهذه حال كان دور الرحا فيها محمودا لمن دارت له، و مذموما لمن دارت عليه، و إنّما قالوا: «دارت رحا الحرب» لجولان الأبطال فيها، و حركات الخيل تحتها.

و قد روي هذا الخبر على وجه آخر؛ و هو

قَوْلُهُ: «تَزُولُ رَحَا


1- أيّ ثورانه و هيجانه.
2- الكامل في التأريخ 3: 212.
3- القرار من الأرض: المطمئنّ المستقرّ- لسان العرب 5: 85.
4- أيّ حظّ. أقرب الموارد 1: 106، مادّة (ج د د).
5- الفيلق: الجيش- الصّحاح: 4/ 1545، لسان العرب: 1/ 311.
6- الأغاني 22: 125، السّيرة النّبويّة لابن هشام 3: 55، البداية و النّهاية 4: 7، و فيه: تستهلّ و تدمع، تستهلّ: تسيل.

ص: 156

الْإِسْلَامِ» (1)

، و المراد بذلك أنّها تزول عن ثباتها، و تميل عن موضع استقرارها.

[المجاز] (118)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَ ثَمَرَةَ قَلْبِهِ وَ نَخِيلَةَ (2) صَدْرِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ» (3).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «و ثمرة قلبه» استعارة؛ لأنّ المراد بها خالصة صدره، أي بايعه بطاعة صحيحة، و بنيّة غير مدخولة، فشبّه عليه الصلاة و السلام ذلك بالثمرة؛ لأنّها لباب كلّ شي ء و خالصته، و صفوته و خلاصته.

[المجاز] (119)

وَ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ، ثَمَرَاتُ الْقُلُوبِ، وَ قُرَّاتُ الْعَيْنِ» (4).

أراد عليه الصلاة و السلام أنّ الأولاد خالصة القلوب و الأكباد، كما أنّ الثمر خالصة النبات و الأشجار.

و عندي في ذلك وجه آخر، و هو أنّ الولد من أبيه بمنزلة الثمرة من الشجرة؛ لأنّه منه تفرّع، و بوساطته ظهر و طلع، فلو قال: «الأولاد


1- مسند أحمد 1: 451، النهاية في غريب الحديث 2: 211.
2- أي نصيحته. راجع أساس البلاغة: 451، مادّة (ن خ ل).
3- مسند أحمد 2: 193، سنن النسائي 7: 153، صحيح مسلم 6: 18، سنن أبي داود 2: 301/ 4248، السنن الكبرى 8: 169، كنز العمّال 6: 64/ 14856، العمدة: 318/ 534، البداية و النهاية 2: 186.
4- مسند أحمد 5: 182/ 17112، سنن ابن ماجة 2: 1209/ 3666، مستدرك الحاكم 3: 296، مجمع الزوائد 8: 155، كنز العمّال 16: 284/ 44485، ذخائر العقبى: 123، و في نسخة ب: «قرّات الأعين».

ص: 157

ثمرات الرجال» لكان الفرض صحيحا، و المعنى مستقيما، إلّا أنّه عليه الصلاة و السلام أضافهم إلى القلوب، فجعلهم ثمارا لها دون سائر الأعضاء غيرها؛ لأنّ القلب سيّد الأعضاء الرئيسة، و الأحناء الشريفة، فحسنت حينئذ إضافة «الولد» إلى «القلب» خصوصا و إن حسنت إضافته إلى سائر أعضاء الأب عموما؛ لأنّه عصارة مائه، و خلاصة أعضائه.

[المجاز] (120)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّا شَيَّبَهُ، فَقَالَ:

«هُودٌ وَ أَخَوَاتُهَا قَصَفْنَ عَلَيَّ الْأُمَمَ» (1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ أصل «القصف»: كسر الشي ء و حطمه، و من ذلك

مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ- لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ الْمَدِينَةَ- أَنْ قَالَ: «تَرَكْتُ بَنِي قَيْلَةَ (2) يَتَقَاصَفُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ» (3)، يَقُولُ: مِنْ شِدَّةِ ازْدِحَامِهِمْ عَلَيْهِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَكْسِرُ بَعْضاً.

و منه سمّيت الريح الشديدة «قاصفا» لأنّها تحطم الأشجار، و تهدم الجدران.

فالمراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «قصّفن عليّ الأمم» أنّ هودا و ما يجري مجراها من السور، أفيض فيها ذكر مهالك الأمم الخالية، و مصارع القرون الماضية، فنسب عليه الصلاة و السلام إهلاكهم إلى هذه السورة


1- النهاية في غريب الحديث 4: 74، لسان العرب 9: 284.
2- القيلة: الادرة و هي انتفاخ الخصية. لسان العرب 11: 376، مادّة (ق ي ل).
3- النهاية في غريب الحديث 4: 73، 74، لسان العرب 9: 284.

ص: 158

لمّا كانت المترجمة عن ذكر هلاكهم، و الهاتفة بأنباء بوارهم (1)؛ على طريق المجاز و الاتساع.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «قصّفن عليّ» أي تلون عليّ أخبار تلك المهالك، و أنباء تلك المعاطب، و هذا مجاز آخر؛ لأنّ السور متلوّة و ليست بتالية، و لكنّه لمّا نسب فعل الهلاك إليها و أقامها مقام المهلك المعطب، حسن أن يقيمها مقام المتكلّم المخبر.

[المجاز] (121)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الرَّحِمُ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ (2)؛ تَقُولُ: صِلْ مَنْ وَصَلَنِي» (3).

وَ قَدْ رُوِيَ أَيْضاً: «بِلِسَانٍ طُلْقٍ ذُلْقٍ» (4)

بالضمّ في الحرفين جميعا.

و هذا الكلام مجاز، و المراد بذلك أنّ اللّه سبحانه قد أوجب على خلقه صلة الرحم، و أمرهم بالعطافة عليها، و القيام بالحقوق الواجبة لها، فصارت بظاهر هذه الحال كأنّها ناطقة بالحضّ على صلتها، و الدعاء لمن وصلها، و من كلامهم: «أطّت بفلان الرحم» و «الأطيط» هاهنا: الصوت فيه بعض الحنين، كأنّها دعته إلى أن يرعى ذمّتها (5)، و ذكّرته بما يجب عليه لها، و يقولون: «أرزمت (6) إليه الرحم» و «ناشدته الرحم» و ذلك


1- في نسخة: الهاتفة ثانيا ببورهم.
2- أي فصيح.
3- النهاية في غريب الحديث 2: 165، و 3: 134، مسند أحمد 2: 189، مع اختلاف، مجمع الزوائد: 8: 150، كنز العمّال 3: 362/ 6950، مستدرك الحاكم 4: 162.
4- النهاية في غريب الحديث 2: 165.
5- في نسخة ب: ترعى أزمّتها.
6- أي صوّتت و دعته بحنين. راجع لسان العرب 5: 204، مادّة (ر ز م).

ص: 159

في لسانهم أشهر من أن يحتاج إلى إقامة الشواهد و إيضاح الدلائل.

[المجاز] (122)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَمْشُوا عَلَى أَعْقَابِكُمُ الْقَهْقَرَى» (1).

و هذه استعارة، و المراد لا ترجعوا عن دينكم، و لا تكفروا بعد إيمانكم، فتكونوا كالراجع على عقبه عاكسا لقدمه، و ناكصا بعد تقدّمه، فهذا وجه.

و قد يجوز أن يكون المراد: لا تولّوا عن الدين راجعين، و تلتووا عنه منصرفين، فعبّر عن الرجوع بعد الذهاب بالرجوع على الأعقاب؛ لأنّ من عادتهم أن يقولوا: «رجع فلان على عقبه» إذا أدبر عن وجهته، أو خالف قصد جهته، و المعنيان متقاربان.

[المجاز] (123)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَ أَمْرُكُمْ جَمْعٌ (2) يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، وَ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» (3).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «يريد أن يشقّ عصاكم» استعارة، و المراد به تفريق أمرهم، و تشتيت جمعهم، فشبّه ذلك بشقّ العصا؛ لأنّ عن شقّها يكون تشظّيها، و تطاير الصدوع فيها، قال الراعي:

فتشقّقت من بعد ذاك عصاهم شققا و غودر جمعهم مفلولا (4)

أي انتشرت امورهم، و تفرّقت جموعهم.


1- كنز العمّال: 1: 180/ 913، مجمع الزوائد 7: 259، و فيهما: «فلا تمشوا بعدي القهقرى».
2- أي مجتمع. تاج العروس 11: 73، مادّة (ج م ع).
3- صحيح مسلم 6: 23، السنن الكبرى 8: 169، مجمع الزوائد 6: 233، كنز العمّال 6: 51/ 14806.
4- جمهرة أشعار العرب: 433.

ص: 160

و مثل ذلك من كلامهم قولهم: «فضّ اللّه مروتهم» و هي الصخرة، و «فضّ اللّه خدمتهم» و هي الحلقة، فكأنّهم شبّهوا التئام جموعهم بالصخرة الملمومة، و شبّهوا التحام شؤونهم بالحلقة الماطورة (1).

و يجوز أن يكون لشقّ العصا وجه آخر؛ و هو أن يراد به فلّ شوكتهم، و إيهان قوّتهم؛ لأنّ العصا لصاحبها قوّة يدفع بها، و بسطة يعوّل عليها، ألا ترى إلى قوله تعالى حاكيا عن موسى عليه السّلام: «هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى» (2) (3)، فجعل من مرافقها الاعتماد عليها، و الهشّ على الغنم بها، و من المآرب الاخرى التي فيها أن تكون آلة لدفاعه، و عدّة لقراعه (4). و هي بعد عون للماشي، و هداية للعاشي (5)، و سلاطة (6) للراعي.

[المجاز] (124)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ لَبِسَ فِي الدُّنْيَا ثَوْبَ شُهْرَةٍ (7)، أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ» (8).


1- أي المملوءة المفرغة المقطوعة، و كأنّه مأخوذ من قولهم: مطر القربة؛ إذا ملأها.
2- طه (20): 18.
3- أي منافعها. راجع أساس البلاغة: 171، مادّة (ر ف ق).
4- أي الضربه الغير. راجع أقرب الموارد 2: 987، مادّة (ق ر ع).
5- العاشي: القاصد؛ لأنّه يعشو إلى قصده كما يعشو إلى النار. راجع لسان العرب 9: 227، مادّة (ع ش و) و لعلّ مراده قدس سره ضعيف البصر، أو مطلق السائر بليل.
6- أي تسلّط له على غنمه. راجع أساس البلاغة: 217، مادّة (س ل ط).
7- بأن يلبس خلاف زيّه من حيث اللباس، أو من حيث لونه، أو من حيث وضعه و تفصيله و خياطته، كان يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلا. العروة الوثقى: 190، مسألة 42 من شرائط لباس المصلّي.
8- مسند أحمد 2: 92 و 139، سنن ابن ماجة 2: 1192/ 3607، سنن أبي داود 2: 255/ 4029، كنز العمّال 15: 312/ 41169، مشكاة الانوار 553: 1866 مع اختلاف.

ص: 161

و هذه استعارة، و المراد أنّ اللّه سبحانه يشمله بالمذلّة حتّى تضفو (1) عليه من جهاته، و تلتقي عليه من جنباته، كما يشمل الثوب بدن لابسه، فيكون سادّا لخلله، و مغطّيا لفرجه، و معنى هذه المذلّة: أن يحقّره سبحانه في القلوب، و يصغّره في العيون.

وَ رُبَّمَا زِيدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: «أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ فِي الْآخِرَةِ»

و المذلّة في الآخرة: هي حرمان الثواب، و إنزال العقاب.

[المجاز] (125)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ جَاءَ رَجُلٌ بِامْرَأَتِهِ يَشْكُو خُلُقَهَا، فَأَخَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ بِرَأْسَيْهِمَا وَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهُمَا» (2).

و هذه استعارة، و المراد: اللّهم قرّب بينهما، و لائم بين خلقيهما، و ذلك مأخوذ من «الأري» و هي الآخيّة (3) التي تربط الدابّة إليها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام دعا لهما أن يكونا كالدابّتين على الآريّ؛ في المقاربة و الملازمة، و عدم النّفار و المباعدة.

و قد يجوز أن يكون ذلك مأخوذا من قولهم: «أرّيت العقدة» إذا شددتها و أحكمت عقدها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام دعا لهما بأن يكون عقد الودّ بينهما، فتكون أخلاقهما متوافقة، و أحوالهما متلافقة.

و قد يجوز أيضا أن يكون ذلك مأخوذا من قولهم: «أرى فلان بالمكان» إذا أقام به، فكأنّه عليه الصلاة و السلام دعا لهما بأن يثبتا على


1- تضفو: تتّسع و تكثر (لسان العرب: 14/ 485).
2- غريب الحديث للهروي 1: 470، الفائق 1: 22، المحيط في اللغة 1: 297.
3- هي عروة تريط إلى وتد مدقوق و تشدّ فيها الدابّة. المصباح المنير: 8، مادّة (أ خ و).

ص: 162

الألفة، و يدوما على المودّة.

و «التأرّي» أيضا: التوقّع للشي ء و الانتظار له، قال الشاعر:

لا يتأرّى لما في القدر يرقبه و لا يعضّ على شرسوفه الصّفر (1)

[المجاز] (126)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلرُّمَاةِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: «انْضَحُوا عَنَّا الْخَيْلَ بِالنَّبْلِ؛ لَا يَأْتُونَّا مِنْ خَلْفِنَا» (2).

و هذه استعارة، و أصل «النضح» صبّ الماء، و هو أقلّ من النّضخ؛ بالخاء معجمة، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال لهم: «صبّوا عليهم النّبل صبّ شآبيب (3) المطر». و قد يشبهون السهام بمواقع القطار (4) إذا أرادوا صدق الإصابة، و سرعة الموالاة و المتابعة.

[المجاز] (127)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي هِجَاءِ شُعَرَاءِ الْإِسْلَامِ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: «فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَأَنَّمَا يَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ» (5).

و قد يجوز أن يكون ذلك مأخوذا من قولهم: «نضح الشجر ينضح


1- أمالي المرتضى 3: 110، ديوان الاعشى: 268، العين 7: 113 عن الأعشى، و ج 8: 303، إصلاح المنطق: 3، و قد ذكره صدره إلّا أيدله بعجر آخر، الصحاح: 2: 714 و 6: 2266، الشرشوف: غضروف معلّق بكلّ ضلغ، مثل غضروف الكتف، الصفر: الجوع، و قيل: دابّة تعضّ الضلوع و الشراسيف. راجع لسان العرب 7: 358، مادّة (ص ف ر).
2- البداية و النهاية 4: 17، معجم المقاييس اللغة 1: 438، لا يوجد هذا الحديث في بعض النسخ المطبوعة.
3- الشآبيب: جمع شؤبوب، و هو شدّة دفع المطر. أقرب الموارد 1: 564، مادّة (ش أ ب ب).
4- القطار من الإبل: قطعة على نسق واحد. أقرب الموارد 1: 1012، مادّة (ق ط ر).
5- مسند أحمد 3: 456، و فيه: «تنضحونهم» و 3: 460، سنن النسائي 5: 202، و فيه: «كأنّما»، السنن الكبرى 10: 239، كنز العمّال 3: 862/ 8963 و 8964، تفسير نور الثقلين 4: 70/ 105.

ص: 163

نضحا» إذا تفطّر للتوريق، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «شقّقوا جلودهم بنبلكم كما تتشقّق ألحية (1) الشجر عن طوالع أوراقه، و نواجم (2) أفنانه» (3).

[المجاز] (128)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ كَسَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قِبْطِيَّةً (4)، فَكَسَاهَا امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا» (5).

و هذه استعارة، و المراد أنّ القبطية برقّتها تلصق بالجسم، فتبيّن حجم الثديين و الرادفتين (6)، و ما يشذّ من لحم العضدين و الفخذين، فيعرف الناظر إليها مقادير هذه الأعضاء حتّى تكون كالظاهرة للحظه، و الممكنة للمسه، فجعلها عليه الصلاة و السلام لهذه الحال كالواصفة لما خلفها، و المخبرة عمّا استتر بها، و هذه من أحسن العبارات عن هذا المعنى.

و هذا الفرض رمى عمر بن الخطّاب في قوله: «إيّاكم و لبس القباطي؛ فإنّها إلّا تشفّ تصف» (7)، فكان رسول اللّه عليه الصلاة و السلام أبا عذر


1- الألحية: جمع لحاء، و هو قشر الشجر. أقرب الموارد 2: 1135، مادّة (ل ح ي).
2- النواجم: جمع ناجم، و هو الطالع و الظاهر.
3- الأفنان: جمع فنن، و هو الغصن المستقيم طولا و عرضا. أقرب الموارد 2: 947، مادّة (ف ن ن).
4- هو ثوب من كتان رقيق يعمل.
5- مسند أحمد 5: 205، السنن الكبرى 2: 234، مجمع الزوائد 5: 137.
6- أي الأليتين.
7- السنن الكبرى 2: 235 النهاية في غريب الحديث 4: 7، و فيه: «لا تلبسوا نساءكم القباطيّ».

ص: 164

هذا المعنى (1)، و من تبعه فإنّما سلك نهجه، و طلع فجّه (2).

[المجاز] (129)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَعْضِيَةَ فِي مِيرَاثٍ، إِلَّا فِيمَا حَمَلَ الْقَسْمَ» (3).

و هذه استعارة، و المراد ب «التعضية» التفريق، من قولهم: «عضّى الجزور» (4) إذا نحرها. و قسّم أعضاءها، و فرّق أشلاءها، فشبّه عليه الصلاة و السلام الميراث المقتسم بالأعضاء المتفرّقة، و الأشلاء الموزّعة.

و معنى: «إلّا ما حمل القسم» أي ما احتمل إذا قسّم أعضاء و فرّق أجزاء ألّا يكون ذلك مضرّا به، و مفسدا له، و ما لا يحتمل القسم- كالحمّام من العقار (5)، و الدرّة (6) من العروض (7)، و ما في معنى هذين الجنسين- من المال الموروث. و على ذلك قول الشاعر:


1- يقال: هو أبو عذر فلانة، لأوّل من اختصّها، ثمّ قيل: هو أبو عذر هذا الكلام، لأوّل من قاله. راجع أساس البلاغة: 296، مادّة (ع ذ ر).
2- أي طريقه الواضح الواسع. المصباح المنير: 462، مادّة (ف ج ج).
3- سنن الدارقطني 4: 219، غريب الحديث لابن الجوزي 2: 104، البحار 76: 345، الفائق 1: 162، السنن الكبرى 10: 133، كنز العمّال 11: 9/ 30401، غريب الحديث 1: 212، و فيه: «إلّا إذا حمل القسم».
4- أي الإبل، و قيل: الناقة التي تنحر. راجع المصباح المنير: 98، مادّة (ج ر ز).
5- و هو كلّ ملك ثابت له أصل، كالدار و النخل. المصباح المنير: 421، مادّة (ع ق ر).
6- أي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة. المصباح المنير: 191، مادّة (د ر ر).
7- أي الأمتعة التي لا يدخلها كيل و لا وزن، و لا تكون حيوانا و لا عقارا. المصباح المنير: 404، مادّة (ع ر ض).

ص: 165

و ليس دين اللّه بالمعضّى (1)

أي ليس الدين بالمفرّق الموزّع، و لكنّه المضموم المجتمع.

[المجاز] (130)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ: «وَ لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ؛ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ» (2).

و هذه استعارة، و المراد ب «البيضة» هاهنا مجتمع امّته عليه الصلاة و السلام، و موضع سلطانهم، و مستقرّ دعوتهم، و شبّه ذلك بالبيضة لاجتماعها، و تلاحق أجزائها، و استناد ظاهرها إلى باطنها، و امتناع باطنها بظاهرها.

و قد يجوز أن يكون المراد ب «البيضة» هاهنا المغفر (3) الذي هو من لامة الحرب (4)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه مكان اجتماعهم و مظنّة اتّفاقهم و التئامهم، ببيضة الحديد التي تحصن الدارع، و تردّ القوارع.

و كان شيخنا أبو الفتح النحوي رحمه اللّه يقول: «قولهم فيها «الجمّاء الغفير» يريدون به البيضة التي هي المغفر (5)، و سمّوها جمّاء، لملاستها، و غفيرا؛


1- ديوان رؤبة: 81، الأغاني 20: 344، الجامع لأحكام القرآن تفسير القرطبي 10: 39، لسان العرب 15: 68.
2- مسند أحمد 5: 278 و 284، صحيح مسلم 8: 171، سنن أبي داود 2: 302/ 4252، سنن الترمذي 3: 319/ 2267، كنز العمّال 11: 366/ 31761، البداية و النهاية 7: 306.
3- المغفر: ما يلبس تحت البيضة المصباح المنير: 449، مادّة (غ ف ر) و لعلّ أن يقال و المراد بالبيضة هاهنا ما على المغفر ... لأنّ البيضة هي الخوذة التحديدية لانفس المغفر.
4- أي درعه. المصباح المنير: 560، مادّة (ل و م).
5- عرفت ما فيه.

ص: 166

لتغطيتها (1)، كأنّهم بهذا الكلام يصفون قوما بالقوّة و الاجتماع، و الكثرة و الاحتشاد (2)، فشبهوا قوّتهم بالحديد الذي هو النهاية في الشدّة، و شبّهوا كثرته في أنّ بعضهم ليستر بعضا بالمغفر الذي هو غطاء لما تحته من شعر الهامة».

و في هذا الكلام مسألة من الإعراب، و هي من مسائل «الكتاب» (3) و ليس كتابنا هذا مقتضيا لذكرها فنتعاطاه، لا سيّما و غرضنا فيه اتباع نهج الاختصار، و الانحراف عن طريق الإكثار و الإطناب.

[المجاز] (131)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ كَسَبَ مَالًا مِنْ نَهَاوِشَ أَنْفَقَهُ فِي نَهَابِرَ» (4).

و في هذا الكلام مجاز، و المراد ب «النهاوش»- على ما قاله أهل العربية-: اكتساب الأموال من النواحي المكروهة، و الوجوه المذمومة، و من غير حلّها، و لا حميد سبلها، و ذلك مأخوذ من «نهش (5) الحيّة»


1- أي لأنّها تغفر الرأس و تغطيه.
2- الاحتشاد: التجمع و التأهّب لسان العرب 3: 150.
3- قال سيبويه: «الجمّاد الغفير: من الأسماء التي وضعت موضع الحال و دخلتها الألف و اللام كما دخلت في العراك من قولهم: أرسلها العراك» أي أوردها عراكا، فقولك: جاءنا الجمّاد الغفير، معناه جاؤونا جميعا، فهي منصوبة على الحال رغم وجود الألف و اللام؛ لأنّها زائدة شاذّة. راجع لسان العرب 2: 368، مادّة (ج م م).
4- النهاية في غريب الحديث 5: 133 و 137، لسان العرب 6: 361، كنز العمّال 4: 13/ 9265، اعلام الورى: 276، مع اختلاف في الكل، بصائر الدرجات: 336، مناقب ابن شهر آشوب 3: 347.
5- النهش: تناول من بعيد، و هو دون النهس، و هو القبض على اللحم و نثره، و عكس ثعلب فقال: النهس يكون بأطراف الأسنان، و النهش بالأسنان و بالأخراس المصباح المنير: 628، مادّة (ن ه س).

ص: 167

كأنّها تنهش من هنا و من هنا؛ لا تتّقي منهشا، و لا تجتنب ملبسا و ذلك ضدّ

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ: «اطْلُبُوا الْمَالَ مِنْ حِسَانِ الْوُجُوهِ»

(1)؛ أي من وجوه المكاسب الطيّبة التي يحسن الطلب منها، و لا يذمّ التعرّض لها.

و قال أبو عبيدة: «هو «مهاوش» بالميم، يريد أخذ المال من التلصّص، نحو لصوص بني سعد» (2).

و قال غيره: «ذلك مأخوذ من الهوش (3)، يقال: تهاوش القوم؛ إذا اختلطوا، و منه قوله عليه الصلاة و السلام: «إيّاكم و هوشات الأسواق» (4) أي اختلاطها و فسادها، و الميم زائدة في بناء الكلمة»، و المعنى راجع إلى ما قاله أبو عبيدة؛ لأنّ الأموال المأخوذة من التلصّص، موصوفة بالاختلاط في أنفسها، و الأخذ لها موصوف بالتخليط فيها.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «أنفقه في نهابر» أي في الوجوه المحرّمة التي يضيع الإنفاق فيها، و لا يعود إليه نفع منها. و ذلك مأخوذ


1- مسند الشهاب 1: 384، تاريخ بغداد 11: 295، الموضوعات لابن الجوزي 2: 163، مجمع الزوائد 8: 194، 195، كنز العمّال 6: 516/ 16739، الخصال 394: 99، الاختصاص: 233، في بعض المصادر: «الخير» بدل «المال».
2- انظر: غريب الحديث 4: 86.
3- النهاية في غريب الحديث 5: 282، لسان العرب 6: 366.
4- النهاية في غريب الحديث 5: 282، عن ابن مسعود، الفائق في غريب الحديث 4: 119 مادّة (ه و ش)، لسان العرب 6: 366، العين 1: 68، و فيه: «اتّقوا» بدل «ايّاكم».

ص: 168

من «نهابر الرمل» واحدتها: «نهبورة» و هي وهدات (1) تكون بين الرمال المستعظمة؛ إذا وقع البعير فيها استرسخت (2) قوائمه، و لم يكد يتخلّص منها، و يقال: «حفر بين الآكام (3) يصعب السلوك بها، و تكثر المعاثر فيها» فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه ما يكسب من الحرام و ينفق في الحرام، بالشي ء الواقع في عجمة الرمل (4)؛ لا يرجى وجوده، و لا ينشد مفقوده، و مع ذلك فقد أرصد لمنفقه أليم العذاب، و عظيم العقاب.

[المجاز] (132)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ لِبَعْضِ الْوُفُودِ: «لَا يُبَاحُ مَاؤُهُ، وَ لَا يُعْقَرُ أَرْعَاؤُهُ» (5).

و هذه استعارة، و المراد به: لا يقطع ما فيه من شجر أو كلأ إلّا بإذن صاحبه، فشبّه عليه الصلاة و السلام ما يقطع من الشجر بما يعقر من الإبل، و ذلك من التشبيهات الواقعة و التمثيلات النافعة؛ لأنّ سقوط الشجر عن قطعها كسقوط البدنة عن عقرها.

[المجاز] (133)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ؛ لَا يُبَاعُ، وَ لَا يُوهَبُ» (6).


1- الوهدات: جمع وهدة، و هي الأرض المنخفضة. راجع أقرب الموارد 2: 1490، مادّة (و ه د).
2- أي ثبتت، و في نسخة: استرخت.
3- أي التلال.
4- أي كثرته. راجع أقرب الموارد 2: 751، مادّة (ع ج م).
5- الأرعاء: جمع رعي، و هو الكلأ و العشب. أسد الغابة 2: 27، و فيه: «لا يباع» النهاية في غريب الحديث 3: 273.
6- المبسوط 4: 93 و 6: 70، السرائر 3: 24، الفقيه 3: 133/ 3494، التهذيب 8: 255/ 926. الاستبصار 4: 24/ 78، الإمامة و التبصرة: 177 سنن الدارمي 2: 398، مستدرك الحاكم 4: 341، السنن الكبرى: 6: 240، كنز العمّال 10: 324/ 29624.

ص: 169

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل التحام الوليّ بوليّه، كالتحام النسيب بنسيبه في استحقاق الميراث، و في كثير من الأحكام، و ذلك مأخوذ من «لحمة الثوب» و «سداه» (1) لأنّهما يصيران كالشي ء الواحد بما بينهما من المداخلة الشديدة و المشابكة الوكيدة (2)، و يقال:

«لحمة البازي» (3) و «لحمة النسب» و «لحمة الثوب» واحد؛ و هي المشابكة و المخالطة، إلّا أنّهم فرّقوا بين اللفظين؛ ليكون ذلك تمييزا للمسمّين.

[المجاز] (134)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُؤْمِنُ مُوهٍ رَاقِعٌ» (4).

و هذه استعارة، و المراد أنّ المؤمن إذا أساء أحسن، و إذا أخطأ ندم، فكأنّه يوهي دينه بمعصيته، و يرقعه بتوبته، فشبّهه عليه الصلاة و السلام بمن يخرق ثوبا، ثمّ يبادر رقع ما خرق، و رتق ما فتق.

[المجاز] (135)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وَ لَا حُجَّةَ لَهُ» (5).

و هذه استعارة، و المراد ب «خلع اليد» هاهنا الخروج عن طاعة الإمام


1- اللحة: خيوط القماش العرضية، و السداة: خيوطه الطولية.
2- الوكيدة: الشديدة و الوثيقة. لسان العرب 3: 466.
3- أي لحمة الصقر، و هي ما يطعمه إذا صاد. المصباح المنير: 551، مادّة (ل ح م).
4- كشف الخفاء 2: 407، النهاية في غريب الحديث 2: 251، لسان العرب 8: 131، و فيها: «واه راقع». كنز العمّال 1: 143/ 691، مجمع الزوائد 10: 201.
5- صحيح مسلم 6: 22، السنن الكبرى 8: 156، كنز العمّال 6: 52/ 14810، العمدة: 319 و 320.

ص: 170

العادل، فشبّه عليه الصلاة و السلام من يخرج عن طاعة سلطانه، بالأسير الذي نزع يده من ربقته، و أخرج عنقه عن جامعته (1)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أقام لوازم الطاعة في الأعناق، مقام الجوامع في الأيدي و الرقاب، و جعل الخارج منها كالمارق من ربقة الأسر، و الناصل (2) من مثناة (3) الحبل.

[المجاز] (136)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْآخِرَةَ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَ أَتَتْهُ الدُّنْيَا وَ هِيَ رَاغِمَةٌ» (4).

و هذه استعارة، و المراد: أتته الدنيا من حيث لايطلبها، و درّت عليه منافعها من حيث لا يحتسبها، فأقام عليه الصلاة و السلام مواتاة الدنيا من غير طلب، مقام إتيانها راغمة، و إقبالها عليه ضارعة. و أصل «الرغم» أن يلصق الأنف ب «الرغام» و هو التراب، و قيل: «الرمل» و ليس يكاد يكون ذلك إلّا عن غاية الخشوع، و نهاية الخضوع.

[المجاز] (137)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَ سُنَّةِ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي؛ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (5).

و هذا مجاز، و المراد أن اقطعوا عليها، و قفوا عندها، و لا تتجاوزوها


1- سمّيت: جامعة؛ لأنّها تجمع اليدين إلى العنق. أقرب الموارد 1: 138، مادّة (ج م ع).
2- أي الخارج.
3- المثناة: حبل من صوف أو شعر أو غير. أقرب الموارد 1: 97، مادّة (ث ن ي).
4- مسند أحمد 5: 183، سنن الدارمي 1: 75، سنن ابن ماجة 2: 1375، مجمع الزوائد 10: 247، كنز العمّال 3: 206/ 6187، مع اختلاف في الجميع.
5- مسند أحمد 4: 126، سنن الدارمي 1: 45، سنن ابن ماجة 1: 16/ 42، سنن أبي داود: 2: 393/ 4607، مستدرك الحاكم 1: 96.

ص: 171

إلى غيرها، كما أنّ من شدّد العضّ بنواجذه على الشي ء الذي يتأتّى فيه القطع قطعه. و «النواجذ» أقصى الأضراس، و هي أقواها و أمضاها.

و قد يجوز أن يكون المراد الأمر بلزوم سنّته عليه الصلاة و السلام، كما أنّ العاضّ بنواجذه على الشي ء الذي لا يتأتّى فيه القطع، يلزمه أشدّ اللزوم؛ لقوّة العوازم (1) و استحصاف (2) اللوازم.

[المجاز] (138)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «حُبُّكَ الشَّيْ ءَ يُعْمِي وَ يُصِمُّ» (3).

و هذا مجاز؛ لأنّ الحبّ للشي ء على الحقيقة لا يعمي و لا يصمّ، و إنّما المراد أنّ الإنسان إذا أحبّ الشي ء، أغضى عن مواضع عيوبه كأنّه لا ينظرها، و أعرض عن الملاوم و المعاتب من أجله؛ كأنّه لا يسمعها، فصار من هذا الوجه كالأعمى لتغاضيه، و الأصمّ لتغابيه.

[المجاز] (139)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَنَامُ عَيْنَايَ وَ لَا يَنَامُ قَلْبِي» (4).

و هذا القول عند المحقّقين من العلماء مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام لو كان قلبه لا ينام على الحقيقة كقلوب الناس، لكان ذلك من أكبر معجزاته، و أبهر آياته، و لوجب أن تتظاهر الأخبار بنقله، كما تظاهرت بنقل غيره من أعلامه و دلالته.

و ممّا يحقّق قولنا

مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ


1- العوازم: جمع عزيمة، و هي الإرادة الشّديدة.
2- أيّ الستحكام.
3- مسند أحمد 5: 194، سنن أبي داود 2: 505/ 5130، البداية و النّهاية 12: 407.
4- مسند أحمد 1: 220 و 6: 36، سنن أبي داود 1: 52/ 202، سنن التّرمذيّ 3: 354/ 2350، السّنن الكبرى 1: 121.

ص: 172

الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ نَامَ وَ نَفَخَ، صَلَّى وَ لَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقِيلَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَيْسَ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ قَاعِداً، إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً» (1).

وَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَوْ مُتَوَرِّكاً» (2).

فإنّه إذا نام كذلك استرخت مفاصله، فبيّن عليه الصلاة و السلام أنّه لو نام مضطجعا للزمه الوضوء؛ لاسترخاء مفاصله، فلو كان قلبه لا ينام لما وجب عليه الوضوء إذا نام مضطجعا، كما لا يجب عليه إذا نام قاعدا (3).

و قد يجوز أن يكون المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «تنام عيناي و لا ينام قلبي» أنّه لا يعتقد من حال نومه- من الرؤيا الفاسدة، و المنامات المتضادّة- ما يعتقده غيره من سائر البشر، فيكون في حكم المستيقظ، و بمنزلة المتحفّظ.

[المجاز] (140)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِيَّاكُمْ وَ الْمُشَارَّةَ (4)؛ فَإِنَّهَا تُحْيِي الْعُرَّةَ، وَ تُمِيتُ الْغُرَّةَ» (5).


1- سنن الترمذي 1: 51، سنن أبي داود 1: 52/ 202، السنن الكبرى 1: 121، رجال الكشّي: 1: 124، المعتبر 1: 110، كنز العمّال 9: 341/ 26345.
2- رجال الكشّي 1: 124، نهج الحقّ و كشف الصدق: 413.
3- قال السيّد الداماد قدس سره: «هذا الحديث متواتر؛ قد تظافرت و تظاهرت طرق نقله» أي حديث رؤية النبى صلى اللّه عليه و آله و سلّم في منامه كرؤيته في يقظته «و ما ذكره» أي السيّد الرضى رحمه اللّه «من رواية ابن عبّاس خبر من باب الآحاد، و لا تعويل عليه. و العمل في المذهب من طريق أهل البيت عليهم السّلام- أنّ مطلق النوم الغالب على الحواسّ ناقض للوضوء؛ اضطجاعا كان أو قعودا» اختيار معرفة الرجال 1: 125.
4- أي المخاصمة.
5- مسند الشهاب 2: 95، مجمع الزوائد 8: 75، كنز العمال 3: 7843، غريب الحديث لابن الجوزي 2: 80، الكافي 2: 301/ 7، مع اختلاف.

ص: 173

و هذه استعارة عجيبة، و المراد بها أنّ مشارّة الناس تظهر المعائب، و تخفي المناقب؛ لأنّ المهاتر المشاغب (1) لا يقدر لمخاصمه على مثلبة إلّا بحثها، و لا يجد له منقبة إلّا دفنها، فكأنّه يميت محاسنه، و يحيي مساويه. و جعل عليه الصلاة و السلام الغرّة في مكان المنقبة؛ لتجمّل الإنسان بنشرها (2)، و جعل العرّة في مكان المثلبة؛ لتهجّن الإنسان بكشفها (3).

و قد قيل: «إنّ المراد بالغرّة هاهنا: النفيسة من المال، و منه قول الشاعر:

غرير التّلاد منيل الطّعام (4)

أراد بغرير التلاد: كرائم المال، و المراد بالعرّة: البلاء و الهلاك، مأخوذ من العرّة، و هي قروح تصيب الإبل» و هذا القول ذكره أبو عبيدة، و القول الأوّل أشبه بظاهر الكلام، و أبعد من الاعتساف و الاستكراه.

و ممّا يؤكد ذلك

مَا رُوِيَ عَنْ جَدِّنَا الصَّادِقِ؛ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَ تَعْدَادَ الْعُرَّةِ؛ فَإِنَّهَا تَكْشِفُ الْعَوْرَةَ، وَ تُورِثُ الْمَعَرَّةَ» (5)

، فهذا كالبيان لذلك الإجمال، و الإخراج من ذاك الاحتمال.


1- المهاتر: المستهتر الذي لا يبالي ما قيل فيه الصحاح 2: 851، و المشاغب: المهيّج للشرّ الصحاح: 1: 157.
2- فإنّ الغرّة: بياض يكون في وجه الفرس، و هي أيضا كلّ شي ء ترفع قيمته. راجع لسان العرب 10: 46، 47 مادّة (غ ر ر).
3- فإنّ العرّة: القذر و عذرة الناس. لسان العرب 9: 126، مادّة (ع ر ر).
4- غريب الحديث لأبي عبيد 2: 117.
5- المعرّة هنا: البغضاء و التخاصم و التقاتل. أمالي الطوسي: 482/ 2052.

ص: 174

[المجاز] (141)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ الْحَسَدُ وَ الْبَغْضَاءُ، وَ هِيَ الْحَالِقَةُ؛ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعْرِ» (1).

و هذه استعارة، و المراد ب «الحالقة» هاهنا المبيرة المهلكة؛ أي هذه الخلّة (2) المذمومة تهلك الدين و تستأصله، كما تستأصل الموسى الشعر، و المقراض الوبرز و على هذا قول الشاعر:

أرسل عليهم سنة قاشوره (3)تحتلق النّاس احتلاق النّوره (4)

أي تبير الناس، فتأتي على نفوسهم، أو تأتي على أموالهم من الإبل و الشياه، فتكون كأنّها قد أتت على نفوسهم بإتيانها على ما هو قوام نفوسهم.

و إنّما جعل عليه الصلاة و السلام البغضاء حالقة للدين؛ لأنّها سبب التفاني (5) و التهالك، و الإيقاع في المعاطب و المهالك، و الداعي إلى سفك الدم الحرام، و احتمال أعباء الآثام.

[المجاز] (142)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» (6).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل ضروب العلم بمنزلة


1- مسند أحمد 1: 165 و 167، سنن الترمذي 4: 74/ 2628، السنن الكبرى 10: 232، مجمع الزوائد 8: 30، كنز العمّال 3: 462/ 7443.
2- أي الخصلة.
3- أي: مجدبة تقشر كلّ شي ء و تزيله. راجع لسان العرب 11: 172.
4- أمالي المفيد: 344، الصحاح 2: 792، لسان العرب 5: 94.
5- تفانى القوم: أفنى بعضهم بعضا في الحرب لسان العرب 15: 164.
6- سنن الدارمي 1: 127، مستدرك الحاكم 1: 106، كنز العمّال 10: 293321249، تحف العقول: 36، رجال الطوسي: 50، نقله عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام بحذف الاسناد.

ص: 175

الإبل الصعاب (1) التي تشرد إن لم تعقل، و تندّ (2) إن لم تقيّد، و جعل الكتاب لها بمنزلة الأقياد المانعة و العقل (3) اللازمة، و من هناك أيضا سمّوا مثل شكل الخطّ «تقييدا» فقالوا: «خطّ مقيّد بالشكل» كأنّه حفظ عليه إيضاحه في إفهامه، و لو لا الشكل لضلّ بيانه، و انكر عرفانه.

و ممّا يشبه ذلك الحال التي من أجلها سمّي العقل «عقلا» و هو عندنا اسم لعلوم مخصوصة يطول بتعدادها الكتاب:

منها: العلم بمجاري العادات.

و منها: العلم بالمشاهدات، و هو أقوى هذه العلوم و أولاها بالتقديم؛ لأنّ الإنسان إذا لم يعلم بالمشاهدات لم يصح أن يعلم شيئا غيرها من المعلومات.

و منها: العلم بأنّ الشي ء لا يخلو من وجود أو عدم، و الموجود لا يخلو من حدوث أو قدم، و أنّ الجسم لا يجوز أن يكون في مكانين في وقت واحد، و الجسمين لا يصحّ كونهما في مكان واحد في حال واحدة.

و منها: العلم بقبح كثير من المقبّحات كنحو الظلم و الكذب الذي ليس فيه جرّ منفعة، و لا دفع مضرّة، و الأمر بالقبيح، و كفران النعمة.

و منها: العلم بحسن كثير من المحسّنات، كنحو إرشاد الضالّ، و بذل الإفضال.


1- أي غير المروضة.
2- أي تنفر و تذهب. راجع أقرب الموارد 2: 1284، مادّة (ن د د).
3- العقل: جمع عقال، و هو الحبل الذي يعقل به البعير في وسط ذارعه.

ص: 176

و منها: العلم بوجوب كثير من الواجبات كنحو الإنصاف، و العدل، و شكر المنعم، و ترك الظلم.

و منها: العلم بتعلّق الفعل بالفاعلين، و الاضطرار عند أحوال مخصوصة إلى كثير من قصود المخاطبين.

و منها: معرفة ما يمارسه الإنسان من الصنائع المعاطاة، و الحرف المعاناة.

و منها: معرفة ما يسمعه من مخبر الأخبار إذا كان المخبرون عددا مخصوصا، و كانوا عالمين بما أخبروا به اضطرارا ... و قد تركنا ذكر كثير من هذه الأقسام عدولا إلى جانب الاختصار.

و ذكر لي قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد- عند قراءتي عليه ما قرأته من كتابه الموسوم ب «العمدة في اصول الفقه»-: «أنّ هذه العلوم المخصوصة إنّما سمّيت «عقلا» لأنّها تعقل عن فعل المقبّحات؛ و ذلك؛ لأنّ العالم بها إذا دعته نفسه إلى ارتكاب شي ء من المقبّحات، منعه علمه بقبحه من ارتكابه، و الإقدام على طرق بابه، تشبيها بعقال الناقة المانع لها من الشرود، و الحائل بينها و بين النهوض، و لهذا المعنى لم يوصف القديم تعالى بأنّه: عاقل، لأنّ هذه العلوم غير حاصلة له، إذ هو عالم بالمعلومات كلّها لذاته. قال: و قيل أيضا: إنّما سمّيت هذه العلوم المخصوصة عقلا؛ لأنّ ما سواها من العلوم يثبت بثباتها، و يستقرّ باستقرارها؛ تشبيها بعقال الناقة الذي به تثبت في مكانها، و لمثل ذلك قيل: معقل الجبل، للمكان الذي يلجأ إليه، و يعتصم به، و له سمّيت

ص: 177

المرأة: عقيلة، و هي التي يمنعها شرف بيتها و كرم أصلها و قوّة حزمها من الإقدام على ما يشينها، و التعرض لما يعيبها، و الكلام في تفصيل هذه العلوم و بيان ما لأجله احتيج إلى كلّ واحد منها يطول، و ليس هذا الكتاب من مظانّ ذكره، و مواضع شرحه.

[المجاز] (143)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «سَيَحْرِصُونَ بَعْدِي عَلَى الْإِمَارَةِ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعُ، وَ بِئْسَتِ الْفَاطِمُ» (1).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام أقام الإمارة في حلاوة أوائلها و مرارة أواخرها، مقام المرضع التي تحسن الرضاع، و تسي ء الفطام، و هذا من أوقع التشبيه، و أحسن التمثيل؛ لأنّ مداخل الإمارة محبوبة، و مخارجها مكروهة؛ لما في المداخل إليها من قضاء الأرب (2)، و علوّ الرّتب، و لما في المخارج عنها من طرق السوء، و شمات العدوّ.

[المجاز] (144)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تُغَالُوا بِمُهُورِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّمَا هِيَ سُقْيَا (3) اللَّهِ سُبْحَانَهُ» (4).

و هذه استعارة، و المراد إعلامهم أنّ وفاق النساء المنكوحات و كونهنّ على إرادات الأزواج، ليس هو بأن يزاد في مهورتهنّ، و يغالى


1- مسند أحمد 3: 199/ 9499، و 248/ 9806، سنن النسائي 8: 225، النهاية في غريب الحديث 2: 230، نثر الدر 1: 153.
2- الحاجة. لسان العرب 1: 208.
3- السقيا: اسم مصدر، يقال: استسقى و سقى اللّه عباده الغيث و أسقاهم سقيه.
4- المستدرك على الصحيحين 2: 193/ 2726: السنن الكبرى للبيهقي 7: 134، النهاية في غريب الحديث 3: 382، كنز العمال 16: 538 ح 45799، عن عمر، دعائم الاسلام 2: 221/ 826 مع اختلاف.

ص: 178

بصدقاتهنّ، و إنّما ذلك إلى اللّه سبحانه، فهي كالأحاظي و الأقسام و الجدود و الأرزاق (1)، فقد تكون المرأة منزورة (2) الصداق، واقعة بالوفاق، و قد تكون ناقصة المقة (3)، و إن كانت زائدة الصدقة، فشبّه ذلك عليه الصلاة و السلام بسقيا اللّه يرزقها واحد، و يحرمها آخر، و يصاب بها بلد، و يمنعها بلد، و هذه من أحسن العبارات عن المعنى الذي أشرنا إليه، و دللنا عليه.

[المجاز] (145)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي جُمْلَةِ كَلَامٍ ضَرَبَهُ مَثَلًا: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْإِسْلَامَ دَاراً، وَ الْجَنَّةَ مَأْدُبَةً (4)، وَ الدَّاعِيَ إِلَيْهَا مُحَمَّداً عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ» (5).

و هذا الكلام مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أقام الإسلام مقام الدار المنتجعة (6)، و الجنّة مقام المأدبة المصطنعة، و النبيّ عليه الصلاة و السلام مقام الدالّ عليها، و الداعي إليها. و إنّما شبّه عليه الصلاة و السلام الإسلام بالدار؛ من حيث كان جامعا لأهله حاميا لمن فيه، و شبّه الجنّة بالمأدبة من حيث كانت مجتمع الشهوات، و منتجمع اللذّات، و شبّه نفسه عليه الصلاة و السلام بالداعي إليها؛ من حيث كان المرشد إلى الإسلام، و الهادي للأنام صلي اللّه عليه و آله و سلّم الطيبين الأخيار.


1- المراد بالكلمات الأربع هنا شي ء واحد.
2- أي قليلته.
3- أي الحبّ و الودّ. راجع أقرب الموارد 2: 1488، مادّة (و م ق).
4- المأدبة: طعام صنيع لدعوة أو عرس. أقرب الموارد 1: 6، مادّة (أ د ب).
5- سنن الدارمي 1: 18/ 11.
6- أي التي يطلب معروفها و خيرها. راجع أقرب الموارد 2: 1274، مادّة (ن ج ع).

ص: 179

[المجاز] (146)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَنَا النَّذِيرُ، وَ الْمَوْتُ الْمُغِيرُ» (1).

و هذه من الاستعارات الناصعة (2)، و المجازات الواضحة؛ لأنّ الاستعارة على ضربين: ظاهرة تعرف بجليّتها، و غامضة يضطرّ إلى استنباط خبيّتها (3)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الموت الذي يطلع الثنايا (4) و يطلب البرايا، بالجيش المغير الذي يهجم هجوم السيل، و يطرق طروق الليل، و شبّه نفسه عليه الصلاة و السلام بالنذير المتقدّم أمامه؛ يحذّر الناس من فجئه؛ ليعدّوا العتاد، و يتزوّدوا الأزواد.

و هذا القول منه عليه الصلاة و السلام تصديق لقول اللّه سبحانه فيه:

إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (5)، و قد تكلّمنا على هذه الآية في كتابنا الموسوم ب «مجازات القرآن» (6).

و يقال: إنّه عليه الصلاة و السلام لمّا نزلت هذه الاية، أتى على أبي قبيس (7) و نادى: «يا صباحاه» (8) فلمّا اجتمع الناس إليه قال لهم: «يا


1- مسند الشهاب 1: 218، مسند أبي يعلى الموصلي 1: 10/ 6149، مجمع الزوائد 10: 227 و 228، كنز العمّال 16: 18/ 43750.
2- نصع الأمر: وضح و بان. لسان العرب 18: 355.
3- أي ما تخفيه و تستره.
4- الثنايا: جمع ثنيّة، و هي طريق العقبة؛ أي الجبال. راجع لسان العرب 2: 142، مادّة (ث ن ي).
5- سبأ (34): 46.
6- مجازات القرآن: 175.
7- أي جبل أبي قبيس.
8- هذه كلمة تقولها العرب إذا صاحوا للغارة؛ لأنّهم أكثر ما يغيرون عند الصباح، و يسمّون يوم الغارة:يوم الصباح، فكأنّ القائل: يا صباحاه، يقول: قد غشينا العدوّ. و قيل: إنّ المقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال، فإذا عاد النهار عادوا، فكأنّه يريد بقوله: يا صباحاه؛ قد جاء وقت الصباح فتأهّبوا للقتال. لسان العرب 7: 273، مادّة (ص ب ح).

ص: 180

معشر قريش: لو كنت مخبركم بأنّ جيشا يطلع عليكم من هذه الثنيّة، أ كنتم مصدّقي؟» قالوا: أجل و اللّه، ما علمناك صادقا مصدّقا، قال:

«فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فلمّا سمعوا ذلك انفضّوا عنه ارتكاسا في الغواية (1)، و اتباعا للضلالة، و لقد أحسن عليه الصلاة و السلام ضرب المثل لهم، و سلك الطريق الأخضر في حياشتهم (2)، و تقريب الأمر عليهم، و لكن عشوا عن النور الأبلج (3)، و أبوا غير الطريق الأعوج.

[المجاز] (147)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي وَصْفِ الْفَرَسِ الَّذِي جَاءَ سَابِقاً:

«إِنَّهُ لَبَحْرٌ» (4).

و هذا مجاز. و ربّما طعن بعض الجهّال بمناديح (5) كلام العرب في هذا القول؛ بأن يقول: «كيف شبّه عليه الصلاة و السلام سرعة جري الفرس بالبحر، و البحر راكد لا يجري، و قائم لا يسري؟».


1- مسند أحمد 1: 281 و 307، صحيح البخاري 4: 27، و ج 6: 29، صحيح مسلم 5: 191، سنن الترمذي 5: 121، جامع البيان للطبري 11: 120، الدرّ المنثور 5: 188 في تفسير الآية (214) من سورة الشعراء وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
2- أي ضمّهم و دعوتهم إلى الإسلام، يقال: حشنا الصيد حياشا؛ أخذناه من حواليه لنصرفه إلى الحبالة و ضممناه. راجع لسان العرب 3: 392، مادّة (ح و ش).
3- الأبلج: المشرق المضي ء. لسان العرب 2: 216.
4- مسند أحمد 3: 147 و 271، صحيح البخاري 3: 228، صحيح مسلم 7: 72، سنن ابن ماجة: 2: 926/ 2772، كنز العمّال 3: 879/ 9017، البداية و النهاية 6: 181.
5- المناديح: جمع مندوحة، و هي السعة و الفسحة. لسان العرب 2: 613.

ص: 181

فجوابه أن يقال: إنّما شبّه عليه الصلاة و السلام اتساعه في الجري باتساع ماء البحر، ألا تراهم يقولون: «إنّه لواسع الخطو و وساع الخطو يريدون هذا المعنى، و «البحر» في كلام العرب الشي ء الواسع، و من هناك سمّوا البلدة المتسعة الأقطار «بحرا».

و قد يجوز أن يكون المراد بتشبيهه بالبحر أنّ جريه غزير لا ينفد، كما أنّ ماء البحر كثير لا ينضب، و يقال للفرس الكثير الجري: «بحر» و «فيض» و «سكب» و على هذا قول الشاعر:

و في البحور تغرق البحور

قيل: «أراد الخيل السابقة التي تسبقها خيل أسبق منها».

فقد بان: أنّ التشبيه واقع موقعه، و أنّ الطاعن فيه لم يفهم غرضه.

[المجاز] (148)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَ أَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقاً، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافاً (1) الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَ يُؤْلَفُونَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَبْغَضِكُمْ إِلَيَّ وَ أَبْعَدِكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ» (2).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «الثّرثارون المتفيهقون» استعارة، و المراد به الذين يكثرون الكلام و يتعمّقون فيه طلبا للتكلّف، و خروجا عن القصد، و تباعدا عن الحقّ. و أصل «الثرثار» مأخوذ من العين


1- هذا مثل، و حقيقته من التوطئة، و هي التمهيد و التّذليل. راجع لسان العرب 15: 333، مادّة (و ط أ).
2- مسند أحمد 2: 369 و 4: 193، سنن الترمذي 3: 250/ 2087، كنز العمّال 3: 518110، الدرّ المنثور 2: 76، قرب الإسناد 46: 148.

ص: 182

الثرثارة، و هي الواسعة الأرجاء، الغزيرة الماء، يقال: «عين ثرّة» و «ثرثارة» و بذلك سمّي «الثرثار» و هو النهر المعروف بالشام. و قال الأخطل:

لعمري لقد لاقت سليم و عامرعلى جانب الثرثار راغية البكر (1)

قال المبرّد: «و ليست الثرّة عند النحويين البصريين من لفظ «الثرثارة» و لكنّها في معناها، و قوله عليه الصلاة و السلام:

«المتفيهقون» يريد به ما يريد بقوله: «الثّرثارون» و متفيهق متفيعل من قولهم: فهق الغدير يفهق؛ إذا كثر ماؤه، و طمّت جمّاته (2)».

[المجاز] (149)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي وَصِيَّةٍ لِمَعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «وَ أَمِتْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَا حَسُنَ» (3).

و هذه استعارة، و المراد توصيته بأن يحيل أمر الجاهلية بنقض أحكامها، و خفض أعلامها؛ حتّى ينسى ذكرها، و يعفو أثرها، فتكون كالميت الذي نسي ذكره، وانقطع خبره.

[المجاز] (150)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَ الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ» (4).


1- ديوان الأخطل: 186، لسان العرب 4: 102، تاج العروس 10: 317، عامر و سليم قبيلتان، البكر: الفتيّ من الإبل، الراغية: المصوّتة و الضاجّة، يقال: رغت الإبل؛ إذا صوّتت فضجّت.
2- الكامل للمبرّد 1: 5 طمّت: أي غمرت و ملئت، الجمّات: جمع جمّة، و هي المكان الذي يجتمع فيه الماء.
3- تحف العقول: 25، و فيه: «إلا ما سنّه الإسلام». و في نسخة ب: «ما حسّنه اللّه».
4- مسند أحمد 2: 321 و 5: 231، سنن ابن ماجة: 2: 1314/ 3973، سنن الترمذي 4: 124/ 2749، مستدرك الحاكم 4: 422، كنز العمّال: 6: 72 ح 14893، الكافي 2: 24/ 15، و فيه: «تذهيب بالخطيئة»، المحاسن 1: 289/ 435، مشكاة الانوار: 268/ 800، و فيه: «تحط الخطيئة».

ص: 183

و هاتان استعارتان:

إحداهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «الصّوم جنّة» و المراد أنّ الصائم الذي يخلص في صومه و يستكمل آخر يومه، يكون بالإخلاص في ذلك الصوم كأنّه قد لبس جنّة (1) من العقاب، و أخذ أمانا من النار.

و للصوم مزيّة على سائر العبادات في هذا المعنى- و إن كانت إذا أدّيت على شروطها بهذه الصفة- و ذلك أنّ الصيام لا يظهر أثره بقول اللسان، و لا فعل الأركان، و إنّما هو نيّة في القلوب، و إمساك عن حركات المطعم و المشرب، فهو يقع بين الإنسان و بين اللّه خالصا من غير رياء و لا نفاق، و سائر العبادات و ضروب القرب و الطاعات، قد يجوز أن يفعل على وجه الرياء و السمعة، دون حقائق الإخلاص و الطاعة.

و قال لي أبو عبد اللّه محمّد بن يحيى الجرجاني الفقيه: «عند أصحابنا أنّ الصلاة أفضل من الصيام؛ لأنّها تتضمّن معنى ما في الصيام من الإمساك، و فيها مع ذلك الخشوع و تلاوة القرآن.

وَ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَزَالُ الْبَدَنُ فِي جِهَادِ الشَّيْطَانِ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ»

(2)، فجعل الصلاة أيضا تتضمّن معنى الجهاد».

فأمّا

مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ حَاكِياً عَنِ اللَّهِ


1- لأنّ الجنّة: هي كلّ ما وقى من سلاح. أقرب الموارد 1: 144، مادّة (ج ن ن).
2- البحار 96: 343، و فيه و في نسخة ب: «العبد» بدل «البدن».

ص: 184

تَعَالَى: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَ أَنَا أَجْزِي بِهِ»

(1)، فليس ما فيه من تفضيل الصوم، بدالّ على أنّ غيره من العبادات ليس بأفضل منه، و إنّما وجه اختصاصه بالذكر من بين العبادات على التعظيم له؛ لأجل ما قدّمنا ذكره: من أنّه لا يفعل إلّا على محض الإخلاص، و لا يتأتّى في حقيقته شي ء من الرياء و النفاق. و قد جاء عنه عليه الصلاة و السلام أنّه قال: «ليس في الصّوم رياء» (2)، و هذا بيان للمعنى الذي تكلّمنا عليه.

و حكى عن سفيان بن عيينة في تفسير هذا الخبر أنّه قال: «الصوم هو الصبر؛ لأنّ الإنسان يصبر عن المطعم و المشرب و المنكح، و قد قال تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (3)؛ يقول فثواب الصوم ليس له حساب يعلم- من كثرته- على قدر كلفته و مشقّته» (4).

و الاستعارة الأخرى: قوله عليه الصلاة و السلام: «وَ الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ» و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام جعل الخطيئة بمنزلة النار؛ من حيث كانت مفضية إلى عذاب النار، و جعل الصدقة مطفئة لها إذا كثرت، فأثّرت في سقوط عقابها.


1- مسند أحمد 2: 273، صحيح البخاري 7: 61، سنن النسائي 4: 162، الموطأ 1: 310، سنن ابن ماجة 1: 525، السنن الكبرى 4: 270، الدرّ المنثور 1: 179، عوالي اللآلي 2: 80/ 211، 233/ 2.
2- غريب الحديث للهروي 1: 195، كنز العمّال 3: 474/ 7493.
3- الزمر (39): 10.
4- انظر: تفسير القرطبي 15: 240.

ص: 185

و هذا القول يصحّ على طريقة من يقول بالموازنة، فإذا كان عقاب الخطيئة مائة جزء، و كان ثواب الصدقة خمسين جزء، سقط من أجزاء العقاب بقدر أجزاء الثواب، فكأنّ الصدقة بنقصانها من قدر العقاب قد أطفأت و قدته، و كسرت سورته (1). و كان أبوها هاشم يختار في الإحباط و التكفير الموازنة.

و كان أبو عليّ يقول: «إنّ الزائد يسقط الناقص من الثواب و العقاب، لا على طريق الموازنة. و لا يجوز أن يتساوى ما يستحقّ على الطاعة و ما يستحقّ على المعصية؛ لأنّهما لو تساويا لسقطا، فلم يكن المكلّف مستحقّا لحمد و لا ذمّ، و لا مستوجبا لثواب و لا عقاب، و قدّامنا (2) الاجماع من ذلك؛ إذ الأمّة (3) مجمعة على أنّ كلّ من كلّفه اللّه سبحانه في الدار الدنيا، فهو في يوم المعاد في إحدى الدارين؛ مثابا أو معاقبا. و يبيّن ذلك قوله سبحانه: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (4).

و الكلام على تفصيل هذه الجملة يخرجنا عن غرض الكتاب، و يدخلنا في باب الإطناب.

[المجاز] (151)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (5): «يَا كَعْبَ بْنَ


1- أيّ حدته. المصباح المنير: 294، مادّة (س و ر).
2- في نسخة ب: قد آمننا.
3- في نسخة: إذ فالامة.
4- الشّورى (42): 7.
5- في نسخة ب زيادة: في كلام طويل.

ص: 186

عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ (1)؛ فَغَادٍ مُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَ غَادٍ بَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا» (2).

و هذه استعارة، و المراد أنّ أحدهما عصم نفسه من اتباع الشهوات، و ركوب الموبقات، و قام بوظائف الواجبات، فأمن ضرر العقاب، و نقاش (3) الحساب، فكأنّه ابتاع نفسه بذلك فاعتقها، و استشلاها (4) و استنقذها، و الآخر أتبع نفسه هواها، و أوردها رداها؛ بالتهوّك (5) في المغاوي، و الارتكاس في المهاوي، و التقاعس عن الواجبات، و الإسراع إلى المقبّحات، فكأنّه باع نفسه بذلك فأوبقها، و عرّضها للهلكة فأوردها. و هذه من أحسن العبارات عن المطيع الناجي بطاعته، و العاصي الهالك بمعصيته.

[المجاز] (152)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ (6) السَّاعَةِ سُوءَ الْجِوَارِ، وَ قَطِيعَةَ الْأَرْحَامِ، وَ أَنْ يُعَطَّلَ السَّيْفُ مِنَ الْجِهَادِ، وَ أَنْ تُخْتَلَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ» (7).


1- غدا يغدو غدوا و غدوّا: بكّر. لسان العرب 15: 118.
2- مسند أحمد 3: 321 و 399، مستدرك الحاكم 4: 422، مجمع الزوائد 5: 247 و 10: 230، كنز العمّال 6: 72/ 14893.
3- أي الإستقصاء فيه. المصباح المنير: 621، مادّة (ن ق ش).
4- أي رفعها. أقرب الموارد 1: 622، مادّة (ش و ل).
5- أي التحيّر و التهوّر و الوقوع في الشي ء بغير مبالاة و لا رويّة. أقرب الموارد 2: 1410، مادّة (ه و ك).
6- أي أوائلها. لسان العرب 7: 83، مادّة (ش ر ط).
7- النهاية في غريب الحديث 2: 9، الفائق في غريب الحديث 1: 354، الدرّ المنثور 6: 51، و فيه: «ينتحل» بدل «يختل»، كنز العمّال 14: 240/ 38558.

ص: 187

و الكلمة الأخيرة داخلة في باب المجاز، و المراد بها النهي عن طلب منافع الدنيا و حطامها، و استدرار أحلابها (1) و موادّها، بإظهار الورع، و إبطان الطمع، فكأنّ الإنسان بذلك يختل الدنيا ليرمى ثغرتها، و يصيب غرتها، كالصائد الذي يختل (2) الوحش بضروب الحيل حتّى يعلق في حباله، و ينشب في أشراكه. و على ذلك قول الكميت بن زيد:

و إنّي على حبّهم و تطلّعي إلى نصرهم أمشي الضّراء و أختل (3)

و قد يجوز أن يكون المراد: و أن يختل أهل الدنيا بالدين، فحذف المضاف، و أقام المضاف إليه مقامه على مثال قوله سبحانه: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ (4). و هذا النوع من الكلام لا يحصى كثرة.

[المجاز] (153)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «وَ لَا تَكَلَّمِ الْيَوْمَ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَداً، وَ اخْزُنْ لِسَانَكَ» (5).

و هذه استعارة، و المراد بخزن اللسان حفظ فلتاته، و كفّ جمحاته؛ حتّى لا يسرع إلى ما تسوء مغبّته (6)، و لا تؤمن عاقبته، فأقام عليه الصلاة


1- الأحلاب: جمع حلب، و هو اللبن المحلوب. أقرب الموارد 1: 230، مادّة (ح ل ب) و المراد هنا المناقع.
2- أي يخدع.
3- هاشميات الكميت: 179، الضراء: هو المشي فيما يواريك عمّن تكيده و تختله. لسان العرب 8: 58، مادّة (ض ر و).
4- يوسف (12): 82.
5- مسند أحمد 5: 412، سنن ابن ماجة 2: 1396، كنز العمّال 7: 524 و فيهما لم ترد: «و اخزن لسانك».
6- غبّ الأمر و مغبّته: عاقبته و آخره. لسان العرب 1: 634.

ص: 188

و السلام ضبط اللسان عن ذلك مقام الخزن له، فأجراه مجرى المال الذي يحفظ فلا ينفق إلّا في الوجوه المفسدة، و المخارج المضرّة، و لا يكون إنفاقه إلّا فيما جرّ منفعة، أو دفع مضرّة.

[المجاز] (154)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامٍ: «الْعِلْمُ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ، وَ الْحِلْمُ وَزِيرُهُ، وَ الْعَقْلُ دَلِيلُهُ، وَ الْعَمَلُ قَيِّمُهُ، وَ اللِّينُ أَخُوهُ، وَ الرِّفْقُ وَالِدُهُ، وَ الصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُودِهِ» (1).

و هذه الألفاظ كلّها مستعارة، و نحن- بتوفيق اللّه- نتكلم عليها، و نبيّن مواضع الاستعارة منها:

فالمراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «الْعِلْمُ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ» أنّه يأنس به من الوحشة، و يسكن إليه في الوحدة، كما يأنس الخليل بخليله و يسكن الحميم إلى حميمه.

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «وَ الْحِلْمُ وَزِيرُهُ» أنّه يقوى به على الأمور، و يؤازره على كظم المكروه.

و المراد- بقوله عليه الصلاة و السلام «وَ الْعَقْلُ دَلِيلُهُ» أنّه بالعقل يهتدي في ظلم المشكلات، و ينجو من مضائق الغمرات، فهو كالدليل (2) الذي يرشد في المضالّ، و يجنّب عن المزالّ.

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «وَ الْعَمَلُ قَيِّمُهُ» أنّ العمل يثقّف


1- مسند الشهاب 1: 122، كنز العمّال 10: 28663، التمحيص: 66، تحف العقول: 55 و 361، الخصال: 406، و في الجميع اختلافات قليلة مع ما في المتن، عنه البحار 67: 306/ 38.
2- أي المرشد العارف بالطرق.

ص: 189

ميله، و يقوّم زلله، و يسدّ خلله، فهو كالقيّم الذي يأتي لمصالح ما يقوم عليه و مراشد ما يوكل إليه.

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «وَ اللِّينُ أَخُوهُ» أنّ اللين يفيد مؤاخاة الإخوان و مخالصتهم، و يحفظ عليه صفاءهم و مودّتهم، فجعله عليه الصلاة و السلام أخاه؛ من حيث كان سببا لاجتلاب الإخوان إليه، و حفظ المودّات عليه.

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «وَ الرِّفْقُ وَالِدُهُ» كالمراد- بقوله:

«و اللّين أخوه»؛ لأنّ الرفق يقبل إليه بالقلوب، و يظأر (1) عليه كوامن الصدور، فيصير كلّ واحد في الحنوّ عليه و الميل إليه، كالوالد الرؤوف، و الجدّ العطوف.

و المراد- بقوله عليه الصلاة و السلام: «وَ الصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُودِهِ» أنّ الصبر ملاك أمره، و شداد أزره، و به تبلغ الآراب، و تدرك المحابّ، فهو كأمير جنده الذي يقوى به على أعدائه، و يصل به إلى أغراضه و طلباته. و قد يجوز أن يكون المراد أنّ الصبر رأس خلاله، و رئيس خصاله، فهو متقدّم عليها، و كالأمير لسائرها، كما أنّ الأمير متقدّم على رعيّته، و له شأن على من في طبقته.

[المجاز] (155)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي جُمْلَةِ كَلَامٍ: «وَ الْمُهْلِكَاتُ شُحٌّ مُطَاعٌ، وَ هَوًى مُتَّبَعٌ، وَ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» (2).


1- أي يعطف. المصباح المنير: 388، مادّة (ظ أ ر).
2- الخصال 84: 11، مشكاة الانوار: 540/ 1814، مجمع الزوائد 1: 90 و 91، كنز العمّال 16: 45/ 43867.

ص: 190

فقوله عليه الصلاة و السلام: «شُحٌّ مُطَاعٌ» استعارة، كأنّه أقام الشحّ مقام الآمر بالإمساك، و المخوّف من عواقب الإنفاق، و أقام البخيل مقام المطيع لأمره، و المتصرّف على حكمه.

وَ قَدْ بَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ ذَلِكَ فِي خُطْبَةٍ لَهُ، فَقَالَ: «وَ إِيَّاكُمْ وَ الْبُخْلَ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَ أَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا»

(1)، فبيّن عليه الصلاة و السلام كيف يكون البخل آمرا مطاعا، و قائدا متبوعا. و هذه أيضا استعارة أخرى؛ لأنّ البخل- على الحقيقة- لا يكون آمرا ناهيا، و لا قائدا مخاطبا.

و المراد

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا»

أنّ البخلاء يضنّون بمالهم على أهل الحاجة من أقربائهم، و أولي الخلّة (2) من ذوي أرحامهم، فيكونون بذلك قاطعين للرحم القريبة، و عاقّين (3) لأعراق (4) الوشيجة (5).

و المراد

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ أَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا»

أنّ البخل حسّن لهم منع الأموال من الإنفاق في الحقوق، و إسلاكها سبل المعروف، فأجرى عليهم لهذه الحال اسم «الفجور».


1- مسند أحمد 2: 159، 191، 195، مع اختلاف، سنن أبي داود 1: 382/ 1698، مستدرك الحاكم: 1: 11، السنن الكبرى 4: 187، كنز العمّال 3: 447/ 7377.
2- أي الحاجة.
3- أي قاطعين.
4- الأعراق: جمع عرق، و هو وريد الدم. أقرب الموارد 2: 771، مادّة (ع ر ق).
5- أي الرحم الوشيجة المشتبكة المتصلة.

ص: 191

[المجاز] (156)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْكَلِمَةُ الْحَكِيمَةُ ضَالَّةُ (1) الْحَكِيمِ؛ حَيْثُمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» (2).

و هذه استعارة؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام جعل الكلمة الحكيمة للحكيم بمنزلة الضالّة التي هو ناشد لها، و ساع في طلبها؛ لأنّها أشبه بحكمته، و أولى بالانضمام إلى أخواتها في قلبه، فحيثما سمعها من قائل غير حكيم أو مرشد غير رشيد، فهو أحقّ بالحيازة لها، و الغلبة عليها.

و يشهد بذلك

مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إِنَّ الْكَلِمَةَ الْحَكِيمَةَ تَكُونُ فِي قَلْبِ الْمُنَافِقِ؛ فَلَا تَزَالُ تُنْزَعُ حَتَّى تُلْحَقَ بِصَوَاحِبَاتِهَا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ»

(3)، فكأنّها جعلت في قلب المنافق بمنزلة الغريبة التي هي في غير وطنها، و مع غير أهلها، و جعلت في قلب المؤمن بمنزلة المستقرّة في الوطن، و الساكنة إلى السكن، و هذه أيضا استعاره اخرى.

[المجاز] (157)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ: «أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً» (4).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الدنيا بمنزلة الهارب


1- الضالّة: الحيوان الضائع، و يقال لغير الحيوان: ضائع و لقطة. المصباح المنير: 363، مادّة (ض ل ل).
2- سنن ابن ماجة 2: 1395/ 4169، و فيه: «ضالّة المؤمن»، كنز العمّال 10: 28757148، 180/ 28936، الدرّ المنثور 1: 349.
3- المحاسن 1: 230/ 174 مع اختلاف، البحار 2: 94/ 28.
4- كنز العمّال 3: 719/ 8565، و 16: 22/ 43764، الخصال 51/ 62، تحف العقول: 281، خصائص الأئمّة: 96، الإرشاد 1: 230، فقه الرضا عليه السّلام: 370 عن العالم، و فيه: «ترحّلت» أمالي المفيد: 93 عن أمير المؤمنين عليه السّلام الكافي 2: 131/ 15 عن علي بن الحسين عليه السّلام و 8: 58/ 21.

ص: 192

المولّي، و الآخرة بمنزلة الطالب المجلّي (1)، و ذلك من أحسن التمثيلات، و أوقع التشبيهات؛ لأنّ أبناء الدنيا بمثابة الهاربين من علائق الحمام (2)، و بوائق (3) الأيّام، و الموت- الذي هو من أسباب الآخرة- بمنزلة المغير على الأرواح، و الهاجم على الآجال، و هذه الصفة مستمرّة للدنيا في شبابها قبل أن تهرم، و في ابتداء مدّتها قبل أن تتصرّم؛ لأنّ كون الموت طالبا لأهلها و مبدّدا لشملها، معلوم من أوّل إنشائها، و تصوير أبنائها.

و قد يجوز أن يكون المراد ب «ارتحال الدنيا مدبرة» معنى آخر يختصّ بحال الدنيا في أواخر مدّتها، و عند تناهي غايتها؛ و هو أن توصف بتصرّم الأمد، و نقصان العدد، كما يقول القائل: «قد ارتحل عمر فلان» و قد أدبرت مدّة فلان» إذا مضى عنفوان أيّامه، و قربت أوقات حمامه.

و يروى هذا الكلام- على تغيير في ألفاظه- لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و قد أوردناه في كتابنا الموسوم ب «نهج البلاغة» (4)، و هو المشتمل على مختار كلامه عليه السّلام في جميع المعاني و الأغراض، و الأجناس و الأعراض.

[المجاز] (158)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الِاحْتِبَاءُ حِيطَانُ الْعَرَبِ،


1- يقال: جلى الصّقر ببصره إلى الصّيد؛ فهو مجل. راجع أقرب الموارد 1: 135، مادّة (ج ل و).
2- العلائق: جمع علاقة، و هي ما يتعلّق به أو المنية، و الحمّام: الموت.
3- البوائق: جمع بائقة، و هي الدّاهية. أقرب الموارد 1: 68، مادّة (ب و ق).
4- نهج البلاغة (عبده): 224 الخطبة 27.

ص: 193

وَ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ»

(1).

و هاتان استعارتان عجيبتان:

فأمّا قوله عليه الصلاة و السلام: «الِاحْتِبَاءُ حِيطَانُ الْعَرَبِ» فإنّما أراد به أنّها إذا استعملت الحبوة (2) في قعودها، قامت لها مقام الحيطان في الاستناد إليها، و الاعتماد عليها، كما تتساند الظهور إلى الجدران، أو كما يستروح (3) الجراب (4) إلى الأجذال (5).

و أمّا- قوله عليه الصلاة و السلام: «وَ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ» فإنمّا أراد أنّ بهاء العرب يكون بعمائمها، كما يكون بهاء ملوك العجم بتيجانها؛ فإنّ العمائم تحصّن (6) الهامة، و تتمّم القامة، و تفخّم الجلسة، و توقّر الجملة؛ حتّى إنّ العرب لتقول- على المتعارف بينها-: «ما سفه معتمّ قط» و بهذا المعنى فسّر قول الفرزدق:

إذا مالك ألقى العمامة فاحذروابوادر كفّي مالك حين تعصب (7)


1- الكافي 2: 662/ 2، 3، و 6: 461/ 5، كنز العمّال 15: 530/ 41132، 307/ 41146، كشف الخفاء 2: 94، 483/ 41912، أمالي المرتضى 1: 26، دعائم الإسلام 2: 159/ 566، جامع الأحاديث: 99.
2- و هو أن يجمع الشخص بين ظهره و ساقيه بعمامة و نحوها ليستند؛ إذ لم يكن للعرب في البوادي جدران تستند إليها في مجالسها. أقرب الموارد 1: 159، مادّة (ح ب و).
3- أي يجد الراحة. أقرب الموارد 1: 442، مادّة (ر و ح).
4- الجراب: جمع جرب، و هو المصاب بداء الجرب. أقرب الموارد 1: 111، مادّة (ج ر ب).
5- الأجذال: جمع جذل، و هو عود ينصب للجرى لتحكّ جلدها به. راجع أقرب الموارد 1: 110، مادّة (ج ر ب).
6- في نسخة ب: الاعتمام يحصّن.
7- ديوان الفرزدق 1: 30. في نسخة ب: تغضب تعصب: أي تقبض.

ص: 194

أراد أنّه إذا ألقى العمامة طاش حلمه، و خيف سطوه، و ما دام معتمّا، فهو مأمون الهفوة، و مغمود السطوة؛ على مجرى عادتهم، و عرف طريقتهم.

و قد فسّر أيضا قول الآخر:

أنا ابن جلا و طلّاع الثّنايامتى أضع العمامة تعرفوني (1)

على مثل هذا المعنى، فكأنّه توعّدهم عند إلقاء العمامة ببادرته، و أن يفيض عليهم ما يستجمّه (2) من مثابة سطوته. و قوله: «تعرفوني»، ليس يريد به العرفان الذي هو ضدّ الإنكار، و إنّما أخرجه مخرج الوعيد، و أطلعه مطلع التهديد، كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى:

«ستعرفني» أو «أما تعرفني؟» و المراد: ستعرف عقوبتي، أو أما تعرف غضبي و سطوتي؟!.

[المجاز] (159)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ» (3).

و هذا مجاز، و المراد: من امتنع عن مواقعة المعاصي الموبقة، و استعصم من الخطايا المردية، فجعله عليه الصلاة و السلام بمنزلة من برز له قرن (4) ينازله، و عدوّ يقابله؛ لما يعاينه من المشقّة في مغالبة نوازع


1- خزانة الأدب 1: 254، 257، جلا: اسم أبيه، طلّاع الثنايا: مجرّب للأمور ركّاب لها، يعلوها و يقهرها بمعرفته و تجاربه وجودة رأيه.
2- أي يستجمعه.
3- مسند أحمد 6: 20، 22، سنن الترمذي 3: 89/ 1671، مستدرك الحاكم 1: 11، مجمع الزوائد: 3: 268، كنز العمّال 1: 151/ 749.
4- القرن: الكفؤ و النظير في الشجاعة و الحرب. لسان العرب 13: 337.

ص: 195

قلبه، و دواعي نفسه، و ما يعركه من أديمها (1) و يعلكه من شكيمها (2).

[المجاز] (160)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ: «وَ النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ» (3).

و هذه من أحاسن الاستعارات؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام جعل النساء من أقوى ما يصيد به الشيطان الرجال، فهنّ كالحبائل المبثوثة، و الأشراك المنصوبة؛ لأنّهن مظانّ الشهوات، و مقاود (4) الخطيئات، و بهنّ يستخفّ الركين (5)، و يستخون الأمين.

[المجاز] (161)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ: «وَ الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ» (6).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الشباب يحسّن القبيح، و يسفّه الحليم، و يحلّ مسكة (7) المتماسك، و يكون عذرا للمتهالك، فمن هذه الوجوه يشبّه صاحبه بالسكران من الخمر، و المغلوب على العقل. و من هناك


1- يقال: عرك فلان الأديم؛ أي دلك جلد الحيوان حين دباغة.
2- و يقال: علكت الدابّة الشكيم؛ إذا لاكت الحديدة المعترضة في فمها و حرّكتها.
3- تفسير القمّي 1: 291، و فيه: «ابليس» بدل «الشيطان» الترغيب و الترهيب 3: 184، كنز العمّال 15: 43587921، الدرّ المنثور: 2: 326، البداية و النهاية 5: 18.
4- المقاود: جمع مقود، و هو ما تفاد به الدابّة من حبل و نحوه. راجع أقرب الموارد 2: 1050، مادّة (ق و د).
5- يستخفّ: أي يعدّ خفيفا، الركين: الرجل الرزين.
6- الفقيه 4: 377/ 5774، تفسير القمّي 1: 291، الاختصاص: 343، كنز العمّال 15: 921/ 43587، البداية و النهاية 5: 18، كشف الخفاء 2: 5.
7- المسكة: ما يمسك الشي ء.

ص: 196

قيل: «سكر الشباب كسكر الشراب» و على ذلك قول الشاعر:

إنّ شرخ الشّباب و الشّعر الأس ود ما لم يعاص كان جنونا (1)

[المجاز] (162)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَلَا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَنْبِ ابْنِ آدَمَ، أَ لَمْ تَرَوْا إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، وَ انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ! ...»

في حديث طويل (2).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل اهتياج الطبع و احتدام (3) الغيظ، بمنزلة الجمرة التي تتوقّد في جوف الإنسان، فيظهر أثر اتقادها في احمرار عينيه، و اختناق وريديه، فلا تزال كذلك حتّى يطفئها برد الرضا، أو عواطف الحلم و البقيا (4).

[المجاز] (163)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْعِلْمُ رَائِدٌ، وَ الْعَدْلٌ سَائِقٌ، وَ النَّفْسُ حَرُونٌ» (5).

و هذا الكلام مجاز؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه علم الإنسان بالرائد الذي يتقدّم أمام الحيّ (6)، فيدلّهم على المنزل الوسيع، و المرعى


1- الكنز اللغوي: 91، الصحاح 1: 424، شرح الشباب: أوّله و ريعانه، يعاص: يصارع و يغلب.
2- مسند أحمد 3: 19، سنن الترمذي 3: 328: 2286، مستدرك الحاكم 4: 506، كنز العمّال 15: 922/ 43587.
3- الاحتدام: الاشتداد. لسان العرب 12: 118.
4- تقول العرب: نشدتك الده و البقيا، و هو الإبقاء؛ أي أبقنا و لا تستأصلنا. راجع لسان العرب 1: 647، مادّة (ب ق ي).
5- جامع الأحاديث: 100، تحف العقول: 208.
6- الحيّ: البطن من بطون العرب، و هو دون القبيلة. أقرب الموارد 1: 49، 251 مادّة (ب ط ن)، (ح ي ي).

ص: 197

المريع (1)؛ لأنّ العلم يأخذ بصاحبه إلى المناجي، و يعدل به عن المغاوي، و شبّه العقل بالسائق؛ لأنّه يحثّ الإنسان على سلوك النهج الأسلم، و يحمله على الذهاب في الطريق الأقوم، و شبّه النفس بالدابّة الحرون (2)؛ لأنّها تتقاعس عن مراشدها، و تلذع بسوط الأدب حتّى تسلك طرق مصالحها.

[المجاز] (164)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ وَاعِظٍ قِبْلَةٌ» (3).

و هذا القول مجاز، و المراد أمر الناس بالإقبال على الواعظ لهم و المتكلّم بما يأخذ إلى الرشاد بأزمّتهم- إصغاء إلى كلامه، و تفهّما لمقاصد خطابه- كإقبالهم على القبلة التي يصلّون إليها، و يتوجّهون نحوها، و لا يجوز لهم الانحراف عنها.

[المجاز] (165)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «نِعْمَ وَزِيرُ الْإِيمَانِ الْعِلْمُ، وَ نِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ، وَ نِعْمَ وَزِيرُ الْحِلْمِ الرِّفْقُ، وَ نِعْمَ وَزِيرُ الرِّفْقِ اللِّينُ» (4).

و هذا الكلام مجاز، و المراد أنّ كلّ خلّة (5) من هذه الخلال المذكورة، تؤازر صاحبتها، و تعاضد (6) قرينتها، و تقوى كلّ واحدة منها باختها، كما يؤازر الرجل صاحبه على الأمر يطلبه، و العدوّ يحاربه، فيشتدّ متناهما،


1- أي الخصيب. أقرب الموارد 1203، مادّة (م ر ع).
2- أي التي لا تنقاد.
3- الكافي 3: 424/ 9، الفقيه 1: 280/ 859، 427/ 1262.
4- الكافي 1: 48/ 3، دعائم الإسلام 1: 82، قرب الإسناد: 68/ 217، عوالي اللآلي 4: 75/ 57.
5- أي خصلة.
6- في نسخة: تعاهد.

ص: 198

و تستحصف (1) قواهما.

[المجاز] (166)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «زَادُ الْمُسَافِرِ الْحُدَاءُ وَ الشِّعْرُ؛ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِخْنَاءٌ [خَناً]» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ التعلّل (3) بأغاريد (4) الحداء و أناشيد القريض، يقوم للمسافرين مقام الزاد المبلغ في إمساك الأرماق، و الاستعانة على قطع المسافات. و إلى هذا المعنى ذهب الشاعر بقوله:

إنّ الحديث طرف من القرى (5)

[المجاز] (167)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ فَقَدْ أَسَاءَ صُحْبَةَ الْمَوْتِ» (6).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام أقام الموت للإنسان مقام العشير المحالم، و الرفيق الملازم، و جعل من اغترّ بطول أجله و اتساع مهله، بمنزلة من أساء صحبة ذلك الرفيق المصاحب، و الخليط المقارب؛ إذا كان الأولى أن يعتقد أنّه غير مفارق له، و أنّ المدى غير منفرج بينه و بينه. و على ذلك قول الشاعر:


1- أي تستحاكم. أقرب الموارد 1: 200، مادّة (ح ص ف).
2- الفقيه 2: 280/ 2447، المحاسن 2: 358/ 73، الإخناء: الفحش في الكلام. راجع لسان العرب 4: 238، مادّة (خ ن و).
3- أي التشغلّ و التلهّي.
4- الأغارية: جمع اغرود، و هو الغناء. أقرب الموارد 2: 866، مادّة (غ ر د).
5- ديوان الشماخ: 467، أمالي المرتضى 2: 137، طرف: جزء، القرى: ما يضاف به الضيف من الأطمحة و الأشربة و نحوها.
6- كنز العمّال 3: 492/ 7567، تحف العقول: 49، الفقيه 1: 139/ 382 عن الصادق عليه السّلام.

ص: 199

و المنايا قلائد الأعناق (1)

[المجاز] (168)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ، وَ عَلِيٌّ بَابُهَا، وَ لَنْ تُدْخَلَ الْمَدِينَةُ إِلَّا مِنْ بَابِهَا» (2).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه علمه بالمدينة المحصّنة التي لا يطمع طامع في دخولها و لا الوصول إليها إلّا من بابها، و أقام عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام لتلك المدينة مقام الباب الذي يفتتح من جهته، و يوصل إليها من ناحيته.

[المجاز] (169)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَجْهٌ، وَ وَجْهُ دِينِكُمُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَشِينَنَّ أَحَدُكُمْ وَجْهَ دِينِهِ، وَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ أَنْفٌ، وَ أَنْفُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ» (3).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الصلاة يعرف بها جملة الدين، كما أنّ الوجه يعرف به جملة الإنسان؛ لأنّها أظهر العبادات، و أشهر المفروضات، و جعل أنفها التكبير؛ لأنّه أوّل ما يبدو من أشراطها (4)، و يسمع من أذكارها و أركانها.


1- بهجة المجالس 1: 253 بل من خطبة الإمام الحسين عليه السّلام بمكّة: «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيه الفتاة» اللهوف: 33، ابن نحا: 20.
2- مائة منقبة: 41، التوحيد: 307، الخصال: 574، بشارة المصطفى: 24، تفسير القمي 1: 68، تفسير نور الثقلين 1: 178/ 624، مستدرك الحاكم 3: 127، مجمع الزوائد 9: 114، فيهما: فمن أراد العلم فليأت الباب، كنز العمال 13: 148، فيه: فمن أراد المدينة، كشف الخفاء 1: 235.
3- المعتبر 2: 10، الكافي 3: 270/ 16، التهذيب 2: 238/ 940، فقه القرآن 1: 79.
4- أشراط الشي ء: أوائله.

ص: 200

[المجاز] (170)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَطْعِمُوا اللَّهَ يُطْعِمْكُمْ».

و هذا القول مجاز؛ لأنّه سبحانه قال: وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ (1) و المراد أطعموا فقراء اللّه الذين أمركم بإطعامهم و جعلكم سببا لأرزاقهم، يجازكم على ذلك بجزيل الثواب، و يكثر لكم من الأخلاف و الأعواض.

[المجاز] (171)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْعِلْمُ خَزَائِنُ، وَ مِفْتَاحُهَا السُّؤَالُ، فَاسْأَلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ؛ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ، وَ الْمُجِيبُ، وَ الْمُسْتَمِعُ، وَ الْمُحِبُّ لَهُمْ» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد تشبيه العلم في قلوب العلماء بالخزائن المستبهمة، و الأبواب المستغلقة، و إنّما تستفتح بسؤال السائلين، و يستخرج ما فيها ببحث الباحثين.

[المجاز] (172)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمَوْتُ رَيْحَانَةُ الْمُؤْمِنِ» (3).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ المؤمن يستروح (4) إلى الموت تغوّثا من كروب الدنيا و همومها، و روعاتها و خطوبها، كما يستروح الإنسان إلى طيب المشمومات، و نظر المستحسنات.

[المجاز] (173)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ، وَ عَمُودُ


1- الأنعام (6): 14.
2- الخصال: 101245، تحف العقول: 41، مسند زيد بن عليّ: 445، روضة الواعظين: 7، كنز العمّال 10: 133/ 28662، كشف الخفاء 2: 85.
3- دعائم الإسلام 1: 221، كنز العمّال 15: 551/ 42136.
4- أيّ يجد الراحه. أقرب الموارد 1: 442، مادّة (ر و ح).

ص: 201

الدِّينِ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ المؤمن يستدفع بالدعاء كيد الكائدين، و ظلم الظالمين، فيقوم له مقام السلاح الذي يريق الدماء، و يغلّ الأعداء (2). و جعل عليه الصلاة و السلام الدعاء عمود الدين؛ لأنّه لا يصدر إلّا عن قلب المخلص الأوّاب، لا الشاكّ المرتاب، و الإخلاص قطب الدين الذي عليه المدار، و إليه المحار (3).

[المجاز] (174)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ كَلَامٍ فِي وَصْفِ النِّسَاءِ: «وَ مِنْهُنَّ رَبِيعٌ مُرْبِعٌ، وَ غُلٌّ قَمِلٌ» (4).

و هذا القول مجاز، و المراد تشبيه المرأة الحسناء المستأنقة (5) بالربيع المزهر و الروض المنوّر (6)، و تشبيه المرأة الشوهاء المستثقلة بالغلّ الذي يثقل الرقاب، و يطوّل العذاب. و جعله عليه الصلاة و السلام قملا (7)، ليكون أعظم لعذابه، و أبلغ في مكروه المبتلى به.

[المجاز] (175)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنَ النُّخَامَةِ


1- الكافي 2: 468/ 1، صحيفة الرّضا عليه السّلام: 75، الإمامة و التّبصرة: 179، مستدرك الحاكم 1: 492، مجمع الزّوائد 10: 147، كنز العمّال 2: 62/ 3117.
2- أيّ يجعل في أيديهم أو رقابهم الأغلال و القيود.
3- أيّ المرجع. أقرب الموارد 1: 243، مادّة (ح و ر).
4- الفقيه 3: 386/ 4357، الخصال 1: 24/ 92، دعائم الإسلام 1: 197، جامع الأخبار: 317/ 1، المقنع: 303، النّهاية في غريب الحديث 3: 381.
5- أيّ الرائعة الحسن.
6- أيّ الّذي قد خرج نوره، و هو زهره.
7- أيّ ملوثا بالقمل.

ص: 202

كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ فِي النَّارِ» (1).

يقال: «انزوت الجلدة» إذا انقبضت و اجتمعت. و هذا الكلام مجاز، و فيه قولان:

أحدهما: أنّ المسجد يتنزّه عن النخامة، و هي البصقة؛ بمعنى أنّه يجب أن يكرم عنها، و ألّا يبتذل بها، فإذا رويت عليه كانت شائنة له، و زارية عليه، فكان معها بمنزلة الرجل ذي الهيئة يشمئزّ ممّا يهجّنه، و ينقبض عمّا يدنّسه، و أصل «الانزواء»: الانحراف مع تقبّض و تجمّع.

و القول الآخر: أن يكون المراد أهل المسجد، فأقيم «المسجد» في الذكر مقامهم؛ لمّا كان يشتمل (2) عليهم، و على ذلك قول الشاعر:

و استبّ بعدك يا كليب المجلس

(3) و المراد أهل المجلس؛ لأنّ الاستتاب لا يكون بين القاعات و الجدران، و إنّما يكون بين الإنسان و الإنسان.

فالمعنى: أنّ أهل المسجد ينقبضون من النخامة إذا رأوها فيه ذهابا عن الأدناس، و صيانة له عن الأدران.

[المجاز] (176)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مِنَ الْقَتْلَى رَجُلٌ قَرَفَ (4) عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْخَطَايَا حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَتِلْكَ


1- النّهاية في غريب الحديث 2: 320، كنز العمّال 8: 317/ 23092، الدّرّ المنثور 5: 51، دعائم الإسلام 1: 149، و فيه: «ليلتوى».
2- في نسخة ب: مشتملا.
3- مفردات الرّاغب: 418، الحيوان 3: 128، استب: تسابب و تشاتم.
4- يقال: قرف الذّنب و غيره قرفا و اقترفه: اكتسبه. تاج العروس 12: 431، مادّة (ق ر ف).

ص: 203

مَضْمَضَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَ خَطَايَاهُ؛ إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَأِ» (1).

و هذا الكلام مجاز؛ لأنّ السيف- على الحقيقة- لا يمحو شيئا من الذنوب، و لكنّ القتل بالسيف لمّا كان سببا للشهادة التي يستحقّ بها دخول الجنة- و حقيقتها شهادة الملائكة للقتيل بأنّه من أهل الجنّة- إذا بذل مهجته في طاعة اللّه مجتهدا و وطّن نفسه على ألم الجراح و الثبات للّقاء (2) صابرا محتسبا، كان السيف كأنّه قد محا ما سلف من ذنوبه، و ليس يبلغ الإنسان إلى هذه المنزلة في طاعة اللّه تعالى من بذل النفس للقتل و توطينها على الهلك (3)- في الأغلب الأكثر- إلّا و هو تائب من جميع الذنوب التي توجب العقاب و تحبط الثواب، فتكون الشهادة حينئذ دالّة على أنّه من أهل الجنة، و سببها السيف، فكأنّه قد محا ذنوبه؛ أي أزالها و أبطلها.

و على ذلك قول الشاعر:

فلا تكثروا فيها الضّجاج فإنّه محا السّيف ما قال ابن دارة أجمعا (4)

أي أزاله و أبطله.

وَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «فَتِلْكَ مَضْمَضَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ»

مجاز آخر، كأنّ القتل غسله من درن الذنوب، قال ابن السكّيت: «يقال:


1- مسند أحمد 4: 185، في نسخة ب: «للخطايا».
2- في نسخة ب: للقائه.
3- في نسخة ب: الهلاك.
4- خزانة الأدب 2: 129، الصحاح لابد من ذكره المادّة 2: 660، و فيه: قال أنب.

ص: 204

مصمصت الإناء و مضمضته- بالصاد و الضاد-: إذا غسلته (1)، و يقال أيضا: ماص الثوب- بالصاد غير معجمة-: إذا غسله».

[المجاز] (177)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ: «اتَّبِعُونِي تَكُونُوا بُيُوتاً» (2).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام لم يرد بيوت الشعر و بيوت المدر (3) على الحقيقة، و إنّما أراد: أنّكم تكونون لعلوّ أقداركم و اشتهار أخباركم بيوتا؛ أي شعوبا تقف نسبة أولادكم عندكم، و لا تتجاوزكم إلى من فوقكم، و هذا لا يكون إلّا لنباهة الأب الأدنى، و استغنائه بالنباهة عن الأب الأعلى، كما يقال لمن ينسب إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: «علويّ» و يستغنى أن يقال: «هاشميّ» أو «منافيّ» (4) و كما يقال لمن كان من ولد عمر: «عمريّ» و لا يقال «عدويّ» (5) و نظائر تلك كثيرة.

و إنّما سمّيت المناسب المخصوصة «بيوتا» لاشتمالها على ضروب الرجال المتصلين بها و المضافين إليها؛ تشبيها بالبيت المبنيّ في اشتماله على الدعائم و العماد و الأوتاد و الأطناب؛ لشهرته و نجابته.


1- تاج العروس 18: 162.
2- كنز العمّال 1: 201/ 1014.
3- أي البيوت المصنوعة من قطع الطين اليابس.
4- نسبة إلى عبد مناف، و هو الجدّ الرابع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. راجع تاج العروس 12: 515، مادّة (ن و ف).
5- نسبة إلى عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، و عديّ من قبائل قريش.

ص: 205

و نظير الخبر المذكور من الشعر قول الطائي الأكبر في صفة الفرس:

هذّب في جنسه و نال المدى بنفسه فهو وحده جنس (1)

أراد أنّ نسله ينسب إليه، و لا يتجاوز به إلى من وراءه من آبائه و امّاته، كما يقال: «هذا الفرس من نسل ذي العقّال» (2) و من نتاج ذي الجمّازة» (3) و ما أشبههما.

(178) وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ يَوْمَ الْغَدِيرِ: «وَ أَسْأَلُكُمْ عَنْ ثَقَلَيَّ كَيْفَ خَلَفْتُمُونِي فِيهِمَا» فَقِيلَ لَهُ: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللَّهِ سَبَبٌ؛ طَرَفٌ مِنْهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَ طَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ» (4). هَذِهِ رِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَ الْأَصْغَرُ مِنْهُمَا عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» (5).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «حَبْلَانِ مَمْدُودَانِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»

(6)،


1- ديوان أبي تمّام الطائي: 226.
2- و هو فحل من خيول العرب ينسب إليه. لسان العرب 9: 329- 330، مادّة (ع ق ل).
3- الجمّارة: فرس عبد اللّه بن حنتم، و هو ألحرم خيول العرب. تاج العروس 8: 32، مادّة (ج م ز).
4- مسند أحمد 4: 368، تهذيب التهذيب 3: 394، العمدة: 105، شرح الأخبار 2: 503/ 889، ذخائر العقبى: 16، الخصال: 66/ 98 مع اختلاف.
5- مسند أحمد 3: 14، 26، 59 و 5: 182، سنن الترمذي 5: 329/ 3876، مجمع الزوائد 9: 163، كنز العمّال 1: 172/ 872، 873، صحيفة الرضا عليه السّلام: 84135، المناقب للكوفي 2: 98/ 584، الإمامة و التبصرة: 150، معاني الأخبار: 90/ 2، الخصال: 65/ 97، كمال الدين: 236/ 50، العمدة: 68/ 82، ذخائر العقبى: 16.
6- العمدة: 83/ 101، لم ترد هذا الحديث في بعض النسخ.

ص: 206

فإنّ الكلام يعود على الثقلين.

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه كتاب اللّه بالحبل الممدود بين اللّه و بين خلقه؛ يعصم منهم من اعتصم به، و يستنقذ من المهاوي و المعاطب (1) من اعتلق بطرفه، و ليس هناك يد على الحقيقة يعصم المتعلّق بها، و تستشيل المتورّط، و إنّما ذلك على التمثيل و التشبيه؛ لأنّ المستنقذ من الورطة و المنهض من السقطة- في الأكثر- إنّما يجتذب بيده، و يستعين بسببه، فأخرج عليه الصلاة و السلام كلامه على العرف و المعروف و الأمر المعهود.

و من روى: «حبلان ممدودان» و أراد بأحد الحبلين العترة فالمعنى أنّه عليه الصلاة و السلام أقام عترته مقام الحبل الممدود الذي يكون عصمة المستعصم، و نجاة المستسلم، كما قلنا في القرآن.

وَ هَذَا الْخَبَرُ بِتَمَامِهِ هُوَ خَبَرُ يَوْمِ الْغَدِيرِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ»

(2)، و قد رواه من مشهوري الصحابة عشرة: أوّلهم أمير المؤمنين عليه السّلام و هو الصادق المصدّق، و زيد بن أرقم، و حذيفة بن أسيد، و البراء بن عازب، و سعد بن أبي وقّاص، و أبو هريرة، و جابر بن عبد اللّه، و أبو أيّوب خالد بن زيد، و أنس بن


1- أي الهالك.
2- التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السّلام: 562، المقنعة: 204، أمالي المفيد: 57/ 6، دعائم الإسلام 1: 16 عن أمير المؤمنين عليه السّلام، الفقيه 1: 229/ 686، مسند زيد بن علي عليه السّلام: 457، مسند أحمد 1: 118، 119 و 5: 370 عن زيد بن أرقم، مجمع الزوائد 9: 104، كنز العمّال 11: 3295610.

ص: 207

مالك، و بريدة بن الحصيب الأسلمي:

فَأَمَّا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحَصِيبِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ»

(1)، و وافقهما ابن عبّاس على ذلك.

و أخبرنا بهذه الرواية خاصّة- و هي أشهر الروايات- أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني قال: أخبرنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة الواسطي قال: حدّثنا عبيد اللّه بن جرير بن جبلة قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا نوح بن قيس قال: حدّثنا الوليد بن صبيح، عن ابن امرأة زيد بن أرقم، عن زيد بن أرقم أخبرنا بذلك أبو عبيد اللّه المرزبانى في جملة ما أخبرنا به من رواياته و مصنّفاته.

و على هذه الرواية تخرج اللفظة من الاحتمال، و تكون أقرب إلى المعنى المراد؛ لأنّ وليّ النبيّ عليه الصلاة و السلام أولى به من غيره، و أحقّ بالاستيلاء عليه من كلّ من لم يضرب فيه بمثل حقّه.

وَ قَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «عَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»

(2)، و في هذا الخبر تصريح بأنّه من بعده وليّ الأمر و واليه، و القائم مقامه فيه، كما قال الكميت بن زيد في ذلك:


1- مصباح المتهجّد: 748، التهذيب 3: 144، المزار 1: 84، خصائص أمير المؤمنين عليه السّلام: 94، المناقب للكوفي 1: 450 عن بريدة، شرح الأخبار 1: 220/ 201، معاني الأخبار 66: 5، كمال الدين: 238/ 55، مناقب ابن شهر آشوب 2: 37، العمدة: 12697 عن بريدة، مسند أحمد 5:
2- مسند أحمد 4: 438 بلفظ: «هو وليّ» و فيهما، سنن الترمذي 5: 296/ 3796، مجمع الزوائد 9: 10، و فيه: «أنت وليّي» روضة الواعظين: 186، و فيها: «و أنّه وليّ» ذخائر العقبى: 68.

ص: 208

و نعم وليّ الأمر بعد وليّه و منتجع التّقوى و نعم المؤدّب (1)

و الكلام في هذا المعنى يطول، و ليس كتابنا هذا من مظانّ استقصائه و مواضع استيفائه.

و في هذا الخبر أيضا مجاز؛ و ذلك تسميته عليه الصلاة و السلام الكتاب و العترة ب «الثقلين»، و واحدهما: ثقل، و هو متاع المسافر الذي يصحبه إذا رحل، و يسترفق به إذا نزل، فأقام عليه الصلاة و السلام الكتاب و العترة مقام رفيقه في السفر، و رفاقه في الحضر، و جعلهما بمنزلة المتاع الذي يخلفه بعد وفاته، فلذلك احتاج إلى أن يوصي بحفظه و مراعاته.

و قال بعض العلماء: «إنّما سمّيا: ثقلين؛ لأنّ الأخذ بهما ثقيل (2)».

و قال بعضهم: «إنّما سمّيا بذلك؛ لأنّهما العدتان اللتان يعوّل في الدين عليهما، و يقوم أمر العالم بهما، و منه قيل للإنس و الجن: ثقلان؛ لأنّهما اللذان يعمران الأرض و يثقلانها (3)».

و من ذلك قول الشاعر:

تقوم الأرض ما عمّرت فيهاو تبقى ما بقيت بها ثقيلا

لأنّك موضع القسطاس (4) منهافتمنع جانبيها أن يزولا (5)


1- شرح هاشميات الكميت: 82، الاقتصاد: 198، الرسائل العشر: 130، و فيهما: منتج التقوى، منتجع التقوى: موضع التقوى.
2- تفسير الكشاف 4: 47، لسان العرب 11: 88 مادّة (ث ق ل).
3- تفسير الكشاف 4: 47، لسان العرب 11: 88 مادّة (ث ق ل).
4- أي الميزان.
5- أمالي المرتضى 1: 67، مفردات الراغب: 80.

ص: 209

[المجاز] (179)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِبَعْضِ أَزْوَاجِهِ: «أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا قَلَّمَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ فَكَادَتْ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل النعم المفاضة (2) على الإنسان بمنزلة الضيف النازل، و الجار المجاور الذي يجب أن يعدّ قراه (3)، و يكرم مثواه، و تصفّى مشاربه، و تؤمّن مساربه (4)، فإن اخيف سربه و رنّق (5) شربه و ضيّعت قواصيه (6) و اعتميت مقاربه (7)، كان خليقا بأن ينتقل، و جديرا بأن يستبدل، فكذلك النعم إذا لم يجعل الشكر قرى نازلها و الحمد مهاد منزلها، كانت وشيكة بالانتقال، و خليقة بالزيال (8).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «أَحْسِنُوا جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا وَحْشِيَّةٌ»

(9)، و باقي الخبر على لفظه، فعلى هذه الرواية كأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه النعم بأوابد (10) الوحش التي تقيم مع الإيناس، و تنفر مع الإيحاش، و يصعب


1- الكافي 6: 300/ 6، و فيه: «يا حميراء أكرمي جواز نعم اللّه»، مجمع الزوائد 8: 195، و فيه: أحسنوا، كنز العمّال 3: 254/ 6411 و 261/ 4655.
2- في نسخة ب: المتفاضلة.
3- أي ما يضاف به من الأطعمة و الأشربة.
4- أي نفسه و حرمه و عياله.
5- أي كدّر، لسان العرب.
6- القواصي جمع القاصية، و هي الشاة المنفردة عن القطيع.
7- اعتميت: قصدت و أخذت، و المقارب: جمع مقربة، و هي الفرس التي يقرّب مربطها و معلفها لكرامتها.
8- الزيال: المفارقة، لسان العرب 11: 317، مادّة (ز ي ل).
9- تحف العقول: 448.
10- الأوابه: الوحوش.

ص: 210

رجوع شاردها إذا شرد، و دنوّ نافرها إذا بعد.

[المجاز] (180)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سَمِعَ مُؤَذِّناً يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: «صَدَّقَكَ كُلُّ رَطْبٍ وَ يَابِسٍ»

(1).

و هذا الكلام مجاز؛ لأنّ الرطب و اليابس- من الشجر و الأعشاب و الماء و التراب- لا كلام لهما، و لا روح فيهما، و إنّما أراد عليه الصلاة و السلام أنّ تصديقهما بلسان الخلق لا بلسان النطق، فجميع المخلوقات شاهدة بألّا إله إلّا اللّه سبحانه بما فيها من تأثير الصبغة، و إتقان الصنعة، و شواهد الصانع الحكيم، و المقدّر العليم، فهي من هذه الوجوه متكلّمة و إن كانت خرساء، و مفصحة و إن كانت عجماء.

و على هذا المعنى خرج قول الشاعر:

و في كلّ شي ء له آيةتدلّ على أنّه واحد

(2)

[المجاز] (181)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» (3).

و هذه استعارة، و المراد أنّ الحسد يخرج بصاحبه إلى الإقدام على المعاصي و الارتكاس في المهاوي، فيلغ (4) في الدماء الحرام، و يحتطب في حبائل الآثام، و يشرع في نقل النعم من أماكنها، و إزعاجها عن


1- مسند أحمد 2: 136، سنن أبي داود 1: 142/ 515، سنن النسائي 2: 13.
2- ديوان أبي العتاهية: 104.
3- سنن ابن ماجة 2: 1408/ 4210، سنن أبي داود 2: 457/ 4903، كنز العمّال 3: 461/ 7438، مشكاة الانوار: 534/ 1787.
4- يقال: ولغ يولغ ولغا و ولغا و ولوغا و ولغانا: شرب ما فيه باطراف لسانه أو أدخل فيه لسانه محركه.

ص: 211

مواطنها، فيكون عقاب هذه المخطورات محبطا لحسناته، و مسقطا لثواب طاعاته؛ على المذهب الذي أشرنا إليه فيما تقدّم، فيصير الحسد الذي هو السبب في استحقاق العقاب و إحباط الثواب، كأنّه يأكل تلك الحسنات؛ لأنّه يذهبها و يفنيها، و يسقط أعيانها و يعفيها.

و إنّما شبّهه عليه الصلاة و السلام في أكله الحسنات بالنار التي تأكل الحطب؛ لأنّ الحسد يجري في قلب الإنسان مجرى النار، لاهتياجه، و اتّقاده و إرماضه و إحراقه، و من هنا قال بعضهم: «ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد؛ نفس يتصعّد، و زفير يتردّد، و حزن يتجدّد (1).

[المجاز] (182)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي عَهْدٍ كَتَبَهُ لِعُمَّالِهِ عَلَى الْيَمَنِ: «فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، فِيهِ إِقَامَةُ الْعَدْلِ، وَ يَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَ رَبِيعُ الْقُلُوبِ» (2).

و في هذا الكلام ثلاث استعارات:

أولاهنّ: قوله عليه الصلاة و السلام: «فإنّ هذا القرآن حبل اللّه المتين» و قد تقدّم كلامنا على نظيرها؛ و بيّنّا لأيّ معنى شبّه القرآن بالحبل الممدود بين اللّه سبحانه و بين خلقه في أنّه عصمة لمستعصمهم، و مسكة (3) لمستمسكهم.

و الاستعارة الثانية: قوله عليه الصلاة و السلام في صفة القرآن:


1- انظر: عيون الأخبار 2: 9.
2- سنن الترمذي 5: 159/ 2906، سنن الدارمي 2: 527/ 3331.
3- المسكة: ما يتمسّك به. أقرب الموارد 2: 1211، مادّة (م س ك).

ص: 212

«و ينابيع العلم» و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه ما يفتحه القرآن لمتفهّميه و يبيّنه للناظرين فيه من أبواب العلم و طرقه، و يفتقه من أكمّته (1) و غلفه، بينابيع الماء المتفجّرة، و عيونه المستنبطة، و لأنّ العلم أيضا ينقع (2) الغليل بعد الشكّ المحيّر، كما يبرّد الماء الغلّة بعد العطش المبرّح، فلذلك شبّهه عليه الصلاة و السلام بعيون الماء و ينابيع الرواء.

و الاستعارة الثالثة: قوله عليه الصلاة و السلام: «و ربيع القلوب» و ذلك أنّه جعل القرآن للقلوب الواعية بمنزلة الربيع للإبل الراعية؛ لأنّ القلوب تنتفع بتدبّر القرآن و تأمّله كما تنتفع الإبل بتحمّض (3) الربيع و تنقّله، فهذا غذاء للأرواح، كما أنّ ذلك غذاء للأجسام.

و قد يجوز أن يكون المراد: أنّ القلوب تنفرج بحكم القرآن و آدابه كما تنفرج العيون بأنوار الربيع و أعشابه، و «الربيع» اسم للغيث في الأصل، ثمّ صار اسما عندهم لما ينبت عن الغيث من أفانين النور (4) و العشب، ألا ترى إلى قول الشاعر و هو يريد الغيث:

أنت ربيعي و الرّبيع ينتظرو خير أنواء الرّبيع ما بكر

(5) و هذا كما سمّوا الغيث «سماء» لأنّ نزوله يكون من جهة السماء، قال الشاعر:


1- الأكمّة: جمع الكمّ: و هو الغلاف الذي ينشقّ عن التمر و يحيط به. أقرب الموارد 2: 1102، مادّة (ك م م).
2- أي يسكّنه و يقطعه. أقرب الموارد 2: 1338، مادّة (ن ق ح).
3- أي تحوّل.
4- أي الزهر.
5- الأنواء: جمع نوء، و هو المطر.

ص: 213

إذا سقط السّماء بأرض قوم رعيناه و إن كانوا غضابا (1)

أراد إذا سقط الغيث، ثمّ قال: «رعيناه» فردّ الكلام على ما ينبت عن الغيث من الرعي الجميم، و الكلأ العميم، و مثل هذا في كلامهم كثير مستفيض.

و «الربيع» أيضا النهر الصغير،

وَ فِي الْحَدِيثِ: «وَ مَا سَقَى الرَّبِيعُ»

(2)، و جمعه «أربعاء» على وزن أنصباء.

[المجاز] (183)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي هَذَا الْعَهْدِ وَ هُوَ يَذْكُرُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ: «وَ الْعَصْرُ إِذَا كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْ ءٍ مِثْلَهُ، وَ كَذَلِكَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ حَيَّةً، وَ الْعِشَاءُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ كَوَاهِلُ اللَّيْلِ»

(3).

و هاتان استعارتان:

أولاهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «ما دامت الشّمس حيّة» و المراد بحياة الشمس هاهنا كونها في بقيّة من الاحمرار من قبل أن يفضي إلى الحؤول و الاصفرار، و من هناك قالوا: «شمس مريضة» إذا ولّى احمرارها، و أقبل اصفرارها.

و على هذا قول الشاعر:


1- خزانة الأدب 9: 555، الحبل المتين: 309، و فيه: إذا نزل السماء، الصحاح 6: 2382.
2- مسند أحمد 4: 503/ 15388.
3- النهاية في غريب الحديث 1: 471 و 4: 214، سنن الترمذي 1: 276/ 149، سنن أبي داود 1: 109/ 397.

ص: 214

لدن غدوة حتّى نزعن عشيّةو قد مات شطر الشّمس و الشطر مدنف

(1) فجعل نصفها ميّتا لمّا تصرّم أكثر ضيائها، و جعل نصفها مدنفا لمّا كان من التصرّم على شفا.

و مثل ذلك قول الراجز:

و الشّمس قد كادت تكون دنفا (2)

أي قد قاربت أن تشفي على الغروب، كما يشفي الدنف المريض على الخفوت، فجعلها دنفا مبالغة في وصفها بنقصان اللون و حؤول الضوء؛ على أصل وصفهم لها بالمرض.

و لوصفهم الشمس بالموت في أشعارهم وجه آخر: و هو أنّهم إذا أرادوا أن يصفوا يوم الحرب باشتداد الحرّ و اسوداد الأفق للقتام المتراكب و النقع المتعاظل (3)، يقيمون تغيّب الشمس و احتجابها مقام انقراضها و ذهابها.

و الاستعارة الاخرى: قوله عليه الصلاة و السلام: «إلى أن تمضي كواهل اللّيل»، و المراد: إلى أن تمضي أوائله فسمّاها «كواهل» (4)


1- لدن غدوة: من حين إذ كان الوقت غدوة، و الغدوة: الكبرة، أو ما بين صلاة الفجر و طلوع الشمس، نزعن: أشرفن على الموت على احتمال.
2- ديوان العجاح 2: 227، العين 6: 288، الصحاح 4: 1361، تمام البيت «أدفعها بالراح كي تزحلفا».
3- أي الغبار المتراكب و المتراكم.
4- الكواهل: جمع كاهل، و هو مقدّم أعلى الظهر ممّا يلي العنق، و هو الثلث الأعلى، و فيه ستّ فقرات المصباح المنير: 542، مادّة (ك ه ل).

ص: 215

تشبيها للّيل بالمطايا السائرة التي تتقدم أعناقها و هواديها (1)، و يتبعها أعجازها و تواليها. و من هناك قالوا في الساري ليلا: «اتخذ الليل جملا» (2) و يقولون: «ركب الليل» (3) و «امتطى الليل» لمّا جعلوه بمنزلة الظهر المركوب، و البعير المرحول.

[المجاز] (184)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» (4).

و هذه استعارة، و المراد أنّ هذا القول به يوصل إلى دخول الجنّة، فجعله عليه الصلاة و السلام بمنزلة المفاتيح التي يستفتح بها الأغلاق، و يستفرج الأبواب. و أراد عليه الصلاة و السلام هذه الكلمة و ما يتبعها من شعائر الإسلام، و قوانين الإيمان، إلّا أنّه عليه الصلاة و السلام عبّر عن جميع ذلك بهذه الكلمة؛ لأنّها أوّل لتلك الشعائر، و سائرها تابع لها، و متعلّق بها، فهي لها كالزمام القائد، و المتقدّم الرائد. و ذلك كما يعبّر عن حروف المعجم ببعضها، فيقال: «ألف، با، تا، ثا» و المراد جميعها، و كذلك يقولون: «هو في أبجد» و يريدون سائر هذه الحروف، إلّا أنّ هذه الحروف لمّا كانت أوّله (5) لباقيها و متقدّمة لما يليها، حسن أن يعبّر بها عن جميعها.


1- المراد بالهوادي هنا الأعناق.
2- جمهرة الأمثال 1: 88.
3- جمهرة الأمثال 1: 88.
4- مسند أحمد 5: 242، و فيه: «شهادة أن لا إله إلّا اللّه» مجمع الزوائد 1: 16، كنز العمّال 1: 425/ 1825 و 10: 595/ 30292.
5- قيل: إنّ وزن أوّل فوعل، و أصله ووول، فقلبت الواو الاولى همزة، ثمّ ادغم، و لذا أنّث في المتن بالهاء، فقال: أوّلة. راجع المصباح المنير: 30، مادّة (أ و ل).

ص: 216

[المجاز] (185)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي وَصِيَّةٍ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «وَ صَلِّ الظُّهْرَ بَعْدَ مَا يَتَنَفَّسُ الظِّلُّ، وَ تَبْرُدُ الرِّيَاحُ»

(1).

و هذه استعارة، و المراد: بعد ما يزيد امتداد الظلّ، من قولهم: «تنفّس النهار» إذا أخذ بالطول، و منه قوله تعالى: وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (2)؛ أي إذا زاد ضياؤه، و انتشرت أنواره، و قد استقصينا الكلام على ذلك في كتاب «تلخيص البيان عن مجازات القرآن» (3)، و أصل هذه مأخوذ من تنفّس الحيوانات؛ و هو امتداد الريح الحارّة من تجاويف صدورها عند ترويح رئاتها عن قلوبها بانقباضها و انبساطها، و انضمامها و انفراجها.

[المجاز] (186)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَعْثُرُ وَ إِنَّ يَدَهُ بِيَدِ اللَّهِ يَرْفَعُهَا»

(4).

و هذا القول مجاز، و المراد بذكر «يد الله» هاهنا معونة الله تعالى و تقدّس، و نصرته، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ أحدهم ليعثر و أنّ معونة الله من ورائه؛ تنهضه من سقطته، و تقيله من عثرته، إلا أنّه عليه الصلاة و السلام لمّا جاء بلفظ «العثار» أخرج الكلام بعده على عرف العادات؛ لأنّ العادة جارية أن يكون المنهض للعاثر و المقيم للواقع؛ إنّما يستنهضه بيده، و يستعين عليه بجلده.


1- لاحظ كنز العمّال 10: 596/ 30292.
2- التكوير (81): 18.
3- مجازات القرآن: 268.
4- مسند أحمد 6: 181، سنن أبي داود 2: 333/ 4375، السنن الكبرى 8: 162 في الجميع: «اقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم الّا الحدود» نهج البلاغة 64: 20 عن أمير المؤمنين عليه السّلام مع اختلاف.

ص: 217

و المراد بذوي الهيئات هاهنا ذوو الأديان، لا ذوو الملابس الحسان، كما يظنّ من لا علم له؛ لأنّ هيئة الدين و ظاهره أحسن الهيئات و المظاهر، و أفخم المعارض (1) و الملابس.

[المجاز] (187)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «جَبْرَائِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ» (2).

و هذا القول مجاز، و أصل «الناموس» المكان الذي يستجنّ (3) فيه الصائد عن الوحش لئلّا تراه فتنفر منه، و من ذلك سمّي من يجعله الإنسان موضع سرّه و مستودع نفثه (4) «ناموسا» يقال منه: «نمس ينمس نمسا» و «نامسه منامسة» فكأنّه عليه السّلام إنّما شبّهه بذلك؛ لأنّه يستخفى بما يؤدّيه عن الله سبحانه إلى الأنبياء عليهم السلام من أوامر الله التي تقيّد القلوب بحبائل الخوف و الرجاء، و تجتذبها بعلائق الوعد و الإيعاد؛ تشبيها بالصائد الذي يختل (5) صيده حتّى يصيب غرّته (6)، و يقتحم غفلته.

و قد قال بعضهم: «إنّ الناموس في كلام بعض العرب اسم للنمّام، فكأنّ جبرائيل عليه السّلام هو الذي يظهر أمر اللّه لأنبيائه، لا على الوجه المذموم


1- المعارض: جمع معرض، و هو ثوب تجلى فيه الجارية ليلة العرس. و قيل: هو القميص الذي يعرض فيه العبد و الجارية للبيع. أقرب الموارد 2: 767، مادّة (ع ر ض).
2- لسان العرب 6: 244، تاج العروس 16: 580.
3- أي يستتر.
4- يقال: لابدّ للمصدور أن ينفث؛ أي يعبّر عن همومه و أحزانه.
5- أي يخدع.
6- الغرّة: الغفلة النهاية في غريب الحديث 3: 355.

ص: 218

الذي يقصده لسان النمّام، و يعتمده ناقل الكلام» (1).

و قال بعضهم: «الناموس: من أسماء العلم» (2)، فيكون في الخبر- إذا حملناه على هذا الوجه- تقدير مضاف حذف لدلالة الكلام عليه، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «جبرائيل حامل علم اللّه» أو «صاحب علم الله» و الحذف إنّما يحسن في الكلام إذا كان فيما يبقى دليل على ما يلقى، كقوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها (3)، فلمّا كانت القرية و العير (4) لا تسألان و لا تجيبان، علم أنّ المطلوب غيرهما؛ و أنّه المضاف إليهما. و لا يجوز على هذا: «جاء زيد» و أنت تريد غلام زيد؛ لأنّ المجي ء قد يكون من الغلام كما يكون من صاحب الغلام، فلا دليل في مثل هذا على المحذوف كما كان في الوجه الأوّل (5).

[المجاز] (188)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ كَلَامٌ تَشَذَّرَ لِي عَنْ إِيعَادٍ» (6).

فوصف الكلام بالتشذّر مجاز، و أصل «التشذّر» أنّ الناقة إذا القحت عقدت ذنبها و نصبته على عجزها، قال الشاعر:


1- انظر: لسان العرب 14: 291. ماده (ن م س).
2- لسان العرب 6: 244، تاج العروس 16: 583 و فيهما: الناموس وعاء العلم.
3- يوسف (12): 82.
4- العير: قافلة الحمير، ثمّ كثرت حتّى سمّيت بها كل قافلة. أقرب الموارد 2: 853، مادّة (ع ي ر).
5- انظر: مجازات القرآن: 173، تفسير القرطبي 9: 245.
6- غريب الحديث للهروي 2: 151 من كلام سليمان بن صرد الخزاعي.

ص: 219

لها ذنب كالقنو قد مذلت به و أسمح للتّخطار بعد التّشذّر (1)

فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ الكلام الذي سمعه، أعرب له عمّا في ضمنه من الوعيد، كما أنّ تشذّر الناقة بذنبها دليل على لقاح بطنها.

و يجوز أن يكون المراد صفة ذلك الكلام بالارتفاع و العلوّ و الاشتطاط (2) و الغلوّ تشبيها بذنب الناقة إذا عقدته لاقحة، و رفعته شامذة (3).

[المجاز] (189)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْإِيمَانُ هَيُوبٌ» (4).

و في هذا الكلام مجاز؛ لأنّ فيه تقدير كلام محذوف، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «صاحب الإيمان هيوب» و العرب تقول: «الباب لئيم» أي مغلق الباب دون الأضياف، و المراد أنّ صاحب الإيمان بما معه من حواجز إيمانه. و بصائر إيقانه، يهاب تطرّق الحوب (5)، و مواقعة الذنوب، فلا يقدم عليها إقدام المرتكس الهاوي، و الضالّ الغاوي.

[المجاز] (190)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الِاسْتِغْفَارُ مَهْدَمَةٌ لِلذُّنُوبِ» (6).


1- النوادر في اللغة: 182، القنو: عذق النخلة بما فيه من رطب، مذلت به: أي سمحت به و رفعته، أسمح: لان و ذلّ، للتخطار: لرفع الأذناب، يقال: تخاطرت الفحول بأذنابها للتصاول؛ إذا أشالتها و أدارتها عند الهياج، و المراد انّ الناقة الستجابت لنداء الفحولة.
2- الاشتطاط: مجاوزة القدر و الحدّ في كلّ شي ء لسان العرب: 7/ 334.
3- يقال: شهذت الناقة: إذا لقحت فشالت ذنبها. أقرب الموارد 1: 609، مادّة (ش م ذ).
4- الفائق 4: 123، النهاية في غريب الحديث 5: 285 نقله عن عبيد بن عمير، معجم مقاييس اللغة 6: 22، مجمع البحرين 2: 185.
5- أي الإثم. أقرب الموارد 1: 241، مادّة (ح و ب).
6- الفتح الكبير 1: 506، كنز العمّال 1: 476/ 2071، و فيه: «ممحاة للذنوب».

ص: 220

فوصف الاستغفار بأنّه يهدم الذنوب؛ مجاز؛ لأنّ المعاصي الكثيرة لمّا كانت كالبناء في تراكب أجزائها و استغلاظ جرابها (1)، كان استغفار النادم و إقلاع التائب، كأنّهما هدم لذاك البناء من أساسه، و كبّ له على امّ رأسه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

[المجاز] (191)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْ ءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد: ما استمع اللّه لشي ء كاستماعه لنبيّ يداوم تلاوة القرآن، فيجعله دأبه و ديدنه، و هجّيراه (3) و شغله، كما يجعل غيره الغناء مستروح حزنه، و مستفسح قلبه، ليس أنّ هناك غناء به على الحقيقة، و هذا كما يقول القائل: «قد جعل فلان الصوم لذّته، و الصلاة طربته» إذا أقامهما مقام شغل غيره باللذّات، و طربه إلى المستحسنات.

و قد قيل: «إنّ المراد بذلك تحزين القراءة؛ ليكون أشجى للسامع، و آخذ بقلب العارف، فسمّى هذه الطريقة: «غناء» على الاتساع؛ لأنّها تقود أزمّة القلوب، و تستميل نوازع النفوس (4). و إلى ذلك ذهب عليه


1- الجراب: جوف البئر من أعلاها إلى أسفلها، يقال اطو جرابها بالحجارة، و ما أصلب جرابها، و إنّها لمستقيمة الجراب. أقرب الموارد 1: 112، مادّة (ج ر ب).
2- سنن النسائي 2: 180، مسند أحمد 2: 271، سنن الدارمي 2: 472، صحيح البخاري 8: 195، صحيح مسلم 2: 192، مستدرك الحاكم 1: 570، التبيان في تفسير القرآن 5: 246، تفسير نور الثقلين 5: 536/ 5.
3- الهجّير- كسكّيت-: العادة و الدأب. أقرب الموارد 2: 1372، مادّة (ه ج ر).
4- انظر: فتح الباري 10: 445.

ص: 221

الصلاة و السلام

بِقَوْلِهِ: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ»

(1)، في حديث آخر.

و ليس المراد بذلك تلحين القراءة و تطريبها؛ فإنّ الأخبار قد وردت بذمّ هذه الطريقة حتّى

ذَكَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أُمُوراً عَدَّدَهَا، ثُمَّ قَالَ: «وَ أَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ»

(2).

و قال بعضهم: «معنى يتغنّى بالقرآن» أي يذكر القرآن، من قولهم:

تغنّى فلان بفلان؛ إذا ذكره في شعره إمّا هجاء و إمّا مدحا».

فأمّا الحديث الاخر و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»

(3)، فليس المراد به هذا المعنى، و إنّما أراد عليه الصلاة و السلام: ليس منّا من لم يستغن بالقرآن عمّا سواه، و «تغنّى» هاهنا بمعنى استغنى، و هو تفعّل من الاستغناء، لا من الغناء، قال العجّاج:

أرى الغواني قد غنين عنّي و قلن لي عليك بالتّغنّي (4)

أي استغنين عنّي و قلن لي: استغن عنّا كما استغنينا عنك، و هذا عند موت الشباب، و انقضاء الآراب.


1- النهاية في غريب الحديث 2: 325، و فيه: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» قال الجزري: قيل هو مقلوب؛ أي: زيّنوا أصواتكم بالقرآن، غريب الحديث للهروي 1: 283، مستدرك الحاكم 1: 571، 572، مجمع الزوائد 7: 170، الدرّ المنثور 1: 19.
2- مسند أحمد 6: 22، و فيه: «يتخذون القرآن»، غريب الحديث للهروي 1: 283، كنز العمّال 14: 573/ 39639، و فيه: «اتخذوا»، مسند زيد بن علي: 489.
3- أمالي المرتضى 1: 24، معاني الاخبار: 279 المبسوط 8: 227، مسند أحمد 1: 172، سنن الدارمي 2: 471، صحيح البخاري 8: 209، سنن أبي داود 1: 330/ 1469، مستدرك الحاكم 1: 569، مجمع الزوائد 7: 170، كنز العمّال 1: 605/ 2769.
4- ديوان العجّاج 1: 278.

ص: 222

و يؤكّد ذلك الحديث الآخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ أَحَداً أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ، فَقَدْ عَظَّمَ صَغِيراً، وَ صَغَّرَ عَظِيماً» (1).

و لو كان المراد بالتغنّي في هذا الخبر ترجيع الصوت بالقرآن، لكان من لم يقصد هذه الطريقة في تلاوته و يعتمدها في صلاته، داخلا تحت الذمّ، و مقارفا (2) للذنب؛

لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»

فبان أنّ المراد به الاستغناء لا الغناء.

[المجاز] (192)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» (3).

و هذا مجاز، و ذلك أنّ العرب كانت إذا قرعتها القوارع، و نزلت بها النوازل (4)، و حطمتها السنون الحواطم (5)، و سلبت كرائم أعلاقها (6) من مال مثمر، أو ولد مؤمّل، أو حميم مرجّب (7)، ألقت الملاوم على الدهر، فقالت في كلامها و أسجاعها و أرجازها و أشعارها: «استقاد (8) منّا


1- معاني الأخبار 190، 279 مع اختلاف، و فيه: «من أعطاه اللّه القرآن»، كنز العمّال 1: 2350.
2- أي فاعلا. المصباح المنير: 499، مادّة (ق ر ف).
3- مسند أحمد 2: 395، صحيح مسلم 7: 45، كنز العمّال 3: 606/ 8137، أمالي المرتضى 1: 34، التبيان في تفسير القرآن 1: 25، الإيضاح: 9.
4- النوازل: جمع النازلة، و هي الشدّة من شدائد الدهر. لسان العرب 11: 659.
5- الحواطم: السنون الشديدة الجدب. لسان العرب 12: 138.
6- الأعلاق: جمع علق، و هو النفيس من كلّ شي ء. أقرب الموارد 2: 822، مادّة (ع ل ق).
7- أي مهيب و معظّم. أقرب الموارد 1: 390، مادّة (ر ج ب).
8- أي اقتصّ.

ص: 223

الدهر» و «جار علينا الدهر» و «رمانا بسهامه الدهر» كقول القائل منهم- و هو عديّ بن زيد-:

ثمّ أمسوا لعب الدّهر بهم و كذاك الدّهر يودي بالرّجال (1)

و كقول الآخر:

أكل الدّهر عليهم و شرب (2)

و كقول الآخر:

و الدّهر غيّرنا و ما يتغيّر (3)

و الأشعار في ذلك أكثر من أن نحيط بها، أو نأتي على جميعها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: لا تذمّوا الذي يفعل بكم هذه الأفعال؛ فإنّ اللّه سبحانه هو المعطي و المنتزع، و المغيّر و المرتجع، و الرائش (4) و الهائض (5)، و الباسط و القابض.

و قد جاء في التنزيل ما هو كشف عن هذا المعنى؛ و هو قوله تعالى:

وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (6)، فصرّح تعالى بذمّهم على اعتقادهم أنّ الدهر يملكهم و يهلكهم، و يعطيهم و يسلبهم، و دلّ بمفهوم


1- ديوان عديّ بن زيد: 202.
2- ديوان النابغة الجعدي: 92، الكامل للمبرّد 1: 218، مجمع الأمثال 1: 57.
3- بهجة المجالس 2: 230، عيون الأخبار 2: 323.
4- يقال: رشت فلانا؛ قوّيت جناحه بالإحسان إليه فارتاش. أساس البلاغة: 186، مادّة (ر ي ش).
5- يقال: تماثل المريض فهاضه كذا؛ نكسه. أساس البلاغة: 490، مادّة (ه ي ض). و المراد هنا الرافع الخافض.
6- الجاثية (45): 24.

ص: 224

الكلام على أنّه سبحانه هو المالك للامور، و المصرّف للدهور (1).

[المجاز] (193)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ» (2).

و هذه استعارة، و ذلك أنّهم يقولون: «هذه غنيمة باردة» إذا حازوها من غير أن يلقوا دونها حرّ السلاح و ألم الجراح؛ لأنّه ليس كلّ الغنائم كذلك، بل في الأكثر لا تكاد تنال إلّا باصطلاء نار الحرب، و مألم الطعن و الضرب، فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل صوم الشتاء غنيمة باردة؛ لأنّ الصائم يحوز فيه الثواب الجزيل و الخير الكثير بلا معاناة مشقّة، و لا ملاقاة كلفة؛ لقصر نهاره، و عدم اواره (3).

و قد قيل أيضا: «إنّما وصف الصوم في الشتاء بأنّه غنيمة باردة؛ لبرد النهار الذي يقع الصيام فيه، و أنّه بخلاف نهار الصيف الذي يشتدّ فيه العطش، و تطول المخامص (4)، و يقصر ليله عن القيام بوظائف العبادة التي تحمد عقبى، و تقرّب إلى اللّه زلفى، و الشتاء على خلاف هذه الصفة؛ لقصر نهار الصائم، و طول ليل القائم».

[المجاز] (194)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ فِي


1- انظر: تفسير القرطبي 16: 170.
2- مسند أحمد 4: 335، سنن التّرمذيّ 2: 146/ 794، مجمع الزّوائد 3: 200، كنز العمّال: 8: 402/ 23619، معاني الأخبار: 272، الخصال: 314/ 92.
3- أيّ حرّه. أقرب الموارد 1: 24، مادّة (أ و ر).
4- المخامص: جمع مخمصة، و هي المجاعة. المصباح المنير: 182، مادّة (خ م ص). و المراد هنا الجوع.

ص: 225

أَيْدِيكُمْ عَوَانٍ» (1).

و هذا مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل النساء عند أزواجهنّ بمنزلة الأسراء، و ذلك؛ لأنّ المرأة تجري على أحكام الرجل في الصدور و الورود، و الوقوف و الخفوف (2)، فهي راسفة (3) في أقياد حصره، و ناشبة (4) في حبائل نهيه و أمره، و من هنا قيل: «فلانة في حبال فلان»- إذا كان بعلها- للعلّة المقدّم ذكرها.

و «العاني» الأسير و الجمع «عناة»، و الأسيرة «عانية» و الجمع «عوان» و قد يقال للأسير أيضا «الهديّ» و قال المتلمّس في قتل عمرو بن هند طرفة بن العبد بعد أن سجنه زمانا:

كطريفة بن العبد كان هديّتهم ضربوا صميم قذاله بمهنّد (5)

قيل: «إنّما سمّيت المرأة المنقولة إلى زوجها: هديّا؛ لأنّها بمنزلة الأسيرة عنده».

و قيل: «بل سمّيت بذلك؛ لأنّها تهدى إلى زوجها، فهي فعيل في موضع مفعول، فهديّ في مكان مهديّ، يقال: هديت المرأة إلى زوجها أهديها هداء. و هو من الهداة، و ليس من الهديّة؛ لأنّه لا يقال من


1- مسند أحمد 5: 73، و فيه: «عندكم» بدل في «أيديكم»، سنن النسائي 5: 143، مجمع الزوائد 3: 266، كنز العمّال 5: 131/ 12357، البداية و النهاية 5: 221.
2- أي الارتحال السريع. أقرب الموارد 1: 289، مادّة (خ ف ف).
3- أي ماشية مشي المقيّد. أقرب الموارد 1: 403، مادّة (ر س ف).
4- أي عالقة. أقرب الموارد 2: 1299، مادّة (ن ش ب).
5- خزانة الأدب 2: 366، الصحاح 6: 2534، الصميم: العظم الذي به قوام العضو، القذال: جماع مؤخّر الرأس، المهنّد: السيف المطبوع من حديد الهند.

ص: 226

الهديّة إلّا: أهديت». و قد قيل: «إنّ في بعض اللغات: أهديت المرأة» و اللغة الاولى هي المعتدّ بها، و المعمول عليها (1).

[المجاز] (195)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ طَمَعٍ يَهْدِي إِلَى طَبَعٍ» (2).

و هذا مجاز، و المراد أنّ الطمع يصير بصاحبه إلى معائب الأفعال و مدانسها، و يوقعه في مذامّها و مناقصها، «و الطّبع» الدّنس و العيب، يقال: «فلان طبع» كدنس و جشع، فلمّا كانت عواقب الطمع صائرة إلى مدارن (3) الطبع، جعل عليه الصلاة و السلام الطمع كأنّه هاديا إليها، و دليلا عليها على المجاز و الاتساع. و «الطبع»- على ما سمعته من شيخنا أبي الفتح النحوي رحمه اللّه- «مأخوذ من «الطابع» و هو الخاتم» (4) كأنّه يسم (5) صاحبه بالمعايب، و يشهره بالمثالب، فيكون كالخاتم الذي يظهر رسمه، و يؤثّر وسمه.

[المجاز] (196)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لِلرَّجُلِ الَّذِي تَفَوَّتَ (6) ابْنُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَفَرَّقَهُ وَ بَذَّرَهُ: «ارْدُدْ عَلَى ابْنِكَ مَالَهُ؛ فَإِنَّمَا


1- لسان العرب 15: 358، و فيه نحوه.
2- مسند أحمد 5: 232، مستدرك الحاكم 1: 533، كنز العمّال 3: 495/ 7576، النّهاية في غريب الحديث 3: 122.
3- المدارن: جمع مدرن، و هو موضع الوسخ.
4- أيّ الميسم الّذي يحمى، فتوسم به الدّوابّ و نحوها.
5- يقال: وسم الدّابّة: كواها و أثر فيها بسمة وكي. راجع أقرب الموارد 2: 1452، مادّة (و س م).
6- أيّ أن الابن لم يستشر أباه، و لم يستأذنه في هبة مال نفسه، فأتى الأب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأخبره، فقال: ارتجعه من الموهوب له، و اردده على ابنك؛ فإنّه و ما في يده تحت يدك، و في ملّكتك، فليس له أن يستبدّ بأمر دونك. لسان العرب 10: 344، مادّة (ف و ت).

ص: 227

هُوَ سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِكَ» (1).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام جعل ابن الرجل بمنزلة السهم الذي في كنانته، و لذلك وجهان:

أحدهما: أن يكون إنّما شبّهه بالسهم من سهامه؛ لأنّ الأب سبب نشئه و تربيته، و وليّ تثقيفه و تأديبه، كما أنّ النابل باري السهم و رائشه (2)، و مثقّفه (3) و مقوّمه.

و الوجه الآخر: أن يكون المراد أنّه بمنزلة السهم في كنانته من حيث كان في حضنه، و حاصلا تحت ضبنه (4)، و أنّه متى شاء صرفه في آرائه، كما أنّ صاحب السهم متى شاء رمى به في أغراضه.

و معنى قوله عليه الصلاة و السلام: «اردد على ابنك» أي استرجع ما فرّقه من ماله في وجوه التبذير، و مظانّ التبديد، فردّه إلى ملكه استظهارا له و إشبالا له (5)؛ إذ ليس له أن يفتات (6) عليك بمال، و لا يعصيك في حال.


1- لسان العرب 2: 70، المحلّى 8: 103 مع اختلاف، كنز العمّال 16: 584/ 45951، النهاية في غريب الحديث 3: 477، و الكنانة: جعبة تجعل فيها السهام تتخذ من جلود لا خشب فيها، أو من خشب لا جلود فيها. أقرب الموارد 2: 1108، مادّة (ك ن ن).
2- أي واضع للريش فيه.
3- أي مقومه و مسوّيه. أقرب الموارد 1: 91، مادّة (ث ق ف).
4- الضبن: الإبط و مايليه. لسان العرب 8: 19، مادّة (ض ب ن).
5- أي إعانة له. أقرب الموارد 1: 568، مادّة (ش ب ل).
6- أي يفعل شيئا بغير أمرك. راجع لسان العرب 10: 344، مادّة (ف و ت).

ص: 228

[المجاز] (197)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ؛ فَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» (1).

أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ بْنِ الْجَرَّاحِ؛ فِي جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَأْمُونَ فِي الشَّمَّاسِيَّةِ (2) وَ قَدْ أَجْرَى الْحَلْبَةَ (3)، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كَثْرَةِ النَّاسِ، فَقَالَ لِيَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ: أَ مَا تَرَى إِلَى هَذِهِ الْأُمَمِ! ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ: «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ؛ فَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ».

و قد حدّثنا بهذا الحديث أيضا سهل بن أحمد بن عبد اللّه بن سهل الديباجي، عن محمّد بن يحيى الصولي- فيما صنّفه ممّا رضيه خلفاء بني العبّاس من أحاديث النبيّ عليه الصلاة و السلام- على خلاف هذه الحكاية.

و هذا القول مجاز؛ لأنّ عيال الإنسان من يعوله (4) ثقلهم، و يهمّه


1- مجمع الزوائد 8: 191، كنز العمّال 6: 360/ 16056، كشف الخفاء 1: 457، قرب الاسناد: 421120، عوالي اللآلي 1: 101/ 23.
2- الشمّاسيّة: محلّة بجنب رصافة بغداد. تاج العروس 8: 329، مادّة (ش م س).
3- الحلبة: خيل تجمع للسباق من كلّ أوب، و لا تخرج من وجه واحد. المصباح المنير: 146، مادّة (ح ل ب).
4- أي يغلبه و يثقل عليه و يهمّه. راجع أقرب الموارد 2: 849، مادّة (ع و ل).

ص: 229

أمرهم، و اللّه سبحانه و تعالى لا تؤده (1) الأثقال، و لا تهمّه الأحوال، و لكنّه سبحانه و تعالى لمّا كان متكفّلا بمصالح عباده- يدرّ عليهم حلب الأرزاق، و يلمّ لهم شعث الأحوال، و يعود عليهم بمرافق الأبدان، و مراشد الأديان- شبّهوا من هذه الوجوه بالعيال الذين في ضمان العائل، و كفاية الكافل، على طريق الاتساع، و على معارف العادات.

[المجاز] (198)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَ مَنْ شَرِبَهَا لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْماً، فَإِنْ مَاتَ وَ هِيَ فِي بَطْنِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (2).

سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِي أَبُو حَفْصٍ الْكَتَّانِيُّ؛ فِي جُمْلَةِ مَا رَوَاهُ لَنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عِبَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ»

، و ذكر ما في الحديث.

و هذه استعارة، و إنّما سمّاها عليه الصلاة و السلام «امّ الخبائث» على تغليظ النهي عن شربها، و تعظيم قدر العقاب عليها، فكأنّها جماع الخبائث المردية، و معظم الذنوب الموبقة، كما أنّ الامّ جامعة لأولادها،


1- أي لا تثقله و لا تصعب عليه.
2- المبسوط 8: 58، و فيه: «شرّ الخبائث»، السرائر 3: 473، عوالي اللآلي: 3: 562/ 61، كنز العمّال 5: 13183349، كشف الخفاء 1: 459.

ص: 230

و متقدّمة عليهم بميلادها. و الفائدة في تقديمها على غيرها من المعاصي:

أنّ الأغلب في شربها أن يكون طريقا إلى ارتكاب الكبائر، و جرّ الجرائر؛ فإنّ السكران قد يحمله سكره على القذف و الافتراء، و إراقة الدماء، و استحلال الفروج و الأموال، و غير ذلك من مقاحم الذنوب، و معاظم العيوب، و كلّ هذا فالسكر من أقوى أسبابه، و أقرب أبوابه.

[المجاز] (199)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَقْطَعُ»

(1).

وَ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو حَفْصٍ الْمُقْرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَقْطَعُ».

و هذا القول مجاز، و إنّما شبّه عليه الصلاة و السلام الأمر الذي تهمّ الإفاضة فيه و تمسّ الحاجة إلى الكلام عليه- إذا لم ينظر فيه حمد اللّه سبحانه و تعالى- بالأقطع اليد من حيث كان قالصا (2) عن السبوغ (3)، و ناقصا عن البلوغ.

و ممّا يقوّي ذلك

مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيْضاً، قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ


1- مسند أحمد 2: 359، سنن ابن ماجة 1: 610/ 1894، السّنن الكبرى 3: 208، مجمع الزّوائد 2: 188، كنز العمّال 1: 558/ 2509، الدّرّ المنثور 1: 12.
2- أيّ منكمشا ناقصا.
3- السبوغ: تمام الشّي ء بحيث يصلّ إلى الأرض.

ص: 231

وَ السَّلَامُ: «الْخُطْبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ»

(1)، فأقام عليه الصلاة و السلام نقصان الخطبة مقام نقصان الخلقة.

و ممّا يشبه هذا الخبر

الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِهِ: وَ هُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ أَجْذَمُ» (2).

قال: «و الأجذم: المقطوع اليد» و استشهد على ذلك بقول الشاعر:

و ما كنت إلّا مثل قاطع كفّه بكفّ له اخرى فأصبح أجذما

(3) و اعترض هذا القول عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة قادحا فيه و طاعنا عليه، فقال: «إنّما أتى أبو عبيد في فساد هذا التفسير من قبل البيت الذي استشهده، و ليس كلّ أجذم أقطع اليد. و إذا نحن حملنا الحديث على ما ذهب إليه أبو عبيد رأينا عقوبة الذنب لا تشاكل الذنب؛ لأنّ اليد لا سبب لها في نسيان القرآن، و العقوبات من اللّه سبحانه و تعالى تكون بحسب الذنوب، كقوله تعالى و تقدّس: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ (4)، يريد أنّ الربا الذي أكلوه أثقل بطونهم، فهم يقومون و يسقطون، كما يصيب من يتخبّطه الشيطان (5).


1- مسند أحمد 2: 302، 343، سنن أبي داود 2: 444، و فيه: «كلّ خطبة ليس فيها تشهّد» سنن الترمذي 2: 282/ 1112، السنن الكبرى 3: 209، كنز العمّال 10: 249/ 29334.
2- غريب الحديث 3: 48، مسند أحمد 5: 327، أمالي المرتضى 1: 4.
3- انظر: غريب الحديث 1: 399 و 2: 24.
4- البقرة (2): 275.
5- انظر: تفسير القرطبي 3: 348.

ص: 232

و

يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْماً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ؛ كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ (1)، فَقَالَ جَبْرَائِيلُ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِأَفْوَاهِهِمْ، فَعُوقِبُوا فِيهَا ...»

(2)، و مثل هذا كثير».

قال: «و الأجذم هاهنا: المجذوم، يقال: رجل أجذم، و قوم جذماء، مثل أحمق و حمقاء، و أنوك و نوكاء، إلّا أن يكون

رُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنَّهُ يُحْشَرُ أَقْطَعَ الْيَدِ»

، أو ما يدلّ على ذلك، فيقع التسليم منّا.

و إنّما سمّي من به هذا الداء «أجذم» لأنّه يقطع أصابع يديه، و ينقص خلقه، و الجذم: القطع، و كلّ شي ء قطعته فقد جذمته و جذذته، و لهذا قيل للمقطوع اليد: «أجذم» كما قيل له: «أقطع» و هذا أشبه بالعقوبة؛ لأنّ القرآن كان يدفع عن جسمه كلمة العاهة، و يحفظ عليه الصحّة، و لمّا نسيه فارقه ذلك، فنالته الآفة في جميعه، و لا داء أشمل للبدن من الجذام، و لا أفسد للخلقة» انقضى كلام ابن قتيبة (3).

قلت أنا: و قد خلط هذا الرجل في اعتراضه هذا تخليطا كثيرا؛ لأنّه أنكر غير منكر، و طعن في غير مطعن، و ذلك أنّ أبا عبيد إنّما فسّر الأجذم في الحديث: بأنّه مقطوع اليد على أصل صحيح، و هو ما ذكرناه في الخبر الأوّل: من أنّ «الأقطع» هناك ك «الأجذم» هاهنا، و المراد به


1- أي تمّت و طالت. لسان العرب 15: 358، مادّة (و ف ي).
2- أمالي المرتضى 1: 5، مسند أحمد 3: 180، 231، مجمع الزوائد 7: 276، الدرّ المنثور 4: 150.
3- إصلاح الغلط لابن قتيبة: 26.

ص: 233

أنّه يلقى اللّه تعالى بعد نسيان القرآن ناقصا بعد تمامه، كالذي قطعت يده، فظهرت نقيصة أعضائه، و إن كان أبو عبيد لم يبيّن هذا البيان، فإنّه لم يرد غير هذا المراد.

فأمّا قول ابن قتيبة: «إنّ عقوبة الذنب يجب أن تكون مشاكلة للذنب» و تعلّقه بالمثلين اللذين أوردهما، فقد غلط فيما ظنّه، و وهم فيما توهّمه؛ لأنّ العقوبات لايجب أن تكون مقصورة على الأعضاء المباشرة للذنوب، و إنّما المعاقب بها جملة الإنسان، و لو كان الأمر على ما ظنّه لكان الزاني إذا زنى- غير محصن- يضرب ذكره، و القاذف إذا قذف يجلد لسانه؛ لأنّهما واقعا المعصية، و باشرا الخطيئة، فلمّا رأينا هذين المذنبين يعاقب منهما غير المواضع التي باشرت الذنب و واقعت الجرم، علمنا أنّ المقصود بالعقوبة جملة الإنسان، دون أعضاء الجسم.

فأمّا يد السارق فلم تكن علّة قطعها أنّه باشربها السرقة، ألا ترى أنّه لو دخل حرزا (1)، فأخرج منه بفمه- دون يده- ما يجب في مثله القطع، فقطعت يده، و لم يعتبر أخذه الشي ء المسروق بفمه.

و أيضا: فلو أخذ في أوّل مرّة بيده اليسرى قطعت يده اليمنى، و إذا سرق ثانية بعد قطع يده اليمنى قطعت رجله اليسرى، و لم تقطع يده اليسرى و إن باشر السرقة بها، و ذلك على مذهب من يرى استيفاء الأعضاء الأربعة في تكرير السرقة، و هو مذهب الشافعي (2).


1- الحرز: المكان الذي تحفظ فيه الأموال. راجع المصباح المنير: 129، مادّة (ح ر ز).
2- الامّ 6: 150.

ص: 234

فبان أنّه لا يعتبر بقطع ما باشر أخذ السرقة من أعضاء الإنسان، و سقط ما اعتمد عليه ابن قتيبة من تشقيق الكلام.

[المجاز] (200)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَ قَدْ ذَكَرَ الْفِتَنَ: أَ فَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ، وَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ» (1).

و في هذا الكلام استعارتان:

إحداهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «هدنة على دخن» و قيل: «إنّ الدخن في الأصل: اسم للّون الذي فيه كدورة» و الصحيح أنّه مأخوذ من الدخان؛ لكدر أجزائه، و ارتداد ألوانه، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الهدنة- التي تؤذن بالفتنة، و السلم الذي تنكشف عن المحاربة- بالدخان الذي تؤذن سواطعه بالنار الموقدة، و تجلى (2) عن الجواحم (3) المتضرّمة، و يقال: «دخان، و دواخن، و عثان (4)، و عواثن» و هما جمعان على غير القياس.

و يجوز أن يكون المراد ب «الدخن» هاهنا قسطل (5) الحرب؛ لأنّه يشبه الدخان في الحقيقة، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «هدنة


1- مسند أحمد 5: 386، سنن أبي داود 2: 301، و فيه: هل بعد هذا، النهاية في غريب الحديث 2: 109 و 4: 30 و 5: 252.
2- أي تكشف. أقرب الموارد 1: 135، مادّة (ج ل و).
3- الجواحم: جمع جاحمة، و هي الشديدة الحرّ.
4- العثان: الدخان و زنا و معنى، و أكثر ما يستعمل فيما يتبخّر به. المصباح المنير: 393، مادّة (ع ث ن).
5- أي دخان الحرب. أقرب الموارد 2: 997، مادّة (ق س ط ل).

ص: 235

تنكشف عن رهج القراع (1)، و غبار المصاع (2)».

و إنّما قال: «على دخن» أي أنّ تلك الهدنة كأنّها غطاء تحته هيعة الحرب (3)، و زلزال الخطب، و ليس باطنها كظاهرها، و شاهدها كغائبها.

و الاستعارة الاخرى: قوله عليه الصلاة و السلام: «و جماعة على أقذاء (4)» فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الاجتماع على فساد الغيوب و تغلل القلوب، بالعين المغضية على الداء، المغمضة على الأقذاء، فالظاهر سليم، و الباطن سقيم.

و في رواية اخرى زيادة في هذا الحديث فيها مجاز آخر؛ و هي

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ، وَ دُعَاةُ ضَلَالَةٍ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ؛ مَنْ أَجَابَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا»

(5)، فوصف الفتنة بالعماء و الصمم مجاز، و المراد أنّ أهلها عمي عن المراشد، صمّ عن المواعظ، فلمّا كانت الفتنة سببا لعماهم و صممهم، جاز أن ينسب العمى و الصمم إليها دونهم.

و قد يجوز أيضا أن يكون المراد أنّها تعمي الأبصار برهج غبارها (6)، و تصمّ الأسماع بزجل أصواتها (7). و القول الأوّل أقرب إلى الصواب،


1- أي مضاربة بعضهم بعضا. أقرب الموارد 2: 987، مادّة (ق ر ع).
2- أي التقاتل و التجالد. أقرب الموارد 2: 1218، مادّة (م ص ع).
3- أي صوتها المفزع المخيف.
4- الأقذاء: جمع قذى، و القذى: جمع قذاة، و هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك. لسان العرب 11: 78، مادّة (ق ذ ى).
5- مسند أحمد 5: 406، سنن أبي داود 4: 96/ 4246.
6- أي بغبارها المثار.
7- أي بأصواتها المطربة.

ص: 236

و أشبه بمقاصد الكلام.

[المجاز] (201)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِرَجُلٍ حَلَبَ نَاقَةً: «دَعْ دَاعِيَ اللَّبَنِ» (1).

و هذه استعارة، و المراد أمره أن يبقى في خلف (2) الناقة شيئا من لبنها من غير أن يستفرغ جميعه؛ لأنّ ما يبقى منه يستنزل عفافتها (3)، و يستجمّ درّتها (4)، فكأنّه يدعو بقيّة اللبن إليه، و يكون كالمثابة له، و إذا استنفذ الحالب ما في الخلف أبطأ غزره، و قلص درّه.

[المجاز] (202)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَ لَهَا ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ، وَ لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَ لِكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» (5).

و في هذا الكلام استعارتان:

إحداهما:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَ لَهَا ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ».

و قد قيل في ذلك أقوال:

منها أن يكون المراد أنّ القرآن يتقلّب وجوها، و يحتمل من التأويلات ضروبا، كما وصفه

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ لَهُ، فَقَالَ:


1- مسند أحمد 4: 76، 311، 322 عن ضرار بن الازور، مستدرك الحاكم 3: 620، كنز العمّال 15: 422/ 41671.
2- الخلف: ضرع ذوات الخفّ. راجع المصباح المنير: 180، مادّة (خ ل ف).
3- العفافة: بقيّة اللّبن في الضّرع بعد أن يحلب أكثر ما فيه. لسان العرب 9: 290، مادّة (ع ف ف). و المراد من العفافة هنا اللّبن الجديد.
4- أيّ يستجمع لبنها.
5- النّهاية في غريب الحديث 3: 166، بصائر الدّرجات: 203 مع اختلاف، نقله عن أبي جعفر عليه السّلام تفسير العيّاشيّ 1: 11/ 5.

ص: 237

«الْقُرْآنُ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ»

(1)؛ أي يحتمل التصريف على التأويلات، و الحمل على الوجوه المختلفات، و قد ذكرنا هذا الكلام في كتابنا الموسوم ب «نهج البلاغة» و من ذلك قول القائل: «قلبت أمري ظهرا لبطن» أي صرفته و أدرته ليبين لي منه وجه الرأي فأتبعه، و طريق الرشد فأقصده.

و أنشدنا أبو الفتح النحوي رحمه اللّه قول الشاعر:

أما تراني قالبا مجنّي (2)أقلب أمري ظهره للبطن

قد قتل اللّه زيادا عنّي (3)

و كان رحمه اللّه يقول: «في قوله:

«قد قتل اللّه زيادا عنّي»

سرّ لطيف؛ و هو أنّه أقام قتله مقام عزله، فكأنّه قال: قد عزل اللّه زيادا عنّي؛ لأنّه إذا قتل فقد زال سلطانه، و امنت سطواته».

و قال آخرون: «الظهر: تنزيل القرآن و كلامه، و البطن: تأويله و أحكامه».

و قال بعضهم: «معنى الظهر هاهنا: ما قصّه اللّه سبحانه علينا في القرآن من أنباء القرون، و أخبار الملوك، و ما أوقعه بهم من سطواته، و أنزله بهم من نقماته لمّا جمحوا في أعنّة (4) الطغيان، و أبعدوا في مذاهب البغي و العدوان. و جميع ذلك أحاديث قصّها سبحانه علينا، فهي في


1- نهج البلاغة 3: 136/ 77 في وصيته عليه السّلام لابن عبّاس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج.
2- المجنّ: الترس، لأنّ صاحبه يستتر به. المصباح المنير: 112، مادّة (ج ن ن).
3- ديوان الفرزدق 2: 881، لسان العرب 4: 520 و 11: 547 و 13: 94.
4- الأعنّة: جمع عنان، و هو اللجام. أقرب الموارد 2: 841، مادّة (ع ن ن).

ص: 238

الظاهر إخبار منه لنا.

و أمّا المراد بالباطن: فإنّه سبحانه جعل تلك الأنباء المقصوصة و الأمثال المضروبة، عظّة ينبّه بها على طريق الرشد، و يحذّر معها مصارع البغي، فيتناهى عمّا كان السبب في إهلاك القرون الماضية، و الامم الخالية: و ذلك مثل مخبر أخبرنا عن إيقاع السلطان بجماعة من الجناة، فقوم قتلهم لمّا قتلوا، و قوم قطعهم لمّا سرقوا، و قوم جلدهم لمّا سكروا، فظاهر ذلك أنّه إخبار لنا عن هذه الأفعال الواقعة بمستحقّيها من الحياة، و الباطن أنّه وعظ و تنبيه لعقولنا على أنّ من أقدم منّا على مثل تلك المحظورات، أنزل به مثل تلك العقوبات.» و قد مضى فيما تقدّم من كتابنا هذا كلام مختصر على نظير لهذا الخبر (1)، إلّا أنّنا في هذا الموضع شرحنا ذلك فضل شرح، و بسطناه فضل بسط.

و الاستعارة الاخرى:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَ لِكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ».

قال بعضهم: «معنى المطلع هاهنا: أن يطّلع قوم يعملون به، و روي عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال: «ما من حرف- أو قال «آية»- إلّا و قد عمل بها قوم، أو لها قوم سيعملون بها».

و قال بعضهم: «المراد بالمطّلع هاهنا: المأتى الذي يؤتى منه حتّى


1- راجع: الصفحة 192 من هذا الكتاب، ذيل الحديث الرقم 206، في قضية ليلة الاسرى و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه: «رأيت ليلة اسرى بي قوما تقرض شفاههم بالمقاريض ... الخ».

ص: 239

يعلم تأويل القرآن من جهته».

و قال بعضهم: «المطّلع: هو المنحدر من المكان المشرف إلى المكان المنخفض، و قد يكون أيضا المصعد من المكان المنخفض إلى المكان المشرف، فهو من الأضداد على هذا التقدير، فكأنّ الإنسان يكون في التوصّل إلى علم تأويل القرآن بمنزلة الراقي إلى الذّروة (1)، و الصاعد إلى النّجوة (2)، أو يكون في التولّج على غوامضه بمنزلة الهابط من المكان المشتطّ (3) إلى المكان المنحطّ».

و قال بعضهم: «الحدّ هاهنا: الفرائض و الأحكام، و المطّلع: الثواب و العقاب، فكأنّه تعالى جعل لكلّ حدّ من حدوده التي حدّها من الحرام و الحلال، مقدارا من الثواب و العقاب؛ يلاقيه الإنسان في العاقبة، و يطّلع عليه في الآخرة، و من ذلك ما يكثر على الألسنة من ذكر هول المطّلع؛ إنّما يراد به ما يشرف الإنسان عليه بعد الموت من أعلام الساعة و أشراط القيامة» (4).

و عندي في ذلك وجه آخر: و هو أن يكون المراد أنّ لكل حرف حدّا يجب على التالي أن يقف عنده، و يتعرّف مغزاه و مغيّبه؛ فإنّه إذا فعل ذلك أفضى به ذلك الحدّ إلى مطّلع يشرف منه على حقيقة المعنى، و جلية المغزى، فكأنّ الوقوف عند تلك الحدود و التمهّل عليها و التثبّت فيها،


1- ذروة كلّ شي ء: أعلاه. لسان العرب 14: 284.
2- أي المرتفع من الأرض. المصباح المنير: 595، مادّة (ن ج و).
3- أي العالي.
4- أي علاماتها. المصباح المنير: 309، مادّة (ش ر ط).

ص: 240

يفضي بالإنسان إلى مطالع معرفتها، و مفاتق أكمّتها؛ فيكون كطالع الثنيّة (1) في الإشراف على ما تحتها، و الإدراك لما استجنّ (2) عن الناظر قبل الإيفاء عليها، و هذا القول من استنباطي، و ما أظنّ أحدا قرع بابه و طلع نقابه قبلي.

[المجاز] (203)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَ لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» (3).

و هذا مجاز، و المراد به أن يجي ء الرجل إلى أرض قد أحياها محي قبله، فيغرس فيها غرسا، أو يحدث فيها حدثا، فيكون ظالما بما أحدثه، و غاصبا لحقّ لا يملكه. و إنّما أضاف عليه الصلاة و السلام الظلم إلى العرق؛ لأنّه إنّما ظلم بغرس عرقه، فنسب الظلم إلى العرق دون صاحبه، و ذلك كما قال: «ليل نائم» و «نهار صائم» أي ينام في هذا، و يصام في هذا (4).

و روى سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير قال: «العروق أربعة: عرقان ظاهران، و عرقان باطنان، أمّا الظاهران:

فالغرس و البناء، و أمّا الباطنان: فالتبر (5) و المعدن».


1- أي الجبل.
2- أي خفي.
3- الموطّأ 2: 743/ 26، سنن أبي داود 2: 50/ 3073، السنن الكبرى 6: 99، مجمع الزوائد 4: 158، المبسوط 3: 268 رواه عن هشام بن عروة.
4- انظر: المقتضب 2: 179.
5- أي الذهب. المصباح المنير: 72، مادّة (ت ب ر).

ص: 241

و ربّما روي هذا الخبر على الإضافة فيكون «ليس لعرق ظالم حقّ» فإن كانت هذه الرواية صحيحة، فقد خرج الكلام من حيّز الاستعارة، و دخل في باب الحقيقة.

[المجاز] (204)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ الْمُمْ شَعَثَنَا»

(1).

و هذه استعارة، و المراد: اللهم اجمع كلمتنا، و انظم ما تشتّت من أمرنا، و تبدّد من شملنا، فأقام عليه الصلاة و السلام تفرّق الكلمة و انصداع الامور الملتئمة، مقام العود المتشعّث (2) الذي كثر تشظّيه (3)، و استطارت الصدوع (4) فيه، و قد مضى الكلام على نظير هذه الكلمة.

[المجاز] (205)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «قَلِّدُوا الْخَيْلَ، وَ لَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ» (5).

و هذه استعارة، على أحد التأويلين، و هو أن يكون المراد النهي عن طلب أوتار (6) الجاهلية على الخيل بشنّ الغارات و شبّ النائرات (7)، و معنى: «لا تقلّدوها» أي لا تجعلوها كأنّها قد قلّدت (8) درك الوتر


1- مصباح المتهجّد: 581، الصحيفة السجّادية 2: 247، التهذيب 3: 111.
2- أي الذي فلق رأسه و شقّق.
3- أي تفلّقه. المصباح المنير: 313، مادّة (ش ظ ي).
4- أي الفلق.
5- مسند أحمد 4: 318/ 14377 و 5: 456/ 18553، سنن أبي داود 3: 24/ 2553، دعائم الإسلام 1: 345.
6- الأوتار: جمع وتر، و هو الدم. أقرب الموارد 2: 1029، مادّة (ق ل د).
7- شبّ: إيقاد و إشعال، النائرات: جمع نائرة، و هي الهائجة، أي إشعال نار الحروب الهائجات.
8- أي الزمت.

ص: 242

فتقلّدته، و ضمّنت أخذ الثأر فتضمّنته، و ذلك عبارة عن فرط جدّهم في الطلب، و حرصهم على الدرك، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «قلّدوا الخيل طلب أعداء الدّين، و الدّفاع عن المسلمين، و لا تقلّدوها طلب أوتار الجاهليّة، و دخول (1) مصارع الحميّة (2)».

و إذا حمل الخبر على التأويل الآخر خرج عن أن يكون مجازا؛ و هو أن يكون المراد النهي عن تقليد الخيل أوتار القسيّ (3)، و قيل في وجه النهي عن ذلك قولان:

أحدهما: أن يكون عليه الصلاة و السلام إنّما نهى عنه لأنّ الخيل ربّما رعت الأكلاء و الأشجار، فنشبت الأوتار التي في أعناقها ببعض شعب ما ترعاه من ذلك فخنقتها، أو حبستها على عدم المأكل و المشرب حتّى تقضي نحبها.

و الوجه الآخر: أنّهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها حمّة (4) عين العائن، و شرارة نظر المستحسن، فيكون كالعوذ لها، و الأحراز عليها، فأراد عليه الصلاة و السلام أن يعلمهم أنّ تلك الأوتار لا تدفع ضررا، و لا تصرف حذرا، و إنّما اللّه سبحانه و تعالى الدافع الكافي، و المعيذ الواقي.

و ممّا يقوّي هذا التأويل ما روي من أمره عليه الصلاة و السلام بقطع


1- الذحول: جمع ذحل، الثأر. المصباح المنير 206، 647.
2- أي الأنفة، لأنّها سبب الحماية. أقرب الموارد 1: 335، مادّة (ح م ي).
3- القسيّ: جمع قوسى، و هي ألة نصف دائرة يرمى بها، و وتر القوس: خيطه الذي يشدّ بين طرفيه.
4- أي شدّتها و حدّتها. لسان العرب 3: 340، مادّة (ح م م).

ص: 243

الأوتار من أعناق الخيل (1).

و لتقليد الخيل وجه آخر: و هو أنّ العرب كانت إذا قدرت و ظفرت قلّدت الخيل العمائم، و ذكر أنّ معاوية بن أبي سفيان لمّا تغلّب على الأمر و دخل الكوفة بعد صلح الحسن بن عليّ عليهما السّلام فعل ذلك بخيله، فقالت امّ الهيثم بنت الأسود:

أقرّ عيني أن جاءت مقلّدةخيل الشّامين في أعناقها الخرق (2)

[المجاز] (206)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَرَقُ النَّارِ» (3).

و هذا مجاز؛ لأنّ الضالّة- على الحقيقة- ليست بحرق النار، و إنّما المراد أخذ ضالّة المؤمن و الاشتمال عليها و الحول بينه و بينها، يستحقّ به العقاب بالنار، فلمّا كانت الضالّة سبب ذلك حسن أن تسمّى باسمه؛ لأنّ عاقبة أخذها يؤول إلى حريق النار، و يفضي إلى أليم العقاب. و قد نهى رسول اللّه عليه الصلاة و السلام عن أخذ ضوالّ الإبل و هواميها، و الهوامي: الضائعة (4)، قال الشاعر:

همت بغلها بالسّبلجين و أوفضت بوادي ثميل عن جنين مشيّد (5)


1- انظر: مسند أحمد 4: 408، سنن أبي داود 3: 4/ 2552، فيه: لا يبقينّ في رقبة بعير قلادة، و لا قلادة إلّا قطعت.
2- مقاتل الطالبيين: 41.
3- سنن الدارمي 2: 266، سنن ابن ماجة 2: 836/ 2502، السنن الكبرى 6: 190، مجمع الزوائد 4: 167، مسند أحمد 4: 25 و 5: 80، و فيه: «ضالة المسلم» المبسوط 3: 319، رواه عن الحسين بن مطرف.
4- انظر: مسند أحمد 4: 115.
5- معجم ما استعجم 1: 346.

ص: 244

أي ضاعت بغل هذه الناقة بهذا الموضع المذكور، و ذلك لا يكون إلّا عند تقطّع هلبها، و إجحاف السير بها.

[المجاز] (207)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ؛ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَ لَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضاً قَطَعَ، وَ لَا ظَهْراً أَبْقَى» (1).

و وصف الدّين بالمتانة هاهنا مجاز، و المراد أنّه صعب الظهر، شديد الأسر (2)، مأخوذ من متن الإنسان: و هو ما اشتدّ من لحم منكبيه. و إنّما وصفه عليه الصلاة و السلام بذلك لمشقّة القيام بشرائطه، و الأداء لوظائفه، فأمر عليه الصلاة و السلام أن يدخل الإنسان أبوابه مترفّقا، و يرقى هضابه متدرّجا؛ ليستمرّ على تجشّم (3) متاعبه، و يمرن على امتطاء مصاعبه. و شبّه عليه الصلاة و السلام العابد الذي يحسر منته و يستنفد طاقته بالمنبت: و هو الذي يغذّ السير (4)، و يكدّ الظهر، منقطعا من رفقته، و منفردا عن صحابته، فتحسر مطيّته (5)، و لا يقطع شقّته (6)، و هذا من أحسن التمثيلات، و أوقع التشبيهات.

و ممّا يقوّي المراد بهذا الخبر ما كشفناه من حقيقة الخبر الآخر عنه


1- الكافي 2: 87/ 6، رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مسند أحمد 3: 199، السنن الكبرى 3: 19، مجمع الزوائد 1: 62، كنز العمّال 3: 40/ 5376، الدرّ المنثور 1: 192.
2- أي الخلق، قال تعالى: وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ أي قوّينا خلقهم. المصباح المنير: 14، مادّة (أ س ر).
3- أي تحمّلها على مشقّة. راجع المصباح المنير: 102 مادّة (ج ش م).
4- أي يسيرع فيه أقرب الموارد 2: 863، مادّة (غ ذ ذ).
5- أي تعيا. أقرب الموارد 1: 190، مادّة (ح س ر).
6- أي طريقة الطويل الذي يشقّ قطعه و يصعب. راجع أقرب الموارد 1: 603، مادّة (ش ق ق).

ص: 245

عليه الصلاة و السلام؛ و هو فيما

رَوَاهُ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ:

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً (1)؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ (2)» (3).

[المجاز] (208)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَهَا» (4).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَأَعْطُوا الرِّكَابَ أَسْنَانَهَا» (5).

و هذه استعارة، و المراد ب «الأسنّة» هاهنا- على ما قاله جماعة من علماء اللغة- الأسنان، و هو جمع الجمع؛ لأنّ الأسنان جمع سنّ، و الأسنّة جمع الأسنان، و «الرّكب» جمع الرّكاب (6)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أمرهم أن يمكّنوا ركابهم زمان الخصب (7) من الرعي في طرق أسفارهم، و عند نزولهم و ارتحالهم، فكنّى عن ذلك بإعطائها أسنانها، و المراد تمكينها من استعمال أسنانها في اجتذاب الأكلاء، و امتشاط


1- أي ألزموا طريقا معتدلا. راجع لسان العرب 11: 178، مادّة (ق ص د).
2- أي يغلبه الدين؛ أي من يقاويه و يقاومه و يكلّف نفسه من العبادة فوق طاقته. لسان العرب 7: 54، مادّة (ش د د).
3- مسند أحمد 4: 422 و 5: 361، مستدرك الحاكم 1: 312، السنن الكبرى 3: 18، مجمع الزوائد 1: 62، كنز العمّال 3: 29/ 5305، الدرّ المنثور 1: 193.
4- مسند أحمد 3: 282، غريب الحديث للهروي 1: 245، الفائق 1: 500، النهاية في غريب الحديث 2: 256، المحيط في اللغة 1: 249.
5- تاج العروس 2: 523، ماده (ركب)، المحيط في اللغة 1: 249، مسند أحمد 3: 305، و فيه «إذا سرتم في الخصب فأمكنوا الركاب أسنانها».
6- أي الإبل، واحدتها: راحلة. أقرب الموارد 1: 426، مادة (خ ص ب).
7- أي كثرة العشب. أقرب الموارد 1: 277، مادّة (خ ص ب).

ص: 246

الأعشاب (1)، فكأنّهم بتمكينها من ذلك أعطوها أسنانها. و هذا كما يقول القائل لغيره: «أعط الفرس عنانها» و «أعط الراحلة زمامها» أي مكّنها من التوسّع في الجري، و مدّ العنق في الخطو.

و عندي في ذلك وجه آخر: و هو أن يكون المراد: مكّنوا الرّكاب في الخصب من أن تسمن بكثرة الرعي (2)؛ لأنّهم قد عبّروا في أشعارهم عن سمن الإبل و بدنها ب «السلاح» تارة، و ب «الأسنّة» تارة، قال الشاعر:

و لا تأخذ الكوم الجلاد سلاحهاله عند صرّات الشّتاء الصّنابر (3)

أي لم يمنعه سمن إبله و شارتها (4) في عينه من أن ينحرها لأضيافه، و يبذلها لطرّاقه (5)، فجعل السمن لها كالسلاح الذي تدافع به عن نحرها، و تماطل به عن عقرها.

و قد قال الآخر في مثل ذلك- و يعني الإبل-:

خايلت فيها و لم تأخذ أسنّتها (6)

و من أبيات لإياس بن سلم الأسلمي يمدح بها النبيّ عليه الصلاة و السلام:


1- أي اختيار ما يصلح منها، و كأنّ الإبل تمشّط الأعشاب فتختار منها ملائمها.
2- في نسخة ب زيادة: و الاستكبار من المرعى.
3- الأغاني 11: 226، أمالي المرتضى 4: 32، و فيه: لتوبة في قرّ الشتاء الصنابر، الكوم: القطعة من الإبل، الجلاد: الغزيرات اللبن، الحرّات، جمع صرّة و هي شدّة البرد، الصنابر: الشديدة.
4- أي حسنها و جمالها. أقرب الموارد 1: 620، مادّة (ش و ر).
5- الطرّاق: جمع طارق، و هو الآتي ليلا. أقرب الموارد 1: 704، مادّة (ط ر ق).
6- خايلت: باريت، الأسنّة: جمع سنان، و هو هصل الرمح، و مراده من عدم أخذ الإبل لأسنّتها: ضعفها و عدم سمنها.

ص: 247

و أبيك حقّا إنّ إبل محمّدعزل تناوح أن تهبّ شمال

و إذا رأين لدى الفناء قريبةفاضت لهنّ على الخدود سجال (1)

يقول: إنّ إبله مبذولة عند نزول النازل، و طروق الطارق، فلا يمنعه من عقرها رواؤها و شارتها، فكأنّها عزل لا سلاح معها، كما جعل الشاعر الأوّل هذه الحال بمنزلة السلاح لها.

و أراد بقوله:

«إذا رأين لدى الفناء قريبة»

أي رأين رفقة قريبة بفناء النبيّ عليه الصلاة و السلام بكين و تناوحن (2) علما بأنّهن ينحرن لها، و يعقرن (3) لأجلها، و كذلك إذا هبت الشمال في صميم الشتاء حاذرن العقر، و انتظرن النحر.

و ممّا يقوّي ذلك ما جاء في الحديث المشهور عنه عليه الصلاة و السلام؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْجَفَاءَ وَ الْقَسْوَةَ فِي الْفَدَّادِينَ، إِلَّا مَنْ أَعْطَى فِي نَجْدَتِهَا وَ رِسْلِهَا» (4).

و «الفدّادون» هاهنا- على أصحّ الأقوال-: هم أصحاب الإبل الكثيرة، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «إلّا من أعطى من إبله في حال كثرة شحومها، و شارة جسومها» و سمّي ذلك «نجدة» (5) لها على ما قدّمنا القول فيه؛ لأنّها إذا كانت في تلك الحال، كانت كالمانعة


1- أمالي المرتضى 4: 31.
2- التناوح: تقابل النساء بعضهن بعضا إذا نحن. لسان العرب 2: 627.
3- عقر الفرس و البعير بالسيف عقرا: قطع قوائمه. لسان العرب 4: 592.
4- مسند أحمد 2: 258 و 3: 332، غريب الحديث للهروي 1: 125، الفائق 2: 252.
5- أي إيمانه و إغاثة، و إنّما كانت الإعانة لأجل من الإبل و جمال و حسن أجسامها.

ص: 248

لصاحبها من نحرها نفاسة بها، و شحّا عليها، فكانت شارتها كالمنجدة لها و السلاح الذي تدفع به عن أنفسها.

و قد قيل في «رسلها» هاهنا قولان:

أحدهما: في حال كثرة ألبانها؛ موافقة لقوله عليه الصلاة و السلام:

«في نجدتها» إذا كان ذلك بمعنى حسن شارتها.

و القول الآخر: أن يعطيها في حال يهون عليه إعطاوها فيها؛ و هي حال نقصان شحومها، و خفّة جسومها، من قولهم: «تكلّم فلان بكذا على رسله» أي و الكلام هيّن عليه، فهو متمهّل فيه غير عجل، و ساكن غير قلق، فكأنّ المعنى: إلّا من أعطاها في حالتي كرامتها و هوانها، و استقباحها و استحسانها، كقولك: «في حال العسر و اليسر، و عند الطوع و الكره» و القول الأوّل هو المعتمد.

[المجاز] (209)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَنَا بَرِي ءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ» قِيلَ: وَ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» (1).

و هذه استعارة، و قد قيل في ترائي النارين قولان:

أحدهما: أن يكون المراد أنّ المسلم لا ينبغي له أن يساكن المشرك في بلاد؛ فيكون منه بحيث إذا أوقد كلّ واحد منهما نارا رآه الاخر، فجعل الترائي للنارين، و هو في الحقيقة للموقدين، و الأصل في ذلك المداناة و المقابلة بقول القائل: «دور بني فلان تتناظر» أي تتدانى


1- سنن أبي داود 1: 595/ 2645، سنن الترمذي 3: 80/ 1654، السنن الكبرى 8: 131، كنز العمّال 16: 668/ 46296، سنن النسائي 8: 36، و فيه: «ألا لا رأي ناراهما»، المبسوط 2: 24.

ص: 249

و تتقابل، و يقولون للمسترشد: «إذا أخذت في طريق كذا فنظر إليك الجبل فخذ عن يمينه» أو «عن يساره» و المراد: إذا قابلك الجبل فنظرت إليه، فجعلوا النظر له لأنّهم أقاموا الجبل مقام الرّئيّة الناظر، و الرفيق المساير، و قال الشاعر:

سل الدّار من جنبي حبرّ فواهب إلى ما رأى هضب القليب المضيّح (1)

و هضب القليب و المضيّح: موضعان متقاربان، فجعلهما لتحاذيهما كأنّهما يتراءيان.

و مثله قول الآخر:

حيث يرى الدّير المنار

(2) و الوجه الآخر: أن يكون المراد ب «النار» هاهنا نار الحرب؛ لأنّهم يكنّون عن الحرب بالنار لما فيها من رهج المصاع، و وهج القراع (3).

و من ذلك قول الشاعر:

هما حيّان يصطليان حربارداء الموت بينهما جديدا

(4) و على هذا المعنى جاء التنزيل بقوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ (5).


1- ديوان ابن مقبل: 23، معجم ما استعجم 2: 419 و 4: 1235 و 1365، و فيه: عن ابن مقبل، حبّر و واهب: موضعان.
2- الدير: الموضع الذي يقيم فيه الراهبون و الراهبات النصارى، المنار: موضع النور.
3- رهج المصاع: غبار النزال و القتال، و وهج القراع: شعاع المضاربة بالسيوف.
4- لم أعثر له على مصدر.
5- المائدة (5): 64.

ص: 250

فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «و ناراهما مختلفان» أي حرباهما متباينان؛ هذه تدعو إلى الهدى و الرشاد، و هذه تدعو إلى العمى و الضلال.

و قد يجوز في ذلك عندي وجه آخر: و هو أن يكون المراد: لا يجتمع سرباهما، و لا يختلط سرحاهما (1)، و «النار» عندهم اسم لسمات (2) الإبل، يقولون: «على هذه الإبل نار بني فلان» أي وسمهم. و على هذا قول بعض خرّاب الإبل في ذكر أذواد (3) استلبها و أراد عرضها ليبيعها:

يسألني الباعة ما نجارهاإذ زعزعوها فسمت أبصارها

فكلّ دار لأناس دارهاو كلّ نار العالمين نارها (4)

أي هي مأخوذة من قبائل شتّى، فوسمها غير متّسق، و نجارها غير متّفق.

و هذا الوجه يعود إلى معنى الوجه الأوّل؛ لأنّ المراد (5) أنّ المسلم و المشرك لا يجوز اجتماعهما في دار حتّى تجتمع أذوادهما في الرعي، و أورادهما في الورد (6)، فقوله عليه الصلاة و السلام على هذا الوجه: «لا


1- السرح: المال السائم. أقرب الموارد 1: 509، مادّة (س ر ح).
2- السمات: جمع سمة؛ أي العلامة التي تجعل على الإبل بواسطة كيّها بالميسم. راجع المصباح المنير: 660، مادّة (و س م).
3- الأذواد: جمع ذود، و هي من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر. المصباح المنير: 210، مادّة (ذ و د).
4- جمهرة الأمثال 2: 140، خزانة الأدب 7: 149، النجار: الحسب و الأصل.
5- في نسخة ب: المراد به.
6- الأوراد: جمع ورد، و هو من الخيل الأحمر المماثل إلى الصفرة، في الورد: أي في الإشراف على الماء و غيره. راجع أقرب الموارد 2: 1442- 1443، مادّة (و ر د).

ص: 251

تراءى نارهما» أي لا يختلط و سماهما.

و أمّا الحديث الآخر و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْلِ الشِّرْكِ»

(1)، فقيل: «إنّ المراد لا تستشيروهم في أموركم، فتعملوا بآراءهم، فترجعوا إلى أقوالهم» و هذا أيضا مجاز آخر؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الاسترشاد بالرأي بالاستضواء بالنار؛ إذا كان فعله كفعلها في تبيين المبهم، و تنوير المظلم.

[المجاز] (210)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» (2).

و هذه استعارة، و المراد أنّ أصلهما من منبت واحد، فهما كالنخلتين من الصنوان؛ يجتمع أصلهما، و يفترق رأساهما، فيكونان اثنين في الرؤية، و الأصل واحد في الحقيقة، يقال: «صنو» و الجمع «صنوان» مثل: «قنو» (3) و الجمع «قنوان» قال سبحانه: صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ (4).

و قيل أيضا: «الصنوان: المجتمع، و غير الصنوان: غير المجتمع».

[المجاز] (211)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَمَسَّحُوا بِالْأَرْضِ؛ فَإِنَّهَا بِكُمْ بَرَّةٌ» (5).


1- كنز العمّال 16: 21/ 43759، الدرّ المنثور 2: 66، النهاية في غريب الحديث 3: 104، و فيه: «المشركين»، السنن الكبرى 10: 127، و فيه: «بنار المشركين».
2- مسند أحمد 2: 322، سنن أبي داود 1: 366/ 1623، سنن الترمذي 5: 318/ 3847، السنن الكبرى 6: 164، مجمع الزوائد 3: 79، كنز العمّال 6: 303/ 15800، المناقب للكوفي: 2/ 123، شرح الأخبار 2: 493/ 876، ذخائر العقبى: 193.
3- و هو عنقود النخل. المصباح المنير: 518، 524.
4- الرعد (13): 4.
5- غريب الحديث للهروي 1: 220، الفائق 3: 27، كنز العمّال 7: 460/ 19778، الدرّ المنثور 2: 168.

ص: 252

و هذه استعارة، و المراد بقوله: «فإنّها بكم برّة» يرجع إلى أنّها كالامّ للبريّة؛ لأنّ خلقهم و معاشهم عليها، و رجوعهم إليها، فلمّا كانت الأرض تسمّى «امّا» لنا من الوجوه التي ذكرناها، كان قوله عليه الصلاة و السلام: «فإنّها بكم برّة» يرجع إلى وصفها بالامومة؛ لأنّهم يقولون:

«الأرض ولود» يريدون كثرة إنشاء الخلق و استيلادهم عليها. و قال ذو الرّمّة في وصف الامّ بالبرّ و هو يذكر فراخ النعام:

جاءت من البيض زعرا لالباس لهاإلّا الدّهاس و أمّ برّة و أب (1)

و «الدّهاس» الرّمل.

و لقوله عليه الصلاة و السلام: «تمسّحوا بالأرض» وجهان:

أحدهما، أن يكون المراد التيمّم منها في حال الطهارة و حال الجنابة.

و الوجه الآخر: أن يكون المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها، و تعفّر الوجوه فيها، و يكون هذا القول أمر تأديب، لا أمر وجوب؛ لأنّ من سجد على جلدة الأرض و من سجد على حائل بينها و بين الوجه، واحد في إجزاء الصلاة، إلّا أنّ مباشرتها بالسجود أفضل.

وَ قَدْ رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى الْخُمْرَةِ»

(2)، و هي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل، فبان أنّ المراد بذلك فعل الأفضل، لا فعل الأوجب.


1- لسان العرب 6: 89، جمهرة أشعار العرب: 448، الزعر: جمع أزعر، و هو من قلّ شعره و تفرّق حتّى بدا جلده.
2- صحيح البخاري 1: 124/ 333، و 143/ 379 و 381، صحيح مسلم 1: 383/ 513 و 661، سنن أبي داود 1: 176/ 656.

ص: 253

و ممّا يقرب شبها من هذا الخبر ما روي من قوله عليه الصلاة و السلام: «نعمت العمّة لكم النّخلة» (1)، فكأنّها- لانتفاعهم بها، و تعويلهم على ثمرتها- قد قامت مقام القريبة الحانية (2)، و ذات الرحم المتحفّية (3). و لم يجعلها عليه الصلاة و السلام بمنزلة الامّ للناس كما جعل الأرض في الخبر الأوّل؛ لأنّهم في الحقيقة لم يخلقوا منها، و لم ينسبوا إليها، فجعلها من حيث الانتفاع بها بمنزلة أقرب الإناث القرائب من الإنسان بعد اللاتي ولدنه و اللاتي ولدهنّ هو، و تلك عمّة الإنسان و خالته، إلّا أنّ اخت الأب أرفع منزلة من اخت الامّ، و لذلك جعلها عمّة، و لم يجعلها خالة.

[المجاز] (212)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي دُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ: «رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَ اغْسِلْ عَنِّي حَوْبَتِي

(4)» (5).

و هذه استعارة، و الحوبة و الحوب المأثم، و المراد احطط عني وزري، و تغمّد ذنبي و خطيئتي، و لكنّ المعصية لمّا كانت كالدرن (6) الذي يصيب الإنسان- فيفحش أثره، و يقبح منظره- أقام عليه الصلاة و السلام إماطة وزرها و إسقاط إثمها، مقام غسل الأدران، و إماطة الأدناس؛ لأنّ


1- النهاية في غريب الحديث 3: 303، نثر الدرّ 1: 256.
2- أي العاطفة المشفقة. راجع المصباح المنير: 155، مادّة (ح ن و).
3- المتحفّية: المبالغة في البرّ و التكريم. لسان العرب 14: 187.
4- أي خطيئتي. المصباح المنير: 155، مادّة (ح و ب).
5- سنن ابن ماجة 2: 1259/ 3830، سنن الترمذي 5: 214: 3621، كنز العمّال 2: 197: 3729، مسند أحمد 1: 227، و فيه: «تقبل دعوتي»، سنن أبي داود 1: 338/ 1510 رواه عن ابن عبّاس.
6- الدرن كالوسخ وزنا و معنى. المصباح المنير: 193، مادّة (د ر ن).

ص: 254

الإنسان بعدها يعود نقيّ الأثواب، طاهرا من العاب.

و هذا الدعاء من النبيّ عليه الصلاة و السلام على وجه التعبّد و الخضوع و التطامن (1) و الخشوع، لا أنّ له عليه الصلاة و السلام حوبة يستحطّ وزرها، و يستغسل درنها، أو يكون قوله عليه الصلاة و السلام ذلك على طريق التعليم لامّته؛ كيف يتوب العاصي، و ينيب الغاوي، و يستأمن الخائف، و يستقيم الجانف (2). و السبب الذي لأجله قلنا: إنّ الأنبياء عليهم الصلاة و السلام لا يجوز أن يواقعوا المعاصي، و يقدموا على المغاوي؛ أنّ الحكيم تعالى إذا أرسل رسولا جنّبه كلّ ما ينفّر عنه، و يصرف عن القبول منه، و معرفة ما يقطع على أنّه منفّر مأخوذ من عادات الناس، و كبائر المعاصي كلّها منفّرة؛ لأنّها تخرج من ولاية اللّه تعالى إلى عداوته، و توجب عاجل مقته، و آجل عقوبته، و في الصغائر خلاف ليس كتابنا هذا موضع بيانه، و استقصاء حجاجه.

و قد بسطنا الكلام على ذلك في باب مفرد من جملة كتابنا الكبير في متشابه القرآن، فمن أراد استيعاب معانيه و معرفة الخلاف فيه، فليقصد مطالعته من هناك بتوفيق اللّه.

[المجاز] (213)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنْ وَحَرِ صَدْرِهِ، فَلْيَصُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»

(3).


1- أي التواضع. الصحاح 6: 2158، أساس البلاغة: 284.
2- أي المائل عن الصراط المستقيم.
3- مسند أحمد 5: 78، كنز العمّال 8: 565/ 24195، غريب الحديث للهروي 3: 47.

ص: 255

فقوله عليه الصلاة و السلام: «و حر صدره» استعارة، و المراد غشّه و دغله (1)، و فساده و نغله (2)، و ذلك مأخوذ من اسم دويبة يقال لها:

«الوحرة» و جمعها «وحر» و هي شبيهة بالحرباء.

و قال بعضهم: «هي تشبه العظاء (3)، إذا دبّت على اللحم فأكل منه إنسان و حر صدره؛ أي اشتكى داء فيه» (4).

و يقال: «إنّها شبيهة باليعسوب الأحمر (5)، تسكن القليب (6) و الآبار قال الراجز:

في كلّ يوم قربة موكّره يشربها مريّة كالوحره

(7) فشبّه عليه الصلاة و السلام ما يسكن في صدر الإنسان من الغشّ و البلابل (8) و يجول في قلبه من مذمومات الخواطر بهذه الدويبة المنعوتة، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه القلب بالقليب، و شبّه ما يستجنّ فيه من نغله بما يستجنّ في القليب من وحره.


1- الدغل: دخل في الأمر مفسد. أقرب الموارد: 1: 338، مادّة (د غ ل).
2- أي إفساده.
3- العظاء: جمع عظاية و عظاءة، و هي دريبة ملساء تعدو و تتروّد كثيرا، تشبه سامّ أبرص، و تسمّى: شحمة الأرض و شحمة الرمل. و هي أنواع كثيرة ... أقرب الموارد 3: 80، مادّة (ع ظ ي).
4- انظر: غريب الحديث 3: 47.
5- اليعسوب الأحمر: أمير النحل و ذكرها. راجع أقرب الموارد 2: 779، مادّة (ع س ب).
6- أي البئر، أو البئر العاوية القديمة مطويّة كانت أو غير مطويّة. المصباح المنير: 512، مادّة (ق ل ب).
7- قربة موكّرة: مملوءة.
8- أي شدّة الهمّ و الوسواس في الصدور و حديث النفس. لسان العرب 1: 493، مادّة (ب ل ل).

ص: 256

(214) وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ:

مِنْ هَمْزِهِ، وَ نَفْثِهِ، وَ نَفْخِهِ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا هَمْزُهُ وَ نَفْثُهُ وَ نَفْخُهُ؟

فَقَالَ: «أَمَّا هَمْزُهُ فَالْمُوتَةُ، وَ أَمَّا نَفْثُهُ فَالشِّعْرُ، وَ أَمَّا نَفْخُهُ فَالْكِبْرُ» (1).

و في هذا الكلام استعارات ثلاث:

الاولى منها: الاستعاذة من همز الشياطين، و أصل «الهمز» الغمز و الدفع، و كلّ شي ء دفعته فقد همزته، و يروى بيت القطامي:

تراهم يهمزون من استركّواو يجتنبون من صدق المصاعا

(2) و يروى: «يغمرون» (3).

فالهمز- على ما فسره النبيّ عليه الصلاة و السلام هاهنا- الموتة؛ و هي الجنون على الحقيقة، فإنّ الشيطان لا سلطان له على الإنسان و لا يصرعه، و يوسوس له و يفزعه، و قد صرّح التنزيل بذلك، فقال تعالى:

وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ... (4) الآية، فعلمنا أنّه لا سلطان له على الإنسان إلّا بالوسواس و التخابيل (5)، و ضروب التهاويل (6)، فلمّا كان ما يلحق المجنون من


1- مسند أحمد 4: 80 و 6: 156، سنن أبي داود 1: 178/ 764، السنن الكبرى 2: 35.
2- ديوان القطامي: 35، الصحاح 3: 1285، استركّوا: استضعفوا، المصاع: المجالدة و المضاربة، و صدف فلان المصاع: أوقعه إذا ما أوعد به و لم يخلفه.
3- أي يعلون عليه. أقرب الموارد 2: 882، مادّة (غ م ر).
4- ابراهيم (14): 22.
5- جمع تخبيل و هو إفساد العقل. الصحاح 4: 1682، لسان العرب 11: 198.
6- التهاويل: جمع تهويل، و هو التفزيع و التخويف. لسان العرب 11: 712.

ص: 257

الأفزاع و يأخذه من العرواء (1) و الانزعاج عن وسواس الشيطان، جاز أن ينسب ذلك إلى همزه و غمزه على طريق المجاز و الاتساع في نظائره.

و الاستعارة الثانية: الاستعاذة من نفث الشيطان؛ و هي الشعر على ما فسّره النبيّ عليه الصلاة و السلام، و ذلك مخصوص في شعر المشركين الذين كانوا يهجون به رسول اللّه عليه الصلاة و السلام و خيار المسلمين، أو ما يجري مجراه من أشعار المسلمين الإسلاميين؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام قد قال: «إنّ من الشّعر حكما» (2)، فلا يجوز أن يكون هذا القول متناولا لجميع الشعر عموما.

و موضع الاستعارة: أنّ الشيطان لمّا كان يزيّن للمشركين الطعن في أعراض المسلمين و كان الشعر ممّا تلفظ به ألسنتهم، شبّهه عليه الصلاة و السلام بالشي ء الذي تنفث به ألسنتهم (3)، و نسبه إلى الشيطان؛ لأنّ تزيينه ما زيّن لهم كان سببا لما نفثت به ألسنتهم.

و قد يجوز أن يكون إنّما نسبه إلى نفثه؛ لأنّ الشيطان كان نفثه في أفواههم، و تكلّم به على ألسنتهم، كما يقولون للمتكلّم بالكلمة الغاوية:

«ما نطق على لسانك إلّا شيطان» قال الفرزدق في قصيدته التي يهجو فيها إبليس- و هي مشهورة-:


1- أي الرّعدة. لسان العرب 9: 177، مادّة (ع ر و).
2- مسند أحمد 1: 269، 273، 303، 309، 313، 332، سنن ابن ماجة 2: 1236/ 3756، سنن أبي داود 2: 479/ 5011، سنن الترمذي 4: 216/ 3002، مجمع الزوائد: 8: 117، كنز العمّال 3: 579/ 7985، الدرّ المنثور 5: 101، تحف العقول: 55.
3- في نسخة ب: أفواههم بدل ألسنتهم.

ص: 258

و إنّ ابن إبليس و إبليس ألبنالهم بعذاب النّاس كلّ غلام

هما نفثا في فيّ من فمويهماعلى النّابح العاوي أشدّ رجام (1)

و يروى: «لجام» يريد بقوله: «ألبنا كلّ غلام» أي سقياه اللبن، فكأنّهما غذّياه بذلك فدرب به (2)، و نشأ عليه و تعوّده.

و الاستعارة الثالثة: الاستعاذة من نفخ الشيطان؛ و هو على ما فسّره عليه الصلاة و السلام الكبر و العجب، و لا نفخ هناك على الحقيقة، و إنّما المراد به ما يسوّله الشيطان للإنسان من تعظيم نفسه، و استحقار غيره، و تصغير الناس في عينه، فكأنّه بهذا الفعل ينفخ في روعه ما يستشعر به أنّه أحقّ من غيره بالتعظيم، و أولى بالتفخيم، تشبيها بالشي ء الأجوف، كالزقّ (3) و ما في معناه؛ لأنّه إذا نفخ فيه انتفخ بعد ضمره، و عظم بعد صغره، و من قولهم للمتكبّر إذا أسرف في الكبر و استطار من العجب:

«قد نفخ الشيطان في مناخره» يريدون به المعنى الذي قدّمنا ذكره.

[المجاز] (215)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ» (4).

و هذه من أحسن الاستعارات، و «السّه» اسم للسته (5)، قال الشاعر:


1- ديوان الفرزدق 2: 215.
2- أي اعتاده. أقرب الموارد 1: 225، مادّة (د ر ب).
3- أي السقاء، و قيل: جله يجزّ و لا ينتف للشراب و غيره. أقرب الموارد 1: 468، مادّة (ز ق ق).
4- مسند أحمد 1: 111، السنن الكبرى 1: 118، كنز العمّال 9: 342/ 26348، سنن الدارمي 1: 184، و فيه: «إنّما العينان».
5- أي الدبر.

ص: 259

شأتك قعين غثّها و سمينهاو أنت السّه السّفلى إذا دعيت نصر (1)

فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه السته بالوعاء، و شبّه العين بالوكاء (2)، فإذا نامت العين انحلّ صرار السّته، كما أنّه إذا زال الوكاء دسع بما فيه (3) الوعاء، إلّا أنّ حفظ العين للسّته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء؛ فإنّ العين إذا اشرجت (4) لم تحفظ ستهها، و الأوكية إذا حلّت لم تضبط أوعيتها.

و من الناس من ينسب هذا الكلام إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و قد ذكره (5) محمّد بن يزيد المبرّد في الكتاب «المقتضب» في باب اللفظ بالحروف (6)، و في الأظهر الأشهر أنّه للنبيّ عليه الصلاة و السلام.

[المجاز] (216)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ هُوَ يَسْأَلُ عَنْ سَحَابَةٍ عَرَضَتْ:

«كَيْفَ تَرَوْنَ قَوَاعِدَهَا وَ بَوَاسِقَهَا؟ وَ كَيْفَ تَرَوْنَ رَحَاهَا؟ ...» (7) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.


1- العين 3: 346، الصحاح 6: 2233، شأتك: سبقتك، قعين: حيّ مشتق منه، غثّها: مهزولها، و أنت السه السفلى: أنت فيهم بمنزلة الاست من الناس.
2- الوكاء: رباط القربة و الوعاء و الكيس و الصرّة و نحوها. أقرب الموارد 2: 1483 مادّة (و ك ي).
3- أي رمى بما فيه. أقرب الموارد 1: 333 مادّة (د س ع).
4- أي جمعت و اغلقت.
5- في الأصل: ذكر.
6- المقتضب 1: 34، 233.
7- غريب الحديث للهروي 3: 104، الفائق 3: 212، معاني الأخبار 320، الاختصاص: 187، كنز العمّال 6: 174/ 15247.

ص: 260

و في هذا الكلام استعارات ثلاث:

فإنّه عليه الصلاة و السلام شبّه اصولها و مناشئها و طوالعها و مبادئها، بقواعد البيت التي هي أصل بنائه، و أوّل إنشائه.

و شبّه فروعها المستطيلة إلى أوساط السماء و أعاليها البعيدة عن الآفاق، بفروع الشجرة الباسقة التي هي ملتفّ أوراقها، و مزدحم أفنانها، و يقال: «بسقت الشجرة و النخلة تبسقان بسوقا» إذا طالتا، و كلّ طويل باسق، و في التنزيل: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (1).

و شبّه مستدارها في السماء عند استوائها، بالرحا المستديرة على قطبها، و من ذلك قيل: «رحا الحرب» و هو الموضع الذي يستدار فيه للمعاركة و الجلاد، و التفاف الرّجال بالرّجال.

وَ مِنْهُ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ الْخُزَاعِيِّ فِي حَدِيثٍ لَهُ: «أَتَيْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ مَرْحَى الْجَمَلِ»

(2)؛ يريد عن مجثم تلك الحرب بالمكان المخصوص الذي دارت به رحاها، و بلغت فيه منتهاها.

و على ذلك قول الكميت بن زيد يصف السحاب:

كأنّما الزّجر و الصّهيل به مرحى مراس الحروب ذو اللّجب

(3) يريد بالزجر و الصهيل: حفيف و دقه (4)، و أزيز (5) رعده.


1- ق (50): 10.
2- غريب الحديث 2: 152.
3- ديوان الكميت 1: 115، مراس الحروب: مزاولتها و محارستها، اللجب: كثرة أصوات الأبطال.
4- أي صوت مطره.
5- أي صوت.

ص: 261

و يحتمل قولهم: «رحا الحرب» وجهين:

أحدهما: أن يريدوا به اللبث و الاستقرار.

و الآخر: أن يريدوا به الجولان و المدار.

و قد يجوز أن يكون قوله عليه الصلاة و السلام في السحابة: «كيف ترون رحاها؟» يريد به صوت رعدها، كما سألهم عن لمع برقها، و كثيرا ما تشبّه أصوات الرعد القاصفة بقعقعة أصوات الأرحاء الدائرة، و لا يمتنع أن يعبّر عمّا تسمعه الاذن بعبارة ما تشاهده العين، كما يقول القائل لغيره إذا سأله عن سماع الغناء المطرب و الحداء المعجب: «كيف ترى هذا الغناء؟ و كيف ترى هذا الحداء؟» و ذلك شائع عند أهل اللسان.

[المجاز] (217)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَؤُوهُ، وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى ...»

(1) في حديث طويل.

فقوله عليه الصلاة و السلام: «طفّ الصّاع» هاهنا استعارة، و المراد أنّ كلّ من كان من ولد آدم عليه الصلاة و السلام فهو ناقص، لا يوصف بالتمام، و لا يعطى مزيد الكمال، و إنّما يتفاضل الناس بأعمالهم، و يفضلون بكثرة فضائلهم، و إنّما يوصف الإنسان بأنّه فاضل إذا اضيف إلى الناقص، و إلّا فلا بدّ من نقائص تتخلّل فضائله، و مساو تتوسّط محاسنه؛ إمّا بأن يكون فاضلا في حال، و ناقصا في حال، و إمّا بأن يكون قاصرا عمّا فوقه، و زائدا على من دونه.


1- مسند أحمد 4: 145، 158، غريب الحديث للهروي 3: 106، الدرّ المنثور 6: 98.

ص: 262

و قوله عليه الصلاة و السلام: «طفّ الصّاع لم تملؤوه» من العبارات العجيبة عن هذا المعنى، يريد أنّ كلّكم قاصر عن غاية الكمال؛ تشبيها بطفّ المكيال: و هو أن يقارب الامتلاء من غير أن يمتلى ء، يقال: «طفّ المكيال و طفافه» إذا اريد به هذا المعنى، و هو ضدّ «الطلاع» و «الطفاح» لأنّ هاتين اللفظتين يعبّر بهما عن بلوغ غاية الامتلاء، و اللفظة الأولى يعبّر بها عن الوقوف دون حدّ الامتلاء، و يقال: «إناء طفّان» إذا بلغ الماء أكثره و لم يبلغ غايته.

و لو قال عليه الصلاة و السلام: «أنتم بنو آدم كطفّ الصاع» خرج الكلام عن أن يكون مستعارا؛ لأنّ دخول كاف التشبيه في الكلام يخرجه عن باب المجاز، مثل قوله عليه الصلاة و السلام في حديث: «خرجت حين بزغ القمر كأنّه فلق جفنة (1)» (2)، و مثل

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ: «فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوَلَادِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَاراً»

(3)، و لو قال: «و القمر فلق جفنة» و «الساعة حامل متمّ» كان الكلام من حيّز الاستعارة.

و من هذا القبيل

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ


1- الجفنة: أعظم ما تكون من القصاع، و فلق الجفنة: نصفها. لسان العرب 2: 310، مادّة (ج ف ن). و 10: 320، مادّة (ف ل ق).
2- مسند أحمد 1: 101، مجمع الزّوائد 3: 174، كنز العمّال 8: 634/ 24488.
3- مسند أحمد 1: 375، مستدرك الحاكم 2: 384 و 4: 546، كنز العمّال 14: 193/ 38339، الدّرّ المنثور 4: 152.

ص: 263

بَعْضُهُ بَعْضاً»

(1) لو قال: «بنيان» لكان من قبيل المجاز.

و مثله أيضا

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِقَوْمٍ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ: «مَا لِي أَرَاهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ (2)»

(3)، و لو قال: «أيديهم أذناب خيل شمس» لكان الكلام مستعارا، و لذلك نظائر كثيرة يطول بذكرها الكتاب.

و لم يرض عليه الصلاة و السلام بقوله: «طفّ الصّاع» في إرادة الغرض الذي تكلّمنا عليه في الخبر حتّى قال: «لم تملؤوه» فزاد المعنى إيضاحا، و الكلام إفصاحا.

و في ضمن هذا القول نهي عن الافتخار على الناس إلّا بالفضائل الدينية، دون الفضائل الدنياوية، و هو معنى

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى»

لأنّ فضائل الدين وصل يتوصّل بها إلى النعيم الباقي، و الدرج العوالي، و فضائل الدنيا لا تعدو غايتها، و لا توصل إلى ما بعدها، فهي كالغرس الذي لا يثمر، و الزاد الذي لا يبلغ.

[المجاز] (218)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَيْهَمَيْنِ»

(4).


1- سنن النسائي 5: 79، مسند أحمد 4: 404، صحيح البخاري 1: 123، صحيح مسلم 8: 20، سنن الترمذي 3: 218/ 1993، السنن الكبرى 6: 94، مجمع الزوائد 8: 87، كنز العمّال: 1: 141/ 674.
2- الشّمس: جمع شموس، و هو النّفور من الدوابّ الذي لا يستقرّ لشغبه وحدّته. لسان العرب 7: 194، مادّة (ش م س).
3- سنن النسائي 3: 5، مسند أحمد 5: 101، صحيح مسلم 2: 29، سنن أبي داود: 1: 226/ 1000، السنن الكبرى 2: 173، كنز العمّال 7: 482/ 19883، المعتبر 2: 157.
4- النهاية في غريب الحديث 5: 303، لسان العرب 12: 649.

ص: 264

قيل: «إنّهما السيل و الحريق» و قيل: «بل هما السيل و الجمل الصؤول (1)» و تسمية كلّ واحد من هذه الثلاثة بالأيهم مجاز؛ و ذلك أنّ الأيهم هاهنا اسم للشي ء لا يملك دفعه، و لا يستطاع ردّه، و لا له نطق فيكلّم، و لا سمع فيهجهج (2)، و لا معقول فيستعتب، و من ذلك قيل للفلاة:

«يهماء» إذا كانت عمياء المسالك لا يهتدى بآياتها، و لا يستدلّ بأعلامها.

و قال الأعشى:

و يهماء باللّيل غطشى الفلاةيؤنسني صوت فيّادها (3)

و «الفيّاد» اسم طائر، و قيل: إنّه ذكر البوم».

و مثل تسميتهم الشي ء «أيهم» إذا كان على الصفة التي ذكرناها، ما أنشدنا شيخنا أبو الفتح عثمان بن جنّي النحوي رحمه اللّه- و أظنّه من أبيات «الكتاب»-:

و داهية يتّقيها الرّجال مرهوبة الحدّ لا فالها

(4) قال: «و المراد بقوله: لا فالها؛ أي ليس لها جهة واحدة تتقى منها كما يتّقى الحيوان العادي من جهة أنيابه، أو ناحية أظفاره، بل كلّ جهاتها محذور، و كلّ نواحيها مخوف».


1- و هو الذي يأكل راعيه، و يواثب الناس فيأكلهم، أو هو الذي يشلّ الناس و يعدو عليهم. لسان العرب 7: 444، مادّة (ص و ل).
2- أي فيصاح به و يزجر لكيفّ. لسان العرب 15: 29، مادّة (ه ج ج).
3- ديوان الأعشى: 73، الصحاح 3: 1013 و 5: 2065، غطشى: مظلمة.
4- كتاب سيبويه 1: 316.

ص: 265

و قد روي في هذا الخبر مكان التعوّذ من الأيهمين التعوّذ من الأعميين (1)، و المعنى فيهما متقارب؛ لأنّ «الأيهم» هو الذي لا يعلم كيف يدفع، و من أيّ وجه يضبط، و الأعمى هو الذي لا يعلم علام يرد، و لا لأيّ وجه يقصد.

[المجاز] (219)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَ الْبُخْلُ، وَ يُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَ يُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، وَ تَهْلِكَ الْوُعُولُ، وَ تَظْهَرَ التُّحُوتُ» (2).

قال: «الوعول»: وجوه الناس و أشرافهم، و «التّحوت» الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يؤبه لهم، فقوله عليه الصلاة و السلام: «الوعول» و «التحوت» مجازان على التفسير الذي ذكره عليه الصلاة و السلام؛ لأنّه شبّه عليه الصلاة و السلام الناس و جلّتهم بالوعول؛ لأنّها (3) تعلو قلل الجبال، و تكون في شعف (4) الهضاب، فهي أبدا عالية المنازل، بعيدة عن المتناول. و قوله: «التحوت»- و هو جمع تحت- يريد به الخاملين المغمورين، و القليلين الذليلين؛ لأنّهم الطبقة السفلى من الناس، و هم الذين نزلوا عن غايات العلية، و قعدوا بمهابط الذلّة، فكأنّهم تحت أجلّة الناس و أشرافهم، و الأشراف و الوجوه فوق لهم.


1- مجمع الزوائد 10: 144، كنز العمّال 2: 183/ 3649، و في كليهما روي عن عائشة بنت قدامة.
2- مسند أحمد 2: 162، 199، الدرّ المنثور 6: 51، نثر الدر 1: 208، مستدرك الحاكم 4: 547، مجمع الزوائد 7: 324، كنز العمّال 14: 242/ 38566.
3- أي الوعول التي هي جمع وعل، و هي الشاة الجبلية. راجع أقرب الموارد 2: 1468، مادّة (و ع ل).
4- الشعف: جمع شعفة، و هي أعلى كلّ شي ء. لسان العرب 7: 139، مادّة (ش ع ف).

ص: 266

و تفسيره عليه الصلاة و السلام «التحوت»: «بأنّهم الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم «مجاز آخر، و ليس المراد أنّهم كانوا تحت مواطى ء الأقدام على الحقيقة، و إنّما المراد أنّهم كانوا من خمول الذكر، و غموض القدر؛ بحيث يشبّهون بالشي ء الموطوء لذلّته، و المنبوذ لبذلته.

[المجاز] (220)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِصَاحِبِ دُومَةَ- وَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِأُكَيْدِرِ- مُنْصَرَفَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: «إِنَّ لَنَا الضَّاحِيَةَ مِنَ الْبَعْلِ، وَ لَكُمُ الضَّامِنَةَ مِنَ النَّخْلِ» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «إِنَّ لَنَا الضَّاحِيَةَ مِنَ الضَّحْلِ، وَ لَكُمُ الضَّامِنَةَ مِنَ النَّخْلِ» (2).

و «الضحل»: الماء القليل، و الرواية الاولى أصحّ، و «الضاحية من البعل»: هي النخيل التي في ضواحي البلدة و صحاريها، و «البعل»:

اسم لما شرب الماء بعروقه من الأرض و لم يتعهّد- كغيره- بالسقي، قال عبد اللّه بن رواحة:

هنالك لا أبالي طلع بعل و لا سقي ء و إن عظم الإتاء

(3) و يروى: «نخل بعل».

و قوله عليه الصلاة و السلام: «و لكم الضّامنة من النّخل» مجاز، و المراد ب «الضامنة» هاهنا ما تضمّنته القرى و الأمصار من النخل،


1- نثر الدر 1: 209، 211، غريب الحديث للهروي 1: 434، النهاية في غريب الحديث 3: 77.
2- النهاية في غريب الحديث 3: 76، الإقاء ما يقع في النهر من خشب أو ورق. لسان العرب 1: 66، مادّة (أ ت ي).
3- البداية و النهاية 4: 278.

ص: 267

فسمّاها عليه الصلاة و السلام «ضامنة»، و هي في الحقيقة مضمونة، و هذا موضع المجاز. و مثل ذلك قول الشاعر:

و محترش ضبّ العداوة منهم بحلو الخلا حرش الضّباب الخوادع (1)

فجعل الضباب خوادع، و هي في الحقيقة مخدوعة؛ لأنّها تخدع بضروب من الحيلة حتّى تخرج من مجاحرها (2)، و تستذلق (3) من مكامنها. و «الخلا»- مقصورا-: اسم من أسماء الحشيش، و هو أيضا إسم لحسن الكلام، و هو المراد في هذا المكان، يقال: إنّه يحسن الخلا» إذا كان حسن الكلام.

[المجاز] (221)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ: «وَ اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ؛ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّياً مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النِّعَمِ مِنْ عَقْلِهَا» (4). كَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.

وَ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: «حَادِثُوا الْقُرْآنَ بِالدَّرْسِ؛ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّياً مِنْ


1- ديوان كثير: 239، محترش: صائد، الضّبّ: حيوان شبيه بفرخ التّمساح الصّغير، و ذنبه كثير العقد كذنبه، الضّباب: جمع ضبّ. و المراد أنّه يذهب بالعداوة من أعدائه بحلو كلامه، الخادع كما يخدع الضّبّ بالحشيش.
2- المجاحر: جمع جحر، و هو المكان الّذي تختفره الهوامّ و السّباع لأنفسها. أقرب الموارد 1: 103، مادّة (ج ح ر).
3- أيّ تستخرج، يقال: ذلق الضّبّ؛ إذا خرج من خشونة الرّمل إلى ليّن الماء. راجع أقرب الموارد 1: 732، مادّة (ذ ل ق).
4- سنن النّسائيّ 2: 155، مسند أحمد 1: 463، سنن الدّارميّ 2: 439، صحيح البخاريّ 6: 109، السّنن الكبرى 2: 395، كنز العمّال 1: 617/ 2849.

ص: 268

صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ تَنْزِعُ إِلَى أَوْطَانِهَا» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «فلهو أشدّ تفصّيا من صدور الرّجال» مجاز، و المراد بالتفصّي الذهاب و التفلّت، قال الشاعر:

يا حفص ما ليلك ذا التّفصّي و الأثر البيّن للمفصّ (2)

فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه تفلّت القرآن و ذهابه من الصدر- ما لم يحادث بالتلاوة، و يتعهّد بالقراءة- بتفلّت النعم المعقّلة من عقلها إذا لم يستظهر بإحكام عقلها، فأقام عليه الصلاة و السلام الاستكثار من درس القرآن في أنّه يجمع مشتّته و يضبط متفلّته، مقام الاستظهار بعقل النعم في أنّه يقصر متسرّعها، و يحبس نوازعها.

و الكلام هاهنا يدلّ بمفهومه على أنّ القرآن هو المتفصّي عن الصدور، و الحقيقة أنّ القلوب هي المتخلّية منه، و التاركة له، فلمّا كان الأمر كذلك جاز- على طريق المجاز- أن يقال: إنّ القرآن هو التارك لها، و المتفصّي منها.

(222) وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «أَعْنَانُ الشَّيَاطِينِ؛ لَا تُقْبِلُ إِلَّا مُوَلِّيَةً، وَ لَا تُدْبِرُ إِلَّا مُوَلِّيَةً، وَ لَا يَأْتِي نَفْعُهَا إِلَّا مِنْ جَانِبِهَا الْأَشْأَمِ» (3).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «أعنان الشّياطين» مجاز،


1- غريب الحديث للهروي 3: 148، أخرجه في كنز العمّال 1: 618/ 2852 مع اختلاف.
2- ديوان كثيّر: 239.
3- غريب الحديث للهروي 3: 156، لسان العرب 9: 441، مادّة (ع ن ن)، أخرجه البرقي في محاسنه 2: 647، معاني الأخبار: 322.

ص: 269

و «الأعنان»: النواحي، و منه قولهم: «أعنان السماء» أي نواحيها، و قال بعضهم: «الصحيح أنّ عنان الشي ء: نواحيه» فالأوّل قول البصريين، و الثاني قول الكوفيين (1). و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: نواحي الشياطين- على القولين جميعا- المبالغة في وصف الإبل بالأخلاق السيّئة، و الطباع المستعصية، فكأنّ الشياطين تختلها و تنفّرها، و تنهاها و تأمرها.

و ممّا يقوّي ذلك الحديثان الآخران في نعت الإبل:

فأحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «إنّ الإبل خلقت من الشّياطين» (2).

و الحديث الآخر:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَاناً» (3).

و هذا أيضا مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام بالغ بذلك في وصف الإبل بالحران (4) و النفار، و الاستصعاب و اللجاج، فكأنّه لإفراط نفارها و شماسها (5)، قد امتطت الشياطين ذراها؛ فهي تؤزّها (6) و تجوسها (7).


1- انظر: لسان العرب 9: 441، مادّة (ع ن ن).
2- مسند أحمد 4: 85 و 86، الفائق 3: 13، كنز العمّال 9: 65/ 24967.
3- الكافي 6: 542/ 3، 543/ 9، الفقيه 2: 290/ 2484، المحاسن 2: 136636، 137 سنن الدارمي 2: 286، مستدرك الحاكم 1: 444، كنز العمّال 9: 65/ 24968.
4- أي وقوفها و عدم انقيادها. راجع أقرب الموارد 1: 185، مادّة (ح ر ن).
5- أي شرودها و جماحها و منعها ظهرها. راجع لسان العرب 7: 193، مادّة (ش م س).
6- أي تزعجها و تحرّكها و تغريها. راجع لسان العرب 1: 133، مادّة (أ ز ز).
7- أي تتردّد فيها و تتلبّس بها. راجع لسان العرب 2: 419، مادّة (ج و س).

ص: 270

و قيل: «إنّ المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «لا تقبل إلّا مولّية» المثل الذي يقال فيها: «إنّها إذا أقبلت أدبرت؛ و إذا أدبرت أدبرت، أي أنّ إقبالها إذا كان بمنزلة الإدبار، فإدبارها إذن غاية إلادبار.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «و لا يأتي نفعها إلّا من جانبها الأشأم»، يريد أنّها لا تحلب و لا تركب إلا من جهات شمائلها، و يقال لليد الشمال:

«الشؤمى» و منه قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (1) يريد أصحاب الشمال، و الدليل على ذلك قوله تعالى في الآية الاخرى: وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (2)، فلمّا قال سبحانه في الآية الاولى: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (3) قال: وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، و لمّا قال سبحانه في الآية الاخرى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ (4) قال: وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ و المراد في الآيتين واحد، لا أنّه سبحانه طلب المقابلة في الكلام تأليفا لأجزائه، و ملاحمة بين أعضائه. و يقال للجانب الأيمن: «الإنسيّ» و للجانب الأيسر:

«الوحشيّ» هذا على قول البصريين.

و قال بعض الكوفيين: «الإنسيّ: هو الأيسر؛ و هو الذي تأتيه الناس عند الاحتلاب و الركوب، و الوحشي: هو الأيمن. و إنّما سمّي وحشيّا؛


1- الواقعة (56): 9.
2- الواقعة (56): 41.
3- الواقعة (56): 8.
4- الواقعة (56): 27.

ص: 271

لأنّ الراكب و الحالب لا يأتيان منه، و إنّما يأتيان من الأيسر دونه (1)، و منه قول زهير:

فجالت على وحشيّها و كأنّهامسربلة من رازقيّ معضّد

(2) أراد جانبها الأيمن؛ لأنّها إذا فزعت حاصت (3) من جانبها الإنسي الذي تخاف أن تؤتى منه- و هو الشمال- إلى جانبها الوحشي الذي تأمن الإتيان من ناحيته؛ و هو اليمين، و الخائف إنّما يفرّ من موضع الذّعر و المخافة إلى موضع الأمن و السلامة».

[المجاز] (223)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مِنْ شَرِّ مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ شُحٌّ هَالِعٌ، أَوْ جُبْنٌ خَالِعٌ» (4).

و «الهالع»: المخيف المفزع و الاسم منه «الهلع» و هو أشدّ الجزع، و قوله عليه الصلاة و السلام: «أو جبن خالع» مجاز؛ أي يخلع قلب الجبان، و هذا على المبالغة في وصفه بوهل الرّوع (5)، و نخب الرّوع (6)،


1- انظر: غريب الحديث للهروي 3: 158.
2- ديوان زهير: 228، الصحاح 2: 509، مسربلة: البست سربالا؛ الرازقي: ثوب من كتّان أبيض، المعضّد: المخطّط على شكل العقد من لابسه.
3- أي حامت و دارت.
4- سنن أبي داود 1: 564، السنن الكبرى 9: 170، كنز العمّال 3: 447/ 7381، الدرّ المنثور 6: 196، مسند أحمد 2: 302 و 320، و فيهما: «شرّ ما في رجل».
5- الوهل: الضعف و الفزع و الجبن، و الرّوع: الفزع لسان العرب 5: 371، 373، مادّة (ر و ع) و 15: 416، مادّة (و ه ل). فالإضافة بمعنى «من» البيانية.
6- النخب: الجبن، و الرّوع: القلب أي جبن القلب، كأنّما نزع، من قولهم: نخبت الشي ء و انتخبته؛ إذا نزعته. راجع أساس البلاغة: 450، مادّة (ن خ ب).

ص: 272

و ليس يبلغ الجبن- على الحقيقة- إلى أن يخلع قلب الجبان من مناطه، و يزعجه عن قراره، و إنّما المراد بذلك ما يعرض في القلب عند الخوف من نوازغ الأفكار، و نوازع الحذار. و على ذلك قوله تعالى: وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ (1)، و قد أوضحنا الكلام على ذلك في كتاب: «مجازات القرآن» (2).

[المجاز] (224)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا مِنْ أَمِيرِ عَشْرَةٍ إِلَّا وَ هُوَ يَجِي ءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَكُونَ عَمَلُهُ الَّذِي يُطْلِقُهُ أَوْ يُوتِغُهُ» (3).

و هذه استعارة؛ لأنّ العمل- على الحقيقة- لا يطلق المرء من وثاق، و لا يوثقه بعد إطلاق، و إنّما المراد أنّه يجي ء مغلولة يداه إلى عنقه، فإن كان عمله صالحا أطلق اللّه عنه ربقة وثاقه، و إن كان عملا طالحا زاده اللّه خناقا إلى خناقه. و إنّما أضاف عليه الصلاة و السلام الإطلاق و الإيثاق للعمل؛ لأنّ العمل سببهما، و صلاحه و فساده مؤثّر فيهما.

و قوله: «يوتغه» المراد به: يسلمه و يهلكه، يقال: «وتغ الرجل يوتغ وتغا» إذا هلك، و «قد أوتغه غيره» إذا أهلكه، و منه قولهم: «أوتغ فلان دينه» إذا ثلمه و أفسده. و يروى «أو يوبقه (4)، و المعنيان متقاربان.


1- الأحزاب (33): 10.
2- مجازات القرآن: 170.
3- سنن الدارمي 2: 240، كنز العمّال 6: 32/ 14722، السنن الكبرى 10: 95، مجمع الزوائد 5: 205 و 7: 167، مسند أحمد 5: 327 مع اختلاف.
4- مسند أحمد 2: 431 و 5: 328، السنن الكبرى 3: 129، كنز العمّال 6: 1468024.

ص: 273

[المجاز] (225)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ لِثَقِيفٍ: «وَ إِنَّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ فَبَلَغَ أَجَلَهُ، فَإِنَّهُ لِيَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ»

(1).

و هذه استعارة و المراد ب «اللياط» هاهنا الربا المضاف إلى رؤوس الأموال، كأنّه عليه الصلاة و السلام شبّهه بالشي ء الملصق بالشي ء و المضاف إليه، و كلّ شي ء الصق بشي ء فقد ليط به، و منه «لياط الحوض» و هو ما يلصق به بعض أحجاره إلى بعض- عند بنائه أو إصلاحه- من طين أو ما يقوم مقامه، يقال: «قد لاط فلان حوضه» إذا رمّه و أصلحه.

وَ فِي حَدِيثٍ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ الْفَرَزْدَقِ: أَنَّ أَبَاهُ غَالِباً جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ هُوَ يَلُوطُ حَوْضاً لَهُ.

و في قوله عليه الصلاة و السلام: «مبرّأ من اللّه» سرّ لطيف؛ و هو أنّه لمّا جعل الربا ملصقا إلى أموالهم على الوجه المذموم، جعله مبرّأ من اللّه سبحانه، فكان ذلك الإلصاق بالأموال سببا للتبرئة من اللّه تعالى.

و المراد: مبرّأ من رضاء أو من دين اللّه، أو من ثواب اللّه، لابدّ من تقدير واحد من هذه المضافات؛ لأنّ اللّه سبحانه لا يجوز أن يتصل به شي ء على الحقيقة؛ لأنّ ذلك من صفات الأجسام المكيّفة، و الأبعاض المؤلّفة، التي يجوز عليها أن تتدانى فتلتصق، و أن تتناءى فتفترق، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، و ليس هذا من مواضع استقصاء الكلام على هذا المعنى.

و قد يجوز أن يكون المراد ب «اللياط» هاهنا القشر، يقال: «ليط» و


1- النهاية في غريب الحديث 4: 285.

ص: 274

«لياط» قال الشاعر يصف قوسا عربية:

فملّك باللّيط الذي تحت قشرهاكغرقي ء بيض كنّه القيض من عل

(1) فقوله: «ملّك» أي شدّد بترك قشر النبعة عليها ما تحته من عودها، فقويت بانضمام القشر إليها، و ذلك مأخوذ من قول القائل: «ملّكت العجين» أي أحكمت عجنه، و موضع «الذي» هاهنا نصب ب «ملّك» كأنّه قال: «فقوي بالليط عود القوس» و «الغرقى ء» القشر الرقيق الذي بين جسم البيضة و بين قشرها الأعلى، و القشر الأعلى هو «القيض».

و «الليط» أيضا: الجلد، و الجمع «ألياط» و «اللّيط» أيضا: كون الشي ء، ذكر ذلك أبو عبيد في «الغريب المصنّف».

فيكون الربا المضاف إلى رؤوس الأموال- على هذا القول- مشبّها بالقشر المضاف إلى العود؛ في أنّ العود هو القائم بنفسه، و القشر كالتبع له و المنوط به.

[المجاز] (226)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ نَشُوقاً وَ لَعُوقاً وَ دِسَاماً» (2).

و هذه الكلمات الثلاث محمولة على المجاز؛ لأنّ «النّشوق» ما استنشقه الإنسان بأنفه، و «اللعوق» ما لعقه بلسانه، و «الدسام» هاهنا:

الشي ء الذي يجعله سدادا لاذنه، يقال منه: «دسمت الشي ء، أدسمه دسما» إذا سددته.


1- إصلاح المنطق: 267، الصحاح 4: 1610.
2- غريب الحديث للهروي 1: 473، الفائق 3: 88.

ص: 275

و المراد بهذه الكلمات قريب من المراد بالحديث الذي تقدّم كلامنا عليه في هذا الكتاب؛ و هو استعاذته عليه الصلاة و السلام من همزات الشيطان، و نفثه، و نفخه (1)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه ما يسوّله الشيطان للإنسان من العجب بنفسه و الإزراء على غيره (2)- حتّى يشمخ بأنفه (3)، و ينأى بعطفه (4)- بالنشوق الذي ينشقه إيّاه، فيحدث له هذا الخلق الذميم، و الطبع اللئيم.

و قوّى ذلك بذكر «اللعوق» فكأنّ الشيطان يلعقه بهذا التسويل لعوقا؛ إذا وصل إلى جوفه أحدث له خيلاء الكبر، و مدّ له في غلواء العجب (5).

و شبّه عليه الصلاة و السلام صرف الشيطان للإنسان عن مراشده و إصمامه عن سماع قول مرشده بالدسام؛ و هو الصمّام الذي تسدّ به الاذن، فتحجب عن سماع الأصوات، و زواجر العظات.

[المجاز] (227)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَغْبَطَتْ عَلَيَّ الْحُمَّى»

(6).

و هذه استعارة، و ربّما قيل: «أغمطت» بالميم، قال الواقدي في هذا


1- النهاية في غريب الحديث 5: 90.
2- أي تعنيفهم و ذكر عيوبهم. راجع لسان العرب 6: 41، مادّة (ع ي ب).
3- أي يرفع أنفه عزّا و تكبّرا. أقرب الموارد 1: 609، مادّة (ش م خ).
4- أي يتكبّر و يعرض، و العطف: المنكب أو الإبط و المعروف: نأى بجانبه، و نظر في عطفه، و ثنى عطفه، تقال للمتكبّر أو المعرض. راجع لسان العرب 9: 269، مادّة (ع ط ف) و 14: 8، مادّة (ن أ ي).
5- أي سرعته و شرّبه. راجع لسان العرب 10: 114، مادّة (غ ل و).
6- النهاية في غريب الحديث 3: 341.

ص: 276

الحديث: «أصابته حمّى مغمطة؛ بالميم (1)».

و قال الأصمعى: «أغبطت علينا السماء: إذا دام مطرها (2).

و قال أبو عبيد: «هما لغتان بالميم و الباء قد سمعناهما (3)»، و هذا كقولهم: «سبّد الرجل رأسه و سمّده» إذا استأصل حلقه (4)، و أشباه ذلك كثيرة، و «أغبطت الحمّى»- بالباء- أكثر في كلامهم. و الأصل في ذلك إلزام الرحل ظهر البعير، يقال: «أغبط فلان رحله على مطيّته» أي أطال مكثه عليها و لزامه لها. و من ذلك قول الراجز:

إغباطنا الميس على أصلابه (5)

و قول الآخر:

و ألزمته قتبا توسّطه فقربت فهي علينا تغبطه

(6) و منه سمّي «الغبيط» و هو مركب من مراكب النساء، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه لزوم الحمّى له بلزوم القتب ظهر الراحلة؛ لأنّه إذا ألزم ظهرها عقره (7)، و أكثر دبره (8)، و يقال: «قتب معقر» إذا عضّ الغارب (9)، و أدمى المناكب، فكذلك الحمّى إذا دام لبثها على الإنسان


1- غريب الحديث 1: 99.
2- غريب الحديث 1: 99.
3- غريب الحديث 1: 99.
4- أي حلق شعره.
5- خزانة الأدب 5: 395، الصحاح 3: 1146، لسان العرب 7: 361، الميس: الرحل.
6- القتب: رحل صغير على قدر السنام.
7- أي جرحه أقرب الموارد 2: 808، مادّة (ع ق ر).
8- الدبرة: قرحة الدبّة أو كالجراحة تحدث من الرحل و نحوه. أقرب الموارد 1: 317، مادّة (د ب ر).
9- الغارب ما بين العنق و السنام. المصباح المنير: 444، مادّة (غ ر ب).

ص: 277

هاضت (1) متنه، و حسرت (2) قوّته.

[المجاز] (228)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «خَيْرُ النَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ الرَّجُلُ النُّوَمَةُ» (3).

و هذا مجاز، و المراد ب «النومة» هاهنا: الرجل الخامل الشأن، الخفيّ المكان، لا الكثير النوم على الحقيقة.

و مثله

الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «رُبَّ ذِي طِمْرَيْنِ (4) لَا نَوْمَةَ لَهُ؛ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ»

(5)؛ لأنّ الخاشع العابد و المنقطع الزاهد، كثيرا ما يكون خامل الشخص ميّت الذكر؛ لخفائه على النواظر، و انقطاعه عن المجامع.

و من ذلك قولهم: «نام جدّ آل فلان» أي خمل بعد اشتهاره، و سقط بعد ارتفاعه، قال الشاعر:

نامت جدودهم و أسقط نجمهم و النّجم يسقط و الجدود تنام

[المجاز] (229)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» (6).


1- أي كسرت. لسان العرب 15: 179، مادّة (ه ي ض).
2- أي أنضبت و أفنت. راجع أساس البلاغة: 83، مادّة (ح س ر).
3- النهاية في غريب الحديث 5: 131، و فيه: «خير أهل ذلك الزمان كلّ مؤمن نومة».
4- أي ثوبين خلقين. لسان العرب 8: 200، مادّة (ط م ر).
5- النهاية في غريب الحديث 3: 138.
6- مسند أحمد 5: 180، سنن أبي داود 2: 426، سنن الترمذي 4: 226، مستدرك الحاكم 1: 117، كنز العمّال 1: 222/ 1122، الكافي 1: 405/ 4، المبسوط 7: 263، و فيه: «من فارق الجماعة شبرا».

ص: 278

و هذه استعارة، و «الرّبقة»: حبل يربط بين عودين، ثمّ تجعل فيه عرى، فتربق فيه السخال؛ أي تربط فيه، و يقال في إبل الصدقة: «عقال عام واحد» لأنّ الإبل تعقل، و في الغنم: «رباق واحد» لأنّ الغنم تربق، و المراد بذلك صدقة عام من الإبل أو الغنم، فشبّه عليه الصلاة و السلام ما في عنق الإنسان من لوازم الإسلام و معاقد الإيمان، بالربقة التي في عنق السخل؛ لأنّها تصدّه إذا همّ بالشرود، و تمسكه إذا جاذب إلى النزوع، و كذلك الإسلام يمنع صاحبه من الارتكاس في المحظورات، و التهوّك (1) في الضلالات.

[المجاز] (230)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «تُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى» (2).

و قد قيل في ذلك أقوال كلّها بعيدة عن المحجّة- و مع ذلك فيخرج الكلام من حيّز الاستعارة- غير قول واحد: «هو أن يكون المراد أنّهم يؤخّرون الصلاة إلى ألّا يبقى من النهار إلّا بقدر ما بقي من نفس الميّت الذي قد شرق بريقه (3)، و غرغر ببقية نفسه، فشبّه عليه الصلاة و السلام تلك البقيّة بشفافة الذماء (4) التي قد قرب انقضاؤها، و حان فناؤها».


1- أي التحيّر و التهوّر و الوقوع في الشي ء بغير مبالاة و لا رويّة. أقرب الموارد 2: 1410، مادّة (ه و ك).
2- النهاية في غريب الحديث 2: 465، و فيه: «ستدركون أقواما يؤخّرون»، صحيح مسلم 2: 68 مع اختلاف، مجمع الزوائد 7: 285 مع اختلاف.
3- أي غصّ. لسان العرب 7: 97، مادّة (ش ر ق).
4- أي بقيّة النفسي. أقرب الموارد 1: 373، مادّة (ذ م ي).

ص: 279

[المجاز] (231)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ» (1).

و هذا القول مجاز على أكثر الأقوال؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام لم يرد الضرب بالعصا على الحقيقة؛ لأنّ ذلك مكروه عنده، و مذموم فاعله، ألا تراه عليه الصلاة و السلام يوصي امّته أن يرفقوا بمن ملكت أيمانهم حنوّا عليهم، و رأفة بهم، و نظرا إليهم، فكيف بالأحرار من الأهل و الولد الذين حقّهم أوجب، و الحنوّ عليهم أولى؟! و إنّما المراد: لا ترفع التأديب عنهم، و لا تغب التقويم لهم، فكنّى عن ذلك ب «العصا» حملا للكلام على عرف العرب؛ لأنّ المتعارف بينها على أنّ التأديب في الأكثر لا يكون إلّا بقرع العصا.

و قد يجوز أن يكون المراد بذلك الاجتماع و الائتلاف، من قولهم:

«فلان قد شقّ عصا المسلمين» إذا فرّق، جماعتهم و بدّد الفتهم. و منه قول صلة بن أشيم لأبي السليل: «إيّاك و قتيل العصا (2)»، يقول: إيّاك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شقّ عصا المسلمين.

و منه قول جرير:

فلمّا التقى الحيّان القيت العصاو مات الهوى لمّا أصيبت مقاتله

(3) يقول: لمّا التقى الحيّان وقع الائتلاف و الدنوّ، و زال التمنّع و النبوّ.


1- غريب الحديث للهروي 1: 205، الفائق 2: 156، كنز العمّال 16: 95/ 44050، معجم مقاييس اللغة 1: 335، نثر الدر 1: 201، مجمع الزوائد 4: 216، و فيه: «لا تضع».
2- غريب الحديث لابن الجوزي 2: 102، الفائق 2: 440.
3- ديوان جرير: 384، أمالي المرتضى 3: 155، المقاتل: جمع مقتل، و هو الموضع الذي إذا اصيب لا يكاد يسلم صاحبه، كالصدغ.

ص: 280

فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد بقوله: «لا ترفع عصاك عن أهلك» أي احملهم أبدا على الصلاح و الائتلاف، و امنعهم من الفساد و الخلاف.

و يقال للرجل إذا كان رقيق السيرة جميل الإيالة (1): «إنّه لليّن العصا» قال معن بن أوس المزني:

عليه شريب وادع ليّن العصايساجلها جمّاته و تساجله

(2) و قد تكلّمنا على نظير هذا الحديث فيما تقدّم.

[المجاز] (232)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي فِتَنٍ تَنْجُمُ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ» (3).

و في هذا الكلام مجاز على بعض الأقوال: و هو أن يكون المراد تشبيه الفتن الناجمة من أطراف الأرض بنجوم صياصي البقر؛ و هي قرونها، و إنّما سمّيت «صياصي» تشبيها لها بالصياصي التي هي الحصون، فكأنّها تحتمي بقرونها كما تحتمي الرجال بحصونها، فأراد عليه الصلاة و السلام أنّ الفتن تنجم صغارا، ثمّ تعظم و تبدو سحيلا (4)، ثمّ تبرم كنجوم


1- أي السياسة. أقرب الموارد 1: 24 مادّة (أ و ل).
2- الصحاح 6: 2429، عليه: أي على الحوض، الشريب: صاحبك الذي يورد إبله على الحوض معك، يساجلها: يسقي إبله، جمّاته: معظم مائه، و تساجله: تشرب الماء، و قد جعل شربها للماء مساجلة، و أصلها أن يستسقي ساقيان فيخرج كلّ منهما في سمله- أي الدلو الضخمة- مثل ما يخرج الآخر من الماء، فأيّهما نكل فقد غلب.
3- مجمع الزوائد 7: 225 النهاية في غريب الحديث 3: 67، و فيه: أنّه ذكر فتنة تكون في أقطار الأرض كأنّها صياصي البقر، مسند أحمد 4: 109 مع اختلاف.
4- السحيل: الحبل المبرم على طاق، و المرير: المبرم على طاقين. و مراد من السحيل الفتنة قبل اختلاطها بالفتن الأخرى.

ص: 281

قرون البقر؛ لأنّها تبدو هنات (1) ضئيلات، ثمّ تكون شككا ناكيات (2).

و قد يجوز أن يكون المراد بتشبيه الفتن هاهنا بقرون البقر، المبالغة في وصفها بالحدّة و الشدّة، و كثرة العديد و العدّة.

و قد يجوز أيضا أن يكون تشبيها بقرون البقر لكثرة ما يشرع فيها من الأسنّة (3)، ألا ترى إلى قول بعض العرب: «الأسنّة قرون الخيل» لأنّها توضع منها مكان القرون من ذوات القرون، و صدم الخيل بعواليها كنطح البقر بصياصيها.

و ليس موضع المجاز من هذا الكلام قوله عليه الصلاة و السلام:

«كأنّها صياصي بقر» لأنّا قد ذكرنا فيما تقدّم: أنّ دخول كاف التشبيه في الكلام يخرجه من باب المجاز، و لكنّ الموضع الذي يكون فيه هذا القول من حيّز المجازات، قوله عليه الصلاة و السلام: «في فتن تنجم من أطراف الأرض» فجعلها بمنزلة النبات الذي يكون خافيا فيظهر، و القرون الناشئة التي تكون صغارا فتكبر.

[المجاز] (233)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ يَذْكُرُ فِيهِ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ (4): «فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقِي ءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا» (5).


1- الهنات: جمع هنة، يكنى بها عن كلّ اسم جنس، و معناها شي ء، و لا تستعمل الهنات إلّا في الشرّ. أقرب الموارد 2: 1407، مادّة (ه ن و).
2- الشكك: جمع شكّة، و هي السلاح، ناكيات: جارحات قاتلات. راجع أقرب الموارد 1: 606، مادّة (ش ك ك).
3- و ذلك في الجاهلية، حيث كانوا يتخذون رماحا أسنّتها من قرون البقر الوحشي، و يطلق على القرن الذي يطعن به إسم المئلّ. راجع لسان العرب 1: 185، مادّة (أ ل ل).
4- أي علاماتها. المصباح المنير: 309، مادّة (ش ر ط).
5- صحيح مسلم 3: 84، سنن الترمذي 3: 334/ 2306، الدرّ المنثور 6: 380، أمالي المرتضى 1: 65.

ص: 282

و هذه من الاستعارات العجيبة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الكنوز التي استودعتها بطون الأرض بأفلاذ الكبد؛ و هي شعبها و قطعها؛ لأنّ شعب الكبد من شرائف الأعضاء الرئيسية، فكذلك الكنوز من جواهر الأرض النفيسة، و لمّا شبّهها عليه الصلاة و السلام بأفلاذ الكبد من الوجه الذي ذكرناه، جعل الأرض عند إخراجها كأنّها تقيّأت و دسعت (1) بما استودعته منها.

و في قوله عليه الصلاة و السلام: «تَقِي ءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا» زيادة فائدة في المعنى المراد؛ و هو وصف الأرض بالمبالغة في إخراج كنوزها؛ حتّى لا يخفى منها خافية، و لا يبقى باقية، و ذلك كما يقول القائل: «قد تقيّأ فلان كبده» إذا أراد المبالغة في وصفه باستيعاب جميع ما في جوفه. و ذلك معروف في كلامهم، و موضوع على قاعدة العرف بينهم.

[المجاز] (234)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ: «مَنْ قَالَ ... كَذَا وَ كَذَا «غُفِرَ لَهُ وَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طِفَاحُ الْأَرْضِ ذُنُوباً» (2).

و هذه استعارة، و المراد: و لو كان عليه مل ء الأرض ذنوبا، فجعل الأرض كالإناء الذي طفح ماؤه، و بلغ الغاية امتلاؤه.

و في قوله عليه الصلاة و السلام: «طفاح الأرض» زيادة معنى على قوله: «مل ء الأرض» أو «طلاع الأرض» لأنّ «الطلاع» و «المل ء»


1- أي قاءت مل ء الفم. أقرب الموارد 1: 333، مادّة (د س ع).
2- النهاية في غريب الحديث 3: 128، و فيه: «و إن كان».

ص: 283

يفيدان بلوغ الحدّ في الامتلاء، و «الطفاح» يفيد مجاوزة الحدّ في الامتلاء، و قد مضى الكلام على هذا المعنى فيما تقدّم من هذا الكتاب.

[المجاز] (235)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْقُرْآنَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَ مَاحِلٌ مُصَدَّقٌ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ القرآن سبب لثواب العامل به، و عقاب العادل عنه، فكأنّه يشفع للأوّل فيشفّع، و يشكو من الآخر فيصدّق، و «الماحل» هاهنا: الشاكي، و قد يكون أيضا بمعنى الماكر، يقال: «محل فلان بفلان» إذا مكر به، قال الشاعر:

ألا ترى أنّ هذا النّاس قد نصحوالنا على طول ما غشّوا و ما محلوا

(2)

[المجاز] (236)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَكُونُوا مُغَوَّيَاتٍ لِمَالِ اللَّهِ» (3).

و هذه استعارة، و «المغوَّاة» في الأصل: زُبية تحفر للسباع و الذئاب، و يموّه رأسها ليخفى قعرها، و يجعل فيها سخل يستدعى به السباع و الذئاب إليها، فتكون مهلكة له إذا وقع فيها، فأراد عليه الصلاة و السلام بهذا القول: لا يكونوا كالمهالك لمال اللّه؛ بأن يأخذوها بالمكر و الخداع، و ينفقوها في الفسوق و الضلال، فيكونوا لها كالمغوَّيات التي تخدع ظواهرها، و تهلك بواطنها، و قال رؤبة بن العجّاج- يعني الدهر-:


1- تفسير نور الثقلين 1: 720/ 92 تفسير العيّاشي 1: 2/ 1 مجمع الزوائد 7: 164، كنز العمّال 1: 516/ 2306، الدرّ المنثور 3: 56.
2- لم أعثر له على مصدر.
3- غريب الحديث 3: 324، المحيط في اللغة 1: 557، في نسخة ب: «لا تكونوا».

ص: 284

إلى مغوّاة الفتى بالمرصاد (1)

كأنّه قال: يسوق الفتى إلى مهلكته؛ تشبيها بالزّبية التي ذكرنا حالها، و وصفنا الحيلة فيها.

[المجاز] (237)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِيَّاكُمْ وَ الْمُغْمِضَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ» (2).

و هذه استعارة، و المراد ب «المغمضات» هاهنا- على ما فسّره الثقات من العلماء- الذنوب العظام يركبها الرجل و هو يعرفها، فكأنّه يغمض عينيه تعاشيا عنها و هو يبصرها، و يتناكرها اعتمادا و هو يعرفها، و مثل ذلك قول أبي النجم يصف ناقة:

يرسلها التّغميض إن لم ترسل (3)

و ذلك أنّ الناقة إذا غشيت الحوض الذي تذاد عنه، حملتها شدّة العطش على الاقتحام عليه، فغمضت عينها، و حملت على عصيّ الذادة (4) حتّى ترده.

و ربّما روي هذا الخبر بفتح الميم من «المغمضات» فيكون المراد به على هذا الوجه ضدّ المراد به على الوجه الأوّل؛ لأنّ «المغمضات»- بالكسر كما قلنا-: الذنوب العظام، و «المغمضات»- بالفتح-: الذنوب الصغار، و إنّما سمّيت «مغمضات»؛ لأنّها تدقّ و تخفى، فيركبها الإنسان


1- ديوان رؤبة: 49، الفائق 3: 80.
2- النهاية في غريب الحديث 3: 387.
3- الصحاح 3: 1096.
4- الذادة: جمع ذائد، و المراد به هنا المحامي عن حوض الماء بعصاه.

ص: 285

- بضرب من الشبهة- و لا يعلم أنّه عاص بفعلها، و لا معاقب من أجلها.

[المجاز] (238)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ» ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: «وَ عَلَيْكَ» فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَمْ تَقُلْ لِهَذَا كَمَا قُلْتَ لِلَّذِي قَبْلُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ تَشَافَّهَا» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «إنّه تشافّها» استعارة، و المراد استفرغ جميع التحيّة؛ فلم يدع منها شيئا يزاد على لفظه، و يردّ عليه جوابا عن قوله، و الأوّلان أبقيا من تحيّتهما بقيّة ردّت عليهما، و اعيدت إليهما.

و أصل ذلك مأخوذ من «التشافّ» (2) و هو تتبّع بقيّة الإناء و الحوض حتّى يستنفذ جميع ما فيه، و تلك البقيّة تسمّى «الشفافة» قال الشاعر:

أخو قفرات دبّبت في عظامه شفافات أعجاز الكري فهو أخضع (3)

يريد بقايا الكرى و صباباته (4)، و دليل ذلك قوله: «أعجاز الكرى» أي أواخره و عقابيله.

و من أمثال العرب: «ليس الرّي عن التشافّ» يقولون: ليس يروي العطشان تتبّع بقيّة الماء حتّى يستفرغ جميع ما في الإناء.

[المجاز] (239)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ»

(5).


1- النهاية في غريب الحديث 2: 486.
2- جمهرة الأمثال 2: 190.
3- ديوان ذي الرمّة 2: 524، دبّبت: سرت شفافات الكرى رويدا و بخفية، الكرى: النعاس.
4- أي بقيّته.
5- المقنعة: 153، مصباح المتهجّد: 261، الكافي 3: 414/ 5، التهذيب 3: 2/ 2، الخصال: 316/ 97، روضة الواعظين: 331 سنن ابن ماجة 1: 344/ 1084، مجمع الزوائد 2: 163، كنز العمّال 7: 21069716، الدرّ المنثور 6: 216.

ص: 286

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ ليوم الجمعة شرفا و نباهة يبين بهما من سائر الأيّام، فيكون مقدّما لها و عاليا عليها- لما يختصّ به من صلاة الجماعة التي ينشر ذكرها، و يعظم أجرها- كما يتقدّم السيّد على من دونه بعلوّ القدر، و نباهة الذكر.

[المجاز] (240)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَزَوَّجُوا الشَّوَابَّ؛ فَإِنَّهُنَّ أَغَرُّ أَخْلَاقاً» (1).

و في هذا الكلام مجاز؛ لأنّ وصف الخلق بأنّه أغرّ إنّما يراد بياضه، و البياض هاهنا عبارة عن الحسن، كما أنّ السواد في قولهم: «فلان أسود الخلق» عبارة عن القبح، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «فإنّهن أحسن خلقا، كما أنّ الغرّ من الخيل (2) أحسن خلقا».

[المجاز] (241)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سَمِعَ نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَذَاكَرُونَ الْقَضَاءَ وَ الْقَدَرَ: «إِنَّكُمْ قَدْ أَخَذْتُمْ فِي شِعْبَيْنِ (3) بَعِيدَيِ الْغَوْرِ»

(4).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه القضاء و القدر و حقيقة علمهما و معرفة كنههما، بالشعبين اللذين غورهما بعيد، و اقتحامهما شديد، و طالب غايتهما مجهود، يقول عليه الصلاة و السلام:


1- نثر الدر 1: 290/ 253، النهاية في غريب الحديث 3: 354.
2- و هو الذي في جبهته بياض فوق الدرهم. المصباح المنير: 445، مادّة (غ ر ر).
3- الشّعب: مسيل الماء في بطن من الأرض، له جرفان مشرفان، و عرضه بطحة رجل. لسان العرب 7: 128، مادّة (ش ع ب).
4- النهاية في غريب الحديث 3: 393، كنز العمّال 1: 358/ 1589.

ص: 287

«إنّ علمهما لا يدرك، كالماء الغائر الذي لا يقدر عليه، و لا يهتدى إليه».

[المجاز] (242)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «ثُمَّ يَكُونُ مَلِكٌ عِضٌّ يَسْتَحِلُّ الْفَرْجَ وَ الْحَرِيرَ» (1).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «ملك عضّ» و «العضّ» في الأصل: هو الرجل الداهية المنكر. و ربّما سمّي أيضا بذلك الرجل السيّ ء الخلق المتكبّر، قال حسّان بن ثابت:

وصلت به ركني و خالط شيمتي و لم أك عضّا في النّدامى ملوّما (2)

فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الملك الذي أومأ إليه في السطوة و القسوة و الطماح (3) و النزوة (4)، بذي الدهاء و النكر، أو بذي الشموخ و الكبر.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «يستحلّ الفرج و الحرير» و إنّما أراد أنّ أهله يستحلّون ذلك، فحسنت إضافته إلى الملك لمّا كان الاستحلال واقعا في الملك، و نظائر ذلك كثيرة.

وَ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِهَذَا الْخَبَرِ: «ثُمَّ يَكُونُ مَلِكٌ عَاضٌّ»

و هذه أيضا استعارة، و ذلك كقول القائل: «قد عضّني الدهر» إذا أثّرت فيه


1- نثر الدر 1: 230، نهج الحقّ: 316 مع اختلاف.
2- ديوان حسّان بن ثابت: 219، الشيمة: الخلق و العادة، النّدامى: جمع النّدام، و هو جمع النديم، و هو الذي يرافقك و يشاربك.
3- أي الكبر و الفخر؛ لارتفاع صاحبه. لسان العرب 8: 198 مادّة (ط م ح).
4- الطماح و الكبر. راجع لسان العرب 14: 115، مادّة (ن ز و).

ص: 288

نوائبه، و اشتدّت عليه مصائبه، فوصف هذا الملك بالعضاض لتأثيره في الناس بوقائع الغشم، و قوارع الظلم، و قد جاء في أشعارهم من ذكر عضّ الزمان و عضّ الأيّام ما هو أشهر من أن يتكلّف التنبيه عليه، و الإيماء إليه.

[المجاز] (243)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا» (1).

و هذه استعارة؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الصوم بالجنّة التي يلبسها الإنسان في الحرب، فتقيه مضارب الصفاح (2)، و الهاذم (3) الرماح، فكذاك الصوم الذي يجنّ صاحبه من لواذع (4) العذاب، و قوارع العقاب؛ إذا أخلص له النيّة، و أصلح فيه السريرة، فجعل عليه الصلاة و السلام من اعتصم في صومه من الزّلل و توقّى جرائر القول و العمل، كمن صان تلك الجنّة و حفظها، و جعل من أتبع نفسه هواها و أوردها رداها، كمن خرق تلك الجنّة و هتكها، فصارت بحيث لا تجنّ من جارحة، و لا تعصم من جانحة، و ذلك من أحسن التمثيلات، و أوقع التشبيهات.

[المجاز] (244)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى


1- سنن النّسائيّ 4: 167 و 168، و فيه: «الصّيام»، مسند أحمد 1: 195 و 196، سنن الدّارميّ 2: 15، مستدرك الحاكم 3: 265، السّنن الكبرى 3: 374، مجمع الزّوائد 2: 300، كنز العمّال 15: 902/ 43553.
2- الصفاح: جمع صفح، و هو عرض السّيف، و هو خلاف الطّول. راجع المصباح المنير: 342، مادّة (ص ف ح).
3- اللهاذم: جمع لهذم، و هو هنا الحادّ القاطع. راجع أقرب الموارد 2: 1165، مادّة (ل ه ذ م).
4- اللواذع: جمع لازعة، و هي اللافحة المحرقة. راجع أقرب الموارد 2: 1138، مادّة (ل ذ ع).

ص: 289

الْخَمْسَ، تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ الْوَرَقُ» (1).

و هذه استعارة، و المراد أنّ اللّه تعالى يكفّر عنه خطاياه بسرعة، فتسقط عنه آصارها، و تنحطّ أوزارها، كما تتساقط الأوراق عن أغصانها إذا هزهزتها الراح (2) أو زعزعتها الرياح.

و لا بدّ أن يكون في الكلام مضمر مراد جعلت الصلاة مخبرا عنه، و علما عليه؛ و هو اجتناب الكبائر، و القيام بسائر الفرائض، فاكتفى عليه الصلاة و السلام بذكر الصلاة عن ذكر جميع ذلك؛ لأنّ الصلاة أفضل شعائر الإسلام، و أظهر معالم الإيمان، و ليس لسائر الأوامر و العبادات و الفرائض الواجبات من التأكيد ما لها، و ذلك لأنّ من الفرائض ما أوجبه تعالى على الأغنياء دون الفقراء، و منها ما ينوب عنه غيره، و منها ما ينوب عن كلّه بعضه، و جميع العبادات تختصّ إمّا بالفعل، أو بالذكر، و الصلاة قد جمعت أفعالا و أذكارا من القيام، و العقود، و الركوع، و السجود، و القراءة، و التسبيح، و الثناء على اللّه سبحانه، و الصلاة على الرسول و على آله، و الاستغفار للمؤمنين، لأنّها واجبة في اليوم و الليلة خمس مرّات على كلّ عاقل بالغ قادر عليها؛ لا يؤدّيها عنه غيره، و لا يسقطها عنه فقره، و لا يتولّاها وليّه، و باقي العبادات يتعلّق بزمان مخصوص، و وقت معلوم، كالصوم الذي يفعل في السنة دفعة، و الزكاة التي تجب في الحول مرّة، و الحجّ الذي يتعيّن في العمر دفعة واحدة،


1- مسند أحمد 5: 437، سنن الدارمي 1: 183، مجمع الزوائد 1: 297، كنز العمّال 7: 320/ 19063.
2- الراح: جمع راحة، و هي باطن الكفّ. راجع المصباح المنير: 243، مادّة (ر و ح).

ص: 290

و لهذا كانت عامّة وصيّة النبيّ عليه الصلاة و السلام لمّا حضره الموت بالصلاة،

وَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مَا زَالَ يُكَرِّرُ قَوْلَهُ:

«الصَّلَاةَ وَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ (1) بِهَا صَدْرَهُ وَ مَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا»

(2)؛ أي يبين.

و في الأكثر أنّ الإنسان إذا أدّى الصلاة على شرائطها، و فعلها في أوقاتها، و قام بجميع واجباتها، و هي التي تكرّر في الليل و النهار، و تفعل على الدوام و الاستمرار، كان أجدر بتأدية الفروض في سائر العبادات، و القيام ببواقي الطاعات التي هي أخفّ محملا، و أسهل متحّملا، فأراد عليه الصلاة و السلام أنّ من قام بهذه الواجبات التي عدّدناها، و اجتنب الكبائر التي توعّد بالعقاب عليها، سقط عنه عقاب معاصيه الصغائر، كما يتساقط الورق المتناثر، و يقال: «انحتّ الورق و تحاتّ» إذا انسلت من أغصانه، و انحسر عن أفنانه (3).

[المجاز] (245)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِرَجُلٍ أَقْبَلَ إِلَيْهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي دِينِهِ:

«أَرَى عَلَيْهِ سُفْعَةً مِنَ الشَّيْطَانِ» (4).

و هذا القول مجاز، و «السفعة» السواد، و قيل: «هو السواد المشرب حمرة» فكأنّه عليه الصلاة و السلام رأى بوجهه أثرا يدلّ على نغل (5)


1- أي يردّدها لسان العرب 10: 48، مادّة (غ ر ر).
2- سنن ابن ماجة 2: 900/ 2697، مجمع الزوائد 4: 237، البداية و النهاية 5: 258.
3- الأفنان: جمع فنن، و هو الغصن. المصباح المنير: 482، مادّة (ف ن ن).
4- مجمع الزوائد 6: 226 النهاية في غريب الحديث 2: 375 رواه عن ابن مسعود.
5- أي فساد. المصباح المنير: 615، مادّة (ن غ ل).

ص: 291

الضمير، و فساد اليقين، فنسب ذلك إلى الشيطان؛ لأنّه مسوّل المعاصي، و مطرّق المغاوي (1)، و في الأكثر أن يقال لمن خبثت عقيدته و ساءت سريرته: «وجه فلان مسوّد» يراد: لعظيم كفره، و فساد سرّه.

و قد يجوز أن تكون «السفعة» هاهنا- بفتح السين- مأخوذة من قول القائل: «سفعت رأس فلان» إذا ضربه بالعصا فأثّرت فيه، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «أرى عليه أثرا من الشيطان».

و قد يكون «السفع» أيضا بمعنى الأخذ و القبض، و منه قوله تعالى:

لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (2)؛ أي لنأخذنّ بها، و لنقبضنّ عليها، فإن حمل على ذلك

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَرَى عَلَيْهِ سُفْعَةً مِنَ الشَّيْطَانِ»

جاز، و جميع الوجوه المذكورة في هذا الكلام قريب بعضها من بعض.

[المجاز] (246)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «خَيْرُ النَّاسِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَطْلُبُ الْمَوْتَ مَظَانَّهُ» (3).

و هذا القول مجاز؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام جعل الرجل المجاهد في سبيل اللّه الذي يتتبّع قراع (4) الأعداء و مواطن اللقاء، كطالب الموت في معادنه (5)، و المنقّب عنه في مكامنه؛ و إن كان غير طالب له


1- أي يجعل طريقا إليها. راجع أقرب الموارد 1: 704، مادّة (ط ر ق).
2- العلق (96): 15.
3- مسند أحمد، 3: 190/ 9430، نثر الدر 1: 197 مع اختلاف.
4- أي مضاربتهم و الاشتباك معهم.
5- المعادن: جمع معدن، أي مكان أصله و مركزه. أقرب الموارد 2: 754، مادّة (ع د ن).

ص: 292

على الحقيقة، و إنّما يطلب نصرة الدين، و وقم المحادّين (1)، و لكنّ ذلك لمّا كان- في الأكثر- مفضيا إلى الموت القاصي و الأجل الداني، كان كأنّه انتجع (2) مظنّة حتفه، و نقّب عن هلاك نفسه، و «المظانّ» الأماكن التي إذا طلب الرجل وجد فيها، يقال «موضع كذا مظنّة من فلان» أي معلم منه، و مكان يوجد فيه، قال الشاعر:

و إن يك عامر قد قال جهلافإنّ مظنّة الجهل الشّباب (3)

كأنّه قال: «إنّ الشباب موضع للجهل؛ فيه تسرح سارحته، و فيه تنشد ضالّته».

و أراد عليه الصلاة و السلام: يطلب الموت في مظانّه، فلما خلع الجارّ وصل الفعل إلى «المظانّ» فنصبها (4)، و ذلك أقرب في الفصاحة، و أضرب (5) في مذاهب البلاغة.

[المجاز] (247)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ» (6).

و هذا القول مجاز، و إنّما جعل عليه الصلاة و السلام الجوع بمنزلة


1- أي قهر و إذلال المعادين.
2- أي قصد، يقال: انتجع القوم؛ إذا ذهبوا لطلب الكلأ في موضعه. راجع المصباح المنير: 594، مادّة (ن ج ع).
3- ديوان النابغة: 109، الصحاح 6: 216.
4- انظر: المقتضب 2: 321.
5- أي أبعد و أعلى.
6- سنن النسائي 8: 263، سنن ابن ماجة 2: 1113/ 3354، سنن أبي داود 1: 345/ 1547، كنز العمّال 2: 189/ 3689.

ص: 293

الضجيع؛ لأنّ الإنسان إذا بات طاويا كان كأنّه مضاجع للجوع في مهاد، و مبايته على فراش؛ لأنّه يخلو في الليل به، و ينفرد بمعاناته و مكابدته.

[المجاز] (248)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْحُلَّةِ (1) وَ الْخَمِيصَةِ (2)؛ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَ إِنْ مُنِعَ سَخِطَ، تَعِسَ فَلَا انْتَعَشَ، وَ إِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» (3).

و في هذا الكلام مجاز، و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام جعل الرجل القويّ الطمع الشديد الجشع الذي يرضى بإعطاء ما سأل و يسخط بمنع ما طلب، بمنزلة العبد للدينار و الدرهم و الثوب و العرض (4)؛ لأنّه بإعطاء هذه الأشياء يسترقّ و يملك، و يمتهن و يستبذل، فجعله عليه الصلاة و السلام عبدا لها على المجاز، و هو- في الحقيقة- عبد لباذلها. و من معروف كلامهم: «فلان عبد الطمع، و خادم الأمل» إذا كان ذليلا لمن وجّه أمله إليه، و ضارعا لمن علق طمعه به.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «و إذا شيك فلا انتقش» من صلة الدعاء عليه، يقول: و إذا دخلت في قدمه شوكة فلا قدر على منقاش ينتقشها؛


1- الحلّة: لا تكون إلّا ثوبين من جنس واحد. المصباح المنير: 148، مادّة (ح ل ل).
2- الخميصة كساء أسود معلم الطرفين، و يكون من خزّ أو صوف، فإن لم يكن معلما فليس بخميصة. المصباح المنير: 182، مادّة (خ م).
3- صحيح البخاري 3: 223 و 7: 175، سنن ابن ماجة 2: 1386/ 4135، مجمع الزوائد 10: 248، كنز العمّال 3: 202/ 6170.
4- العرض: المتاع، قالوا: و الدراهم و الدنانير عين، و ما سواهما عرض، و الجمع عروض، و قال أبو عبيد: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل و لا وزن، و لا تكون حيوانا و لا عقارا. المصباح المنير: 404، مادّة (ع ر ض).

ص: 294

حتّى يدوم مكثها في أخمصه، فيكون ذلك أطول لألمه.

[المجاز] (249)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا حَرَجَ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ أَخِيهِ بِظُلْمٍ» (1).

و هذه استعارة، و المراد ب «الاقتراض» هاهنا: القدح في العرض، و الحزّ فيه، و النّيل منه، فهو افتعال من «القرض» الذي هو القطع، و منه قول ذي الرمّة:

إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف شمالا و عن أيمانهنّ الفوارس (2)

يقول: يقطعن أوساط هذا الموضع المذكور بطيّ شقّته (3)، و تجاوز مسافته، و قولهم: «أقرض فلان فلانا مالا» راجع إلى هذا المعنى، و المراد أنّه اقتطع له من ماله قطعة، فسلّمها إليه.

وَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ: «لَا حَرَجَ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ أَخِيهِ بِظُلْمٍ»

لا يدلّ على أنّ من فعل غير ذلك من الأفعال التي يستحقّ عليها الذمّ و يعظم بها الإثم، لا حرج عليه في الحقيقة، و لكنّه عليه الصلاة و السلام كأنّه قال: «لا حرج في فعل ما لا إثم فيه إلّا على رجل اقترض عرض أخيه» و هذا التقدير في الكلام كأنّه معلوم


1- سنن ابن ماجة 2: 34361137، سنن أبي داود 1: 447/ 2015، السنن الكبرى 5: 146، كنز العمّال 5: 12545184.
2- العين 5: 50، الصحاح 3: 891 و 1101، معجم ما استعجم 3: 1031، الظعن: جع ظعون و ظعونة، و هو البعير يعتمل و يحمل عليه، أقواز: جمع قوز، و هو قطعة من الرمل مستديرة منعطفة، المشرف: العالى.
3- أي مسافته التي يشقّ قطعها، فإنّ المشي في الرمل إذا كان شاقّا، فكيف بالصعود فيه؟!

ص: 295

بفحواه، و مفهوم بمعناه، و إن كان ظاهر اللفظ غير دالّ عليه.

[المجاز] (250)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ إِلَى الْجَنَّةِ بِسَرَرِهِ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ المرأة إذا أسقطت الولد عن حادث أصابها، و اتّفق أن يكون ذلك الإسقاط سبب منيّتها، كان لها بذلك أجر تستحقّ به دخول الجنة؛ إذا كانت سليمة من الكبائر الموبقة، و المعاصي المرهقة، فلمّا كان ذلك السقط سببا لوصول امّه إلى دار النعيم و البقاء المقيم، حسن أن يقول عليه الصلاة و السلام: «إنّه يجرّها إلى الجنّة بسرره» و هو الجلد الرقيق المتّصل منها به، يقال: «قطع سرّه و سرره» و «السّرّة» اسم لما يبقى بعد القطع منه.

[المجاز] (251)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمُ (2) الْفَجْرُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ» (3).

و في هذا القول استعارة، و المراد: حتّى ينتشر ضوء الفجر، فيكون كتحليق الطائر، و كالشرر المتطاير و الفجر عندهم فجران: مستطيل، و مستطير، فأمّا المستطيل فهو الأوّل، و لا يحرّم على الصائم الطعام و الشراب، و أمّا المستطير فهو الثاني، و يحرّم الشراب و الطعام، و يسمّى


1- مسند أحمد 5: 241، سنن ابن ماجة 1: 513/ 1609، مجمع الزوائد 3: 9، كنز العمّال 3: 285/ 6575، الدرّ المنثور 1: 159.
2- السّحور: ما يؤكل وقت السحر. راجع المصباح المنير: 627، مادّة (س ح ر).
3- سنن الترمذي 3: 86/ 706، كنز العمّال 8: 529/ 23999، الدرّ المنثور 1: 200، مسند أحمد 5: 13 مع اختلاف.

ص: 296

الأوّل «ذنب السّرحان» (1) لدقّة خيطه، و غموض سمته، قال الكميت بن زيد:

و لمّا علا شمطه المضبأين من ليلة الذّنب الأشعل

و أطلع منه اللّياح الشّميطخدودا كما سلّت الأنصل

(2) فجعله أشعل لكثرة البياض فيه، و «المضبأين» تثنية «مضبأ» و هو المكان الذي يضبأ الإنسان به؛ أي يلزمه و يلطأ فيه، و «اللّياح» الأبيض، و يقال بكسر اللام و فتحها، و «الشّميط» الكثير البياض، و يقال: «ذنب شميط» إذا كان كذلك، و هو بمعنى الأشعل، و المراد هاهنا الصبح، و جعل له خدودا بارزة على طريق الاستعارة، كما يقال: «طرّة الصبح» (3) و «حاجب الشمس».

و يسمّى الفجر الثاني «المستطير» لانتشاره و وضوحه، قال الشاعر:

لهان على سراة بني لؤيّ حريق بالنّويرة مستطير (4)

أراد حريقا قد انتشر شراره، و عظم اواره (5).

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ: «لَيْسَ الْفَجْرُ


1- أيّ الذّئب. راجع المصباح المنير: 273، مادّة (س ر ح).
2- ديوان الكميت 2: 398.
3- أيّ بياضه الّذي يبدو في الأفق مستطيلا، من طرة الجارية، و هي ما تطره من الشّعر الموفي على جبهتها و تصففه. راجع لسان العرب 8: 142، مادّة (ط ر ر) و أساس البلاغة: 278، نفس المادّة.
4- ديوان حسّان بن ثابت: 110، السّيرة النّبويّة لابن هشام 3: 285، النّهاية في غريب الحديث 3: 151، معجم البلدان 1: 512، لسان العرب 4: 513، السراة: جمع سرّي، و هو السّيّد الشّريف السّخيّ، النّويرة أو البديرة أو البويرة: أسماء مواضع.
5- أيّ لهبه. أقرب الموارد 1: 24، مادّة (أ و ر).

ص: 297

الْمُسْتَطِيلَ الْأَبْيَضَ، وَ لَكِنَّهُ الْمُعْتَرِضُ الْأَحْمَرُ» (1).

[المجاز] (252)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «يَبْلُغُ الْعَرَقُ هُنَاكَ مَا يُلْجِمُهُمْ» (2).

و في هذا القول مجاز، و له وجهان:

أحدهما: أن يكون المراد أنّ العرق يزيد بهم يومئذ حتّى يضعفوا عن الكلام فلا يحيروا جوابا، و لا يبتدئوا مقالا، كما يقول القائل: «حاججت فلانا فألجمته بالحجّة» إذا أسكته بها عن مراجعته، و قطع لسانه عن مناقلته، فشبّه عليه الصلاة و السلام إضعاف العرق لهم و بلوغه إلى أن يملك عليهم نطقهم؛ باللّجم التي تملأ أفواه الخيل فتمنعها من تحريك ألسنتها تمطّقا (3) بالمشرب، أو تلمّظا (4) بالمطعم.

و الوجه الآخر: أن يكون المراد أنّ العرق يكثر منهم حتّى يخوضوا فيه، فيبلغ إلى أن يدخل أفواههم، فيكون بمكان اللّجم لهم.

و من روى هذه الكلمة بالتشديد فقال: «ما يلجّمهم» فالمراد بذلك أنّ العرق يبلغ الملجّم من كلّ واحد منهم؛ و هو ما يلي الرأس من الرقبة، و قيل له: «الملجّم» لأنّه مكان اللجام من رأس الفرس، كما قيل:


1- صحيح البخاري 2: 86، سنن الترمذي 3: 85/ 705، سنن النسائي 4: 148، معجم ما استعجم: 285.
2- مسند أحمد 3: 90، صحيح مسلم 4: 1741/ 2864، النهاية في غريب الحديث 4: 234، و فيه: «منهم» بدل «هناك»، تفسير العيّاشي 1: 310 مع اختلاف فيها، تفسير القمي 1: 216.
3- يقال: ذامة فتمطّق؛ إذا ضمّ مشفتيه إليه و ألصق لسانه بنطع فيه مع صوت. أساس البلاغة: 432، مادّة (م ط ق).
4- أي تتبّعا لبقيّة الطعام في الفم. أقرب الموارد 2: 1161، مادّة (ل م ظ).

ص: 298

«المقلّد» و «المسوّر» و «المخلخل» و «المؤزّر» لموضع القلادة و السّوار و المئزر و الخلخال.

[المجاز] (253)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لَمَّا قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَ لَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ- فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ-: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ:

أَ وْجَدْتُمْ (1) فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْماً لِيُسْلِمُوا وَ وَكَلْتُكُمْ إِلَى إِيمَانِكُمْ؟!» (2).

و هذه استعارة، و «اللّعاعة» البقل أوّل ما يبدو و هو ناعم رقيق، و قيل: «هي بقلة ناعمة تعرف بعينها» ذكر ذلك أبو عبيد في «الغريب المصنّف» و من قول «الغريب»: «خرجنا نتلعّع» أي نتتبّع هذه البقلة في منابتها، و نجتنيها من مقاطعها، قال الشاعر:

رعى غير مذعور بهنّ وراقه لعاع تهاداه الدّعادع واعد (3)

يريد ب «واعد» هاهنا: أنّ هذا النبات كثير يعد راعيه الشبع منه و الاكتفاء به.

فشبّه عليه الصلاة و السلام حلاوة المال المبذول و تعلّق القلوب به و تتبّع النفوس له، بهذه البقلة الناعمة التي تستطاب مجانيها، و يتتبّعها جانيها.

و يجري ذلك مجرى

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ


1- أيّ غضبتم. المصباح المنير: 648، مادّة (و ج د).
2- شرح الأخبار 1: 318، نثر الدّرّ 1: 236 النّهاية في غريب الحديث 4: 254، و فيه: «أ وجدتم- يا معشر الأنصار- من لعاعة من الدّنيا تألّف بها قوما ليسلّموا و دللتكم إلى إسلامكم؟!».
3- ديوان سويد: 22، راقه: أعجبه، تهاداه: أسنده، الدعادع: نبت يكون فيه ماء في الصّيف تأكله البقر.

ص: 299

لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ»

و قد ذكرناه فيما تقدّم من كتابنا هذا (1).

[المجاز] (254)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ» (2).

و هذه استعارة، و أصل «التّحف» طرف الفواكه التي يتهاداها الناس بينهم، فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الموت الوارد على المؤمن كالتحفة المهداة إليه؛ لأنّه يسرّ بتعجيل مماته كما يسرّ الكافر بتنفيس حياته؛ لأنّ المؤمن يخرج من عقال (3) إلى مجال، و الكافر يخرج من مجال إلى عقال.

[المجاز] (255)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ» (4).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ اللّه سبحانه يقبل توبة العبد من جميع المعاصي ما دام في نفس الرجاء (5)، و فسحة البقاء، فإذا بلغ حال انقطاع التكليف و وقوع الأمر المخوف، لم تنفعه التوبة، و لم تنقذه الإنابة، فكأنّه قد حجب عن طريق الاستغفار، و أخذ على حال الإصرار.

و قد يجوز أن يكون المراد ب «الحجاب» هاهنا ضدّ المراد بالوجه


1- تقدّم في صفحة (47) حديث (48).
2- النهاية في غريب الحديث 1: 183، البحار 61: 90 و 82: 171/ 6 عن الدعوات.
3- العقال: حبل يعقل به البعير في وسط ذراعه، و المراد هنا منه السجن و نحوه، فإنّ الدنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر.
4- مسند أحمد 5: 174، النهاية في غريب الحديث 1: 340، مستدرك الحاكم 4: 257، مجمع الزوائد 10: 198، كنز العمّال 1: 75/ 300.
5- أي سعته. أقرب الموارد 2: 1329، مادّة (ن ف س).

ص: 300

الأوّل؛ و هو أن يكون وقوعه بمعنى انكشافه و سقوطه، كما يقول القائل:

«وقع الستر المضروب، و سقط الفدام الممدود» أي زال و انتهك، و انكشف و انفرج، و المراد بانكشاف الحجاب: أن تظهر للمرء أشراط (1) الآخرة التي لا تضامّ (2) التكليف، فيراها بادية بعد أن كانت خافية، و ظاهرة بعد أن كانت باطنة، فيكون الحجاب هناك على ضربين:

حجاب مهتوك عمّا كان خافيا من أعلام الآخرة، و حجاب مضروب دون ما كان ممكنا من أحوال التوبة.

[المجاز] (256)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمَعْرُوفُ وَ الْمُنْكَرُ خَلِيفَتَانِ يُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ؛ فَيَقُولُ الْمُنْكَرُ لِأَهْلِهِ: إِلَيْكُمْ، إِلَيْكُمْ (3)، وَ مَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُوماً» (4).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ اللّه تعالى جعل للفعل المعروف علامات، و على الفعل المنكر أمارات، و وعد على فعل المعروف حلول دار النعيم، و أوعد على فعل المنكر خلود دار الجحيم، فكان بين الأمرين الحجاز (5) البيّن، و الفرقان النيّر، فكأنّ المعروف يدعو إلى فعله؛ لما وعد عليه من الثواب، و كأنّ المنكر ينهي عن فعله لما وعد عليه من العقاب، فلذلك قال عليه الصلاة و السلام: «فيقول المنكر لأهله: إليكم


1- أي علامات. المصباح المنير: 309، مادّة (ش ر ط).
2- أي لا تجتمع معه، بل يسقط التكليف معها.
3- أي ابعدوا. أقرب الموارد 1: 17، مادّة (إ ل ي ك).
4- مسند أحمد 4: 391، مجمع الزوائد 7: 262، كنز العمّال 16: 105/ 44074.
5- أي الحاجز.

ص: 301

إليكم» على طريق الاتّساع و المجاز.

و قوله عليه الصلاة و السلام من بعد: «و ما يستطيعون له إلّا لزوما»، المراد به أنّهم من قوارع النّذر و صوادع الغير (1) و زواجر التحذير و بوالغ الوعيد، يتنازعون إلى فعله، و يستارعون إلى ورده، و ليس المراد أنّهم لا يستطيعون له إلّا لزوما على الحقيقة، و إنّما قيل ذلك على طريق المبالغة في صفتهم بالنزوع إليه، و الإصرار عليه، كما يقول القائل: «ما أستطيع النظر إلى فلان» أو «لا أستطيع الاجتماع مع فلان» إذا أراد المبالغة في وصفه بشدة الإبغاض لذلك الإنسان، و الاستثقال لرؤيته، و النفور من مقاعدته، و إن كان على الحقيقة مستطيعا لذلك بصحّة أدواته، و التمكّن من تصريف إرادته، و لو لم يكن هؤلاء المذكورون في الخبر قادرين على الانفصال من فعل المنكر، لما كانوا قادرين على مواقعته، مذمومين، و بجريرته مطالبين، و ذلك أوضح من أن نستقصي الكلام فيه، و نستكثر من الحجاج عليه.

[المجاز] (257)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ (2) خَبَثَ الْحَدِيدِ» (3).

يريد عليه الصلاة و السلام الهجرة إلى المدينة، فقوله: «أمرت بقرية تأكل القرى» مجاز، و المراد أنّ أهلها يقهرون أهل القرى؛ فيملكون


1- أي الأحداث المغيّرة. أقرب الموارد 2: 895، مادّة (غ ي ر).
2- أي منفاخ الحدّاد، و كان يصنع من الجلود. راجع المصباح المنير: 545، مادّة (ك ي ر).
3- مسند أحمد 2: 237، 247، 384، صحيح البخاري 2: 221، الموطّأ 2: 887/ 5 مع اختلاف.

ص: 302

بلادهم، و يغتنمون أموالهم، فكأنّهم لهذه الأحوال يأكلونهم، و خرج هذا القول على طريقة للعرب معروفة؛ لأنّهم يقولون: «أكل فلان جاره» إذا عدا عليه فانتهك حرمته، و اصطفى حرّيته، و على ذلك قول علقمة بن عقيل بن علّفة لأبيه في أبيات:

أكلت بنيك أكل الضّبّ حتّى وجدت مرارة الكلا الوبيل (1)

و من ذلك قوله عليه الصلاة و السلام في غزوة الحديبية: «ويح قريش لقد أكلتهم الحرب!!» (2)، يريد أنّها قد أفنت رجالهم، و انتهبت أموالهم، فكانت من هذا الوجه كأنّها آكلة لهم، قال ذلك عليه الصلاة و السلام في حديث طويل.

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد» أنّ أهلها يتمحّصون فينتفي عنها الأشرار، و يبقى فيها الأخيار، و يفارقها الأخلاط و الأوشاب (3)، و لا يصبر عليها إلّا الصميم و اللباب، فتكون بمنزلة الكير الذي ينفي الأخباث و الأدران (4)، و يخلّص المصاص و النّضار (5)، و هذا أيضا مجاز ثان.


1- كتاب الحيوان للجاحظ 6: 49، الضبّ: حيوان يشبه فرخ التمساح الصغير، و لا يجوز أكله عند الطائفة المحقّة، و عند الحنفيّة أيضا، بينما أحلّته الشافعيّة و المالكيّة و الحنابلة، و الكلأ الوبيل: عسب يخاف سوء عاقبته لرداءته.
2- مسند أحمد 4: 323، كنز العمّال 4: 439/ 11307، نثر الدر 1: 237.
3- الأوشاب: جمع وشب، و هم الأوباش من الناس و الأخلاط. أقرب الموارد 2: 1453، مادّة (و ش ب).
4- الأدران: جمع درن، و هو الوسخ. الصحاح 5: 2115، النهاية في غريب الحديث 2: 115.
5- أي الخالص. أقرب الموارد 2: 1218، مادّة (م ص ص) و 1311، مادّة (ن ض ر).

ص: 303

وَ قَدْ وَرَدَ هَذَا الْخَبَرُ بِلَفْظٍ آخَرَ ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَ الرِّجَالِ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»

(1)، و المعنى في اللفظين واحد.

[المجاز] (258)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الرَّحِمُ لَهَا حُجْنَةٌ كَحُجْنَةِ الْمِغْزَلِ» (2).

و هذه استعارة، و «الحجنة» هي الحديدة المعقفة في رأس المغزل، و منه «المحجن» و هي العصا المعوجّة الرأس، فأراد عليه الصلاة و السلام أنّ الرحم لها علائق يعتلق بها، و شوابك تجتذب بوصلها، فكأنّها تستعطف المعرض عنها، و تردّ الشارد إليها، كما يجتذب الإنسان الشي ء بالمحجن إلى جهته، أو يستثني به الذاهب عن وجهته.

[المجاز] (259)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ تَغْضَبُ لِغَضَبِهِ وَ تُقَاتِلُ لِعَصَبَتِهِ (3) فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» (4).


1- النّهاية في غريب الحديث 4: 217، و فيه: «المدينة كالكير تنفي خبثها، و ينصع طيبها»، الموطأ: 2: 887/ 5 مع اختلاف.
2- مستدرك الحاكم 4: 162، مجمع الزّوائد 8: 150، كنز العمّال 3: 362/ 6948، النّهاية في غريب الحديث 1: 347، مسند أحمد 2: 189، 209 و في المصدرين الأخيرين: «توضع الرّحم يوم القيامة لها حجنة».
3- عصبة الرّجل: أولياؤه الذّكور من ورثته، سمّوا عصبة؛ لأنّهم عصبوا بنسبة؛ أيّ استكفوا به. لسان العرب 9: 232، مادّة (ع ص ب).
4- سنن النّسائيّ 7: 123، مسند أحمد 2: 296، 306، 488، صحيح مسلم 6: 21، سنن ابن ماجة: 2: 1302/ 3948، السّنن الكبرى 8: 156، العمدة: 318/ 535.

ص: 304

وَ فِي رِوَايَةٍ أخرى: «يَغْضَبُ غَضِبَتَهُ وَ يُقَاتِلُ عَصَبَتَهُ» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «تحت راية عمّيّة»، مجاز؛ لأنّه جعل الراية عمّيّة، و المراد الحرب التي رفعت تلك الراية فيها، و إنّما حسن وصفها بالعمى و هو في الحقيقة للحرب؛ لأنّ الراية علم لها، و دليل عليها، و الحرب العمّيّة: هي المشتبهة التي لا يهتدى فيها إلى القصد، و لا يتبيّن فيها وجه الرشد، فهي كالعمياء التائهة، و العشواء الخابطة (2) و من ذلك قولهم: «نحن في عمياء» إذا كانوا في أمر مختلط، أو على رأي مشتبه. و ربّما روي لفظ الخبر على الإضافة؛ و ذلك قوله عليه الصلاة و السلام: «تحت راية عمّيّة» كأنّه قال: تحت راية حرب عمّيّة و المعنيان متقاربان.

[المجاز] (260)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَكِيدُهُمْ، إمَّاعَ كَمَا يَمَّاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ» (3).

و هذه استعارة، و المراد أنّه يمحق كيده، و يضمحلّ أمره، فيكون كالهباء المتلاشي، و البناء المتداعي، فلا يثبت له عماد، و لا يدعمه سناد، فعبّر عليه الصلاة و السلام عن هذه الحال ب «الامّياع» لأنّه لا يمّاع إلّا الجسم المتخلخل الذي لم تستحصف جبلّته (4)، و لا استحجرت


1- تلاحظ المصادر السابقة.
2- و هي الناقة التي في بصرها ضعف، فهي تخبط- أي تضرب بيديها- إذا مشت لا تتوفّى شيئا. راجع لسان العرب 4: 16، مادّة (خ ب ط).
3- صحيح البخاري 2: 24/ 1877، النهاية في غريب الحديث 4: 381. مع اختلاف يسير.
4- أي لم تستحكم طبيعته. أقرب الموارد 1: 200، مادّة (ح ص ف) و 101، مادّة (ج ب ل).

ص: 305

طينته. و توصف أيضا الأجسام الرقيقة بمثل ذلك؛ فيقال «ماع الماء» إذا جرى على وجه الأرض، و كذلك الدم، و «إمّاع السّمن» إذا ذاب، و كذلك الرّبّ و يفرّق بينهما بأن يقال للجسم الذي لا يتماسك إذا خلّي عنه: «ماع» كالماء و الدم، و يقال للجسم الذي إذا اطلق عنه تماسك بعض التماسك: «إمّاع» كالسّمن و الربّ، قال الشاعر:

كأنّه ذو لبد دلهمس بساعديه جسد مورّس

من الدّماء مائع و ملبس (1)

و «الجسد» هاهنا: اسم من أسماء الدم (2).

[المجاز] (261)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ، سَلْمَانُ جِلْدَةٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ» (3).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «سلمان ابن الإسلام» و لهذا القول وجهان:

أحدهما: أن يكون المراد به أنّ سلمان يتعرّف بالإسلام كما يتعرّف الناس بآبائهم، و ينتمون (4) إلى أجدادهم؛ لأنّه كان عبدا غير معروف


1- العين 2: 369، الصحاح 2: 457، لسان العرب 8: 344، في العين و اللسان: يبس بدل ملبس. اللبد: الشعر المجتمع بين كتفي الأسد، دلهمس: من أسماء الأسد، الورس: صبغ أصفر، و المراد هنا اللون الأحمر الحاصل من الدم.
2- لسان العرب 3: 121.
3- لم أعثر له على مصدر.
4- انتمى فلان إلى فلان: ارتفع إليه في النسب. لسان العرب 15: 342.

ص: 306

الأب، و لا مشهور النّسب، و إنّما بالإسلام سمّي، و إليه انتمى.

و الوجه الآخر: أن يكون المراد أنّ الإسلام دعم ظهره، و شدّ أزره (1)، فقام له مقام الحاضن الكافل، و الأب العائل.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «سلمان جلدة بين عيني» و «جلدة بين العينين» هاهنا كناية عن الأنف، فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعله في العزّة و القرب منه كالأنف الكريم على صاحبه، و العزيز على مفارقه (2).

و هذا القول أصحّ معنى من قول الشاعر (3):

و جلدة بين العين و الأنف سالم (4)

لأنّه لا جلدة بين العين و الأنف مذكورة يقصد قصدها و يشار نحوها كما قلنا في «جلدة بين العينين»: إنّها الأنف الكريم موقعه، و المشهورة موضعه.

[المجاز] (262)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مُعْتَرَكُ الْمَنَايَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَ السَّبْعِينَ» (5).


1- أي ظهره، و المراد: أيده و دعمه.
2- المفارق: جمع مفرق و مفرق، و هو وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. أقرب الموارد 2: 921، مادّة (ف ر ق).
3- أي عبد اللّه بن عمر في ابنه سالم.
4- العين 4: 445، الصحاح 5: 1952، لسان العرب 8: 431، و سالم ابن ابي عمر، و قيل: بل سالم اسم للجلدة التي بين العين و الأنف.
5- مسند أبي يعلى الموصلي 11: 423/ 6543، تاريخ بغداد 5: 476، كنز العمّال 15: 677/ 42696، معاني الأخبار: 402 مع تقدّم و تأخّر.

ص: 307

و هذا القول مجاز، و «المعترك» موضع الحرب، و سمّي «معتركا» لالتفاف الرجال، و اعتراك الأبطال،

وَ قَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي خَبَرٍ آخَرَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي بَيْنَ السِّتِّينَ وَ السَّبْعِينَ»

(1)،

وَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا خَيْرَ لِمُؤْمِنٍ فِي عُمُرٍ يَتَجَاوَزُ عُمُرِي»

فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه هذا العمر- لكثرة الذاهبين فيه، و قلّة المجاوزين له- بمعترك المنايا؛ تكافح (2) فيه الأرواح، و تصطلم (3) الآجال، فلا يفلت من ذلك المقام إلّا من أشدّه حائلها، و تخطّاه نائلها.

[المجاز] (263)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَسُبُّوا الْإِبِلَ؛ فَإِنَّهَا رَقُوءُ الدَّمِ (4)» (5).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ الإبل- على الحقيقة- ليست برقوء الدم (6)، و إنّما المراد أنّها إذا اعطيت في الديات كانت سببا لانقطاع الدماء المطلولة (7)، و الثارات المطلوبة، فشبّه عليه الصلاة و السلام تلك الحال


1- سنن الترمذي 5: 213/ 3620، مستدرك الحاكم 2: 427، السنن الكبرى 3: 370، مجمع الزوائد: 10: 206، كنز العمّال 15: 677/ 42697.
2- المكافحة في الحرب: المضاربة تلقاء الوجوه. لسان العرب 2: 573.
3- أي تستأصل. أقرب الموارد 1: 659، مادّة (ص ل م).
4- الرّقوء: الدواء الذي يوضع على الدم ليرقئه ليسكن، أي أنّها تعطى في الديات بدلا من القود، فتحقن به الدماء، و يسكن بها الدم. لسان العرب 5: 279، مادّة (ر ق أ).
5- النهاية في غريب الحديث 2: 330، و فيه: «فإنّ فيها رقوء الدم»، معجم مقابيس اللغة 1: 63، عنه المستدرك 8: 262/ 9405، لاحظ: البحار 64: 142/ 47.
6- أي ليست بقاطعة و حاقنة له. راجع اساس البلاغة: 172، مادّة (ر ق أ).
7- أي المهدورة، و هي ما لم يثأر بها أو تقبل ديتها. راجع لسان العرب 8: 192، مادّة (ط ل ل).

ص: 308

بالعرق العاند و الدم السائل الذي إذا ترك لجّ و استشرى، و إذا عولج انقطع و رقأ.

و على هذا المعنى قول الكميت بن زيد:

و لكنّي رقوء دم وراق لأدواء الضّغائن و الذّحول (1)

و يروى هذا الخبر على لفظ آخر؛ و هو قوله عليه الصلاة و السلام:

«فإنّ فيها رقوء الدّم» (2).

[المجاز] (264)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ ذَا الْوَجْهَيْنِ لَخَلِيقٌ أَلَّا يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» (3).

و هذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام لم يرد تثنية الوجه الذي هو العضو المخصوص على الحقيقة؛ لأنّ استحالة ذلك في الإنسان معلوم ضرورة، و إنّما أراد ذمّ المنافق الذي ظاهره يخالف باطنه، و حاضره يضادّ غائبه، فكأنّه يلقى أخاه في مشهده بصفحة المودّة، و يتناوله في مغيبه بلسان الذمّ و العصبيّة، فشبّه عليه الصلاة و السلام هاتين الحالتين- لاختلافهما- بالوجهين المختلفين؛ لتباين ما بينهما.

[المجاز] (265)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَ الْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» (4).


1- ديوان الكميت بن زيد: الراقي: صانع الوعوذة و النافث فيها، الأدواء: جمع داء، و هو المرض، الضغائن: جمع ضغينة، و هي الحقد، الذحول جمع ذحل، و هو الثأر.
2- الصحاح 1: 53، النهاية في غريب الحديث 2: 330، 248، لسان العرب 1: 88.
3- نثر الدر 1: 165.
4- مسند أحمد 2: 235، 252، 258، سنن الدارمي 1: 37، صحيح البخاري 4: 154، صحيح مسلم: 1: 52، سنن الترمذي 5: 383/ 4027، مجمع الزوائد 10: 55، كنز العمّال 12: 48/ 33945.

ص: 309

و هذا قدر ما أورده أبو عبيد في كتابه من هذا الخبر (1).

و قد ذكر غيره فيه زيادة كثيرة؛ و هي

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ بَعْدَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: «رَحَا الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ فِي قَحْطَانَ، حِمْيَرُ رُؤُوسُ الْعَرَبِ وَ بَهَاؤُهَا، وَ الْأَسَدُ كَاهِلُهَا وَ جُمْجُمَتُهَا، وَ مَذْحِجُ هَامَتُهَا وَ غَلْصَمَتُهَا ...» (2)

في حديث طويل.

و في هذا الحديث عدّة مجازات:

أحدها: قوله عليه الصلاة و السلام: «الإيمان يمان و الحكمة يمانيّة» و المراد أهل الإيمان و أهل الحكمة يمانون (3)، و أمثال ذلك في الكلام معروف كثير. و يدخل في هذا الوصف أهل مكّة و أهل المدينة: فأمّا مكّة فهي جهة من جهات اليمن، و مفضى إلى ذلك الشقّ و السّمت، و أمّا المدينة فمعظم أهلها الأنصار، و هم من أهل اليمن بالأصل و إن كانوا من أهل الحجاز بالدار.

و قد قيل: «إنّه عليه الصلاة و السلام قال هذا الكلام بتبوك، و هي من أرض الشام، و كانت مكّة و المدينة حينئذ بينه و بين اليمن، فأشار إلى جهة اليمن و هو يريد مكّة و المدينة» (4).

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «رحا الإسلام دائرة في


1- غريب الحديث 1: 294.
2- مجمع الزوائد 10: 41، كنز العمّال 12: 52/ 33965.
3- اليمانون: جمع اليماني، و هو الرجل المنسوب إلى اليمن، و اليمانيّة: المرأة المنسوبة إلى اليمن أيضا. راجع لسان العرب 15: 462، مادّة (ي م ن).
4- غريب الحديث 1: 294، النهاية في غريب الحديث 5: 300، لسان العرب 13: 464.

ص: 310

قحطان» و المراد أنّ أمر الإسلام يدور عليها كما تدور الرحى على قطبها، و قد مضى في صدر هذا الكتاب من الكلام على «رحا الإسلام» ما فيه كفاية (1).

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام: «حمير رؤوس العرب و بهاؤها، و الأسد كاهلها و جمجمتها، و مذحج هامتها و غلصمتها» و المراد أنّ حمير في التقدّم كالرؤوس الأعاظم، و الأزد في الاشتداد و الاجتماع كالكواهل (2) و الجماجم، و مذحج في السّموّ و الدنوّ كالهامات و الغلاصم (3).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

[المجاز] (266)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

لِتَلْحَقَنَّ كُلُّ أُمَّةٍ بِمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ صَنَماً إِلَّا ذَهَبَ حَتَّى يَقَعَ فِي النَّارِ، وَ يَبْقَى غُبَّرَاتُ أَهْلِ النَّارِ» (4).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «غبّرات أهل النّار» استعارة، و المراد عقابيلهم (5) و بقاياهم، و ذلك مأخوذ من «غبّر اللبن» و «غبره» بالتشديد


1- تقدّم في صفحة (103- 104) ذيل الحديث 124.
2- الكواهل: جمع كاهل، و هو من الإنسان ما بين كتفيه، و قيل: هو موصل العنق في الصلب. لسان العرب 12: 179، مادّة (ك ه ل).
3- الغلاصم: جمع غلصمة، و هي متّصل الحلقوم بالحلق. لسان العرب 12: 441.
4- مسند أحمد 2: 538/ 7660، صحيح البخاري 1: 261/ 806 و 4: 204/ 6573، 390/ 7437، صحيح مسلم 1: 145/ 183، مستدرك الحاكم 4: 582.
5- العقابيل: جمع عقبولة و عقبول، أي البقيّة. راجع أقرب الموارد 2: 807، مادّة (ع ق ب ل).

ص: 311

و التخفيف، و هو بقيّته في الخلف و الضرع، و «غبّر الليل»- آخره- مأخوذ من ذلك، قال الطرمّاح بن حكيم في «الغبّر» مثقلا:

فيا صبح كمّش غبّر اللّيل مصعداببمّ و نبّه ذا العفاء الموشّح (1)

يريد الديك.

و قال آخر في «الغبر» مخفّفا:

متفلّق أنساؤها عن قانى ءكالقرط صاف غبره لا يرضع (2)

قال الأخفش: «هو بالتخفيف لا غير» و أنشد هذا البيت شاهدا على قوله.

[المجاز] (267)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الرُّؤْيَا عَلَى الرَّجُلِ طَائِرٌ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ، فَلَا تُحَدِّثَنَّ بِهَا إِلَّا حَبِيباً أَوْ لَبِيباً» (3).

رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ؛ وَ هُوَ لَقِيطُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ.


1- العين 3: 263 كمّش: قلّص و أفن، غبّر الليل: بقيّته، بمّ: مدينة في محافظة كرمان الإيرانيّة، العفاء: الريش الكثير، الديك الموشّح الذي له خصلتان كالموشاح.
2- الصحاح 6: 2405 و 2508، لسان العرب 14: 472، متفلّق: منفلق و منفرج، أنساؤها: جمع نسا، و هو يمرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين، ثمّ يمرّ بالعرقوب حتّى يبلغ الحافر، فإذا سمنت الدابّة انفلق فخذاها بلحمتين عظيمتين، و جرع النسا بينهما واستبان، و إذا هزلت الدابّة اضطرب الفخذان و خفى النسا، و النسا لا يتفلّق، و إنّما يتفلّق موضعه، عن قاى ء كالقرط: أي عن ضرع أحمر كالقرط في صغره، صاو: يابس، غبره لا يرضع: ليس لها غبر فيرضع، و ليس المراد أن ثمّ بقيّة لبن لا يرضع.
3- مسند أحمد 4: 10، سنن ابن ماجة 2: 1288/ 3914، سنن أبي داود 2: 481/ 5020، كنز العمّال: 15: 364/ 41390.

ص: 312

و في هذا الكلام مجاز، و المراد ب «الطائر» هاهنا: الأمر الذي يتطيّر به، و منه قوله تعالى: وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ (1)؛ يريد ما يتطيّر منه و يخاف وقوعه به من جزاء أعماله السيّئة، و أوزاره المثقلة، و ذلك مأخوذ من زجر الطير (2) على مذاهب العرب و كانوا يتيمّنون بأيامنها و يتشاءمون بأشائمها، و على ذلك قول الشاعر:

و لقد غدوت و كنت لاأغدو على واق و حاتم

فإذا الأشائم كالأيامن و الأيامن كالأشائم (3)

و «الواق» بكسر القاف الصّرد (4)، كأنّهم سمّوه بحكاية صوته (5).

قال الشاعر:

و لست بهيّاب إذا شدّ رحله يقول: عداني اليوم واق و حاتم (6)

و «الحاتم» الغراب.

فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل رؤيا الإنسان التي يتروّع لها و يخاف ضررها؛ بمنزلة الشي ء الذي يتطيّر به، و قد يجوز أن يكون، و يجوز ألّا يكون، فإذا عبّرها فعبّرت له على ما يكره وقع متوقّعها، و خلص للشرّ مجوزها.


1- الإسراء (17): 13.
2- يقال: زجر الطائر؛ تفاءل به و تطيّر، فنهاه و نهره، و هو أن تزجر طائرا فتتفاءل به إن مرّ من مياسرك إلى ميامنك، و تتشاءم به إن مرّ عن ميامنك فولّاك مياسره. راجع لسان العرب 6: 21، مادّة (ز ج ر).
3- الصحاح 5: 1893 و 6: 2220، لسان العرب 12: 113.
4- و هو طائر أكبر من العصفور. لسان العرب 7: 320، مادّة (ص ر د).
5- أي أنّ واق أو الواق حكاية صوت هذا الطائر. راجع لسان العرب 15: 381، مادّة (و ق ي).
6- الصحاح 5: 1893، 1909 و 6: 2528، العين 5: 239، و فيه: عذابي بدل عداني، عداني: صرفني عمّا كنت قد أزمعت عليه.

ص: 313

و يشبه ذلك ما حكي عن بعض المتقدّمين أنّه قال: «علم النجوم فأل فلكي» (1)، كأنّه يشير إلى أن يتفاءل بالسعود تعرّضا لها، و يتطيّر بالنحوس تباعدا منها، و جميع ذلك ممّا يجوز أن يقع، و يجوز ألّا يقع.

و لمّا جعل عليه الصلاة و السلام الرؤيا بمنزلة الطائر المتطيّر به، جعل تعبيرها على الأمر المكروه بمنزلة وقوع الطائر؛ موافقة بين أنحاء الكلام حتّى يقع مواقعها، و تطبق مفاصلها.

و قوله عليه الصلاة و السلام من بعد: «فلا تحدّثنّ بها إلّا حبيبا أو لبيبا» يريد به النهي عن قصّتها إلّا على محبّ ناصح، أو لبيب راجح؛ لأنّ المحبّ للإنسان يتعمّد حمل اموره على أجملها، و يتوخّى مسرّته بتحسين ما يحسن منها، و بخلاف ذلك يكون المبغض المباعد، و الكاشح (2) الموارب (3)، و أمّا اللبيب- و هو العاقل- فهو يعبّرها على الوجه الصحيح الذي لا يوطى ء فيه عشوة (4)، و لا يطلب مضرّة، و بخلاف ذلك يكون الأخرق (5) الجاهل، و الغبيّ الغافل.

[المجاز] (268)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ؛ كَذِئْبِ


1- التّمثيل و المحاضرة للثعالبي: 189- 192.
2- الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضّلع الخلف، و هو أقصّر الأضلاع و آخرها، و هو من لدن السّرّة إلى المتن، و الكاشح: الّذي يطوي كشحه على العداوة، أو الّذي يتباعد عنك و يوليك كشحه. أقرب الموارد 2: 1086، مادّة (ك ش ح).
3- أيّ المواهي المخادع. راجع أقرب الموارد 2: 1441، مادّة (و ر ب).
4- يقال: أوطأه العشوة و عشوة؛ أيّ ركبه على غير هدى. أقرب الموارد 2: 1462، مادّة (و ط أ).
5- أيّ الأحمق.

ص: 314

الْغَنَمِ يَأْخُذُ الْقَاصِيَةَ وَ الشَّاذَّةَ» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَإِيَّاكُمْ وَ الشِّعَابَ، وَ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَ الْعَامَّةِ» (2).

و هذه من أحسن الاستعارات؛ و ذلك أنّه جعل الشيطان للإنسان بمنزلة الذئب للشاة؛ يأخذ البعيدة المتفرّدة، و يختلس الشاذّة الشاردة، و يكون لجماعتها أهيب، و لفرّادها أقرب، و كذلك الشيطان يقوى طمعه في الفذّ (3) الفريد، و الشارد الوحيد، فيستهويه بهواجسه، و يجعله غرضا رجيما (4) لوساوسه، و يكون في جماعة الناس أضعف طمعا، و بهم أقلّ تولّعا.

و في هذا الكلام حثّ للناس على لزوم الجماعة في طاعة السلطان العادل، و الإمام الفاضل. و يجوز أيضا أن يكون فيه حثّ لهم على لزوم الدين القويم، و الصراط المستقيم، و ترك الانفراد بالمذاهب، و سلوك الولائج و العوادل.

[المجاز] (269)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَيُنْقَضَنَّ الْإِسْلَامُ عُرْوَةً عُرْوَةً، كَمَا يُنْقَضُ الْحَبْلُ قُوَّةً قُوَّةً» (5).


1- مسند أحمد 5: 233، 243، و فيه: «يأخذ الشاة القاصية و الناحية». مجمع الزوائد 2: 23 و 5: 219، كنز العمّال 1: 206/ 1026.
2- مسند أحمد 5: 233 و 243، مجمع الزوائد 2: 23 و 5: 219، كنز العمّال 1: 206/ 1026.
3- الفذّ: الفرد. الصحاح 2: 568.
4- أي هدفا مرميّا.
5- مسند أحمد 4: 232، كنز العمّال 1: 1189.

ص: 315

هذه رواية فيروز الدّيلمي.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: « [لَتَنْقُضَنَ] عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً؛ فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ كَانَ تَشَبُّثُ النَّاسِ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ، وَ آخِرُهُنَّ لَتُنْقَضَنَّ الصَّلَاةَ» (1).

و هذه استعارة، و المراد: لتتركنّ العمل بشرائع الإسلام التي احكم عقدها و وكّد العمل بها؛ حتّى تكاد تنمحي مراسمها، و تعفو معالمها، فيكون الإسلام كالحبل المنتقض من أطرافه، و المنتكث بعد استحصافه (2)، و «القوى» الطاقات التي يفتل منها الخيط، و الواحدة «قوّة» و جعل عليه الصلاة و السلام شرائع الإسلام كالعرى له من حيث كانت ربقا للرقاب، و كان التعلّق بها أمانا من العذاب.

و نظير هذا الخبر الخبر الآخر الذي

رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّ عُرَى الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ؟» فَعَدَّدَ الْحَاضِرُونَ شَيْئاً مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ أَنْ يُحَبَّ فِي اللَّهِ، وَ يُبْغَضَ فِي اللَّهِ» (3).

[المجاز] (270)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَ قَلْبُهُ بَيْنَ


1- مسند أحمد 5: 251، مستدرك الحاكم 4: 92، مجمع الزّوائد 7: 281، كنز العمّال 1: 1190/ 38362، تفسير القمّيّ 2: 413، تفسير نور الثّقلين 5: 539/ 19.
2- أيّ استحكامه.
3- السّنن الكبرى 1: 233، مجمع الزّوائد 1: 89، كنز العمّال 1: 43/ 105، مشكاة الأنوار 157: 391، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

ص: 316

إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ» (1).

و هذا النوع من جملة الأخبار التي توهم التجسيم، و تقتضي التشبيه، قد ذكرنا في أوّل كتابنا هذا أنّا نغفل الكلام عليها؛ لأنّ جماعة من علماء الشريعة و اللغة قد سبقونا إلى استقصاء القول فيها، و إنّما نذكر منها ما له دخول في باب الاستعارة بجهة من الجهات، إلّا أنا نتكلّم على هذا الخبر هاهنا لضرب من الاستظهار.

فنقول: إن كان نقله صحيحا فله وجه في كلام العرب يسوغ حمله عليه، و ردّه إليه؛ ممّا يوافق صفات اللّه سبحانه، الذي لا يشبه الخلق التي خلقها، و البرايا التي براها و صوّرها؛ و هو أنّ «الإصبع» في كلام العرب اسم للأثر الحسن التي تظهر سمته، و تشتهر علامته، يقال: «لفلان في ماله إصبع حسنة» أي قيام محمود، و أثر جميل، و على ذلك قول الراعي يصف راعيا لإبله:

ضعيف العصا بادي العروق ترى له عليها إذا ما أجدب النّاس إصبعا (2)

أي ترى له عليها أثرا حسنا. و قد قيل أيضا: «إنّ المراد بذلك إشارة الناس إليها بالأصابع؛ لحسنها و شارتها» (3).


1- مسند أحمد 2: 168 و 6: 91، صحيح مسلم 8: 51، سنن ابن ماجة 1: 72/ 199، سنن الترمذي 5: 3588199، مستدرك الحاكم 1: 525، مجمع الزوائد 6: 325، كنز العمّال 1: 232/ 1166، تنزيه الانبياء: 174، أمالي المرتضى 2: 2، علل الشرائع 2: 604/ 75.
2- أمالي المرتضى 2: 2، الصحاح 3: 1241 و 6: 2429، بادي العروق: عروق بدنه ظاهرة؛ لضعفه و إيثار الغير على نفسه، أجدب الناس أصابهم الجدب، و هو انقطاع المطر و يبس الأرض.
3- الحسن الشارة سيّان.

ص: 317

و قوله: «ضعيف العصا» يريد أنّه لا يكثر ضربها، و لا يعتنف بها، و ذلك أجدر بأن تشحم أبدانها، و تغزر ألبانها (1).

و مثل هذا قول الشاعر الآخر- و قد تقدّم ذكره-:

عليها شريب وادع ليّن العصايساجلها جمّاته و تساجله (2)

و أنشد الخليل بن أحمد في كتاب «العين» لبعض العرب:

أغرّ كضوء البدر في كلّ منكب من النّاس نعمى يحتذيها و إصبع (3)

«يحتذيها» هاهنا: يعطيها، كأنّه يفتعلها من «الحذي» (4) كما تقول:

«يصطنعها» (5) و «المنكب» عندهم: اسم لكلّ اثنتي عشرة عرافة (6).

و يسمى الرجل الذي يلي ذلك «منكبا» و هو من يدبر هذه العدة من العرفاء.

و قال شاعر آخر في معنى «الإصبع» أيضا:

من يجعل اللّه عليه إصبعاللخير و الشّرّ يصادفه معا (7)

أي من يجعل اللّه عليه أثرا يستدلّ به على أنّه من أهل الخير أو من


1- أي تفلّ، فإذا قلت سمنت الناقة. راجع لسان العرب 10: 49- 50، مادّة (غ ر ز).
2- الصحاح 6: 2429. و قد تقدّم في صفحة (203) ذيل الحديث 237.
3- العين 1: 312، أمالي المرتضى 2: 3، و فيه: أغرّ كلون البدر.
4- و هي العطيّة. أساس البلاغة: 78، مادّة (ح ذ و).
5- يقال: اصطنع إليه صنيعة؛ أحسن إليه. أقرب الموارد 1: 664، مادّة (ص ن ع).
6- العرافة: عمل العريف، و المراد أنّ المنكب هو القيم على اثني عشر عريفا. و في المصباح: أنّه يكون على خمسة عرفاء و نحوها.
7- ديوان لبيد: 337، أمالي المرتضى 2: 3، و فيه: من يبسط اللّه عليه إصبعابالخير و الشرّ بأيّ أولعا

ص: 318

أهل الشرّ، يصادف الجزاء على كلا الفعلين من ثواب أو عقاب، و نعيم أو عذاب، و ذلك الأثر الذي يجعله اللّه عليه هو استحقاق الحمد من الناس إن كان محسنا، أو استحقاق الذمّ منهم إن كان مسيئا.

فإذا تمهّدت الذي قرّرناه كان معنى لفظ الخبر: ما من آدميّ إلّا و قلبه من اللّه سبحانه بين نعمتين حسنتين: إحداهما: ما منّ به عليه من معرفة خالقه و رازقه، و الاخرى، الغبطة (1) بما أنعم به عليه من تحسين خلقه، و توسيع رزقه، و ذلك يوجب عليه الخروج إليه تعالى من حقّ الشكر على مننه، و إحسان الجوار لنعمه.

و قد عبّر بعضهم عن هذا المعنى بعبارة اخرى، قال: «المراد بذلك تقلّب القلوب بين حسن آثار اللّه عليها» (2) و هذا القول مجمل، و القول الذي ذكرناه من قبل مفصّل.

فأمّا ما تذهب إليه المشبّهة من «الإصبع» هاهنا على حقيقتها؛ و أنّ للّه سبحانه أصابع، و يدا، و ساقا، و قدما ... إلى غير ذلك، فهو من الجهالات التي تدفعها العقول بأوائلها، و تقضي بفسادها قبل إعمال النظر فيها، و كيف يصحّ هذا القول لهم و يقوم في عقولهم مع اعتقادهم أنّ اللّه سبحانه مستو على العرش كاستواء القاعد في مقعده، و المتمهّد على مهاده، و أنّ بينه و بين المخلوقين من بني آدم سبع سماوات، و ما بين كلّ سماء و سماء مسيرة خمسمائة عام، و سمك كلّ سماء مثل ذلك؟! فكيف


1- أي حسن الحال. المصباح المنير: 442، مادّة (غ ب ط).
2- لسان العرب 8: 193، تاج العروس 21: 318.

ص: 319

يسوغ أن تكون أصابعه- تعالى عن ذلك علوا كبيرا- واصلة إلى قلوب خلقه مع هذا البعد العظيم، و المدى الطويل؟! و لو كان ذلك على حقيقته لوجب أن يكون له من الأصابع ما لا نهاية له؛ حتّى يختصّ قلب كلّ عبد من عبيده بإصبعين من أصابع يده!! هذا لعمر اللّه القول المتفاسد، و الظنّ المتكاذب.

و بمثل هذا الجواب نجيب من سأل عن قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ... (1) الآية، فنقول: أراد سبحانه أنّه معهم بالعلم و الإحاطة، لا بالدنوّ و المقاربة؛ لأنّ الأمر لو كان على ذلك لكان المعنى مستحيلا، و ذلك أنّه تعالى لا يجوز أن يكون مع كلّ ثلاثة و لا مع كلّ خمسة في حال واحدة على الحقيقة؛ لأنّ الجسم لا يصحّ أن يكون في مكانين في حال واحدة، تعالى اللّه عن تنقّل الأمكنة و تقلّب الأزمنة علوّا كبيرا.

و ممّا يبين كذب قولهم و فساد تأويلهم

مَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ وَ غَيْرُهُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ: أَ بَلَغَكَ أَنَّ اللَّهَ يَحْمِلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَ الْأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ؟

وَ الشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَ الثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَ الْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، فَضَحِكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ، وَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَقِيبَ ذَلِكَ:


1- المجادلة (58): 7.

ص: 320

وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...* (1) الْآيَةِ» (2).

وَ قَدْ رُوِيَ أَيْضاً فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ خِنْصِراً وَ بِنْصِراً فَقَدْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ» (3)

، و مجال كتابنا هذا أضيق من أن نسير في أقطار الكلام على هذا الخبر أكثر من هذا المسير، و قد استقصينا ذلك في كتاب «حقائق التأويل».

[المجاز] (271)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَ يَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ:

الْحِرْصُ عَلَى الْحَيَاةِ، وَ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ» (4).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «الْحِرْصُ وَ الْأَمَلُ» (5).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل زيادة هاتين الخلّتين في الإنسان مع نقصان عمره و تداني أجله، بمنزلة الشباب المقبل، و العمر المستقبل، فكلّما ازدادت حوامل جسمه ضعفا و انتقاضا، زادت جواذب أمله قوّة و استحصافا، فيكون أضعف ما كان بدنا و شخصا، أقوى ما يكون أملا و حرصا.

وَ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ


1- الأنعام (6): 91، الحجّ (22): 74، الزّمر (39): 67.
2- مسند أحمد 1: 378، صحيح البخاريّ 8: 174، 187، صحيح مسلم 8: 125، سنن التّرمذيّ: 5: 49/ 3291، الدّرّ المنثور 5: 334.
3- لم أعثر له على مصدر.
4- مسند أحمد 3: 192، 256، صحيح مسلم 3: 99، سنن ابن ماجة 2: 1415/ 4234، سنن التّرمذيّ 3: 390/ 2442، كنز العمّال 3: 490/ 7557، الخصال 73: 112، روضة الواعظين: 427.
5- السّنن الكبرى 3: 368، كنز العمّال 3: 460/ 7437، مسند أحمد 3: 115، 119، 169، 275، و فيه: «تبقى فيه اثنتان».

ص: 321

الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ: حُبِّ الْحَيَاةِ، وَ حُبِّ الْمَالِ» (1).

[المجاز] (272)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» (2).

و هذه استعارة، و «الغضّ» في كلامهم صفة للثمر أو النبت الذي لم يطل مكثه بعد مجتناه، فيؤثّر فيه الزمان، و يدخله التغيير و الفساد، و يقولون: «غضّ» و «غضيض» بمعنى واحد، و «الغضيض» أيضا عندهم اسم من أسماء الطلع (3)، فأراد عليه الصلاة و السلام أنّ من يأخذ القرآن عن ابن امّ عبد- و هو عبد اللّه بن مسعود رحمة اللّه عليه- أو يسلك في القراءة نهجه و يطلع فجّه (4)، فقد أخذه سليما من الفساد و التغيير، و بريئا من التحريف و التبديل، فهو كالنبات الغضّ لم يطل عهد جانيه، و لا دبّ الفساد فيه.

و قد روي هذا الخبر على وجه آخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ»

(5)، و المعنى في الروايتين واحد.


1- مسند أحمد 2: 501، صحيح البخاري 7: 171، كنز العمّال 3: 490/ 7556.
2- مسند أحمد 1: 7، 38، 445، 454 و 4: 279، مستدرك الحاكم 2: 227 و 3: 318، السنن الكبرى 1: 452، مجمع الزوائد 9: 287، كنز العمّال: 2: 51/ 3077، الايضاح 223، 224، 225، 232، سنن ابن ماجة 1: 49/ 138، و فيه: «من أحب».
3- الطّلع: نور النّخلة مادام في الكافور. لسان العرب 8: 238.
4- أي طريقة الواضح الواسع. المصباح المنير: 462، مادّة (ف ج ج).
5- مسند أحمد 1: 7، 26، مجمع الزوائد 9: 287، كنز العمّال 13: 37197460، البداية و النهاية: 9: 149.

ص: 322

وَ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَرِيضاً كَمَا أُنْزِلَ ...»

(1)، و «الغريض» الطريّ، و هو أيضا في معنى الروايتين الأوليين.

[المجاز] (273)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيَلْحِيَنَّكُمُ اللَّهُ كَمَا لَحَيْتُ (2) عَصَايَ هَذِهِ» (3)، لِعُودٍ فِي يَدِهِ.

و في هذا الكلام موضع استعارة؛ و هو قوله عليه الصلاة و السلام:

ليلحينّكم اللّه» و المراد: ليتنقّصنّكم اللّه في النفوس و الأموال، و ليصيبنّكم بالمصائب العظام، فتكونون كالأغصان التي جرّدت من أوراقها، و عرّيت من ألحيتها و ألياطها (4)، فصارت قضبانا مجرّدة، و عيدانا مفردة، و هم يقولون لمن جلّف (5) الزمان ماله أو سلبه أولاده و أعضاده: «قد لحاه الدهر لحي العصا» لأنّ من (6) كان ينضمّ إليه من ولدته و حفدته و يسبغ عليه من جلابيب نعمته؛ بمنزلة اللحاء للقضيب، و الورق للغصن


1- مسند أحمد: 2/ 446.
2- أي قشرت. المصباح المنير: 551، مادّة (ل ح ي).
3- عنه البحار 100: 71/ 4 و المستدرك 12: 179/ 13818، انظر: مسند أحمد 5: 388، فيه: أو ليوشكنّ اللّه أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثمّ لتدعنه فلا يستجيب لكم، و سنن أبي داود 2: 323، فيه: و لتأخذنّ على يدي الظالم و لتاطرنّه على الحقّ أطرا و لتقصرنّة على الحقّ قصرا. و سنن الترمذي 3: 317/ 2259، و السنن الكبرى 10: 93، و فيهما أيضا مع اختلاف.
4- ألألحية: جمع لحاء، و الألياط: جمع ليطة، و كلاهما بمعنى القشر.
5- أي استأصلها و ذهب بها. راجع أقرب الموارد 1: 132، مادّة (ج ل ف).
6- في نسخة: ما بدل من.

ص: 323

الرطيب، فإذا اخرج عن ذلك أجمع كان كالعود العاري، و القضيب الذاوي (1).

[المجاز] (274)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» (2).

و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه تناول الإنسان من عرض غيره بالذمّ و الوقيعة و الطعن و العضيهة (3)- أكثر ممّا تناوله منه ذلك الذي قدح في عرضه، و أغرق في ذمّه- بالربا في الأموال؛ و هو أن يعطي الإنسان القليل ليجرّ الكثير، فإنّه يستربي المال بذلك الفعل؛ أي يطلب نماءه و زيادته، و أصل «الربا» عندهم مأخوذ من الزيادة، يقولون: «ربا الشي ء في الماء» إذا انتفخ و زاد، و منه «الرباوة» و «الربوة» و هي ما علا من الأرض و ارتفع. و من ذلك قوله تعالى: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ (4)؛ أي رطب ثراها و بلّ، و كثر نبتها و اتصل.

[المجاز] (275)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي صِفَةِ الْخَوَارِجِ- وَ الْخَبَرُ طَوِيلٌ-: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَ هُوَ عَلَيْهِمْ؛ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» (5).


1- أي الذابل. المصباح المنير: 211، مادّة (ذ و ي).
2- سنن أبي داود 2: 451/ 4876، السنن الكبرى 10: 241، كنز العمّال 3: 592/ 8059 و 4: 105/ 9759، الدرّ المنثور 1: 364، مسند أحمد 1: 190 مع اختلاف.
3- أي الإفك و البهتان و الكلام القبيح. أقرب الموارد 2: 795، مادّة (ع ض ه).
4- الحجّ (22): 5.
5- مسند أحمد 1: 92، صحيح مسلم 2: 614/ 1066، سنن أبي داود 4: 244/ 4768.

ص: 324

و هذا القول مجاز، و المراد أنّهم لا يعملون بأحكام القرآن و فرائضه، و لا يأتمرون لأوامره، و لا ينزجرون بزواجره، و كأنّهم ليس لهم منه إلّا الصوت الخارج من حناجرهم، يقول عليه الصلاة و السلام: لا يعرف القرآن عندهم إلّا بهذه و تلاوته، دون العمل بأحكامه و واجباته.

وَ قَدْ رُوِيَ أَيْضاً: «لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»

(1) و المعنى واحد.

[المجاز] (276)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِمُخَاطَبَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ سَأَلَاهُ- فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ-: «وَ اللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا وَ أَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَنْطَوِي بُطُونُهُمْ؛ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ» (2).

و في هذا القول مجاز، و أهل الصفّة: هم فقراء المهاجرين، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه بطونهم من الخمص و الهضم- لقلّة الزاد و المطعم- بالأوعية الفارغة التي تنطوي لفراغها، و تنضمّ لخلوّ أجوافها.

و قد يجوز أيضا أن يكون إنّما شبّهها بالبرود (3) المثنيّة و الخماص (4) المطويّة؛ لانضمام بعضها على بعض من خلوّ الأحشاء، و بعد العهد بالغذاء.


1- صحيح مسلم 2: 615/ 1068، سنن النسائي 7: 120، التراقي: جمع ترقوة، و هي العظم الذي بين ثغرة النحر و العاتق من الجانبين. المصباح المنير: 74، مادّة (ت ر ق و).
2- مسند أحمد 1: 106، مجمع الزوائد 8: 168 و 10: 100، كنز العمّال 6: 16786514 و 15: 506/ 41982، ذخائر العقبى 106، البداية و النهاية 6: 366.
3- البرود: جمع برد، و هو ثوب فيه خطوط، و خصّ بعضهم به الوشي. لسان العرب 1: 368، مادّة (ب ر د).
4- الخماص: جمع خميصة، و هي كساء أسود مربّع له علمان، فإن لم يكن معلما فليس بخميصة. راجع لسان العرب 4: 219- 220، مادّة (خ م ص).

ص: 325

و قد يجوز أيضا أن يكون: «تنطوي بطونهم» هاهنا تنفعل من «الطّوى» و هو الجوع، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «تتجوّع بطونهم» و هذا القول يخرج الكلام من حيّز الاستعارة، و يدخله في باب الحقيقة.

[المجاز] (277)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ (1)»

(2).

و هذه استعارة، و المراد بذلك أنّ الإنسان المؤمن يمتنع لأجل إيمانه أن يسفك الدم الحرام طاعة لأمر الحميّة، و ركوبا لسنن الجاهلية، فكأنّ إيمانه قيّد فتكه، فتماسكه و ضبط تهالكه.

و مثل ذلك

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيِّ- وَ كَانَ خَلِيعاً قَبْلَ إِسْلَامِهِ-: «مَا فَعَلَ شِرَادُ بَعِيرِكَ يَا خَوَّاتُ؟» فَقَالَ: قَيَّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (3)

، ألا ترى كيف شبّهه عليه الصلاة و السلام في ريعان خلاعته و عنفوان نزاقته بالبعير الشارد الذي قد فارق مراحه (4)، و تبع ارتياحه، و كيف أجاب هذا الإنسان عن كلام النبيّ عليه الصلاة


1- الفتك: أن يأتي الرجل صاحبه و هو غارّ غافل حتّى يشدّ عليه فيقتله و إن لم يكن أعطاه أمانا قبل ذلك، و لكن ينبغي له أن يعلمه ذلك. لسان العرب 10: 177، مادّة (ف ت ك).
2- مسند أحمد 1: 166 و 4: 92، مستدرك الحاكم 4: 352، 353، مجمع الزوائد 1: 96، كنز العمّال 1: 93/ 405، مقاتل الطالبيين: 65، إعلام الورى: 225، العوالم (الامام الحسين عليه السّلام): 193، البداية و النهاية 6: 253.
3- النهاية في غريب الحديث 2: 457، كنز العمّال: 7: 210/ 18664، نثر الدر 1: 140، مجمع الزوائد 9: 401، و فيه: «جملك» بدل «بعيرك».
4- المراح: مأوى الإبل و البقر و الغنم؛ أي موضع راحتها في الليل. أقرب الموارد 1: 444، مادّة (ر و ح).

ص: 326

و السلام بما هو من جنسه، و ماض على نهجه، فقال: «قيّده الإسلام» لأنّه عليه الصلاة و السلام لمّا جعله بمنزلة البعير الشارد، و جعل هو ما ردّه عن ذلك الشراد و عكسه عن تلك الحال بمنزلة القيد و العقال، و هذا القول من النبيّ عليه الصلاة و السلام أيضا داخل في باب المجاز.

[المجاز] (278)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «الْأَجْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد بالصدمة أوّل ما يطرق الإنسان من النوائب، و يبدهه (3) من المصائب، فشبّه ذلك عليه الصلاة و السلام في شدّة وقعته و عظيم روعته بصدمة الجسيم الشديد أو صكّة الحجر الثقيل؛ في أنّه يوهن و يحطم، و يرمض (4) و يؤلم، فإذا صبر الإنسان لتلك الواقعة، و تماسك تحت تلك الروعة، و سلّم للأقضية النازلة و الأقدار الغالبة، و لم ينفذ في جواذب الجزع، و يركض في مضمار القلق، اعطي الأجر برمّته، و قيد إليه بأزمّته؛ لأنّ ما يطرق الإنسان و هو ذاهل و يفجأه و هو غافل، أعظم نكاية لقلبه و إيجاعا لنفسه ممّا يطرق و قد أخذ له اهبته، و أعدّ له عدّته.


1- سنن النسائي 4: 22، صحيح البخاري 2: 79، صحيح مسلم 3: 40، سنن ابن ماجة 1: 509/ 1596، سنن أبي داود 2: 64/ 3124، سنن الترمذي 2: 228/ 992، السنن الكبرى 4: 65، مجمع الزوائد 1: 56، كنز العمّال 3: 272/ 6510، الدرّ المنثور 1: 158.
2- دعائم الإسلام 1: 223.
3- أي يفاجئه. المصباح المنير: 56، مادّة (ب غ ت).
4- أي يحرق بالرمضاء، و هي الحجارة الحامية من حرّ الشمس. المصباح المنير: 238، مادّة (ر م ض).

ص: 327

[المجاز] (279)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَ لِسَانُهُ ...»

(1)، في حديث طويل.

و هذه استعارة، و المراد بإسلام قلبه سلامته من الإخبات، و بإسلام لسانه تسلّمه من الأرفاث، فلا يعتقد قلبه شرّا، و لا يقول لسانه هجرا (2).

و الدليل على إرادته عليه الصلاة و السلام هذا المعنى،

قَوْلُهُ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ: «وَ لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»

(3)،

وَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ» (4).

و كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل تمام إسلام العبد أن يكفّ قلبه عن اعتقاد المقبّحات، و يده عن فعل المحظورات، و لسانه عن قول المقذعات (5).

[المجاز] (280)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُحَرِّمْ حُرْمَةً إِلَّا وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَطَّلِعُهَا مِنْكُمْ مُطَّلِعٌ» (6).


1- مسند أحمد 1: 387، مستدرك الحاكم 4: 165، مجمع الزوائد 1: 53، كنز العمّال 9: 56/ 24924، الدرّ المنثور 2: 159.
2- أي فحشا. المصباح المنير: 634، مادّة (ه ج ر).
3- مسند أحمد 2: 288 و 336، و 4: 31، و 6: 385، البوائق: جمع بائقة، و هي الداهية و الشرّ الشديد.
4- سنن النسائي 8: 105، مسند أحمد 2: 224 و 379 و 3: 440 و 6: 21، مجمع الزوائد 3: 268، علل الشرائع 2: 523/ 2، معاني الأخبار: 239/ 1.
5- المقذعات: جمع مقذعة، و هي الكلمات التي تتضمّن فحشا يقبح ذكره. راجع لسان العرب 11: 74، مادّة (ق ذ ع).
6- مسند أحمد 1: 390 و 424، مجمع الزوائد 7: 210، كنز العمّال 11: 31921410.

ص: 328

و هذا القول مجاز؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه ما حرّمه اللّه تعالى من محارمه و نهى عباده عن تقحّمه، بالحمى (1) الذي يحمى رعيه، و يمنع رعيه (2)، و شبّه عليه الصلاة و السلام المتعرّض لحرمة من تلك الحرمات بمن هجم في الحمى مقدما، و اطّلع فجأة متقحّما، و قد مضى الكلام على نظير هذا الخبر فيما تقدّم من كتابنا هذا.

[المجاز] (281)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ ذَكَرَ فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: «نَهَاهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ عَنِ الْمَعَاصِي فَلَمْ يَنْتَهُوا؛ فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَ وَاكَلُوهُمْ وَ شَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ» (3).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «فضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض» استعارة، و المراد ب «الضرب» هاهنا خلط القلوب بعضها ببعض؛ كأنّه تعالى خلطها بأن شهد على جميعها بالضلال، و لم يميّز بين قلوب العلماء و الجهّال؛ إذ كان الضلال شاملا لهم، و الغواية ضاربة سياجها عليهم.

و من ذلك قول القائل: «ضربت بعض بني فلان ببعض» إذا ألقى بينهم حربا يختلطون فيها، أو عداوة يتناوشون (4) عليها.


1- الحمى: موضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى، و كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلدا في عشيرته استعدى كلبا، فحمى لخاصّته مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، فلم يرعه معه أحد. لسان العرب 3: 348، مادّة (ح م ي).
2- الرّعي: الكلأ، و الرّعي: أكل الكلأ. الصحاح 6: 2358.
3- مسند أحمد 1: 391، سنن الترمذي 4: 318/ 5038، كنز العمّال 3: 552868، تفسير نور الثقلين 1: 660/ 312 مع اختلاف.
4- يقال: تناوش القوم في القتال؛ إذا تناول بعضهم بعضا بالرماح و لم يتدانوا كلّ التداني. لسان العرب 14: 326، مادّة (ن و ش).

ص: 329

و نظير ذلك الخبر

مَرْوِيٌّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ؛ وَ هُوَ قَوْلُهُ: «أَ بِهَذَا أُمِرْتُمْ؛ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟!»

(1)؛ أي أن تجعلوا حرامه حلالا، و حلاله حراما، فكأنّكم قد خلطتموه؛ فجعلتم أعلاه أسفله، و مفهومه مبهومه.

[المجاز] (282)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْأَيْدِي ثَلَاثٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَ يَدُ الْمُعْطِي- بَلَغَ قُبَالًا (2)- الْوُسْطَى، وَ يَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» (3).

و قد مضى هذا الخبر فيما تقدّم (4)، إلّا أنّ فيه هاهنا زيادة لأجلها أعدنا الكلام عليه؛ و هي قوله عليه الصلاة و السلام: «فيد اللّه العليا» و هذا القول مجاز، و «يد اللّه» سبحانه هاهنا نعمته، و هي أعلى النعم؛ لأنّها أصل لها، و امّ لجميعها؛ لأنّ كلّ من أعطى عطاء أوحبى حباء، فإنّما أعطى ممّا خوّله اللّه سبحانه و تعالى، و لو لا ذلك لكانت كفّه جامدة، و ريح أريحيته (5) راكدة، و لأجل ذلك يقول في الحياة: «إنّها أوّل النّعم» و يزيد بذلك أنّها أوّل في الرتبة؛ لافتقار كلّ نعمة إليها، و صحّة وجودها متفرّدة بنفسها، غير مفتقرة إلى غيرها، فصارت اولى في الرتب و إن جاز


1- مسند أحمد 2: 178، 196، سنن ابن ماجة 1: 33/ 85، مجمع الزوائد 7: 202، كنز العمّال 1: 191/ 967.
2- أي بلغ مرتبة من الوجاهة و الرفعة؛ فإنّ قبال كل شي ء أوّله و ما استقبلك منه، و هذا بخلاف السائل.راجع لسان العرب 11: 26، مادّة (ق ب ل).
3- الدرّ المنثور 1: 361، نثر الدر 1: 251، تأريخ اليعقوبي 1: 107، الخصال: 133/ 144.
4- تقدم في صفحة: (18) ح 19.
5- الأريحية: خصلة يرتاح بها إلى الندى، يقال: أخذته الأريحية؛ أي الهشاشة لا بتذال العطايا. أقرب الموارد 1: 444، مادّة (ر و ح).

ص: 330

أن يوجد معها غيرها من النعم.

و فيما علّقته عن قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار بن أحمد- فيما قرأته عليه من أوائل كتابه المعروف ب «شرح الاصول الخمسة»:- «أنّ النعمة هي المنفعة إذا قصد بها فاعلها وجه الإحسان.

فإن قيل: فما المنفعة؟

قيل: اللّذات و المسارّ و ما أدّى إليها؛ إذا لم يعقب ضررا أعظم منها.

فإن قيل: فما اللّذات؟

قيل: ما يعلمه كلّ أحد من نفسه؛ في إدراك ما يشتهيه من مآكله و مشاربه، و مناظره و ملابسه ... إلى غير ذلك من الامور التي يدعو العلم بها إلى التوصّل إليها. فأمّا السرور فهو اعتقاد ذلك أو الظنّ له.

و ليس بمعنى سوى ما ذكرناه، و ما يؤدّي إلى اللّذات- في كونه نعمة- كاللذات، و لذلك نعدّ من مكّن غيره من الوصول إلى الملاذ بالدنانير و الدراهم منعما، و إن كانت أعيان الدراهم و الدنانير لا لذّة فيها، و لهذا الوجه نعدّ التمكين من هذه الامور نعمة حتّى نقول: إنّ اللّه سبحانه منعم» بالتكليف الذي هو وصلة إلى النعيم المقيم، و الثواب العظيم، و لأجله أيضا قلنا في المصحح للنعم: إنّه نعمة» كما نقول في الحياة و الشهوة و إن كانا يترتّبان، و قد عدّ في ذلك أيضا دفع المضارّ و الغموم و ما يؤدّي إليهما، و لذلك نقول: إنّ اللّه سبحانه لو عفا عن العصاة كان منعما عليهم، و لو سهّل لهم السبيل إلى الفرار من النار كان محسنا إليهم. و ليس يحتمل

ص: 331

كتابنا هذا أكثر من القدر المذكور في هذا المعنى.

و كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل يد اللّه العليا للعلّة التي ذكرناها، و جعل يد المعطي الوسطى؛ لأنّها تليها، و جعل يد السائل السفلى لأنّها مصبّ فضلها، و قرارة سيلها، و قد تقدّمت الإشارة إلى جملة هذا المعنى فيما تقدّم من الكلام.

[المجاز] (283)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ غَرَّاءُ، وَ يَوْمُهَا أَزْهَرُ» (1).

و هاتان استعارتان، و المراد أنّ ليلة الجمعة متميّزة من سائر الليالي بتعظيم قدرها، و تشريف العمل فيها، فقد صارت لأجل ذلك كالفرس الغرّاء التي تبين من البهم، و الشهباء (2) التي تتميّز عن الدّهم (3)، و كذلك المراد بكون يومها أزهر، و «الأزهر» الشديد البياض، كأنّه لتميّزه من الأيّام بعظم القدر و شرف الذكر قد زاد عليها اتّضاحا، و كثرها غررا و أوضاحا. (4)

[المجاز] (284)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ، وَ مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَحَبَّ إِلَى


1- الكافي 3: 415/ 8، المحاسن 1: 58/ 93، دعائم الإسلام 1: 180، روضة الواعظين: 332 المقنعة: 154، نقله عن أمير المؤمنين عليه السّلام، الفقيه: 1: 138/ 373، عن أبي جعفر عليه السّلام و 1: 432/ 1246 عن أمير المؤمنين عليه السّلام، التّهذيب 3: 3/ 5، مسند أحمد 1: 259، كنز العمّال 7: 716 حديث 20166.
2- أيّ البيضاء الّتي يتخلّل بياضها سواد. راجع أقرب الموارد 1: 617، مادّة (ش ه ب).
3- الدّهم: جمع أدهم، و هو الأسود. أقرب الموارد 1: 356، مادّة (د ه م).
4- الأوضاح: جمع وضح، و هو الغرّة. أقرب الموارد 2: 1460 مادّة (و ض ح).

ص: 332

اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ» (1).

و في هذا الكلام مجازان:

أحدهما:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ»

فجعل عليه الصلاة و السلام عمل الجنّة كالحزن من الأرض؛ و هو ما غلظ منها؛ لأنّه يصعب تجشّمه (2)، فكذلك عمل الجنّة يشقّ تكلّفه، و زاد عليه الصلاة و السلام الكلام إيضاحا بقوله:

«حزن بربوة» فلم يرض بأن جعله حزنا حتّى جعله بربوة؛ و هي الأكمة (3) العالية، ليكون تجشّمه أشقّ، و تكلّفه أصعب، و لم يرض عليه الصلاة و السلام بأن جعل عمل النار سهلا- و هو ضدّ الحزن- حتّى جعله بسهوة (4)؛ ليكون أخفّ على فاعله، و أهون على عامله.

و المجاز الآخر: قوله عليه الصلاة و السلام «و ما من جرعة أحبّ إلى اللّه سبحانه من جرعة غيظ يكظمها عبد» فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل كظم الغيظ بمنزلة الجرعة المؤثّرة التي يجرعها الإنسان، فيجد مذاقها مرّا، و يجد غبّها (5) حلوا، و لهذا المعنى شبّهوا ما يجده الإنسان من حرارة حزن و حرارة همّ بالشجا (6) المعترض في الحلق، و شبّهوا ما


1- مسند أحمد 1: 327، كنز العمّال 6: 217/ 15406، الدرّ المنثور 1: 67.
2- أي تكلّفه على مشقّة المصباح المنير: 102، مادّة (ج ش م).
3- و هي (أ ك م).
4- و هي الأرض اللّينة التربة. لسان العرب 6: 415، مادّة (س ه و).
5- أي عاقبتها. المصباح المنير: 442، مادّة (غ ب ب).
6- الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه، ثمّ استعير للهمّ و الحزن؛ لأنّ الإنسان يغصّ بهما. أقرب الموارد 1: 573، مادّة (ش ج و).

ص: 333

يلحقه من منظر يأباه و ملحظ لا يهواه بالقذى (1) العارض في الطرف؛ لأنّ الأوّل يحبس مجاري أنفاسه، و الثاني يمنع مجال ألحاظه.

[المجاز] (285)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «شِفَاءُ الْعِيِ (2) السُّؤَالُ»

(3).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الشي ء إذا عيّ الإنسان به و لم يثلج صدره بمعرفته، كان في السؤال عنه بيان التباسه، و سراح احتباسه، فأقام عليه الصلاة و السلام العيّ بمعرفة الأمر مقام الدّاء المطاول، و الكرب المماطل، و أقام السؤال عنه- إذا أدّى إلى العلم به- مقام الشفاء المزيح، و الفرح المريح.

[المجاز] (286)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلِمَاتٍ قَالَهُنَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْهُ تَجِدْهُ تِجَاهَكَ» (4).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «تَجِدْهُ أَمَامَكَ» (5).


1- القذى: ما يقع في العين من تبنة و نحوها. راجع أقرب الوارد 2: 976، مادّة (ق ذ ي) و في الخطبة الشقشقية: «فصبرت و في العين قذى، و في الحلق شجا» و في دعاء الندبة: «هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى».
2- أي الجهل. لسان العرب 9: 512، مادّة (ع ي ي).
3- مسند أحمد 1: 330، سنن ابن ماجة 1: 189/ 572، سنن أبي داود 1: 33685، 337، مستدرك الحاكم 1: 178، السنن الكبرى 1: 227.
4- مسند أحمد 1: 293، 303، سنن الترمذي 4: 76/ 2635، كنز العمّال 1: 133/ 630، ذخائر العقبى: 227.
5- مسند أحمد 1: 307، مستدرك الحاكم 3: 541، 542، مجمع الزوائد 7: 189، كنز العمّال 1: 133/ 631، الدرّ المنثور 1: 66، الفرج بعد الشدّة 1: 27، ذخائر العقبى: 234، الفقيه 4: 412/ 5900، مشكاة الأنوار 56: 59.

ص: 334

و هذا مجاز؛ لأنّ اللّه سبحانه أمامنا و خلفنا، و عن أيماننا و عن شمائلنا؛ من طريق الحفظ لنا، و الإحاطة بنا، فليس يختصّ ذلك منّا بجهة دون جهة، و بحالة دون حالة، إلّا أنّ المراد ب «تجاهك» و «أمامك» هاهنا أنّك تجد حفظه و معونته حيث توجّهت، و أيّ طريق سلكت، و ذلك كقول الشاعر في التخويف باللّه تعالى- و هو نظير للحال التي كلامنا عليها-:

و اللّه يصبح من أمام المدلج

(1) أي لا يفوته هارب، و لا يضلّ عنه شارد.

[المجاز] (287)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْعَيْنُ حَقٌّ تَسْتَنْزِلُ الْحَالِقَ» (2).

و هذا مجاز، و المراد أنّ الإصابة بالعين- من قوّة تأثيرها، و تحقّق أفاعيلها- كأنّها تستهبط العالي من ارتفاعه، و تستقلق الثابت بعد استقراره، و «الحالق» المكان المرتفع من الجبل و غيره، فجعل عليه الصلاة و السلام العين كأنّها تحطّ ذروة الجبل من شدّة بطشها، و حدّة أخذها.

و قد تناصرت الأخبار بأنّ الإصابة بالعين حقّ، و الذي يقوله أصحابنا: «أنّ اللّه سبحانه يفعل المصالح بعباده على حسب ما يعلمه من الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها، و الأقدار التي يقدّرها» و إذا


1- أمالي المرتضى 2: 201، المدلج: الذي يسير الليل كلّه. المصباح المنير: 198، مادة (د ل ج).
2- مسند أحمد 1: 274، مستدرك الحاكم 4: 215، مجمع الزوائد 5: 107، كنز العمّال 6: 744/ 17657.

ص: 335

تقرّرت هذه القاعدة فغير ممتنع أن يكون تغييره تعالى نعمة زيد مصلحة لعمرو، و إذا كان تعالى يعلم من حال عمرو أنّه لو لم يسلب زيدا نعمته و يخفض منزلته، أقبل على الدنيا بوجهه، و نأى عن الآخرة بعطفه (1)، و أقدم على المغاوي، و ارتكس في المهاوي، فإذا (2) سلب سبحانه نعمة زيد- للعلّة التي ذكرناها- عوّضه عنها، و أعطاه بدلا منها عاجلا أو آجلا.

و إذا كان ذلك كما قلنا، و قد روي عنه عليه الصلاة و السلام ما يدلّ على أنّ الشي ء إذا عظم في صدور العباد وضع اللّه قدره، و صغّر أمره، لم ينكر تغيير حال بعض الأشياء عند نظر بعض الناظرين إليه، و استحسانه له، و عظمه في صدره، و فخامته في عينه، كما

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ لَمَّا سُبِقَتْ نَاقَتُهُ الْعَضْبَاءُ- وَ كَانَتْ إِذَا سُوبِقَ بِهَا لَمْ تُسْبَقْ-:

«مَا رَفَعَ الْعِبَادُ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا وَضَعَ اللَّهُ مِنْهُ»

(3)، فيمكن أن يتأوّل

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْعَيْنُ حَقٌّ»

على هذا الوجه.

و يجوز أن يكون ما امر به المستحسن للشي ء عند رؤيته له- من إعاذته باللّه، و الصلاة على رسول اللّه- قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشي ء المستحسن، فلا تغيّر عند ذلك؛ لأنّ الرائي قد أظهر الرجوع إلى اللّه سبحانه، و الإخبات له، و أعاذ ذلك المرئي به، فكأنّه غير راكن إلى


1- العطف: الجانب، أي أعرض و تكبّر.
2- في الأصل و إذا.
3- انظر البحار 63: 7.

ص: 336

الدنيا، و لا مغترّ بها، و لا واثق بما يرى عليه أحوال أهلها.

و لعمرو بن بحر الجاحظ في الإصابة بالعين مذهب انفرد به، و ذلك أنّه يقول: «إنّه لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشي ء المستحسن أجزاء لطيفة، فتؤثّر فيه، و تجني عليه، و يكون هذا المعنى خاصّا ببعض الأعين، كالخواصّ في الأشياء» (1)، و على هذا القول اعتراضات طويلة، و فيه مطاعن كثيرة؛ لا يقتضي هذا الكتاب استيفاء ذكرها، و استقصاء شرحها.

[المجاز] (288)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْإِسْلَامُ ذَلُولٌ لَا يَرْكَبُ إِلَّا ذَلُولًا» (2).

و هذه استعارة، و المراد أنّ الإسلام سهل القياد لمن اقتاده، وطي ء الظهر (3) لمن اقتعده، لا يتوقّص براكبه (4)، و لا يتقاعس على جاذبه، فهو كالبعير الذلول الذي يسهل مرامه، و يطوع زمامه، و قوله عليه الصلاة و السلام: «لا يركب إلّا ذلولا» أي لا يستجيب من الناس إلّا من لانت للدين عرائكه (5)، و قربت عليه مآخذه، و طاعت نفسه باحتمال أعبائه، و الصبر على لأوائه (6)، فأشبه المسلم من هذا الوجه أيضا الفرس الذلول


1- الحيوان 2: 133.
2- مسند أحمد 5: 145، مجمع الزوائد 1: 62، كنز العمّال 1: 66/ 244، الدرّ المنثور 1: 192.
3- أي سهله ليّنه.
4- أي لا يرمي به فيدقّ عنقه. المصباح المنير: 668، مادّة (و ق ص).
5- العرائك: جمع عريكة، و هي الخلق. أقرب الموارد 2: 773، مادّة (ع ر ك).
6- أي شدّته. المصباح المنير: 561، مادّة (ل و ي).

ص: 337

الذي يمكّن راكبه، و يطاوع فارسه.

و إنّما جعل عليه الصلاة و السلام الإسلام في الثاني بمنزلة الراكب- بعد أن وصفه في الأوّل بصفة المركوب- لأنّ الإسلام كالمالك على الإنسان أمره، و المبتاع منه نفسه، فهو يقوده بزمامه، و يصرفه على أحكامه، و كان من هذا الوجه كأنّه راكب لظهره لمّا كان مالكا لأمره.

[المجاز] (289)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ شِبْراً تَقَرَّبَ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ ذِرَاعاً تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بَاعاً (1)، وَ مَنْ أَقْبَلَ إِلَى اللَّهِ مَاشِياً أَقْبَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مُهَرْوِلًا» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ من فعل الشي ء القليل من البرّ، عوّضه اللّه الشي ء الكثير من الأجر، فجعل عليه الصلاة و السلام التقرّب من استحقاق الثواب كأنّه تقرّب من فاعل الثواب؛ على طريق المجاز و الاتّساع، و على هذا المعنى يحمل كلّ ما جاء في القرآن و الكلام من ذكر التقرّب إلى اللّه سبحانه؛ لأنّه- تعالى جدّه (3)- لا يوصف بالقرب من طريق الدنوّ بالمسافة، و لكن من حيث كان قريب الثواب من مستحقّه، و داني الإحسان من راجيه و مؤمّله، فكانت صفة القرب متعلّقة بإحسانه و ثوابه، لا بنفسه و ذاته.

فأمّا

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ مَنْ أَقْبَلَ إِلَى اللَّهِ مَاشِياً أَقْبَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ


1- الباع: مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما يمينا و شمالا. المصباح المنير: 66، مادّة (ب و ع).
2- مسند أحمد 3: 40 و 5: 155، مستدرك الحاكم 4: 247، مجمع الزّوائد 10: 196، كنز العمّال 1: 235/ 1179، أمالي المرتضى 2: 6.
3- أيّ فيضه، و قيل: عظمته. مفردات الرّاغب: 89، مادّة (ج د د).

ص: 338

مُهَرْوِلًا»

فالمراد به أنّ من تقرّب إليه سبحانه بطاعة و إن فعلها بطيئا متضرّعا، فإنّه تعالى يجعل جزاءه عليها معدّا مسرعا، فالمشي هاهنا كناية عن الطاعة المبطئة، و الهرولة كناية عن المثوبة المسرعة، فذكره عليه الصلاة و السلام على طريق ضرب المثل لفضل ما يفعله الربّ تعالى على ما يفعله العبد؛ و إن كان لا يجب في كلّ طاعة أن يكون جزاؤها عاجلا، و ثوابها مبادرا.

[المجاز] (290)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلَاحٍ أَبْلَغَ فِي الصَّالِحِينَ مِنَ النِّسَاءِ» (1).

و هذا القول مجاز؛ و ذلك أنّه عليه الصلاة و السلام أقام النساء- لحكمهنّ على النفوس، و تأثيرهنّ على القلوب- مقام السلاح للشيطان الذي يقارع به قلوب الصالحين، و يقرع بحدّه ضمائر المتماسكين، فيملك به أزمّة رقابهم، و ينقلهم به إلى طاعته عن طاعة ربّهم.

و نظير ذلك

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ»

(2)، و قد مضى كلامنا عليه فيما تقدّم من هذا الكتاب.

[المجاز] (291)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: «مَا لَكَ وَ لَهَا؟! مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَ سِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَ تَرْعَى الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِي ءَ رَبُّهَا فَيَأْخُذَهَا» (3).


1- مسند أحمد 5: 163، مجمع الزوائد 4: 250، الدرّ المنثور 2: 311.
2- النهاية في غريب الحديث 1: 333، كنز العمّال 15: 919/ 43587، الدرّ المنثور 2: 326، البداية و النهاية 5: 18.
3- المبسوط 3: 318، مسند أحمد 4: 117، صحيح البخاري 3: 93، 95، 7: 99، صحيح مسلم 5: 134، سنن أبى داود 1: 384/ 1704، سنن الترمذى 2: 415/ 1387، السنن الكبرى 6: 189، كنز العمّال 15: 193/ 40553. 134، سنن أبي داود 1: 384/ 1704، سنن الترمذي 2: 415/ 1387، السنن الكبرى 6: 189، كنز العمّال 15: 193/ 40553.

ص: 339

و هاتان استعارتان، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل خفّ الضالّة بمنزلة الحذاء، و مستجرّها (1) بمنزلة السقاء، فليس يضرّ بها التردّد في الفيافي، و التنقّل في المصائف و المشاتي؛ لأنّها صابرة على قطع الشقّة، و تكلّف المشقّة؛ لاستحصاف مناسمها، و استغلاظ قوائمها؛ و لأنّها بطول عنقها تتمكّن من ورود المياه القالصة (2)، و التناول من أوراق الشجر الشاخصة، فهي لهذه الأحوال بخلاف الضالّة من الشاة؛ لأنّ تلك تضعف عن إدمان السير و الضرب في أقطار الأرض؛ لضعف قوائمها، و قلّة تمكّنها من أكثر المياه و المراعى بنفسها، و مع ذلك فهي فريسة للذئب إن أحسّ حسّها، و استروح ريحها، و لأجل ذلك

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلسَّائِلِ عَنْهَا: «خُذْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ».

[المجاز] (292)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «فَإِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَلَا تُصَلُّوا حَتَّى تَبْرُزَ، وَ إِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَلَا تُصَلُّوا حَتَّى تَغِيبَ» (3).

و هذه استعارة، و المراد ب «حاجب الشمس» أوّل ما يبدو من قرصها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الشمس عند صعودها من حدبة الأرض بالطالع من وراء ستر يستره، أو غيب يطمره، فأوّل ما يبدو منه وجهه،


1- أي كرشها. راجع المصباح المنير: 96، مادّة (ج ر ر).
2- أي المرتفعة. راجع لسان العرب 11: 280، مادّة (ق ل ص).
3- مسند أحمد 2: 13، 106، كنز العمّال 7: 421/ 19607، عنه مستدرك الوسائل 3: 146/ 3227.

ص: 340

و أوّل ما يبدو من مخاطيط (1) وجهه حاجبه، ثمّ بقيّة وجهه، ثمّ سائر جسده شيئا شيئا، و جزء جزء، فكأنّه عليه الصلاة و السلام نهى عن الصلاة عند ظهور بعض الشمس للعيون حتّى يظهر جميعها، و عند مغيب بعضها حتّى تغيب جميعها.

و قال القطامي في حاجب الشمس- و مراده جانبها-:

تراءت لنا كالشّمس تحت غمامةبدا حاجب منها و ضنّت بحاجب (2)

أي ظهر منها جانب، و غاب منها جانب.

و قد يجوز أن يكون لحاجب الشمس هاهنا معنى آخر: و هو أن يراد به ما يبدو من شعاعها قبل أن يظهر جرمها، و كذلك ما يغيب من شعاعها قبل أن يغيب قرصها، فأقام ذلك عليه الصلاة و السلام لها مقام الحاجب؛ لأنّه يدلّ عليها، و يظهر بين يديها، فكأنّه عليه الصلاة و السلام نهى عن الصلاة قبل أن يظهر قرص الشمس، و بعد الشعاع الغائب أمامه.

و الصلاة المرادة هاهنا صلاة التطوّع، دون صلاة الفرض، ألا ترى أنّ أوّل ما يظهر قرص الشمس ليس بوقت لشي ء من الصلوات المفروضات! و في أوّل هذا الخبر ما يحقّق القول الذي قلناه؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَ لَا غُرُوبَهَا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» (3).


1- أي اجزائه.
2- معجم ما استعجم 2: 609، الغمامة: السحابة، و سمّيت بذلك لأنّها تغمّ السماء؛ أي تسترها.
3- الموطأ 1: 220، سنن النسائي 1: 279، مسند أحمد 2: 19، 24.

ص: 341

و قد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة: «لا يجوز أن يتطوّع بعد صلاة الصبح حتّى تطلع الشمس، و لا بعد صلاة العصر حتّى تغرب الشمس (1)».

و قال الشافعي: «يجوز أن يصلّي في هذين الوقتين النفل الذي له سبب، مثل تحيّة المسجد، و لا يصلّي النفل المبتدأ الذي لا سبب له» (2).

[المجاز] (293)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَ الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» (3).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ المؤمن يقنع من مطعمه بالبلغ (4) التي تمسك الرّمق، و تقيم الأود (5)، دون المآكل التي يقصد بها وجه اللّذة، و يقضى بها حقّ الشهوة، فكأنّه يأكل في معاء واحد؛ لفرط الاقتصار، و كراهة الاستكثار، و أمّا الكافر. فإنّه لتبحبحه (6) في المآكل، و تنقّله في المطاعم، و توخّيه ضدّ ما يتوخّاه المؤمن- من إحراز حطام الدنيا التي يطلب عاجلها، و لا يأمل آجلها- فهو عبد فيها للذّته، و كادح في طاعة شهوته، كأنّه يأكل في سبعة أمعاء؛ لأنّ أكله للذّة لا للبلغة، و للنهمة لا للمسكة (7).


1- الفقه على المذاهب الأربعة 1: 368.
2- الفقه على المذاهب الأربعة 1: 369.
3- الكافي 6: 268/ 1، الخصال: 351/ 29، مجمع الزوائد 5: 31، انظر: مسند أحمد 2: 21، مسند الشهاب 1: 114.
4- و هو ما يتبلّغ به من العيش و لا يفضل. المصباح المنير: 61، مادّة (ب ل غ).
5- أي العوج. لسان العرب 1: 260، مادّة (أ و د).
6- أي أنّه لكثرة المآكل التي لديه توسّطها فصارت حوله. راجع لسان العرب 1: 323، مادّة (ب ح ح).
7- أي البلغة. أقرب الموارد 2: 1211، مادّة (م س ك).

ص: 342

[المجاز] (294)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «جِيئُوا بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَ يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ ...»

في حديث طويل، فأتي به فضحّى به و ذبحه بيده (1).

و هذه استعارة، و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «يطأ في سواد» أنّ أظلافه سود، فكأنّه يطأ منها في سواد؛ أي ليس بينها و بين الأرض منها إلّا ما هو أسود، و هذه من محاسن الاستعارات.

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «و ينظر في سواد» أنّ حدقته سوداء، أو مطارح نظره منها، فكأنّما ينظر في سواد. و هذا المعنى أراد كثيّر بقوله:

و من نجلاء تدمع في بياض إذا دمعت و تنظر في سواد (2)

فالمراد بقوله: «تدمع في بياض» أنّ دمعها يقطر على خدّها و هو أبيض، فيصير الدمع واقعا في بياض، و المراد بقوله: «و تنظر في سواد» المعنى الذي قدّمنا ذكره من وصف الحدقة بشدّة الاسوداد، و إذا كان النظر منها فكأنّ النظر في سواد.

[المجاز] (295)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ ذُكِرَ لَهُ امْرَأَةٌ اسْتُحِيضَتْ: «لَيْسَتْ هَذِهِ بِالْحَيْضَةِ وَ لَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ» (3).

و هذه استعارة، و المراد- بقوله عليه الصلاة و السلام: «ركضة من


1- مسند أحمد 6: 78، صحيح مسلم 6: 78، سنن أبي داود 1: 638/ 2792، السنن الكبرى 9: 267، المبسوط 1: 387.
2- ديوان كثير: 219، أمالي المرتضى 4: 82، النجلاء: الواسعة العين.
3- سنن النسائي 1: 121، 183، مسند أحمد 6: 129، السنن الكبرى 1: 349.

ص: 343

الرّحم» أنّ الرحم نفحت (1) بهذا الدم من غير حيضة، و لكن من حادث علّة، فأشبهت رمحة الفرس إذا رمح بحافره، أو ركضة البعير إذا ركض بمنسمه (2)، و هم يسمّون الطعنة إذا عند عرقها (3) و فار دمها «رمّاحة» و «رموحا» و يقولون: «رمحت بالدم» إذا كان فرغها رغيبا (4)، و جرحها رحيبا، و ذلك موجود في أشعارهم، و متعارف في لسانهم.

[المجاز] (296)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمُ التَّمْرَةَ وَ اللُّقْمَةَ- كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ (5) وَ فَصِيلَهُ (6)- حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ» (7).

و هذه استعارة، و المراد أنّ اللّه سبحانه يجمع القليل إلى القليل من صدقاتكم و النزر من قربكم و طاعاتكم؛ حتّى يعظم يسيرها، و يكبر صغيرها، فيكون عظيم الجزاء بحسبه، و جزيل الثواب على قدره، فجعل عليه الصلاة و السلام ذلك كتربية الفلو و الفصيل، و تربية الطفل الصغير؛ لأنّه تنقيل من حال الضعف و الصغر إلى حال الاشتداد و الكبر.

[المجاز] (297)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ


1- أيّ نزفت.
2- أيّ خفّه.
3- أيّ كثر ما يخرج منه. المصباح المنير: 431، مادّة (ع ن د).
4- أيّ سيلها كثيرا. راجع المصباح المنير: 231 و 470، مادّة (ر غ ب) و ف ر غ).
5- أيّ مهره المفصول عن امه. المصباح المنير: 481، مادّة (ف ل و).
6- أيّ ولد ناقته المفصول عن امه. المصباح المنير: 474، مادّة (ف ص ل).
7- الموطأ 2: 995، مسند أحمد 6: 251، سنن ابن ماجة 1: 590، تفسير العيّاشيّ 1: 153/ 508، و فيه: «لأحدكم الصّدقة».

ص: 344

الرَّحْمَةَ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا»

(1).

و هذه استعارة، و المراد العبارة عن كثرة ما يختصّ به عائد المريض من الأجر الوافر، و الثواب الغامر، فشبّهه عليه الصلاة و السلام لهذه الحال بخائض الغمر (2) في مشيته، و المغتمس فيه عند جلسته.

[المجاز] (298)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَ صِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ» (3).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «فحمة العشاء» و المراد ظلمة العشاء، إلّا أنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الظلمة في هذا الوقت بالفحمة، و هي الهنة (4) السوداء التي أحرقت النار أجزاءها و أحالتها عن هيئتها، و الجمع «فحم» كسعفة و سعف (5)، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أقام شمس النهار مقام النار المتوقّدة، فإذا انطفأ جاحمها و خمد متضرّمها أعقب منها الحمم، و خلفها الفحم.

و «الفواشي» في هذا الخبر: اسم لما ينتشر من الحيوانات في الحي، كالإبل و الغنم و الحمير و البقر، و ما يجري هذا المجرى، و سمّيت


1- مسند أحمد 3: 304، مستدرك الحاكم 1: 350، مجمع الزوائد 2: 297، كنز العمّال 9: 100/ 25171.
2- أي الماء الكثير. أقرب الموارد 2: 885، مادّة (غ م ر).
3- الموطأ 2: 928، مسند أحمد 3: 395، صحيح مسلم 6: 106، سنن أبي داود 1: 586/ 2604، السنن الكبرى 5: 256، غريب الحديث 1: 240.
4- الهنة مؤنّث الهن، و هو اسم يكنّى به عن كلّ اسم جنس، و معناه شي ء. أقرب الموارد 2: 1407، مادّة (ه ن و).
5- في هذا التشبيه خفاء؛ فإنّ المعروف فيهما التحريك، فيقال سعفه و سعف. راجع لسان العرب 6: 268، مادّة (س ع ف)، قوله: و يجوز السعف، و الواحدة سعفة.

ص: 345

«فاشية» لانتشارها و ظهورها، و منه قولهم: «فشا الحديث» إذا ظهر و انتشر، و من كلام العرب: «ضمّوا فواشيهم، و ردّوا مواشيهم».

[المجاز] (299)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اعْطُوا الطُّرُقَ حَقَّهَا» قِيلَ: وَ مَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَ كَفُّ الْأَذَى، وَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» (1).

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «لَا تَقْعُدُوا عَلَى الصُّعُدَاتِ إِلَّا مَنْ أَعْطَاهَا حَقَّهَا» (2).

و «الصعدات» الطرق، و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل للطرق على القاعدين عليها حقّا يجب عليهم الخروج إليها منه، و الإعفاء لها به؛ و هو مجموع الخلال المذكور في أوّل الحديث، فمن خرج عن ذلك الحقّ الواجب و قام بذلك الفرض اللازم، جاز له القعود على الطرق، و من لم يقم بذلك الحقّ و يؤدّ ذلك الفرض، كان جلوسه عليها محظورا، و كان بمخالفة الأمر مذموما.

[المجاز] (300)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمَجَالِسُ ثَلَاثَةٌ: سَالِمٌ، وَ غَانِمٌ، وَ شَاجِبٌ» (3).


1- مسند أحمد 3: 47، صحيح البخاري 3: 103 و 7: 126، صحيح مسلم 6: 165 و 7: 2، سنن أبي داود 2: 439/ 4815، السنن الكبرى 7: 89، مجمع الزوائد 8: 62، كنز العمّال 9: 140/ 25409، الدرّ المنثور 5: 41.
2- مسند أحمد 6: 385، مجمع الزوائد 8: 62، كنز العمّال 9: 147/ 25448 و في هذه الثلاثة نقل الخبر مع اختلاف في العبارة، معاني الأخبار: 283، و فيه: «ايّاكم و القعود بالصعدات».
3- مسند أحمد 3: 75، مجمع الزوائد 1: 129، كنز العمّال 9: 147/ 25451، 25452، غريب الحديث 4: 455.

ص: 346

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ أهل هذه المجالس الثلاثة سالمون و غانمون، و شاجبون، و «الشاجب» الهالك، و «الشجب» الهلاك، فجعل عليه الصلاة و السلام هذه الصفات للمجالس، و هي- على التحقيق- لأصحاب المجالس، و لكنّها لمّا كانت مشتملة على أهلها حسن إجراء صفاتهم عليها.

و معنى هذا الخبر: المجلس لا يذكر فيه الجميل، و لا القبيح، و لا المنكر، و لا المعروف، فأهله سالمون، و المجلس الذي يذكر فيه الحسن من الأقوال، و يتحاضّ من فيه على جميع الأفعال، فأهله غانمون، و المجلس الذي لا يسمع فيه إلّا القبيح، و لا يفعل فيه إلّا المحظور، فأهله هالكون.

[المجاز] (301)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي مَاتَ فِي الثَّدْيِ، وَ إِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ (1) يُكْمِلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ» (2).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «مات في الثّدي» مجاز، و المراد أنّ الموت أصابه و هو يرضع، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «مات و هو في الرضاع» و ذلك كقول القائل: «ابن فلان في الصياغة» أو «ولد فلان في التجارة» إذا أراد أنّه قد دفع إلى من يعلّمه هذه الصناعة، فهو مقصور على ذلك، و مأخوذ به، و لم يفرغ بعد من تعلّمه، و مثل ذلك أيضا قولهم:


1- الظئر: المرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها. المصباح المنير: 388، مادّة (ظ أ ر).
2- مسند أحمد 3: 112، صحيح مسلم 7: 76، كنز العمّال 12: 455/ 35554، البداية و النهاية 5: 331.

ص: 347

«ابن فلان بعد في أبجد» أو «في ألف با تا ثا» أي هو بعد في تعلّمه هذه الحروف المخصوصة، و لم يستكمل علمها فينتقل عنها إلى غيرها.

و لا بدّ من حمل الكلام على تقدير مضاف محذوف؛ و هو رضاع الثدي، فيكون المعنى صحيحا، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «مات و هو في رضاع الثدي» و لذلك نظائر كثيرة، و أمثال مشهورة، و بابه ما جاء في التنزيل من قوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ (1)، و المراد أهل القرية و ما في معنى ذلك.

[المجاز] (302)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَ صُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد: و حيزت الطرق، فخرجت عن حال الاشتراك، و طريقة الاختلاط، فشبّه عليه الصلاة و السلام ذلك بصرف الإنسان عن وجهته، و عكسه من جهته.

و هذا الخبر ممّا يستشهد به من قال: «إنّ الشفعة إنّما تجب للشريك المخالط، دون الجار المجاور» (3) و قال أهل العراق: «إنّما تجب للشريك المخالط، ثمّ للجار المجاور».

[المجاز] (303)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ


1- يوسف (12): 82.
2- صحيح البخاريّ 3: 47، 112، سنن ابن ماجة 2: 835/ 2499، سنن ابي داود 2: 147/ 3514، سنن التّرمذيّ 2: 413/ 1382، السّنن الكبرى 6: 102.
3- في نسخة ب زيادة: و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام و قول مالك و الشّافعيّ من فقهاء الحجاز.

ص: 348

يُثَقِّفُونَ الْقُرْآنَ كَمَا يُثَقَّفُ (1) الْقِدْحُ (2) ...»

(3)، في حديث طويل أخرجه مخرج الذمّ لأهل ذلك الزمان.

و هذه استعارة، و المراد أنّهم يعنون بإصلاح ألفاظ القرآن حتّى تقوم على المنهاج، و تقوّم بعد الاعوجاج، فتكون كالسهم المثقّف الذي يسرع في الإنباض (4)، و يقرطس (5) في الأغراض، و لا يتدبّرون ما وراء تلك الألفاظ من حكم واجب، و أمر لازم، و فرض متعيّن، و حقّ مبيّن.

[المجاز] (304)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ أَطْلَقَ الشُّرْبَ فِي الْأَوْعِيَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَظَرَهُ: «وَ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الشُّرْبِ فِي الْأَوْعِيَةِ، فَاشْرَبُوا مَا شِئْتُمْ إِلَّا مَنْ أَوْكَى سِقَاءَهُ عَلَى إِثْمٍ» (6).

و هذا القول مجاز، و المراد إطلاق الشّرب في الأوعية التي وقع النهي عنها، كالدّبّاء، و الحنتم، و النّقير، و المزفّت (7)؛ إذا كان ما فيها من الأشربة


1- أي يقوّم اعوجاجه. المصباح المنير: 83، مادّة (ث ق ف).
2- القدح: اسم السهم قبل أن يركّب نصله و قبل أن يسجعل في ذيله الريش. راجع المصباح المنير: 491، مادّة (ق د ح).
3- مسند أحمد 3: 146، 397، كنز العمّال 10: 203/ 29070.
4- أي عند جذب وتر القوس. أقرب الموارد 2: 1263، مادّة (ن ب ض).
5- أي يصيب الأهداف. راجع أقرب الموارد 2: 986- 987، مادّة (ق ر ط س).
6- مسند أحمد 3: 481، كنز العمّال 5: 527.
7- الدّبّاء: و وعاء يتخذ من القرع، و الحنتم: جرّة من خزف مدهونة خضراء كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة، ثمّ اتسع فيها فقيل للخزف كلّه: حنتم، و النّقير: جذع النخلة ينقر و يقوّر حتّى يصير كالإناء، و المزفّت: المطلّي بالزّفت من خارجه حتّى تسدّ مسامّ الإناء، فيكون أسرع لتخمّر ما فيه، و الدباء و الحنتم و النقير أوعية كانوا ينتبذون فيها و ضريت، فكان النبيذ فيها يغلي سريعا و يسكر، فنهاهم عن الانتباذ فيها بشرط أن يشربوا ما فيها و هو غير مسكر. لسان العرب 4: 289، مادّة (د ب ي).

ص: 349

المطلقة غير الممنوعة، و المباحة غير المحظورة، و موضع المجاز قوله عليه الصلاة و السلام: «إلّا من أوكى سقاءه على إثم» يقول: إلّا من ربط سقاءه على مشروب محرّم، فإنّ ذلك خارج عن باب الإطلاق و الإباحة، و داخل في باب الحظر و الكراهة. و أراد عليه الصلاة و السلام:

إلّا من أوكى سقاءه على مشروب يؤدّي إلى الإثم، فأقام الإثم مقامه؛ لأنّه عاقبة أمره، و وبال فعله.

[المجاز] (305)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَ حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ جميع الأفعال التي توصل إلى الجنّة، يتجشّم فعلها على الكره و المشقّة؛ لأنّ طريقها وعر، و مذاقها مرّ، فلمّا كانت الطرق المفضية إلى الجنّة كلّها- كما ذكرنا- شاقّة المسالك صعبة على السالك، حسن أن يقال: «الجنّة حفّت بالمكاره» على طريق المجاز و سعة الكلام، و لمّا كانت الأفعال المفضية إلى دخول النار- في الأغلب الأكثر- كثيرة الملاذ ملائمة للطباع، لا تؤتى من طريق مشقّة، و لا يقرع لها باب كلفة، حسن أن يقال: «إنّ النار حفّت بالشهوات» على طريق الاتساع و المجاز.

[المجاز] (306)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثاً، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ رَجُلًا، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، هَلْ تَحِلُ


1- مسند أحمد 2: 380، 3: 153، 254 و 284، سنن الدّارميّ 2: 339، صحيح مسلم 8: 143، سنن التّرمذيّ 4: 97/ 2684، كنز العمّال 3: 332/ 6805، روضة الواعظين: 421.

ص: 350

لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا، حَتَّى يَكُونَ الْآخَرُ قَدْ ذَاقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا، وَ ذَاقَتْ مِنْ عُسَيْلَتِهِ» (1).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام كنّى عن حلاوة الجماع بحلاوة العسل، و كأنّ مخبر المرأة و مخبر (2) الرجل كالعسلة المستودعة في ظرفها، فلا يصحّ الحكم عليها إلّا بعد الذوق منها. و جاء عليه الصلاة و السلام باسم «العسيلة» مصغّرا لسرّ لطيف في هذا المعنى؛ و هو أنّه أراد فعل الجماع دفعة واحدة هو ما تحلّ المرأة به للزوج الأوّل، فجعل ذلك بمنزلة الذواق القابل من العسلة من غير استكثار منها، و لا معاودة لأكلها، فأوقع التصغير على الاسم، و هو في الحقيقة للفعل. و ذلك بالعكس من التصغير في البيت المشهور، و هو من أبيات الكتاب، و أنشدناه الشيخان أبو الفتح عثمان بن جنّي، و أبو الحسن عليّ بن عيسى الرّبعي، و ذلك قول الشاعر:

ياما اميلح غزلانا شدنّ لنامن هؤليّائكنّ الضّال و السّمر (3)

فأوقع الشاعر التصغير على الفعل في الظاهر، و ذلك غير جائز، و إنّما أراد به على الحقيقة تصغيرا لإسم المصدر الذي هو «الملاحة» فهذا


1- الموطأ 2: 531، سنن النسائي 6: 146، مسند أحمد 3: 284.
2- المخبر: خلاف المنظر. الصحاح 2: 641.
3- ديوان العرجي: 180، الصحاح 1: 407 مع اختلاف يسير، امليح: مصغّر أملح، شدنّ: قوين و ترعرعن، كما يظهر من اللسان مادّة (ش د ن) و لعلّ المراد: برزن و ظهرت، و لكن في اللسان أيضا في مادّة (م ل ح): عطون بدل شدنّ، يقال عطا الظبي: تطاول إلى الشجر ليتناول منه، هؤليّاء: مصغّر هؤلاء، الضال: جمع ضالة، نوع من الشجر، و يطلق أيضا على السدر، السمر: جمع سمرة، و هي شجر الطلح.

ص: 351

الشاعر- كما ترى- صغّر الفعل و أراد الاسم، و هو عليه الصلاة و السلام في الخبر صغّر الاسم و أراد الفعل.

[المجاز] (307)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَتَطَهَّرُ الرَّجُلُ فَيُحْسِنُ طَهُورَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْجُمُعَةَ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ، إِلَّا كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ؛ مَا اجْتَنَبَ الْمَقْتَلَةَ» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «ما اجتنب المقتلة» مجاز، و المراد: ما لم يواقع الخطيئة الكبيرة التي تكون سببا لهلاكه، و طريقا إلى بواره، فشبّهها عليه الصلاة و السلام بالمقتل (2) من مقاتل الإنسان الذي إذا اتي منه فقد اتي عليه (3). و إنّما أنّث عليه الصلاة و السلام «المقتل» لأنّه جعله في هذا الموضع عبارة عن الخطيئة، و هي مونّثة، فأنّثه حملا على المعنى، و لذلك في كلامهم نظائر كثيرة.

[المجاز] (308)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ» (4).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الغمّ يتغشّى قلبه عليه الصلاة و السلام حتّى يستكشف غمّته و يستفرج كربته بالاستغفار، فشبّه ما تغشّى قلبه


1- مسند أحمد 5: 439، كنز العمّال 7: 742/ 21195.
2- و هو الموضع الذي إذا اصيب لا يكاد يسلم صاحبه، كالصدغ. المصباح المنير: 490، مادّة (ق ت ل).
3- أي قضي عليه.
4- مسند أحمد 4: 211 و 260، صحيح مسلم 8: 72، سنن أبي داود 1: 1515339، مستدرك الحاكم 1: 511، السنن الكبرى 7: 52، كنز العمّال 1: 476/ 2075، الدرّ المنثور 6: 63.

ص: 352

من ذلك بغواشي الغيم التي تستر الشمس، و تجلّل الافق، و «الغيم» و «الغين» اسمان للسحاب، و سواء قال: «يغان على قلبي» أو قال:

«يغام على قلبي».

[المجاز] (309)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ؛ بَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ» (1).

و هذه استعارة، و المراد تشبيه القلوب بالأوعية؛ و هي الظروف و العياب (2) التي تحرز فيها الأمتعة و غيرها من الأشياء المحفوظة، و هي كالآنية لإيداع الأشياء المائعة، إلّا أنّ الأوعية تختصّ بالجامدات، كما أنّ الآنية تختصّ بالمائعات، فالقلب من حيث حفظ و وعى كالوعاء من حيث جمع و أوعى.

و ربّما نسب هذا الكلام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام على خلاف في لفظه، و قد ذكرناه في جملة كلامه لكميل بن زياد النّخعي في كتاب «نهج البلاغة» (3).

[المجاز] (310)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئاً مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُلَّ عَنْهُ لِحَى سَبْعِينَ شَيْطَاناً» (4).

و هذا القول مجاز، و المراد تعظيم الأمر في مجاهدة الإنسان نفسه عند


1- مسند أحمد 2: 177، مجمع الزوائد 10: 148.
2- العياب: جمع عيبة.
3- نهج البلاغة (عبده): 691 الحكمة 147.
4- مسند أحمد 5: 350، مستدرك الحاكم 1: 417، السنن الكبرى 4: 187، مجمع الزوائد 3: 109، كنز العمّال 6: 348/ 16000، الدرّ المنثور 1: 355.

ص: 353

إخراج الصدقة؛ لشدّة تتبّع النفس لها و كثرة الصوارف عنها و وساوس الشيطان بما يقتضي الامتناع منها، فإذا غلب الإنسان بإخراجها نوازع جنانه و نوازغ شيطانه، كان كأنّه قد افتلّها من أيدي الجاذبين، و فلّ عنها لحى الشياطين.

و إنّما ذكر عليه الصلاة و السلام هذا العدد المخصوص من الشياطين- و هو السبعون- على طريقة للعرب مشهورة في ذكر ذلك إذا أرادت التكثير. و قد ورد التنزيل بسلوك هذا النهج، و الوقوف عند هذا القدر، قال سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (1)، و قال تعالى: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (2).

[المجاز] (311)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي، وَ يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ» (3).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ علم اللّه سبحانه و معرفته لا يغيبان عن الحاكم إذا حكم، و عن القاسم إذا قسم، فيعلم سبحانه عدل القاضي إذا تحرّى العدل، و ظلمه إذا اعتمد الظلم، و لا يخفى عليه حيف القاسم و ميله، أو إنصافه و عدله، و ذلك كما يقول القائل: «يد فلان مع فلان» إذا كان مشاركا له في ولاية يليها، أو مشارفا له في امور يمضيها.


1- التوبة (9): 80.
2- الحاقة (69): 32.
3- مسند أحمد 5: 414، السنن الكبرى 10: 132، مجمع الزوائد 4: 193، كنز العمّال 6: 100/ 15021.

ص: 354

و في هذا القول تخويف شديد للحاكم و القاسم من مفارقتهما مقام الحقّ، و مقال الصدق، و حثّ لهما على سلوك النهج الأبلج (1)، و تجنّب الطريق الأعوج.

و نظير هذا الخبر

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَ لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ» (2).

و المراد أنّه تعالى يحيط علما بمقاصد كلامه، و مصارف لسانه، كما يعلم ذلك منه من سمع حواره، و شهد خطابه.

و مثل ذلك أيضا

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ- وَ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ-: «إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْكُمْ مِنْ رُءُوسِ رِكَابِكُمْ (3)» (4).

[المجاز] (312)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَ قَدْ رَأَى الْأَذَانَ فِي نَوْمِهِ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ، فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتاً» (5).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّه أمدّ صوتا منك؛ تشبيها بالشي ء النديّ


1- أي الواضح الظاهر. المصباح المنير: 60، مادّة (ب ل ج).
2- قرب الإسناد 66: 212، التوحيد 337/ 3، مشكاة الأنوار 47: 33، حلية الأولياء 8: 352، مسند الشهاب 2: 169، كنز العمّال 3: 549/ 7842.
3- الركاب: الإبل التي يسار عليها، واحدتها: راحلة، و لا واحد لها من لفظها، و جمعها: ركب، لسان العرب 5: 295، مادّة (ر ك ب).
4- سنن أبي داود 2: 87/ 1526، كنز العمّال 2: 83/ 3244، و فيهما: «بينكم و بين أعناق ركابكم».
5- المعتبر 2: 127، السنن الكبرى 1: 399، سنن الدارمي 1: 269 مع اختلاف، سنن الدارمي 1: 269 بهذا المضمون، سنن ابن ماجة 1: 232/ 706، و فيه أيضا تقدّم و تأخّر في لفظ العبارة، سنن أبي داود 1: 121/ 499 مع اختلاف.

ص: 355

يمتدّ و ينبسط، و هو بالضدّ من اليابس الذي يجتمع و ينقبض و على ذلك قول الشاعر:

فقلت ادعي و أدعو إنّ أندى لصوت أن ينادي داعيان (1)

[المجاز] (313)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ* وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَ لَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَ يُمِيتُ*، وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ- عَشْرَ مَرَّاتٍ- كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَ حَطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَ رَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَ كُنَّ لَهُ مَسْلَحَةً مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِ إِلَى آخِرِهِ؛ مَا لَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلًا يَقْهَرُهُنَّ» (2).

و في هذا الكلام استعارتان:

إحداهما: قوله عليه الصلاة و السلام: «كنّ له مسلحة من أوّل نهاره إلى آخره» و المراد ب «المسلحة» هاهنا: مجتمع السلاح الكثير، يقال:

«هاهنا مسلحة للسلطان» و يراد به الموضع الذي فيه جماعة من أعوانه قد كثرت أسلحتهم، و اشتدّت شوكتهم، كما يقال: «مأسدة» للأرض الكثيرة الأسد، و «مكمأة» للأرض الكثيرة «الكمأة» و «مفعاة» و «محواة» للأرض الكثيرة الأفاعي و الحيّات ... و نظائر ذلك كثيرة، فجعل عليه الصلاة و السلام هذه الكلمات لقائلهن؛ بمنزلة السلاح الكثير الذي يدفع عنه المخاوف، و يردّ الأيدي البواطش.


1- مجالس ثعلب: 456، الصحاح 6: 2506.
2- مسند أحمد 5: 420، مجمع الزوائد 1: 112، كنز العمّال 2: 147/ 3528.

ص: 356

و الاستعارة الاخرى: قوله عليه الصلاة و السلام: «ما لم يعمل يومئذ عملا يقهرهنّ» و المراد: ما لم يعمل من الأعمال السيّئة في يومه ما يغلب إثمه أجر هذه الكلمات إذا قالها على الوجه المحدود فيها، و ينبغي أن يكون المراد بذلك الذنوب الصغائر، دون الذنوب الكبائر؛ لأنّ عقاب الكبيرة يعظم، فيكون كالقاهر لتلك الحسنات التي ذكرها، و الدرجات التي أشار إليها.

و لمّا أقام عليه الصلاة و السلام تلك الكلمات مقام السلاح لقائلها، جعل ما في مقابلتها- من إثم مولغ، و ذنب موبق- بمنزلة القاهر لها و الثالم فيها؛ ملامحة بين صفحات الألفاظ، و مزاوجة بين فوائد الكلام، و هذا موضع المجاز الثاني الذي أفضنا في ذكره، و كشفنا عن سرّه.

[المجاز] (314)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: لَمَّا أَمَرَ بِرَجْمِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي زَنَا؛ بَعْدَ أَنْ وَافَقَ الْيَهُودُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي الْمُحْصَنِ عِنْدَهُمْ الرَّجْمُ دُونَ الْجَلْدِ، وَ كَانُوا أَنْكَرُوا ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَرُّوا بِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ» (1).

و هذه استعارة، و المراد: أنّي أوّل من أظهر أمرك إذ ستروه، و أذاعه إذ كتموه، فأقام عليه الصلاة و السلام الإظهار مقام الإحياء، و الإخفاء مقام الإماتة؛ لأنّ الحيّ ظاهر منتشر، و الميّت خاف مستتر، و قد مضى الكلام على نظير هذا الخبر فيما تقدّم من هذا الكلام.

[المجاز] (315)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِيمَا رَوَاهُ شَدَّادُ بْنُ الْهَادِ قَالَ: سَجَدَ


1- صحيح مسلم 5: 123، سنن أبي داود 4: 154/ 4448، سنن ابن ماجة 8552: 2558.

ص: 357

رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ سَجْدَةً أَطَالَ فِيهَا، فَقَالَ النَّاسُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ (1) سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ أَتَاكَ وَحْيٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَ لَكِنَّ ابْنِي هَذَا ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» (2)، وَ كَانَ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَدْ جَاءَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي سَجْدَتِهِ، فَامْتَطَى ظَهْرَهُ.

و هذا الحديث مشهور، و هو حجّة لمن يجوّز انتظار الإمام بركوعه إذا سمع خفق النعال حتّى يدخل الواردون معه في الصلاة، و هو قول الشافعي، و قد كرهه أهل العراق، و لا خلاف في أنّ الإمام يجوز له أن ينتظر حضور الجماعة إذا لم يخش فوت الوقت قبل أن يدخل في الصلاة، فانتظاره عليه الصلاة و السلام ابنه حتّى يقضي منه حاجته، يدلّ على أنّ من فعل هذا الفعل و أشباهه لا يخرج به من الصلاة.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «و لكنّ ابني هذا ارتحلني» استعارة، و المراد أنّه جعل ظهره كالراحلة له و المطيّة التي تحمله، و يقال من ذلك:

«رحلت الناقة» و «ارتحلتها» إذا امتطيتها لتسيّرها، و على ذلك قال الشاعر:

و لكن رحلناها نفوسا كريمةتحمّل ما لا يستطاع فتحمل (3)


1- أي بينها. المصباح المنير: 387، مادّة (ظ ه ر).
2- سنن النسائي 2: 230، مسند أحمد 3: 494 و 6: 467، مستدرك الحاكم 3: 166، السنن الكبرى 2: 263، مجمع الزوائد 9: 181، كنز العمّال: 13: 668/ 37703، علل الشرائع 1: 174.
3- الوافي بالوفيات 6: 95.

ص: 358

ألا ترى أنّ الشاعر لمّا جعل هذه النفوس بمنزلة المطايا المذلّلة و الظهور المحمّلة، استحسن أن يقول: «رحلناها» مقابلة بين أجزاء اللفظ، و ملاحمة بين العجز و الصدر، و ليس هناك- على الحقيقة- ظهور تحمل الرجال، و تحمل الأثقال، و إنّما أراد صفة تلك النفوس بالصبر على عضّ البلاء، و عرك الأدواء (1)، و نوازل القدر، و جواذب الغير (2).

[المجاز] (316)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ كَلَّمَ بِهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ: «لَنْ تَبْرَحُوا مُبْتَلَيْنَ (3) مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَإِذَا أَنَا هَلَكْتُ أَقْبَلَتْ إِلَيْكُمُ الدُّنْيَا، وَ أَقْبَلْتُمْ إِلَيْهَا، وَ اضْطَمَّتْكُمُ (4) الدُّنْيَا اضْطِمَامَ الْوَالِدَةِ وَلَدَهَا» (5).

و هذه استعارة، و المراد أنّ الدنيا بعده عليه الصلاة و السلام تكثر فوائدها، و تتصل مراغدها، فشبّه نفعها لأهلها بحفاوة الوالدة بولدها؛ إذ كانت ترضعه درّها (6)، و تمهده حجرها، و تشبل (7) عليه جهدها، و ذلك كقولهم: «قد ضمّ فلان فلانا إلى كنفه» يريدون أنّه قد قام بأمره، و أغناه عن غيره.

[المجاز] (317)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تُعَادُوا الْأَيَّامَ فَتُعَادِيَكُمْ» (8).


1- الأدواء: جمع داء. لسان العرب 4: 436، مادّة (د و أ).
2- أي الأحداث المغيّرة. راجع أقرب الموارد 2: 895، مادّة (غ ي ر).
3- في نسخة ب: «مقبلين» بدل «مبتلين».
4- أي ضمّتكم. لسان العرب 8: 89، مادّة (ض م م).
5- لم أعثر على مصدره.
6- أي لبنها.
7- أي تعطف لسان العرب 7: 22، مادّة (ش ب ل).
8- دعائم الإسلام 2: 145/ 512، معاني الأخبار 123/ 1، الخصال 101394، كمال الدين: 383، كفاية الأثر: 287، روضة الواعظين: 392، إعلام الورى: 438، الخرائج و الجرائح 1: 413/ 17، مناقب ابن شهر آشوب 1: 265.

ص: 359

و هذا القول مجاز؛ لأنّ الأيّام- على الحقيقة- لا يصحّ أن تعادي و لا تعادى، و إنّما المراد لا تخصّوا بعض الأيّام بالكراهيّة له، و التطيّر به، فربّما اتفق عليكم فيه من طوارق القدر و بوائق الغير، ما يقوّي في ظنونكم أنّه يختصّ ذلك اليوم دون غيره من الأيّام، و ليس كما ظننتم؛ لأنّ الأيّام تمضي في ذلك على عاداتها، و تجري إلى غاياتها، فتكونون كأنّكم قد عاديتم ذلك اليوم باستشعاركم وصول الضرر إليكم منه، و يكون ذلك اليوم كأنّه قد عاداكم باتّفاق المضرّة عليكم فيه، و خرج القول مخرج المجاز و الاتساع، و مناديح (1) الكلام.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

[المجاز] (318)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سَمِعَ أَعْرَابِيّاً يَقُولُ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ بِعَقِبِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَ مُحَمَّداً، وَ لَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَداً، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعاً» (2).

و هذه استعارة، و أصل «التحجّر» أن يختطّ الإنسان خطّة، و يضرب عليها سياجا ليحوزها به، و يعلم أنّها في قبضته، و منه «الحجرة» و هو البيت المضروب، و جعلت بعد ذلك اسما لبناء مخصوص، و جمعها


1- المناديح: جمع مندوحة، و هي السعة و الفسحة. راجع المصباح المنير: 597، مادّة (ن د ح).
2- سنن النسائي 3: 14، مسند أحمد 2: 239 و 283، سنن أبي داود 1: 94/ 380، 202/ 882، سنن الترمذي 1: 99/ 147، السنن الكبرى 2: 428، كنز العمّال 2: 628/ 4936.

ص: 360

«حجر» و من ذلك قولهم: «حجر الحاكم على فلان» إذا منعه من التصرّف في ماله، فكأنّه ضرب عليه حظارا يحبسه فيه، و يقصر خطوه دونه، فأراد عليه الصلاة و السلام بقوله للأعرابي: «لقد تحجّرت واسعا» تشبيهه بمن ضرب سياجه على قاعة (1) واسعة فحازها، و منع غيره من المشاركة فيها؛ لأنّه دعا ربّه أن يرحم النبيّ عليه الصلاة و السلام و يرحمه معه خصوصا، و حظر رحمته سبحانه على الناس عموما، و كان ذلك تحجّرا على الرحمة، و سيطرة على النعمة و خلافا لقوله تعالى:

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ (2).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ: «مَنْ هَذَا؟ لَقَدِ احْتَظَرَ وَاسِعاً»

(3)، و المعنى في اللفظين واحد؛ لأنّ الأوّل مأخوذ من «الحجرة» و الثاني مأخوذ من «الحظيرة» و قد يجوز أن يكون المراد: لقد ضيّق أمرا واسعا في الجملة.

و قد يجوز أن يكون لقد وسّع على نفسه، فضيّق على غيره.

[المجاز] (319)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (4).


1- و هي أرض واسعة سهلة مطمئنّة مستوية حرّة لا حزونة فيها و لا ارتفاع و لا انهباط ... لسان العرب 11: 348، مادّة (ق و ع).
2- الأعراف (7): 156.
3- سنن ابن ماجة 1: 176/ 529، مسند أحمد 4: 312 و 2: 419، 536.
4- مسند أحمد 2: 252، سنن الدارمي 1: 99، 101، صحيح مسلم 8: 71، سنن ابن ماجة 1: 82/ 225، سنن أبي داود 2: 157/ 3643، سنن الترمذي 4: 265/ 4015، مستدرك الحاكم 1: 89، كنز العمّال 1: 544/ 2436، نهج البلاغة 4: 6/ 23.

ص: 361

و هذه استعارة، و المراد أنّ من تأخّر بسوء عمله عن غايات الفضل و مواقف الفخر، لم يتقدّم إليها بشرف نسبه، و كريم حسبه، فجعل عليه الصلاة و السلام الإبطاء و الإسراع مكان التأخّر و التقدّم؛ لأنّ المبطى ء متأخّر، و المسرع متقدّم، و أضافهما إلى العمل و النسب، و هما في الحقيقة لصاحبهما لا لهما، و لكن العمل و النسب لمّا كانا سبب الإبطاء و الإسراع، حسن أن يضاف ذلك إليهما على طريق المجاز و الاتّساع.

[المجاز] (320)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «رَحِمَ اللَّهُ حِمْيَراً؛ أَفْوَاهُهُمْ سَلَامٌ، وَ أَيْدِيهِمْ طَعَامٌ، أَهْلُ أَمْنٍ وَ إِيمَانٍ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد المبالغة في صفتهم بإفشاء السلام، و إطعام الطعام، فلمّا كثر لفظ السلام من أفواههم و بذل الطعام من أيديهم، جاز- على طريق المبالغة- أن يقول: «أفواههم سلام، و أيديهم طعام» كما يقول القائل: «ما فلان إلّا أكل و نوم» و «ما فلان إلّا صلاة و صوم» إذا كثر الأكل و النوم من الأوّل، و الصلاة و الصوم من الآخر.

و على هذا قول الخنساء في صفة الظبية الفاقدة ولدها:

ترتاع ما نسيت حتّى إذا ذكرت فإنّما هي إقبال و إدبار (2)

تريد صفتها بكثرة الإقبال و الإدبار، و التململ (3) و الاضطراب.


1- مسند أحمد 2: 278، سنن الترمذي 5: 385/ 4032، كنز العمّال 12: 58/ 33985.
2- ديوان الخنساء: 48، لسان العرب 11: 538، و فيه: ترتع ... ادّكرت، و ما في اللسان أصحّ؛ فإنّ الظبية ترتع عند نسيانها؛ أي تأكل و تشرب ما شاءت في خصب و سعة، لا أنّها ترتاع و تغزع عند نسيانها.
3- أي عدم الاستقرار. راجع لسان العرب 13: 187، مادّة (م ل ل).

ص: 362

و من هذا الباب أيضا قولهم: «فلان عدل» فوصفوه بالمصدر الذي فعله «عدل، يعدل، عدلا» لكثرة وقوعه منه، و تظاهره به، و نظائر ذلك كثيرة.

[المجاز] (321)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ- وَ يَعْنِي الْمَوْتَ-: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ» (1).

و هذه استعارة، و المراد أنّ اللذات بالموت تتلاشى و تبطل، و تمحق و تضمحلّ، كما يضمحلّ البناء بهدمه، و يبطل بتعفية رسمه (2)، و «الهدم» في الأصل: هو الإبطال للشي ء، فإذا قالوا: «هدم فلان البناء» فإنّما يريدون أنّه أزاله و أبطله.

وَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلْأَنْصَارِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ- بَعْدَ مُرَاجَعَةِ كَلَامٍ طَوِيلٍ-: «الدَّمَ الدَّمَ، وَ الْهَدْمَ الْهَدْمَ»

(3)، و أصحّ ما قيل في تفسير ذلك: «أنّه عليه الصلاة و السلام أراد: أنّكم إن طلبتم بدم طلبته، و إن هدمتموه هدمته، و أقام الهدم هاهنا مقام الطلّ، يقول: إن طللتموه طللته؛ بمعنى إن أبطلتموه أبطلته» و قال يعقوب بن السكّيت في كتاب «الألفاظ»: «يقال: دماؤهم هدم بينهم؛ أي هدر (4)» و يقال:

«هدم» بتحريك الدال أيضا.


1- البداية و النهاية 9: 238، كنز العمّال 15: 542/ 42095، 42096، 42097، دعائم الإسلام 1: 221، تحف العقول: 178، سنن النسائي 4: 4، مستدرك الحاكم 4: 321، مجمع الزوائد 10: 308، و في الدعائم و ما تلته من الكتب: «هاذم» بدل «هادم» سنن الترمذي 3: 379، و فيه: «هازم».
2- أي انداراس ما كان لاحقا بالأرض من آثار البناء.
3- مناقب ابن شهر آشوب 1: 157، مجمع الزوائد 6: 44.
4- كنز الحفّاظ في تهذيب الألفاظ: 275.

ص: 363

[المجاز] (322)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي ذَمِّ أَقْوَامٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: «خُشُبٌ بِاللَّيْلِ جُدُرٌ بِالنَّهَارِ ...» (1)

، في كلام طويل.

و هذه استعارة، و المراد أنّهم ينامون الليل كلّه من غير قيام لصلاة، و لا استيقاظ لمناجاة منهم، كالخشب الواهية التي تدعم لئلّا تتهافت، و تمسك لئلّا تتساقط.

[المجاز] (323)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَ الذَّنْبُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَ نَزَعَ وَ اسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَغْمُرَ قَلْبَهُ» (2).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «صقل قلبه» استعارة، و المراد إزالة تلك النكتة السوداء عن قلبه، و لكنّها لمّا كانت بمنزلة الدرن (3) في الثوب أو الطبع (4) على السيف، حسن أن يقال: «صقل قلبه منها» كما يصقل السيف من طبعه، أو يغسل الثوب من درنه.

[المجاز] (324)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «وَ لَا يَشْرَبْ أَحَدُكُمْ الْحُدُودَ وَ هُوَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ»

(5).

و هذا القول مجاز، و المراد ب «الحدود» هاهنا الخمر، و إنّما عبّر عليه


1- النهاية في غريب الحديث 2: 32، مسند أحمد 2: 293، و فيه: «صخب» بدل «جدر»، مجمع الزوائد 1: 107، و فيه أيضا هكذا، كنز العمّال 1: 171/ 862، و فيه: «سخب».
2- مسند أحمد 2: 297، سنن ابن ماجة 2: 1418/ 4244، روضة الواعظين 414، مشكاة الانوار: 447/ 1499.
3- أي الوسخ. المصباح المنير: 193، مادّة (د ر ن).
4- أي الصدأ. أقرب الموارد 1: 696، مادّة (ط ب ع).
5- المصنّف 7: 416/ 13684.

ص: 364

الصلاة و السلام بهذا الاسم عنها؛ لأنّ إقامة الحدود تستحقّ بشربها، و ليس هاهنا معصية ربّما اجتمعت في الإقدام عليها حدود كثيرة غيرها؛ لأنّ السكران- في الأكثر- يقدم على استحلال الفروج، و استهلاك النفوس، و سبّ الأعراض، و قذف المحصنات، فيجتمع عليه حدّ السكر، و حدّ القتل، و حدّ الزنى، و حدّ القذف، و لذلك

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ سَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ حَدِّ السَّكْرَانِ، فَقَالَ: «أَقِمْ عَلَيْهِ حَدَّ الْمُفْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّارِبَ إِذَا سَكَرَ لَغَا، وَ إِذَا لَغَا افْتَرَى» (1).

[المجاز] (325)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ: «هُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ» (2).

و «الدّعموص» دويبّة (3) صغيرة تكون في مياه العيون، يقال: «إنّها ضفدع» فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّههم- للعبهم في أنهار الجنّة و مياهها- بالدعاميص التي تقوم في قرارات الغدران و جمامها (4).

[المجاز] (326)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِذَا أُضِيعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ» قِيلَ: وَ مَا إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا تَوَسَّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ» (5).


1- لاحظ: الموطّأ 2: 842/ 2، و فيه: «هذى» بدل «لغا».
2- مسند أحمد 2: 477، 510، صحيح مسلم 8: 40، السنن الكبرى 4: 67 و في المصدرين الأخيرين: «صغارّهم».
3- الياء ساكنة، و فيها إشمام من الكسر، و كذلك ياء التصغير إذا جاء بعدها حرف مثقّل في كل شي ء. لسان العرب 4: 276، مادّة (د ب ب).
4- الجمام: جمع جمّة، و هي المكان الذي يجتمع فيه الماء. لسان العرب 2: 365، مادّة (ج م م).
5- مسند أحمد 2: 361.

ص: 365

و في رواية اخرى: «إذا و سّد الأمر إلى غير أهله» (1).

و هذه استعارة، و المراد: إذا استند الأمر إلى غير أهله، فأقام الوساد هاهنا مقام السناد؛ لأنّ المتوسّد للشي ء مستند إليه و معتمد، و إنّما جعل عليه الصلاة و السلام الأمر مستندا لهم؛ لأنّهم القائمون بأحكامه، و المقيمون لأعلامه، فهم له كالمساك و السناد، و الدعائم و العماد، و يكون المراد بقوله عليه الصلاة و السلام على الرواية الاخرى: «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله» على فعل ما لم يسمّ فاعله.

[المجاز] (327)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ بَهْتُ مُؤْمِنٍ، أَوِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يُقْتَطَعُ بِهَا مَالٌ بِغَيْرِ حَقٍّ» (2).

و هذا مجاز، و المراد: أو يمين مصبورة؛ أي مكرهة على الكذب، من قولهم: «فلان مصبور على السيف» أي محبوس على القتل مع إكراه عليه، و اضطرار إليه.

و من ذلك

الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ نَهَى عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ»

(3)، و صبرها: حبسها و ترك تغذيتها إلى أن تموت مكرهة على تلك الحال المكروهة، و من ذلك قولهم: «قتل فلان صبرا» فكأنّه عليه الصلاة و السلام جعل تلك اليمين الكاذبة- لبعدها عن الصدق، و مخالفتها


1- صحيح البخاري 1: 21، كنز العمّال 14: 210/ 38422، الدرّ المنثور 6: 50.
2- مسند أحمد 2: 362، و فيه: «نهب المؤمن».
3- مسند أحمد 2: 94، سنن النسائي 7: 238، سنن ابن ماجة 2: 1063/ 3186، دعائم الإسلام 2: 175/ 628.

ص: 366

جهة الحق- بمنزلة المكرهة على ركوب تلك المحجّة الضلعاء (1)، و الوقوف عند تلك السوءة السّوءاء (2)، فهي كالمصبورة على السيف، و المحمولة على الخسف.

و ممّا يقوي ما قلنا

رِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيِّ لِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ:

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ مَصْبُورَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ (3) مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

(4)، فقد صرّح عليه الصلاة و السلام في هذه الرواية بأنّ اليمين الصابرة في الرواية الاولى تعني المصبورة.

[المجاز] (328)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِذَا دَخَلَ الْبَصَرُ فَلَا إِذْنَ»

(5).

و هذه استعارة، و المراد أنّ من استأذن على بيت فولج فيه بصره قبل أن يلج فيه بدنه، فقد بطل إذنه؛ لأنّ الإذن إنّما يكون من قبل أن يقع البصر على ما يشتمل عليه البيت، فأمّا إذا كان ذلك فكأنّ المستأذن قد وصل قبل أن يؤذن له في الوصول، و دخل قبل أن يؤمر بالدخول.

و يقوّي ما قلناه من ذلك الخبر الآخر؛ و هو

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنِ اطَّلَعَ مِنْ صِيرِ بَابٍ فَقَدْ دَمَّرَ»

(6)، و معنى دمر: دخل، و «الدامر»


1- أي الطريق العوجاء. أقرب الموارد 1: 164 و 688، مادّة (ح ج ج).
2- أي الخلّة القبيحة. أقرب الموارد 1: 554، مادّة (س و أ).
3- أي لينزل منزله من النار، يقال بوّأه اللّه منزلا؛ أي أسكنه إيّاه. لسان العرب 1: 532، مادّة (ب و أ).
4- مسند أحمد 4: 436 و 441، سنن أبي داود 2: 89/ 3242، مستدرك الحاكم 4: 294، كنز العمّال 16: 691/ 46357.
5- مسند أحمد 2: 366، سنن أبي داود 2: 513/ 5173، السنن الكبرى 8: 339، الدرّ المنثور: 5: 39.
6- النهاية في غريب الحديث 3: 66، العين 1: 148.

ص: 367

الداخل، و «الصير» هاهنا: الشقّ أو الفرجة تكون بين البابين، ذكر ذلك أبو عبيد في «غريب الحديث» (1).

و موضع المجاز من هذا الكلام تصييره عليه الصلاة و السلام البصر بمنزلة الداخل على القوم، و إنّما أراد عليه الصلاة و السلام رؤيته لهم، و نفوذه إلى ما وراء بابهم.

[المجاز] (329)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْجَرَسُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ» (2).

و هذه استعارة؛ و ذلك أنّه لمّا كان كلّ صوت مكروه ينسب إلى الشيطان، كضروب الغناء، و عويل النساء، و كان صوت الجرس من الأصوات المكروهة؛ بدليل

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ»

(3)، حسن أن يضاف صوته إلى الشيطان على طريق المجاز و الاتّساع.

[المجاز] (330)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِي شَيْطَانَهُ كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بَعِيرَهُ فِي السَّفَرِ» (4).

و هذه استعارة، و المراد أنّ المؤمن يصعب قياده على الشيطان؛ فلا يصغي إلى وساوسه، و لا يجعل لهواجسه سبيلا إليه؛ اعتصاما منه بدينه،


1- غريب الحديث لأبي عبيد 1: 91.
2- مسند أحمد 2: 366، سنن أبي داود 1: 576/ 2556، مستدرك الحاكم 1: 445.
3- مسند أحمد 2: 327 و 392 و 414 و 6: 327 و 426، السنن الكبرى 5: 254، مجمع الزوائد: 5: 174، كنز العمّال 6: 720/ 17564.
4- مسند أحمد 2: 380، كنز العمّال 1: 145/ 706.

ص: 368

و استلاما (1) عليه في جنّة (2) يقينه، فشيطانه أبدا مكدود (3) معه؛ لطول منازعته القياد، و مفالتته الزمام، فشبّهه عليه الصلاة و السلام- لإتعابه الشيطان في الاحتجاز عن إضلاله، و الامتناع من اتّباعه- بالمنضي بعيره في السفر: إذا أطال شقّته، و استفرغ قوّته، و حشّ عريكته (4).

[المجاز] (331)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَ يَفِيضَ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدَ أَحَداً يَقْبَلُهَا مِنْهُ» (5).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «حتّى يكثر المال و يفيض» استعارة، كأنّه شبّهه بالماء الطامي (6) الذي يفيض من قرارته (7)، و يسيح من كثرته.

و نظير هذا الخبر

مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي خَبَرٍ آخَرَ: «وَ رُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ، لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(8)، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل كثرة المال عند هذا الإنسان، بمنزلة الغمرة الطامية، و الجمّة الطافحة، و جعل إنفاقه منه و تقلّبه فيه،


1- أي تدرّعا. أقرب الموارد 2: 1122، مادّة (ل أ م).
2- الجنّة: كلّ ما وقى من سلاح. أقرب الموارد 1: 144، مادّة (ج ن ن).
3- أي متعب. لسان العرب 12: 44، مادّة (ك د د).
4- أي قطع سنامه، و السنام خيار ما في البعير. راجع لسان العرب 3: 187، مادّة (ح ش ش) و 6: 394، مادّة (س ن م) و مادّة (ع ر ك).
5- صحيح مسلم 3: 84، كنز العمّال 14: 207/ 38412، العمدة: 426/ 892.
6- أي المرتفع. أقرب الموارد 1: 717، مادّة (ط م و) و (ط م ي).
7- القرارة: القاع المستدير يجتمع فيه ماء المطر. أقرب الموارد 2: 982، مادّة (ق ر ر).
8- مسند أحمد 6: 364، 410، مجمع الزوائد 3: 99 و 10: 246، كنز العمّال 3: 184/ 6075.

ص: 369

بمنزلة الخوض في الجمام الغزار، و اللجج الغمار.

[المجاز] (332)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَاداً الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ؛ إِذَا غَابُوا افْتَقَدُوهُمْ، وَ إِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَ إِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ» (1).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه المقيمين في المساجد و الملازمين لها و المنقطعين إليها، بالأوتاد المضروبة فيها، و ذلك من التمثيلات العجيبة الواقعة موقعها، و المقرطسة غرضها (2)، و يقال: «فلان وتد المسجد» و «حمامة المسجد» إذا طالت ملازمته له، و انقطاعه إليه، و تشبيهه بالوتد في الملازمة أبلغ من تشبيهه بالحمامة؛ لأنّ الحمامة تنتقل و تزول، و الوتد مقيم و لا يريم (3).

[المجاز] (333)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «وَ رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَخْفَاهَا؛ لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» (4).

و هذا مجاز، و المراد المبالغة في صفته بكتمان نفقته، و إخفاء صدقته، فإذا كانت شماله لا تعلم بما تنفقه يمينه- و هي سريحتها (5) و قسيمتها (6)،


1- مسند أحمد 2: 418، مجمع الزوائد 2: 22، كنز العمّال 7: 580/ 20350، الدرّ المنثور 3: 216.
2- أي المصيبة لهدفها.
3- أي لا يبرح. لسان العرب 5: 394، مادّة (ر ي م).
4- الموطّأ 2: 952/ 24، سنن النسائي 8: 223، مسند أحمد 2: 439، صحيح البخاري: 2: 115، صحيح مسلم 3: 93، سنن الترمذي 4: 25/ 2500، السنن الكبرى 3: 66، كنز العمّال 15: 905/ 43561، الخصال 343: 7.
5- أي التي تسرح و تتحرّك معها.
6- فإنّ كل يد قسم لمقسم، و كلّ واحدة قسيمة للاخرى.

ص: 370

و جارتها و لصيقتها- فأجدر ألّا يعلم بذلك غيرها ممّن شطّ (1) دارا، و بعد جوارا.

[المجاز] (334)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ ذَكَرَ لُوطاً عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (2)، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:

«فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ نَبِيّاً إِلَّا فِي ذِرْوَةِ قَوْمِهِ» (3).

و هذه استعارة، و المراد: فما بعث اللّه نبيّا إلّا في أعلى شرف قومه؛ لئلّا يغمض حسبه، و يزدرى منصبه، فيكون ذلك منفّرا عنه، و موحشا منه، فشبّه عليه الصلاة و السلام ذلك بذروة البعير: و هي سنامه، أو ذروة الجبل: و هي رأسه، و يقولون: «فلان في الغوارب من قومه» كما يقولون: «في الذرى من قومه» فالغارب (4) هاهنا كالذروة هناك، و يقولون أيضا» هو في عليا قصر قومه» و في رواية: «عليا قومه» إذا أرادوا هذا المعنى، و ذلك في أشعارهم و كلامهم أكثر من أن يستقصى.

وَ فِي شِعْرٍ يُرْوَى لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

كَانُوا الذُّؤَابَةَ مِنْ فِهْرٍ وَ أَكْرَمَهَاحَيْثُ الْأُلُوفُ الْفَرْعُ وَ الْعَدَدُ

(5)


1- أي بعد. المصباح المنير: 313، مادّة (ش ط ط).
2- هود (11): 80.
3- مسند أحمد 2: 332، 384، 533، سنن الترمذي 4: 356 مع اختلاف، مستدرك الحاكم 2: 561؛ و فيه: «ثروة قومه»، كنز العمّال 11: 505/ 32361 مع اختلاف.
4- الغارب: أعلى كلّ شي ء، و منه: غوارب الماء؛ أي أعالى موجه. أقرب الموارد 2: 865، مادّة (غ ر ب).
5- ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام: 45، كانوا الذؤابة: أي أشرافها و متقدّميها، فهر: قبيلة، و هي أصل قريش و هو فهر بن غالب بن النضر بن كنانة، و قريش كلّهم ينسبون إليه.

ص: 371

[المجاز] (335)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لِكُلِّ شَيْ ءٍ سِنَامٌ، وَ سِنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَ مِنْهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ؛ لَا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ الشَّيْطَانُ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ، وَ هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ» (1).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «الْبَقَرَةُ سِنَامُ الْقُرْآنِ وَ ذِرْوَتُهُ، وَ يَاسِينُ قَلْبُ الْقُرْآنِ» (2).

و في هذا الكلام استعارات ثلاث:

أولاهنّ: قوله عليه الصلاة و السلام: «و سنام القرآن سورة البقرة» و المراد أنّها أعلى القرآن و أشرفه، كما أنّ أعلى ما في البعير سنامه و ذروته، و الكلام في هذا المعنى كالكلام على الخبر المذكور أمام هذا الخبر؛ لأنّ المراد بهما واحد.

و الاستعارة الثانية: قوله عليه الصلاة و السلام: «و منها آية هي سيّدة آي القرآن» و المراد أنّها تتقدّم القرآن و تفضله، كما أنّ السيّد يتقدّم على عشيرته، و يفضل أهل طبقته.

و الاستعارة الثالثة: قوله عليه الصلاة و السلام: «ياسين قلب القرآن»، و المراد أنّها خالصته و لبابه، كما أنّ قلب الشي ء صميمه و مصاصه (3)، و يقولون: «فلان قلب بني فلان» إذا كان في مقرّ صميمهم، و في مصحّ أديمهم (4).


1- سنن الترمذي 4: 232/ 3038، كنز العمّال 1: 561/ 2527، الدرّ المنثور 1: 20.
2- مسند أحمد 5: 26، مجمع الزوائد 6: 311، كنز العمّال 1: 565/ 2548.
3- أي خالصه. لسان العرب 7: 413 و 13: 123، مادّة (ص م م) و (م ص ص).
4- أي خالصهم، كما يقال: فلان صحيح الأديم و صحاحه، و يعنون به أنّه بري ء من كلّ عيب و ريب، و كما يقال: فلان بري ء الأديم ممّا لطّح به. و لعلّ كلمة مصح مصحّفة محض؛ فإنّه معنى مقبول لها.

ص: 372

[المجاز] (336)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «أَيُّهَا النَّاسُ: مَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى أَنْ تَتَتَايَعُوا فِي الْكَذِبِ كَمَا يَتَتَايَعُ الْفَرَاشُ فِي النَّارِ؟!»

(1).

و هذا القول مجاز، و المراد: يتسارعون إلى قول الكذب تهافتا فيه، و منازعة إليه، فيكونون كالفراش المتساقط في النار؛ لأنّه يلوذ بها، و ينازع إليها، و «التتايع»: التواقع في الشي ء المكروه، فلمّا كان الكذب كالمهواة و المزلّة- من حيث أدّى إلى المخزاة و المذلّة- حسن لذلك أن يجعل المتسرّع إليه كالواقع فيهما، و المرتكس في قعرهما.

و قد يجوز أيضا أن يكون المراد أنّ الكذب لمّا كان مفضيا إلى دخول النار، جعل المتسرّع إليه كالمتهافت في النار. و يؤكّد هذا الوجه تشبيه المتتايع في الكذب بالفراش المتساقط في النار، و لذلك نظائر قد تقدّم الكلام عليها في هذا الكتاب.

[المجاز] (337)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَاداً شَدِيداً، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَ شِرَّتُهُ (2)، وَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ ضَرَاوَةٌ وَ شِرَّةٌ، وَ لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ (3)، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَسَالِمٌ مَا هُوَ، وَ مَنْ كَانَتْ


1- كنز العمّال 3: 634/ 8265، معجم مقاييس اللّغة 1: 360، نثر الدّرّ 1: 197، مسند أحمد 6: 454، مجمع الزّوائد 1: 142 و 6: 209، الدّرّ المنثور 3: 290 و في المصادر الثّلاثة الأخيرة: «تتابعوا» و «يتتابعوا».
2- الشرة: النّشاط و الرّغبة. لسان العرب 7: 78، مادّة (ش ر ر).
3- الفترة: الانكار و الضّعف. لسان العرب 10: 175، مادّة (ف ت ر).

ص: 373

فَتْرَتُهُ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ فَذَلِكَ الْهَالِكُ» (1).

فقوله عليه الصلاة و السلام: «تلك ضراوة الإسلام و شرّته» استعارة، و المراد بذلك شدّة الورع و إفراطه، و غلوّه و اشتطاطه، تشبيها له بالضراوة على الشي ء المأكول أو المشروب؛ و هي شدّة الاعتياد له، و فرط المنازعة إليه، و ذلك مأخوذ من قولهم: «سبع ضار» إذا درب (2) بأكل اللحم، فكثر طلبه له، و لوبته (3) عليه، و يقولون: «عرق ضار» إذا فار دمه فلم يقف، و تواتر فلم ينقطع.

و قال الأخطل يصف دنّ الخمر عند بزله (4):

لمّا أتوها بمصباح و مبزلهم سارت إليهم سؤور الأبجل الضّاري (5)

و «الأبجل» واحد الأباجل؛ و هي العروق، و معنى «سارت» أي فارت و نضحت مأخوذ من «سورة الشي ء» و هي حركته و طموحه.

و ممّا في هذا المعنى

الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: «اتَّقُوا هَذِهِ الْمَجَازِرَ؛ فَإِنَّ لَهَا ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ»

(6)، فأراد أنّ ضرر الإدمان على أكل اللحم، كضرر الإدمان على شرب الخمر، إلّا أنّ المستكثر من اللحم يؤثّر ضرره في بدنه، و الشارب للخمر يؤثّر ضررها في دينه.


1- مسند أحمد 2: 165، و فيه: «فلام «بدل «فسالم».
2- أي اعتاده و اجترأ عليه. راجع المصباح المنير: 361، مادّة (ض ر ي).
3- أي حومه حوله. راجع لسان العرب 12: 350، مادّة (ل و ب).
4- أي عند تصفيته. لسان العرب 1: 401، مادة (ب ز ل).
5- ديوان الأخطل: 82، الصحاح 2: 690 و 6: 2408، المبزل: ما يصفّى به الشراب و نحوه.
6- النهاية في غريب الحديث 1: 267.

ص: 374

[المجاز] (338)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ يُشَقِّقُونَ الْكَلَامَ تَشْقِيقَ الشِّعْرِ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد الذين يتصرّفون في الكلام، فيدقّقون فيه، و يتعمّقون (2) في معانيه، و شبّه عليه الصلاة و السلام فعلهم ذلك بتشقيق الشعر؛ لأنّ طاقات الشعر مستدقّة (3) في نفوسها، و إذا تعاطى الإنسان تشقيقها انتهت من الدقّة إلى غاية لا زيادة وراءها. و هذا اللعن في الخبر إنّما يتناول من بلغ في تدقيق الكلام إلى ذلك الحدّ ليشتبه الباطل بالحقّ، و يجوز الغيّ بالرّشد، كما قلنا في تأويل

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَبْغَضِكُمْ إِلَيَّ وَ أَبْعَدِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ» (4).

[المجاز] (339)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَيَدْخُلَنَّ هَذَا الدِّينُ عَلَى مَا دَخَلَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ» (5).

و هذا القول مجاز، و المراد انتشار الإسلام في الشرق و الغرب، و اشتماله على البرّ و البحر، فجعله عليه الصلاة و السلام من هذا الوجه


1- مسند أحمد 4: 98، مجمع الزوائد 2: 191 و 8: 116، و فيهما: لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، كنز العمّال 3: 562/ 7916، و فيه: «يشقّقون الخطب».
2- التعمّق في الأمر: المبالغة و التشديد فيه. النهاية في غريب الحديث 3: 299، لسان العرب 10: 271.
3- استدقّ الشي ء: صار دقيقا. الصحاح 4: 1476، لسان العرب 10: 102.
4- مسند أحمد 4: 193، 194، سنن الترمذي 3: 250/ 2087، مجمع الزوائد 8: 21.
5- مسند أحمد 4: 103، كنز العمّال 1: 267/ 1345، و فيهما: «ليبلغنّ هذا الأمر».

ص: 375

بمنزلة الداخل دخول الليل في الإطلال و الإطباق، و تجليل البلاد و الآفاق.

و من ذلك ما روي في حديث عن بعض الصحابة، و هو قوله: «و كان ذلك حين دجا الإسلام» (1)؛ أي ألبس كلّ شي ء، و دخل علىّ كلّ حيّ؛ تشبيها بالليل في تغطية البلاد، و شموله النجاد و الوهاد (2).

و ممّا يقوّي هذا المعنى

مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ قَدْ رَأَتْ قَمِيصَهُ مَخْرُوقاً، وَ بَطْنَهُ خَمِيصاً، فَبَكَتْ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَمَا يُرْضِيكِ يَا فَاطِمَةُ أَلَّا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَ لَا وَبَرٍ إِلَّا دَخَلَهُ عِزٌّ أَوْ ذُلٌّ بِأَبِيكِ!» (3).

[المجاز] (340)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَ عَمُودِهِ وَ ذِرْوَةِ سِنَامِهِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَ عَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَ ذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ» (4).

و هذه الألفاظ كلّها مستعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الإسلام رأس دين اللّه المتقدّم، و رئيسه المعظّم، و جعل الصلاة عموده الذي به قوامه، و عليه قيامه، و جعل الجهاد ذروة سنامه؛ لأنّه يعدّ الرأس أعلى مشارفه، و أرفع مراتبه، و به يشاد بناؤه، و يقام لواؤه، و يقمع أعداؤه.

[المجاز] (341)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «حُجُّوا قَبْلَ أَلَّا تَحُجُّوا؛ حُجُّوا


1- النّهاية في غريب الحديث 2: 102، لسان العرب 14: 250.
2- أيّ العوالي و السوافل.
3- مسند أحمد 6: 4، مستدرك الحاكم 1: 489 و 3: 155، كنز العمّال 11: 461/ 32164.
4- مسند أحمد 5: 237، مستدرك الحاكم 2: 76، 413، السّنن الكبرى 9: 20.

ص: 376

قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَ الْبَرُّ جَانِبَهُ» (1).

و في هذا القول مجاز، و المراد: حجّوا قبل أن يمنع سلوك البرّ القاطعون لسبيله، و العائثون (2) في طريقه، و الحائلون بين الناس و بين دخوله، فلمّا جعل عليه الصلاة و السلام البرّ ممنوعا بمن أشرنا إلى ذكره- حسن على طريق المجاز- أن يجعله كالمانع لجانبه، و المخوف لسالكه؛ لأنّ المحجوب كرها كالمحتجب، و الممنوع قسرا كالممتنع.

[المجاز] (342)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحُمَّى كِيرُ (3) جَهَنَّمَ»

(4).

و هذا القول مجاز، و المراد المبالغة في وصف حرارة الحمّى و اتّقادها، و شدّة اوارها (5) و اضطرامها، فشبّهها عليه الصلاة و السلام بكير يستمدّ من نار جهنّم؛ و هي أعظم النيران وقودا، و أبعدها خمودا.

و قال المفسّرون في قوله تعالى- و هو يريد نار الدنيا-: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (6)، قالوا: «تذكرة يستذكر بها الناس نار الآخرة، فيكون ذلك أزجر لهم عن المعاصي، و أصرف عن المضالّ و المغاوي؛ لأنّ نار الدنيا إذا كانت على ما هي عليه من قوّة الإحراق،


1- مستدرك الحاكم 1: 448، سنن البيهقي 4: 340- 341، دعائم الإسلام 2: 175/ 628.
2- عاث يعيث عيثا: أفسد و أخذ بغير رفق. لسان العرب 2: 170.
3- الكير: منفاخ الحدّاد.
4- مسند أحمد 5: 252، 264، سنن ابن ماجة 2: 1150/ 3475، مجمع الزوائد 2: 305، كنز العمّال 3: 318/ 6739.
5- أي شدّة لفح النار و وهجها. لسان العرب 1: 260، مادّة (أ و ر).
6- الواقعة (56): 73.

ص: 377

و شدّة الإرماض (1) و الإقلاق (2)، و هي مع ذلك دون نار الآخرة في الطبقة، و جزء من أجزائها في الإيلام و النكاية، فما ظنّك بتلك النار إذا باشرت الأجسام، و خالطت اللحوم و العظام!!» نعوذ باللّه منها، و نسأله التوفيق لما باعد عنها.

و قيل في المقوين قولان:

أحدهما: «أن يكونوا المرملين (3) من الزاد، و الفاقدين للطعام، يقال:

«أقوى فلان من زاده» إذا لم يبق عنده شي ء منه، و ذلك مأخوذ من الأرض القواء (4) التي لا شي ء فيها، فكأنّه صار كهذه الأرض في الخلوّ من البلغ التي يتبلّغ بها (5)، و المسك التي يترمّقها (6)».

و القول الآخر: «أن يكون المقوون هاهنا: السائرين في القوى؛ و هي الأرض التي قدّمنا ذكرها، و النار للمسافر أرفق منها للحاضر».

[المجاز] (343)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي دُعَاءٍ دَعَا بِهِ لِمَيِّتٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَ حَبْلِ جِوَارِكَ؛ فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَ عَذَابَ النَّارِ»

(7).


1- أي الحرّ. المصباح المنير: 238، مادّة (ر م ض).
2- أي الإزعاج. المصباح المنير: 514، مادّة (ق ل ق).
3- يقال: أرمل القوم: نفد زادهم و افتقروا مأخوذ من الرمل؛ كما يقال أدقعوا، مأخوذا من الدقعاء؛ و هي التراب. أقرب الموارد 1: 434، مادّة (ر م ل).
4- أي القفر. المصباح المنير: 521، مادّة (ق و ي).
5- أي و لا يفضل منها شي ء.
6- أي تمسك رمقه.
7- مسند أحمد 3: 491، سنن ابن ماجة 1: 480/ 1499، سنن أبي داود 2: 80/ 3202، كنز العمّال 15: 602/ 42395.

ص: 378

فقوله عليه الصلاة و السلام «و حبل جوارك» استعارة، و المراد أنّه لجي إلى ظلّك، و مضطرّ إلى فضلك، فأخرج قوله: «في ذمّتك، و حبل جوارك» على عادة كلام العرب؛ لأنّهم يقولون: «قد عقد فلان لفلان حبلا» و «أخذ فلان من فلان حبلا» إذا أعطاه ذماما (1)، أو عقد له جوارا (2)، و قد سمّوا العهود: «حبالا» على هذا المعنى، و في التنزيل:

إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ (3)؛ أي بعهد من اللّه، و عهد من الناس. و الأصل في ذلك أن يشبّهوا ما يعقد من الذّمام بما يعقد من الحبال؛ لأنّها تقرّب بين البعيدين، و تجمع بين القريبين، و تصل الأبيات بالأبيات، و تربط الأطناب بالأطناب (4).

[المجاز] (344)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ وَ قَدْ ذَكَرَ وُقُوعَ الْفِتَنِ: «ثُمَّ تَعُودُونَ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبّاً؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» (5).

و هذا القول مجاز، و أراد عليه الصلاة و السلام: أنّكم تكونون في هذه


1- الذمام: العهد و الأمان و الضمان و الحرمة و الحقّ. و سمّي أهل الذمّة؛ ذمّة؛ لدخولهم في عهد المسلمين و أمانهم. لسان العرب 5: 60، مادّة (ذ م م).
2- كالغريب يقصد رجلا ذا مكانة في قومه و يسأله أن يجيره؛ أي يمنعه، فينزل معه، و تصير له حرمة نزوله في جوار الشريف و منعته و ركونه إلى أمانه و عهده. و كما لو أجار مسلم كافرا و خفره و أمّنه، فإنّ ذلك يجوز على جميع المسلمين، فلا ينقض عليه جواره و أمانه. راجع لسان العرب 2: 414- 415، مادّة (ج و ر).
3- آل عمران (3): 112.
4- الأطناب: جمع طنب؛ أي الحبل المصباح المنير: 378، مادّة (ط ن ب).
5- مسند أحمد 3: 477، مجمع الزوائد 7: 305، كنز العمّال 11: 233/ 31352.

ص: 379

الفتنة كالحيّات التي تنصبّ على مناهشها، و تسرع إلى ملابسها (1)، غير متذمّمة (2) من محرّم، و لا متورّعة عن معظّم.

[المجاز] (345)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ» (3).

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ «إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ»

مجاز، و المراد:

إلّا من عند (4) عن أمر اللّه سبحانه و تعالى، و بعد عن رضاه و طاعته، و ذهب في غير جهة مشيئته و إرادته، فكان كالبعير الشارد الذي ندّ (5) عن صاحبه، و بعد عن معاطنه (6).

[المجاز] (346)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: «انْفَحِي وَ انْضَحِي، وَ لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» (7).

قوله عليه الصلاة و السلام: «انفحي و انضحي» استعارة، و المراد:

أنفقي مالك في سبيل اللّه، و ابذليه في طاعه اللّه، و أصيبي به مواضعه بإسراع و بدار، كما تنفح الريح هبوبها، و تنضح السحابة شؤبوبها (8)،


1- أي مجاورها و مخالطها. أقرب الموارد 2: 1125، مادّة (ل ب س).
2- أي غير مستنكفة. أقرب الموارد 1: 273، مادّة (ذ م م).
3- مسند أحمد 5: 258، مستدرك الحاكم 1: 55 و 4: 247، مجمع الزوائد 1: 71، 403، كنز العمّال 4: 215/ 10221.
4- أي ركب خلافه و عصاه. المصباح المنير: 431، مادّة (ع ن د).
5- أى نفر و ذهب على وجهه شاردا. المصباح المنير: 597، مادّة (ن د د).
6- المعاطن: جمع معطن، و هو كالوطن للإنسان. لسان العرب 9: 272، مادّة (ع ط ن).
7- مسند أحمد 6: 345، 346، 354، صحيح البخاري 3: 135، صحيح مسلم 3: 92.
8- أي مطرها. راجع لسان العرب 9: 5، مادّة (ش أ ب).

ص: 380

و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام هاهنا: «و لا توعي فيوعي اللّه عليك» أي لا تمسكي فيمسك اللّه عليك؛ لأنّ من أوعى شيئا و حفظه فقد أمسكه و منعه.

[المجاز] (347)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ قُرَيْشاً أَهْلُ صِدْقٍ وَ أَمَانَةٍ، فَمَنْ بَغَاهُمُ الْعَوَاثِرَ كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد: فمن بغاهم المعثّرات؛ و هي الامور التي تعثرهم، و تضع شرفهم، فقال عليه الصلاة و السلام «العواثر» لأنّها و إن أعثرتهم فكأنّها عاثرة بهم، أو واقعة عليهم، و منه قولهم: «عثر الدهر بآل فلان» إذا نقّص أعدادهم، و غيّر أحوالهم، و بلغ المبالغ منهم، و ساءت آثاره فيهم.

[المجاز] (348)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُسْلِمَانِ إِذَا حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعاً» (2).

و هذا القول مجاز، و المراد بذلك المسلمان اللّذان يتقاتلان في غير طاعة اللّه سبحانه، فهما بنفس القتال و تظاهر هما بحمل السلاح، عاصيان للّه سبحانه، مستحقّان لعقابه، مقدمان على شقاقه، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعا النار، إلّا أنّ المقتول يستحقّها بتعرّضه للقتال


1- مسند أحمد 4: 340، مستدرك الحاكم 4: 73، كنز العمّال 3: 95/ 5660 و 11: 4/ 30376، ذخائر العقبى 11، مجمع الزوائد 10: 26.
2- صحيح مسلم 8: 170، سنن ابن ماجة 2: 1311/ 3965، كنز العمّال 15: 23/ 39899.

ص: 381

المحظور عليه، و القاتل يستحقّها بمثل ذلك، و يتفرّد بعقاب القتل الذي وقع منه، فيكون أشدّهما نكالا، و أعظمهما و بالا.

و موضع المجاز قوله عليه الصلاة و السلام «فهما على جرف جهنّم» و المراد أنّهما على طريق استحقاق نار جهنم؛ بإقدامهما على الفعل المحظور، و الأمر المكروه، فشبّه عليه الصلاة و السلام كونهما قريبين من استحقاق دخول النار، بمن أشرف على جرفها و قام على حرفها (1)؛ في شدّة القرب منها، و الإشفاء (2) على الوقوع فيها. و مثل ذلك قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها (3)، و قد لخّصنا الكلام على ذلك في كتاب «مجازات القرآن» (4).

[المجاز] (349)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ رَأَى بَعِيراً فِي بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَحَنَّ إِلَيْهِ كَالشَّاكِي، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِصَاحِبِهِ: «إِنَّ بَعِيرَكَ يَشْكُوكَ؛ وَ يَزْعُمُ أَنَّكَ أَكَلْتَ شَبَابَهُ حَتَّى إِذَا كَبِرَ تُرِيدُ أَنْ تَنْحَرَهُ» (5).

و هذا القول مجاز، و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «أكلت شبابه» استعملته في حال شبابه و قوّته، و أجمعت نحره في حال ضعفه


1- أي طرفها و شفيرها. أقرب الموارد 1: 183، مادّة (ح ر ف).
2- أي الإشراف و المقاربة. راجع أقرب الموارد 1: 601، مادّة (ش ف ي).
3- آل عمران (3): 103.
4- مجازات القرآن: 14.
5- البداية و النهاية 6: 154، مسند أحمد 4: 173، مجمع الزوائد 9: 6 مع اختلاف في المصدرين الأخيرين.

ص: 382

و كبره، فجعل استعماله طول أيّام شبابه كالآكل شبابه؛ لأنّه استنفاد له، و ذهاب به.

[المجاز] (350)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ- فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ نَهَى فِيهِ عَنِ الذَّبْحِ بِالسِّنِّ وَ الظُّفْرِ-: «أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَ أَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» (1).

و هذه استعارة، «و المدى» السكاكين، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «و الأظفار سكاكين الحبشة» لأنّهم يذبحون بحدّها، و يقيمونها مقام المدى في التذكية بها، و «الظّفر» هاهنا إسم للجنس، كالدينار و الدرهم في قولهم: «أهلك الناس الدينار و الدرهم» أي الدنانير و الدراهم، و لذلك صحّ أن يقول: «مدى الحبشة» و «المدى» جمع؛ لأنّ الواحدة «مدية».

[المجاز] (351)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَفَى بِالسَّلَامَةِ دَاءً» (2).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ السلامة- على الحقيقة- ليست بداء في نفسها، و إنّما المراد أنّها تفضي إلى الأدواء القاتلة، و الأعراض المهلكة؛ لأنّ طولها يؤدّي إلى موت الشهوات، و انقطاع اللّذات، و حواني (3) الهرم،


1- مسند أحمد 4: 141 و 142، صحيح البخاري 3: 110، 115، 6: 225، 227، 233، صحيح مسلم 6: 78، سنن أبي داود 1: 644/ 2821، سنن الترمذي 3: 152225، السنن الكبرى 9: 246، كنز العمّال 6: 261/ 15602.
2- نثر الدر 1: 195، مسند الشهاب 2: 302، كنز العمّال 3: 308/ 6692.
3- الحواني: جمع حانية، أي عواطف الهرم التي تثنيه و تعطفه عن مسرّات الشباب.

ص: 383

و عوادي (1) السقم، فحسن من هذا الوجه أن تسمّى «داء» إذ كانت موقعة فيه، و مؤدّية إليه.

و قد أكثرت الشعراء نظم هذا المعنى في أشعارهم، إلّا أنّ كلمة النبيّ عليه الصلاة و السلام أبهى من جميع ما قالوه مطلقا، و أبعد منزعا، و أوجز في تمام، و أكثر مع قلّة كلام، فممّا جاء في هذا المعنى قول حميد بن ثور:

أرى بصري قد رابني بعد صحّةو حسبك داء أن تصحّ و تسلما (2)

و قول لبيد بن ربيعة:

و دعوت ربّي بالسّلامة جاهداليصحّني فإذا السّلامة داء (3)

و قول النّمر بن تولب:

يودّ الفتى طول السّلامة و الغنى فكيف يرى طول السّلامة يفعل؟! (4)

و إنّي لأستحسن كثيرا الأبيات التي من جملتها هذا البيت؛ و هي قوله (5):


1- العوادي: جمع عادية؛ أي صوارف السقم.
2- ديوان حميد بن ثور: 7، التبيان في تفسير القرآن 5: 326، رابني: رأيت منه ما يريب و يكره.
3- ديوان لبيد بن ربيعة: 221، الكامل للمبرّد 1: 148.
4- شعراء اسلاميون: 369، إعجاز القرآن للباقلاني: 93.
5- أي النحر بن تولب.

ص: 384

تغيّر منّي كلّ شي ء و رابني مع الدّهر أبدالي (1) التي أتبدّل

فضول أراها في أديمي (2) بعد مايكون كفاف الجسم أو هو أجمل

كأنّ محطّا (3) في يدي حارثيّة (4)صناع (5) علت منّي به الجلد من عل

يردّ الفتى بعد اعتدال و صحّةينوء (6) إذا رام القيام و يحمل

تدارك ما قبل الشّباب و بعده حوادث أيّام تمرّ و أغفل

يودّ الفتى طول السّلامة و الغنى فكيف يرى طول السّلامة يفعل؟! (7)

[المجاز] (352)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ: «وَ لَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يُرَى الشَّاهِدُ» (8).


1- أي تبدّلاي و تغيّراتي.
2- أي زيادة أراها في جلدي على أثر ضحور جسمي.
3- المحطّ: حديدة معدّة لنقش الجلد.
4- أي امرأة منسوبة إلى الحارث بن ظالم أو ابن عوف.
5- يقال: امرأة صناع اليد؛ أي حاذقة ماهرة بعمل اليدين.
6- أي ينهض بجهد و مشقّة.
7- شعراء إسلاميون: 366- 369.
8- مجمع الزوائد 1: 308، كنز العمّال 7: 382/ 19396، الدرّ المنثور 1: 299 سنن النسائي 1: 259، و فيه: «حتّى يطلع الشاهد»، مسند أحمد 6: 397، و فيه: «حتّى تروا».

ص: 385

و هذه استعارة و المراد ب «الشّاهد» هاهنا: النجم، و العرب يسمّون الكوكب «شاهد الليل» كأنّه يشهد بإدبار النهار و إقبال الظلام. و كلّ شي ء يدلّ على شي ء فهو يجري مجرى الشاهد به و المخبر عنه؛ إذ ليس كلّ دالّ بإنسان، و لا كلّ دليل من جهة اللسان.

[المجاز] (353)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ أَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ؟!» (1).

و هذا القول مجاز؛ لأنّ البخل- على الحقيقة- ليس بداء، و لكنّه لمّا كان عادة مكروهة و خليقة مذمومة، اجرى مجرى الداء الذي يغيّر الصحّة، و يفسد الجبلّة (2)، إلّا أنّه داء يمكن الانتقال عن صحبته، و حمل النفس على مفارقته؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لما حسن الذمّ عليه، و التعيير به، كما لا يحسن الذمّ على سائر الأمراض التي تغيّر الأحوال، و تفسد الأجسام.

و البخل- على الحقيقة- هو منع الواجب، و كلّ من منع الواجب يوصف بالبخل، و من منع التفضّل لا يوصف بذلك إلّا على سبيل المجاز، و كلّ ما في القرآن من ذكر البخل فإنّما يراد به منع الواجب، كما أنّ كلّ ما فيه من الأمر بالإنفاق إنّما يراد به إخراج المال في الواجب. فأمّا تسمية العرب من لا يؤوي (3) النازل و لا يعطي السائل ب «البخيل» فلأنّهم


1- الأدب المفرد: 296، مسند أحمد 3: 307، مستدرك الحاكم 3: 219 و 4: 163، مجمع الزوائد 9: 315، كنز العمّال 3: 449/ 7389، البداية و النهاية 5: 82، فقه الرضا عليه السّلام: 277، الكافي 4: 44/ 3، الفقيه 4: 379/ 5799.
2- أي الطبيعة. المصباح المنير: 90، مادّة (ج ب ل).
3- في نسخة: لا يقري.

ص: 386

اعتقدوا وجوب ذلك عليه، فوصفوه بالبخل؛ لامتناعه منه، و أساميهم تتبع اعتقاداتهم.

[المجاز] (354)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ (1): مَتَى يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ؟ فَقَالَ: «إِذَا مَلَأَ اللَّيْلُ بَطْنَ كُلِّ وَادٍ» (2).

و هذا مجاز؛ لأنّ الليل- على الحقيقة- لا تملأ به بطون الأودية كما تمتلئ بطون الأوعية، و إنّما المراد: إذا شمل ظلّ الليل البلاد، و طبّق النّجاد و الوهاد (3)، فصار كأنّه سداد لكلّ شعب (4)، و صمام (5) لكلّ نقب.

[المجاز] (355)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ طَلَعَتْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ حَرَّةٌ (6)، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُطْفِئَ الْكَبِيرِ وَ مُكَبِّرَ الصَّغِيرِ: أَطْفِئْهَا عَنِّي بِرَحْمَتِكَ» (7).

و هذه استعارة: كأنّه عليه الصلاة و السلام أقام ذلك الداء مقام النار التي قد أخذت في الاضطرام، و بدأت بالاحتدام، و أقام الشفاء المطلوب من اللّه سبحانه مقام الإطفاء لها، و نضح الماء عليها؛ في أنّ ذلك يفني


1- أي من قبيلة جهنية، و جهنية أبوها. راجع لسان العرب 2: 404، مادّة (ج ه ن).
2- مسند أحمد 5: 365، مجمع الزوائد 1: 313، كنز العمّال 7: 393/ 19456، مناقب ابن شهرآشوب 1: 159.
3- أي العوالي و السوافل.
4- الشّعب: الصدع و التفرّق في الشي ء. لسان العرب 7: 127، مادّة (ش ع ب).
5- الصمام: ما تسدّ به الفرجة. النهاية في غريب الحديث 3: 54.
6- الحرّة: حرارة في الحلق، فإذا زادت فهي الحروة ... لسان العرب 3: 115 مادّة (ح ر ر)، و في نسخة ب: البثرة بدل حرّة، و معناهما واحد. لسان العرب 1: 313، مادّة (ح ر ر).
7- مسند أحمد 5: 370، مستدرك الحاكم 4: 207، مجمع الزوائد 5: 95، كنز العمّال 3: 526/ 7723.

ص: 387

وقودها، و يسرع خمودها، و هذا من التشبيهات الصادقة، و التمثيلات الواقعة.

وَ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ كَانَ يَقْلَقُ الْقَلَقَ الشَّدِيدَ لِمَا يَظْهَرُ فِي جِسْمِهِ مِنَ الدَّاءِ الْيَسِيرِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَظِّمَ صَغِيراً عَظَّمَهُ» (1).

[المجاز] (356)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حَتَّى يَسِيحَ الضُّحَا ...» فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ (2).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل الضحى- و هو شباب النهار و زيادته- بمنزلة الماء السائح من الغدير، و في السائح تمثيل من وجهين:

أحدهما: أنّ بياض الضحى كبياض الماء.

و الآخر: أنّ انتشار النهار بضيائه كانسياح الغدير بمائه.

و مثل تسميتهم الشمس عند أوّل طلوعها ب «الغزالة» و ليس ذلك باسم لها في جميع الأحوال، كما يظنّه بعض الجهّال، و إنّما هو اسم لها في هذا الوقت المخصوص، و من الشاهد على ذلك قول ذي الرمّة:

و أشرفت الغزالة رأس حزوى لأنظرهم و ما أغنى قبالا (3)

كأنّه قال: «و أشرفت ذلك الموضع أوّل طلوع الشمس».


1- انظر: البحار 81: 211/ 30.
2- مسند أحمد 3: 439.
3- ديوان ذي الرمّة 3: 1508، لسان العرب 11: 493، الصحاح 5: 1781، و فيه: اراقبهم بدل لأنظرهم، أشرفت: علوت، حزوى: جبل من جبال الدهناء.

ص: 388

و أبين من هذا قول الآخر- و أنشدناه شيخنا أبو الفتح النحوي رحمه اللّه-:

قالت له و ارتفقت: ألا فتى يسوق بالقوم غزالات الضّحى؟ (1)

كأنّها قالت: «يسوق بهم أوائل النهار، و عند ابتداء الشمس في الانتشار» و «غزالات الضحى» أوّل شروقها و إنضاضها (2)، و «الضحى» وقت إشراقها و ارتفاعها.

[المجاز] (357)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وُقُوفاً عَلَى ظُهُورِ دَوَابِّهِمْ وَ رَوَاحِلِهِمْ يَتَنَازَعُونَ الْأَحَادِيثَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لِأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَ الْأَسْوَاقِ؛ فَرُبَّ مَرْكُوبٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهِ» (3).

و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الدّوابّ و الرواحل في حالة إطالة الوقوف على ظهورها، بالكراسي التي يجلس عليها؛ لأنّها تثبت في مواضعها، و لا تزول إلّا بمزيل لها، فنهى عليه الصلاة و السلام أن يجعل الحيوان المتصرّف (4) بمنزلة الجماد الثابت، و الشي ء النابت.

[المجاز] (358)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ جَذَعاً، ثُمَّ ثَنِيّاً (5)،


1- نوادر أبي زيد: 128، أمالي الزّجاجيّ: 12، لسان العرب 11: 493، و صدره: دعت سليمى دعوة: هل من فتى، ارتفقت: اتكأت.
2- أيّ طلوعها قليلا قليلا. راجع أقرب الموارد 2: 1311، مادّة (ن ض ض).
3- مسند أحمد 3: 439، 440، مجمع الزّوائد 10: 140، الدّرّ المنثور 4: 111.
4- أيّ المتحرّك.
5- و هو ما دخل في السّنّة السّادسة. المصباح المنير: 85، مادّة (ث ن ي).

ص: 389

ثُمَّ رَبَاعِياً (1)، ثُمَّ سَدِيساً (2)، ثُمَّ بَازِلًا (3)، وَ مَا بَعْدَ الْبُزُولِ إِلَّا النُّقْصَانُ» (4).

و هذا الكلام كلّه مستعار، و المراد تمثيل الإسلام في تنقّل أحواله و تغاير أوصافه بولد الناقة ينتقّل في أسنانه؛ فيكون أوّل أمره جذعا، ثمّ ثنيّا، ثمّ رباعيا، ثمّ سديسا، ثمّ بازلا؛ و هي سنّ التمام، و ما بعدها إلى النقصان، و مدار المعنى على أنّ الإسلام بدأ في غاية الصغر، ثمّ انتهى إلى غاية الكبر؛ على تدريج ما بين البازل و الجذع؛ و أنّه عليه الصلاة و السلام يخشى عليه نقيصة التمام و عكيسة الكمال، كما يخشى على اليفن (5) بعد انحنائه، و البازل بعد انتهائه.

[المجاز] (359)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ مِنَ الصَّدَقَةِ أَوْسَاخُ أَيْدِي النَّاسِ» (6).

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «غُسَالاتُ أَيْدِي النَّاسِ» (7).

وَ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ «الطَّبَقَاتِ»: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ


1- و هو ما دخل في السّابعة. المصباح المنير: 217، مادّة (ر ب ع).
2- و هو ما دخل في الثّامنة. المصباح المنير: 271، مادّة (س د س).
3- و هو الدّاخل في السّنة التّاسعة. المصباح المنير: 48، مادّة (ب ز ل). و ليس بعده سنّ تسمّى، فيقال: بازل عام، و بازل عامين ... و كذلك مازاد. راجع لسان العرب 1: 401، مادّة (ب ز ل).
4- مسند أحمد 5: 52، مجمع الزّوائد 7: 279، كنز العمّال 1: 238/ 1191، الدّرّ المنثور 2: 259.
5- أيّ الشّيخ الكبير. و في النّهج: «أيّها اليفن الكبير الّذي قد لهزه القثير ...».
6- الموطأ 2: 1001، مسند أحمد 3: 402، سنن النّسائيّ 5: 105، مستدرك الحاكم 3: 484، كنز العمّال 6: 509/ 16761.
7- كنز العمّال 6: 454/ 16505.

ص: 390

لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ قَدْ سَأَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ: «مَا كُنْتُ لِأَسْتَعْمِلَكَ عَلَى غُسَالَةِ ذُنُوبِ النَّاسِ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد تشبيه ما يخرجه الناس من صدقاتهم بالأوساخ التي يميطونها (2) عن أيديهم، و التشبيه بذلك من وجهين:

أحدهما: أن تكون أموال الصدقات لمّا كان أخراجها مطهّرا لما وراءها من سائر الأموال، جرت مجرى المياه التي تغسل بها الأدران و تزال بها الأنجاس؛ في انتقال تلك الأدران إليها، و حصول تلك الأدناس و الأنجاس فيها.

و الوجه الآخر: أن يكون المراد أنّ أموال الصدقات- في الأكثر- لا تكون إلّا أسافل الأموال دون أخايرها، و مفارقاتها (3) دون كرامها، و لذلك أمر عليه الصلاة و السلام في الصدقة بالأخذ من حواشي الأموال دون حرزاتها (4)؛ و هي خيارها. و إنّما نسب عليه الصلاة و السلام تلك الأوساخ إلى الأيدي؛ لأنّ الأموال المعطاة- في الأكثر- إنّما تكون بها، و تمرّ عليها، و قد مضى الكلام على هذا المعنى فيما تقدّم.

[المجاز] (360)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي تَعْدِيدِ أَقْوَامٍ ذَمَّهُمْ: «وَ رَجُلٌ


1- الطّبقات الكبرى لابن سعد 4: 27.
2- أيّ ينحونها و يبعدونها. راجع المصباح المنير: 587، مادّة (م ي ط).
3- أيّ أن أموال الصّدقات تهونه على أصحابها مفارقتها لحقارتها، بخلاف كرّام اموالهم الّتي يعزّ عليهم التّصدّق بها.
4- الحرزات: جمع حرزة؛ لأنّ صاحبها يحرزها. أقرب الموارد 1: 179، مادّة (ح ر ز).

ص: 391

يُنَازِعُ اللَّهَ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ، وَ إِزَارَهُ الْعَظَمَةُ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد بذلك أنّ الكبرياء و العظمة رداؤه تعالى و إزاره، اللذان يكسوهما خليقته، و يلبسهما بريّته، و لا يقدر غيره على أن ينزع منهما ما ألبسه، أو يلبس منهما ما نزعه.

و المراد بذلك العظمة و الكبرياء على حقيقتهما، دون ما يعتقده الجهّال أنّه عظمة و كبرياء و ليس بهما، و ذلك مثل ما نشأ من تعظّم الجبّارين، و تكبّر المتملّكين، فإنّ ذلك ليس بتعظيم من اللّه سبحانه لهم، و لا بإفاضة من ملابس كبريائه عليهم، و إنّما العظمة و الكبرياء في الحقيقة هما الكرامة التي يلقيها اللّه سبحانه على رسله و أنبيائه، و القائمين بالقسط من عباده، فيعظمون بها في العيون، و يجلّون في الصدور و القلوب؛ و إن كانت هيئاتهم دميمة، و ظواهرهم و رقابهم خاضعة، و بطونهم جائعة.

فإذا ثبت ما قلنا: بأنّ تسمية الكبرياء و العظمة «رداء اللّه و إزاره» ليس؛ لأنّه يكتسيهما، و لكن؛ لأنّه يكسوهما، و ذلك كما يقول القائل و قد رأى على بعض الناس ثوبا أفاضه عليه عظيم من العظماء، أو كريم من الكرماء: «هذا ثوب فلان» و لم يرد أنّه ملبسه، فأضافه إليه من حيث كساه، لا من حيث اكتساه.

و يجري هذا مجرى قولنا: «بيت اللّه» و ليس بساكنه، و «عرش اللّه» و ليس براكبه، و نظير ذلك قولهم: «لعمر اللّه ما فعلت كذا» و «لعمر اللّه لقد


1- مسند أحمد 6: 19، سنن ابن ماجة 2: 1397 مجمع الزوائد 1: 105، كنز العمّال 16: 30/ 43800.

ص: 392

فعلت كذا» و «العمر» هو العمر، يقال: «عمر» و «عمر» بمعنى واحد، قال الشاعر:

بان الشّباب و أخلق العمرو تغيّر الإخوان و الدّهر (1)

أراد العمر على أحد التفسيرين، و التفسير الآخر: أن يريد به واحد عمور الأسنان (2)، و إخلافه (3): تغيّره من الكبر.

إلّا أنّ «العمر» في قولهم: «لعمر اللّه» يراد به الحياة، و هذا المراد بقول القائل: «لعمري» و «لعمر أبي» و «لعمر فلان» كأنّه قال: و «حياة أبي» و «حياة فلان».

وَ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ كَرَامَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنَّهُ أَقْسَمَ فِي الْقُرْآنِ بِحَيَاتِهِ، وَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَبِيٍّ غَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (4)، وَ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: وَ «حَيَاتِكَ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ» (5).

و إذا صحّ ما قلناه صار القائل: «لعمر اللّه» كأنّما حلف بحياة يحيي اللّه بها (6)، لا حياة يحياها (7)؛ لأنّه سبحانه يتعالى عن أن يحيا بحياة، أو يتكلّم بأداة، أو يفعل بآلات.


1- شعر ابن أحمر الباهلي: 90، لسان العرب 4: 606، بان: فارق، أخلق: بلي ورثّ.
2- و هو لحم من اللثّة سائل بين كل سنّين. لسان العرب 9: 395، مادّة (ع م ر).
3- في اللسان: و أخلف بدل و أخلق، و معنى أخلف: تغيّرت رائحته.
4- الحجر (15): 72.
5- انظر: تفسير القرطبي 10: 39.
6- أي يحيي غيره من المخلوقات بها.
7- أي ليس الحلف بنفس حياته تعالى؛ لأنّ لازمه مغايرته سبحانه للحياة، و المفروض أنّه منزّه عن الأغيار، غير محتاج إليها. و الجواب: أنّ حياته سبحانه عين ذاته، و قد صرّح الكتاب و السنّة بها.

ص: 393

[المجاز] (361)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ؛ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ» (1).

و هذا القول مجاز، و المراد ب «البيضاء» هاهنا محجّة (2) الدين، و مدرجة الطريق (3) المستقيم، و صفتها بالبياض عبارة عن وضوح نهجها، و بيان سننها. و كلّ «أبيض» في كلامهم واضح، يقولون: «وجه واضح» إذا كان أبيض المحيّا، و «جبين واضح» و «جيد (4) واضح» على هذا المعنى.

و قوله عليه الصلاة و السلام: «ليلها كنهارها» مقول ما فسّرناه من المراد ب «البياض» كأنّه عليه الصلاة و السلام أشار إلى أنّ الليل لا يغطّي وضوح هذه المحجّة بسواده، و لا يستر أعلامها بظلامه، و لا محجّة هناك على الحقيقة، و إنّما المراد صفة الدين بوضوح المعالم، و بيان المواسم (5)، و إنارة المداخل، و ظهور الحجج و الدلائل.

[المجاز] (362)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنِهِ ...»

، في حديث طويل (6).


1- مسند أحمد 4: 126، سنن ابن ماجة 1: 16/ 43، مستدرك الحاكم 1: 96، كنز العمّال 1: 182/ 922.
2- أي طريقة.
3- أي سنتها، و السنن: النهج.
4- أي العنق. المصباح المنير: 116، مادّة (ج ي د).
5- المواسم: المعالم: ما يستدلّ بها على الدين من الآثار الواضحة و البيّنات الجليّة.
6- مسند أحمد 4: 132، سنن ابن ماجة 2: 1111، مستدرك الحاكم 4: 331، مشكاة الأنوار: 562: 1901.

ص: 394

و هذا القول مجاز، و إنّما جعل عليه الصلاة و السلام البطن بمنزلة الوعاء؛ لأنّه قرار للطعام و الشراب و ما يستحيلان إليه من الفروث (1) و الأخباث، و كأنّ المأكل و المشرب إيعاء فيه، و كأنّ العذر (2) و التبرّز تفريغ له.

و نظير هذا الخبر

الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ؛ وَ هُوَ قَوْلُهُ: «الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ؛ بَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ»

(3)، و قد تقدّم الكلام عليه (4)؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام إنّما جعل القلوب كالأوعية؛ لأنّها موضع إيداع السرائر و الضمائر، و حفظ الأدلّة و العلوم، و مستقرّ الآراء و العزوم (5)، إلّا أنّ القلوب أوعية للأعراض: من الإرادات و الاعتقادات، و البطون أوعية للأجسام: من المأكولات و المشروبات.

[المجاز] (363)

وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ؛ فَمَنْ شَاءَ صَافَحَهُ بِهَا» (6).

و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الحجر جهة من جهات القرب إلى اللّه تعالى؛ فمن استلمه و باشره قرب من طاعته تعالى، فكان كاللاصق بها،


1- الفروث: جمع فرث، و المراد به هنا الغائط مادام في البطن.
2- أي التغوّط، و في الأصل: العدد، و هو من سهو النسّاخ.
3- انظر: مسند أحمد 2: 177.
4- مرّ في الصفحة: 261/ 315.
5- العزوم: جمع عزم؛ و هو ما عقد عليه قلبك من أمر أنّك فاعله. راجع لسان العرب 9: 193، مادّة (ع ز م).
6- كشف الخفاء 1: 417، غريب الحديث لابن قتيبة 2: 96/ 4، رواه عن أبي محمّد في حديث عن ابن عبّاس، و فيه: «الحجر الأسود ...».

ص: 395

و المباشر لها، فأقام عليه الصلاة و السلام «اليمين» هاهنا مقام الطاعة التي يتقرّب بها إلى اللّه سبحانه على طريق المجاز و الاتساع؛ لأنّ من عادة العرب إذا أراد أحدهم التقرّب من صاحبه و فضّل الأنسة بمخالطته؛ أن يصافحه بكفّه، و يعلق يده بيده، و قد علمنا في القديم (1) أنّ الدنوّ يستحيل على ذاته، فيجب أن يكون ذلك دنوّا من طاعته و مرضاته. و لمّا جاء عليه الصلاة و السلام بذكر «اليمين» أتبعه بذكر «الصّفاح» (2) ليوفي الفصاحة حقّها، و يبلغ بالبلاغة غايتها.

و نظير هذا الخبر

الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى قَبْلَ يَدِ السَّائِلِ»

(3)؛ أي يتعجّل بها منه سبحانه استحقاق مثوبته و مواقعته، و موافقة طاعته؛ و أنّها لا تهلك ضلالا، و لا تذهب ضياعا، بل تكون كالشي ء المحفوظ باليد، و المذخور للغد.

و هذا أخير انتهائنا إلى الفراغ من كتاب «مجازات الآثار النبوية» على ما تخلّل عملنا له من قواطع الأشغال، و بواهظ الأثقال، و عوادي (4) الأيّام و الليالي. و قد خرجنا في صدر هذا الكتاب من عهدة التكفّل باستيعاب (5) جميع ما ورد عن النبيّ عليه الصلاة و السلام من آثاره


1- أي الباري سبحانه و تعالى.
2- الصّفاح: المصافحة، و هي الأخذ باليد. الصحاح 1: 383.
3- حلية الاولياء 4: 81، التبيان في تفسير القرآن: 5: 294، مجمع الزوائد: 3: 111، المقنع: 54 عن الصادق عليه السّلام.
4- العوادي: جمع عادية، و هي الشغل الصارف. راجع أقرب الموارد 2: 754، مادّة (ع د و).
5- الباء في قوله: «باستيعاب» متعلّقة ب «التكفّل».

ص: 396

الملفوظة و الأخبار المنقولة بما (1) شرطناه من كلامنا (2) الذي وقع إلينا، و قرب من متناولنا، دون ما بعد عنا، و شذّ عن أيدينا، و لا يبعد أن يكون القدر الذي تكلّمنا عليه قليلا من كثير، و قصيرا من طويل، إلّا أنّ عذرنا في الاقتصار عليه واضح، و جيبنا فيما أدّيناه ناصح.

و نحن نحمد اللّه سبحانه- على ما منّ به من التوفيق لاقتناص شوارده (3)، و تسهيل موارده، و إثارة (4) فوائده و عوائده- حمدا يكون للنعمة قواما، و لنتاجها تماما، و لصعبها (5) عقالا و زماما؛ فإنّ النعمة تثنى (6) على قواعد الشكر لها، و ترفع على دعائم المعرفة بقدرها، و ما توفيقنا إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.


1- الباء متعلّقة بقوله: «خرجنا».
2- لعلّ الصحيح: من كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
3- أي غرائبه و نوادره. أقرب الموارد 1: 581، مادّة (ش ر د).
4- أي إظهارها.
5- الصعب من الدوابّ: نقيض الذلول. لسان العرب 7: 340، مادّة (ص ع ب).
6- أي تعطف على هذه القواعد و الاسس، و تردت إليها. و الحمد للّه كما هو أهله، و صلاته و سلامه على رسوله و آله.

ص: 397

الفهارس الفنّيّة

فهرس الآيات

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ 353

إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ 378

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ 231

الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ 75

إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ 184

إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ 38، 179

ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً 353

حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ 95

حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ 88

صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ 251

فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ 270

فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها 38

فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ 185

فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ 42

فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ 145

قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً 98

ص: 398

قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً 45

كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ 60، 249

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ 392

لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ 291

لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي 370

ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ 319

نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ 376

وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ 272

وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ 216

وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ 260

وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ 270

وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ 270

وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ 270

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ 187، 347

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ 218

وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا 323

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ 63

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ 360

وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ 256

وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا 223

وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ 312

وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ 98

ص: 399

وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ 381

وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى 63

وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها 46، 95

وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ* 320

وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ 183

وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ 200

هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها 160

يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ 132

ص: 400

ص: 401

فهرس الأحاديث

ائتني بشلوها الأيمن 51

ابنوا المساجد و اتّخذوها جمّا 105

أ بهذا امرتم أن تضربوا كتاب اللّه 329

اتّبعوني تكونوا بيوتا 204

اتّقوا اللّه في النّساء فإنّهّنّ في 224

اتّقوا هذه المجازر فإنّ لها ضراوة 373

أجد نفس ربّكم من قبل اليمن 69

أحسنوا جوار نعم اللّه فإنّها وحشيّة 209

أحسني جوار نعم اللّه، فإنّها 209

احفظ اللّه يحفظك، احفظه تجده تجاهك 333

أخاف أن تصف حجم عظامها 163

أخاف عليكم إذا صبّت الدّنيا 97

أخرجا ما تصرّان 40

إذا اضيعت الأمانة فانتظروا السّاعة 364

إذا أراد اللّه بعبد خيرا عسله، 37

إذا دخل البصر فلا إذن 366

إذا سافرتم في الخصب فأعطوا 245

ص: 402

إذا ملأ اللّيل بطن كلّ واد 386

إذا وسّد الأمر إلى غير أهله 365

إذا وقعت الحدود و صرفت الطّرق 347

اردد على ابنك ماله فإنّما هو سهم 226

أرى عليه سفعة من الشّيطان 290

استعيذوا باللّه من طمع يهدي 226

أسرعكنّ لحاقا بي أطولكنّ يدا 79

أسكنت بأقلّ الأرض مطرا 110

أطعموا اللّه يطعمكم 200

اعطوا الطرق حقّها، قيل: و ما حقّها 345

اعمار أمّتي بين الستّين 307

أعنان الشياطين لا تقبل إلّا مولّية 268

أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم من 256

أعوذ باللّه من شرّ عرق نعّار 123

أعوذ بك من شرّ الجوع فإنّه بئس 292

أغبط النّاس عندي مؤمن خفيف 52

أغبطت عليّ الحمّى 275

اغتربوا لا تضووا 100

أقتلته في غرّة الإسلام 92

أقم عليه حدّ المفتري، لأنّ الشّارب 364

أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم 216

أكثروا ذكر هادم اللّذات 362

ص: 403

ألا اخبرك برأس الأمر و عموده 375

ألا إنّ الأنصار عيبتي الّتي آوي 84

ألا إنّ الغضب جمرة توقّد في 196

ألا إنّ عمل الجنّة حزن بربوة 331

ألا إنّ كلّ شي ء من أمر الجاهليّة 137

ألا أخبركم بأبغضكم إليّ 374

ألا أخبركم بأحبّكم إليّ و أقربكم 181

إلّا أن يتغمّدني منه برحمة 121

الأجر عند الصّدمة الأولى 326

الإحتباء حيطان العرب، و العمائم 192

الاستغفار مهدمة للذّنوب 219

الإسلام ذلول لا يركب إلّا ذلولا 336

الإسلام يجبّ ما قبله 67

الآن حمي الوطيس 59

الأنصار كرشي و عيبتي 82

ألا و إنّ الدّنيا قد ارتحلت مدبرة 191

الأيدي ثلاث: فيد اللّه العليا 329

ألّا يطّلع إلينا نقابها 45

الإيمان قيد الفتك 325

الإيمان هيوب 219

الإيمان يمان و الحكمة يمانيّة 308

ألقه على بلال فإنّه أندى منك صوتا 354

ص: 404

اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر 76

اللّهمّ المم شعثنا 241

اللّهمّ إنّا نعوذ بك من الأيهمين 263

اللّهمّ إنّا نعوذ بك من وعثاء السّفر 142

اللّهمّ إنّ فلان بن فلان في ذمّتك 377

اللّهمّ إنّي أحمدك على العرق السّاكن 88

اللّهمّ إنّي أسألك رحمة تلمّ 122

اللّهمّ إنّي أوّل من أحيا أمرك 356

اللّهمّ أرّ بينهما 161

اللّهمّ مطفئ الكبير و مكبّر الصّغير 386

أمّا السّنّ فعظم، و أمّا الظّفر 382

أما و الّذي نفسي بيده لجعيل 87

أما يرضيك يا فاطمة ألّا يبقى على ظهر 375

أمرت بقرية تأكل القرى تنفي الخبث 301

أنا النّذير و الموت المغير 179

إنّ إبراهيم ابني مات في الثّدي، 346

أنا بري ء من كلّ مسلم مع مشرك 248

إنّ الإبل خلقت من الشّياطين 269

إنّ الإسلام بدأ جذعا، ثمّ ثنيّا 388

إنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا 46

إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما 114

إنّ الجفاء و القسوة في الفدّادين إلّا 247

ص: 405

إنّ السّقط ليجرّ أمّه إلى الجّنة 295

إنّ الشّيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم 313

إنّ الصّدقة تقع في يد اللّه سبحانه 395

إنّ القرآن شافع مشفّع، و ماحل 283

إنّ الكلمة الحكيمة تكون في قلب 191

إنّ اللّه إذا أراد أن يعظّم عظّمه 387

إنّ اللّه سبحانه جعل الإسلام دارا 178

إنّ اللّه سبحانه لم يحرّم حرمة 327

إنّ اللّه عند لسان كلّ قائل 354

إنّ اللّه ليربّي لأحدكم التّمرة و اللّقمة 343

إنّ اللّه يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب 299

إنّ المسجد لينزوي من النّخامة 201

إنّ المسلم إذا توضّأ ثمّ صلّى الخمس 288

إنّ المؤمن إذا أذنب كان الذّنب 363

إنّ المؤمن لينضي شيطانه كما 367

أنا مدينة العلم، و عليّ بابها 199

إنّ بعيرك يشكوك و يزعم أنّك 381

أنتم الشّعار و النّاس الدّثار 55

إنّ ذا الوجهين لخليق ألّا يكون 308

انزل القرآن على سبعة أحرف 64

انضحوا أرحامكم 108

انضحوا أرحامكم 108

ص: 406

انضحوا عنّا الخيل بالنّبل لا يأيونا من خلفنا 162

إنّ على ذروة كلّ بعير شيطانا 269

إنّ عمّ الرّجل صنو أبيه 251

إن فتح اللّه عليكم الطائف فسل 129

انفحي و انضحي، و لا توعي 379

إنّ قريشا أهل صدق و أمانة 380

إنّ قوما يضفرون الإسلام، ثمّ 104

إنّك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك 115

إنّكم قد أخذتم في شعبين بعيدي الغور 286

إنّ لك بيتا و إنّك لذو قرنيها 95

إنّ للشّيطان نشوقا و لعوقا و دساما 274

إنّ للمساجد أوتادا، الملائكة 369

إنّ لنا الضّاحية من البعل، و لكم 266

إنّ لنا الضاحية من الضّحل، و لكم 266

إنّما هذا المال من الصّدقة أو 389

إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم 143

إنّ من البيان لسحرا 120

إنّ من الشّعر حكما 257

إنّ من أربى الرّبا استطالة المرء 323

إنّ من أشراط السّاعة سوء الجوار 186

أنّ من زعم أنّ للّه خنصرا و بنصرا 320

إنّه أقرب إليكم من رؤوس ركابكم 354

ص: 407

إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه 244

إنّ هذه الأخلاق بيد اللّه، فمن 50

إنّ هذه المسائل كدّ يكدّ بها 128

إنّه لبحر 180

إنّه ليغان على قلبي حتّى أستغفر 351

إنّه يحشر أقطع اليد 232

إنّه يؤخذ للجمّاء من القرناء 105

إنّي على جناح سفر 135

إنّي لأرجو أن تموت جميعا 110

إنّي ممسك بحجزكم هلمّوا 90

أوثق العرى كلمة التّقوى 135

أوثق عرى الإسلام أن يحبّ 315

إيّاكم و المشارّة فإنّها تحيي 172

إيّاكم و المغمضات من الذّنوب 284

إيّاكم و تعداد العرّة فإنّها تكشف 173

إيّاكم و خضراء الدّمن 81

إيّاكم و هوشات الأسواق 167

أيّها النّاس: ما يحملكم على أن 372

بعثت في نسم السّاعة إن كادت لتسبقني 49

بعثت في نفس الساعة 49

البقرة سنام القرآن و ذروته، 371

بلغني عن فلان كلام تشذّر 218

ص: 408

بلّوا أرحامكم و لو بالسّلام 108

بين يدي السّاعة ينطق الرّويبضة 149

تحابّوا بذكر اللّه و روحه 57

تحفة المؤمن الموت 299

تخفّفوا تلحقوا 54

تدور رحا الإسلام لسنة كذا 154

تركت بني قيلة يتقاصفون بقباء 157

ترون ربّكم يوم القيامة كما 60

تزوّجوا الشّوابّ فإنّهنّ أغرّ أخلاقا 286

تزول رحا الإسلام 155

تصلّى في حلاقيم البلاد 90

تعرض للنّاس جهنّم كأنّها سراب 109

تعس عبد الدّينار و الدّرهم 293

تقلّدها شلوة من جهنّم 51

تلك ضراوة الإسلام و شرّته و لكلّ 372

تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة 251

تنام عيناي و لا ينام قلبي 171

تنكح المرأة لميسمها 67

تؤخّرون الصّلاة إلى شرق الموتى 278

ثمّ تعودون فيها أساود صبّا 378

ثمّ يكون ملك عضّ يستحلّ 287

جبرائيل ناموس اللّه 217

ص: 409

الجرس مزمار الشّيطان 367

جيئوا بكبش أقرن يطأ في سواد 342

حادثوا القرآن بالدرس، فلهو أشدّ تفضيا 267

الحالّ المرتحل 103

حبّك الشي ء يعمي و يصمّ 171

حبلان ممدودان من السّماء إلى الأرض 205

حبل ممدود من السّماء إلى الأرض 205

الحجاز قطيفة الإيمان 127

الحجر يمين اللّه، فمن شاء 394

حجّوا قبل ألّا تحجّوا حجّوا قبل 375

الحديث شجون و ذو شجون 139

الحرص و الأمل 320

حسّان حجاز بين المؤمنين 133

الحسد يأكل الحسنات كما تأكل 210

حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النّار 349

الحمّى رائد الموت، و هي 70

الحمّى كير جهنّم 376

الحياء شعبة من الإيمان 112

الحياء نظام الإيمان 111

خذ من حواشي أموالهم 148

خرجت حين بزغ القمر كأنّه فلق جفنة 262

خشب باللّيل جدر بالنّهار 363

ص: 410

خصاء أمّتي الصّيام 94

الخطبة الّتي ليس فيها شهادة كاليد 231

الخلق عيال اللّه عزّ و جلّ فأحبّهم 228

الخمر أمّ الخبائث، و من شربها 229

خمس ليس لهنّ كفّارة: الشّرك 365

خير الخيل الأدهم الأقرح 125

خير المال عين ساهرة 101

خير الناس في آخر الزّمان الرّجل 277

خير النّاس منزلة رجل أخذ بعنان 291

الخيل معقود بنواصيها الخير 65 و 66

دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم 174

دعا قومه إلى عبادة اللّه 96

الدّعاء سلاح المؤمن و عمود الدّين 200

دع داعي اللّبن 236

الدّم الدّم و الهدم الهدم 362

الدنيا سجن المؤمن و جنّة 71

ذاك رجل بال في أذنه الشّيطان 108

ذاك رجل لا يتوسّد القرآن 54

الرائد لا يكذب أهله 71

رأيت ليلة اسري بي قوما تقرض 232

ربّ تقبّل توبتي و اغسل عنّي حوبتي 253

ربّ ذي طمرين لا نومة له لو 277

ص: 411

رحا الإسلام دائرة في قحطان 309

رحم اللّه حميرا أفواههم سلام 361

الرّحم تتكلّم بلسان طلق ذلق 158

الرّحم لها حجنة كحجنة المغزل 303

الرّيح من روح اللّه 70

الرّؤيا على الرّجل طائر مالم 311

زاد المسافر الحداء، و الشّعر 198

زيّنوا أصواتكم بالقرآن 221

ستكون فتنة كأنّها صياصي بقر 106

السّلام عليك يا نبيّ اللّه 285

سلمان ابن الإسلام 305

سيحرصون بعدي على الإمارة 177

سيّد الأيّام يوم الجمعة 285

الشرق الجون 59

شفاء العيّ السّؤال 333

الصّبر عند الصّدمة الأولى 326

صدّقك كلّ رطب 210

الصدقة عن ظهر غنى 86

الصّلاة و ما ملكت أيمانكم حتّى جعل يغرغر 290

الصّوم جنّة ما لم يخرقها 288

الصّوم جنّة و الصّدقة تطفئ 182

الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة 224

ص: 412

ضالّة المؤمن حرق النّار 243

ظهورها حرز و بطونها كنز 35

عائد المريض على مخارف الجنّة 118

عرى الإسلام عروة عروة 315

العلم خزائن و مفتاحها السّؤال 200

العلم خليل المؤمن، و الحلم وزيره 188

العلم رائد، و العدل سائق، و النّفس 196

عليكم بالجماعة فإنّ يد اللّه 34

عليكم بالصدق فإنّه مع البرّ 102

عليكم بسنّتي و سنّة المهديّين من 170

عليكم هديا قاصدا فإنّه من يشادّ 245

عليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي 207

العين حقّ تستنزل الحالق 334

العين وكاء السّه، فإذا نامت العين 258

فإذا طلع حاجب الشّمس فلا تصلّوا 339

فاعطوا الركاب أسنانها 245

فإنّ اتّبعونا اتّبعنا منهم عنق 40

فإنّ الساعة كالحامل المتمّ 262

فإنّ هذا القرآن حبل اللّه المتين 211

فإنّي أرجو ألّا يطلع إلينا نقابها 45

فإيّاكم و الشّعاب و عليكم بالجماعة 314

فجاءت به كلّه قالب لون غير 124

ص: 413

فعند ذلك تقيّ ء الأرض أفلاذ كبدها 281

فلم يبق منهم تحت أديم السّماء 134

فما بعث اللّه بعده نبيّا إلّا في 370

فو الّذي نفسي محمّد بيده ما من 152

فو الّذي نفسي بيده لكأنّما ينضحونهم 162

في الجنين غرّة عبد أو أمة 36

قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها 30

قد أناخت بكم الشّرف الجون 58

قد تركتكم على البيضاء، ليلها 393

قد سبق الفرث و الدّم 47

القرآن حمّال ذو وجوه 237

القسطنطينيّة الزانية 98

قف هاهنا فعمّ علينا بتهوّر النّجوم 125

قلب الكبير شابّ على حبّ اثنتين 321

قلّدوا الخيل و لا تقلّدوها الأوتار 241

القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض 352، 394

قيّدوا العلم بالكتاب 174

كأنّما يجرجر في بطنه نارا 145

كفى بالسّلامة داء 382

كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد 230

كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللّه أقطع 230

كلّ ذلك لم يكن و لكنّ ابني هذا 357

ص: 414

كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج 116

كلّ صلاة لا يقرأ فيها بأمّ 116

كلّ عمل ابن آدم له إلّا 184

كلّ عين زانية 98

كلّكم بنو آدم طفّ الصّاع لم 261

كلّكم يدخل الجنّة إلّا من شرد 379

الكلمة الحكيمة ضالّة الحكيم حيثما 191

كلّ واعظ قبلة 197

كلّ هوى شاطن في النّار 101

كيف أنت إذا بقيت في حثالة 73

كيف أنتم إذا مرج الدّين 73

كيف بكم و بزمان يغربل الناس 102

كيف ترون قواعدها و بواسقها 259

كيف تصنع فتن تنجم من أطراف 280

لا إسلال و لا إغلال و إنّ بيننا 137

لا تتحرّوا بصلاتكم طلوع الشّمس 340

لا تتّخذوها كراسيّ لأحاديثكم في 388

لا ترسلوا فواشيكم و صبيانكم 344

لا ترفع عصاك عن أهلك 279

لا تسأل المرأة طلاق أختها 66

لا تسبّوا الإبل فإنّها رقوء الدّم 307

لا تسبّوا الدّهر فإنّ اللّه هو الدّهر 222

ص: 415

لا تسبّوا الريح فإنّها من نفس 70

لا تستضيئوا بنار أهل الشرك 251

لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس 367

لا تضارّون في رؤيته 60

لا تعادوا الأيّام فتعاديكم 358

لا تعضية في ميراث إلّا فيما 164

لا تغارّوا التحيّة 118

لا تغالوا بمهور النّساء، فإنّما هي 177

لا تقعدوا على الصّعدات إلّا من أعطاها 345

لا تقوم السّاعة حتّى يظهر الحش 265

لا تقوم السّاعة حتّى يكثر المال 368

لا تمشوا على أعقابكم القهقرى 159

لا حتّى يكون الآخر قد ذاق من 350

لا حرج إلّا على رجل اقترض 294

لا خير لمؤمن في عمر يتجاوز عمري 307

لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد 117

لا غرار في صلاة و لا تسليم 117

لأن تتوسّد العلم خير من 55

لأنّ يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتّى 115

لا يباح ماؤه و لا يعقر أرعاؤه 168

لا يتطهّر الرّجل فيحسن طهوره 351

لا يدخل الجنّة لحم نبت من 114

ص: 416

لا يزال البدن في جهاد الشّيطان 183

لا يزال العبد خفيفا معنقا بذنبه 106

لا يصلّ الرّجل و هو زنّاء 126

لا يكونوا مغوّيات لمال اللّه 283

لا يلقى اللّه عبد لم يشرك باللّه 99

لا يمنعنّكم من سحوركم الفجر 295

لتأمرنّ بالمعروف و لتنهونّ 322

لتجبّنون و تبخّلون و تجهّلون 74

لعن اللّه الّذين يشقّقون الكلام 374

لقد غلغلت النّظر يا عدوّ اللّه 129

لكلّ شي ء سنام، و سنام القرآن 371

لكلّ شي ء وجه، و وجه دينكم الصّلاة 199

لن تبرحوا مبتلين ما كنت بين 358

لو نظرت إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما 119

لو يعلمون ما يكون في هذه الأمّة 77

ليأتينّ على النّاس زمان يغبطون 53

ليدخلنّ هذا الدّين على ما دخل 374

ليس الفجر المستطيل الأبيض 296

ليس الوضوء على من نام قاعدا 172

ليست هذه بالحيضة و لكنّها 342

ليس في الجبهة و لا في النّخّة 36

ليس في الصّوم رياء 184

ص: 417

ليس منّا من لم يتغنّ 221

ليلة الجمعة غرّاء و يومها أزهر 231

لينقضنّ الإسلام عروة عروة كما 314

ما أذن اللّه لشي ء كإذنه لنبيّ 220

ما تجرّع عبد جرعة أحبّ إلى اللّه 152

مات حتف أنفه 80

ما رفع العباد من شي ء إلّا وضع اللّه منه 335

ما سمعت كلمة عربية من العرب 80

ما فعل شراد بعيرك يا خوّات؟ 325

ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس 390

مالك و لها، معها حذاؤها و سقاؤها 338

ما للشّيطان من سلاح أبلغ في 338

ما لي أراهم يرفعون أيديهم كأنّها 263

ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من 393

ما من آدميّ إلّا و قلبه بين إصبعين 315

ما من أمير عشرة إلّا و هو يجي ء يوم 272

ما من جرعة يتجرّعها الإنسان 151

ما نزل من القرآن آية إلّا و لها ظهر 236

ما يخرج رجل شيئا من الصّدقة 352

المجالس ثلاثة: سالم و غانم و شاجب 345

المجاهد من جاهد نفسه 194

المدينة تنفي خبث الرّجال كما ينفي 303

ص: 418

مرآة أخيه المؤمن 89

المسلمان إذا حمل كلّ واحد 380

المسلم من سلم النّاس من لسانه 327

المسلمون تتكافأ دماؤهم، و يسعى 33

مضر صخرة اللّه الّتي لا تنكل 48

معترك المنايا بين السّتّين و السّبعين 306

المعروف و المنكر خليفتان ينصبان 300

مفاتيح الجنّة لا إله إلّا اللّه 215

من اطّلع من صير باب فقد دمر 366

من القتلى رجل قرف على نفسه 202

من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه 360

من أتاكم و أمركم جمع يريد أن 159

من أحبّ أن يقرأ القرآن غريضا 322

من أحيا أرضا ميّتة فهي له و ليس 240

من أراد أهل المدينة يكيدهم 304

من أكل من هاتين البقلتين 89

من استطاع منكم الباه فليتزوّج 94

من بايع إماما فأعطاه صفقة 156

منبري هذا على ترعة من 112

من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقي 231

من تقرّب إلى اللّه شبرا تقرّب إليه 337

من حلف بيمين كاذبة مصبورة فليتبوّأ 366

ص: 419

من خالف الجماعة فقد خلع ربقة 277

من خضّر له في شي ء لزمه 86

من خلع يدا من طاعة لقي اللّه 169

من زعم أنّ محمّدا رأى ربّه فقد 62

من سرّه أن يذهب كثير من وحر 254

من سرّه أن يقرأ القرآن رطبا 321

من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما 321

من شرب بها في الدنيا لم يشرب 146

من شرّ ما اعطي العبد شحّ هالع 271

من عاد مريضا لم يزل يخوض الرّحمة 343

من عدّ غدا من أجله فقد أساء 198

من فعل كذا و كذا فقد احتظر 100

من قال إنّ محمّدا رأى ربّه فقد كذب 62

من قال حين يصبح: لا إله إلّا 355

من قال كذا و كذا غفر له و لو 282

من قتل تحت راية عمّيّة تغضب 303

من قرأ القرآن فرأى أنّ أحدا اعطي 222

من قعد في مصلّاه حين يصلّي الصّبح 387

من كانت الدّنيا همّه و سدمه جعل 123

من كانت نيّته الآخرة جعل اللّه 170

من كسب مالا من نهاوش أنفقه 166

من كنت مولاه فعليّ مولاه 206

ص: 420

من كنت وليّه فعليّ وليّه 207

من لبس في الدّنيا ثوب شهرة 160

من هذا لقد احتظر واسعا 360

من يعط باليد القصيرة يعط 79

الموت ريحانة المؤمن 200

المؤمن مرآة أخيه 89

المؤمن موه راقع 169

المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضه بعضا 262

المؤمن يأكل في معاء واحد 341

النّاس معادن 136

النساء حبائل الشيطان 338

نعمت العمّة لكم النّخلة 253

نعم وزير الإيمان العلم، و نعم 197

نهاهم علماؤهم عن المعاصي فلم ينتهوا 328

نهران مؤمنان، و نهران كافران 32

و استذكروا القرآن فلهو أشدّ تفصّيا 267

و الّذي نفسي بيده لا يسلم عبد 327

و الشباب شعبة من الجنون 195

و الصّدقة تطفئ الخطيئة 182

و العصر إذا كان ظلّ كلّ شي ء مثله 213

و اللّه لا أعطيكما و أدع أهل الصّفّة 324

و المهلكات شحّ مطاع، و هوى متّبع 189

ص: 421

و النّساء حبائل الشّيطان 195، 338

و إنّ ما كان لهم من دين إلى أجل فبلغ 273

و إيّاكم و البخل فإنّه أهلك من كان قبلكم 190

و أسألكم عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما 205

و أمت أمر الجاهليّة إلّا ما حسن 182

و أن يتّخذ القرآن مزامير 221

و أيّ داء أدوى من البخل 385

و اعلموا أنّ الجنّة تحت البارقة 137

و ربّ متخوّض في مال اللّه و رسوله فيما 368

و رجل تصدّق بصدقة أخفاها 369

و رجل ينازع اللّه رداءه، فإنّ 390

و ستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم 68

و سيأتي على النّاس زمان يثقّفون 347

و صلّ الظّهر بعد ما يتنفّس الظّلّ 216

و غطفان أكمة خشناء تنفي 150

وفّت أذنك يا غلام و صدّق 133

و فتنة عمياء صمّاء و دعاة ضلالة على 235

و كان ذلك حين دجا الإسلام 375

و لا تسلّط عليهم عدوّا من 165

و لا تكلّم اليوم بكلام تعتذر 187

و لا صلاة بعدها حتّى يرى الشّاهد 384

و لا يشرب أحدكم الحدود و هو 363

ص: 422

و لا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه 327

الولاء لحمة كلحمة النّسب 168

الولد للفراش و للعاهر الأثلب 141

الولد للفراش و للعاهر الحجر 140

الولد مبخلة مجبنة مجهلة، 156

و لو سلك الأنصار شعبا، 32

و ليس من ملك إلّا و له حمى، 131

و ما سقى الربيع 213

و منهنّ ربيع مربع و غلّ قمل 201

و نهيتكم عن الشّرب في الأوعية 348

و هذه الخطوط إلى جنبه الأعراض 126

و هل يكبّ النّاس على مناخرهم 153

ويح قريش لقد أكلتهم الحرب 302

و يقطع الناس في آثارهم حتّى 93

ويل لأقماع القول ويل للمصرّين 38

هدنة على دخن 234

هذا جبل يحبّنا و نحبّه 31

هذا كتاب من محمّد رسول اللّه 43

هذه مكّة قد رمتكم بأفلاذ 30

هم دعاميص الجنّة 364

هود و أخواتها قصّفن عليّ الأمم 157

هي شجنة من اللّه 139

ص: 423

هي ليلة إضحيانة كأنّ قمرا يفضحها 146

يا أنجشة! رفقا بالقوارير 44

يا أهل القرآن لا توسّدوا القرآن 55

يا حكيم إنّ هذا المال خضرة 85

يا كعب بن عجرة: النّاس غاديان 185

يا معشر الأنصار أوجدتم في قلوبكم 298

يبلغ العرق هناك ما يلجمهم 297

يجي ء المؤذنون أطول النّاس أعناقا 93

يجي ء يوم القيامة معه لواء الشّعراء إلى النّار 151

يخرج من النار قوم بعد ما امتحشوا 90

اليد العليا خير من اليد السّفلى 50

يد اللّه مع القاضي حين يقضي 353

يغضب غضبته و يقاتل عصبته 304

يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم و هو عليهم 323

يكون قبل الدّجّال سنون خدّاعة 56

يمرقون من الدّين كما يمرق 47

اليمين الفاجرة تدع الدّيار 90

يمين اللّه ملأى سحّاء، لا يغيضها 104

ينادي مناد يوم القيامة لتلحقنّ كلّ أمّة 310

يهرم ابن آدم و يشبّ منه اثنتان 320

ص: 424

فهرس الأشعار

أبلغ أمير المؤمنين 41

أبيض اللّون لذيذ طعمه 56

أخو فقرات دبّبت في عظامه 285

إذا رأيت أنجما من الأسد 109

إذا سقط السّماء بأرض قوم 213

إذا علقت أظفاره في فريسة 78

إذا قطعوا رأسي و في الرّأس أكثري 52

إذا مالك ألقى العمامة فاحذروا 193

أراح بعد الغمّ و التغمّم 148

أرسل عليهم سنة قاشوره 174

أرى الغواني قد غنين عنّي 221

أعطى فأعطاني يدا و دارا 33

إغباطنا الميس على أصلابه 276

أغرّ كضوء البدر في كلّ منكب 317

أغرّ يباري الريح في كلّ شتوة 77

أقرّ عيني أن جاءت مقلّدة 243

أكل الدّهر عليهم و شرب 223

ص: 425

أكلت بنيك أكل الضّبّ حتّى 302

أكلنا الشّوى حتّى إذا لم نجدّ شوى 149

ألا ترى أنّ هذا النّاس قد نصحوا 283

إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف 294

إلى مغوّاة الفتى بالمرصاد 284

أما تراني قالبا مجنّي 237

أمصّ ثمادي و المياه كثيرة 129

أنا ابن جلا و طلّاع الثّنايا 194

إنّ الحديث طرف من القرى 198

أنت ربيعي و الرّبيع ينتظر 212

إنّ شرخ الشّباب و الشّعر الأسود 196

إن نحن إلّا أناس أهل سائمة 36

أى بصري قد رابني بعد صحّة 383

بان الشّباب و أخلق العمر 392

تبرّأ من دمّ القتيل و بزّه 99

تراهم يهمزون من استركّوا 256

تراءت لنا كالشّمس تحت غمامة 340

ترتاع ما نسيت حتّى إذا ذكرت 361

ترى الملوك حوله مغربلة 103

تغيّر منّي كلّ شي ء ورابني 384

تقوم الأرض ما عمّرت فيها 208

تكفيه فلذة كبد إن ألمّ بها 31

ص: 426

ثمّ أمسوا لعب الدّهر بهم 223

جاءت من البيض زعرا لا لباس لها 252

حيث يرى الدّير المنار 249

خايلت فيها و لم تأخذ أسنّتها 246

رعى غير مذعور بهنّ وراقه 298

سل الدّار من جنبي حبرّ فواهب 249

سلام الإله و ريحانه 75

سمّاه من بعد جعيل عمرا 87

سيكفيك الحمالة مستمت 53

شأتك قعين غثّها و سمينها 259

شربنا الغيظ حتّى لو سقينا 152

شمطاء عابسة عقيما بطنها 58

صببت عليهم حاصبي فتركتهم 78

ضعيف العصا بادي العروق ترى له 316

طحنت رحا بدر لمهلك فتية 155

طلين بكديون و أشعرن كرّة 130

على لاحب لا يهتدى بمناره 144

عليه شريب وادع ليّن العصا 280، 317

غرير التّلاد منيل الطّعام 173

فتشقّقت من بعد ذاك عصاهم 159

فتى لم تلده بنت عمّ قريبة 100

فجالت على وحشيّها و كأنّها 271

ص: 427

فقلت ادعي و أدعو إنّ أندى 355

فلا تكثروا فيها الضّجاج فإنّه 203

فلمّا التقى الحيّان القيت العصا 279

فملّك باللّيط الّذي تحت قشرها 274

فيا صبح كمّش غبّر اللّيل مصعدا 311

في صلب مثل العنان المؤدم 120

في كلّ يوم قربة موكّره 255

قالت له و ارتفعت ألا فتى 388

قد قتل اللّه زيادا عنّي 237

كانوا الذّؤابة من فهر و أكرمها 370

كأنّما الزّجر و الصّهيل به مر 260

كأنّه ذو لبد دلهمس 305

كطريفة بن العبد كان هديّهم 225

كلانا يا معاذ يحبّ ليلى 141

كلّ قتيل في كليب غرّة 37

لا يتأرّى لما في القدر يرقبه 162

لدن غدوة حتّى نزعن عشيّة 214

لعمري لقد لاقت سليم و عامر 182

لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى 88

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء 144

لمّا أتوها بمصباح و مبزلهم 373

لها ذنب كالقنو قد مذلت به 219

ص: 428

لهان على سراة بني لؤيّ 296

ما روضة من رياض الحزن معشبة 113

مبسورة شارفا مصرّمة 58

متفلّق أنساؤها عن قانئ 311

متى تدعهم للقاء الحروب 106

متى نضت من كعبها عرقا يرح 147

مرج الدّين فأعددت له 73

من الدّماء مائع و ملبس 305

من يجعل اللّه عليه إصبعا 317

نامت جدودهم و أسقط نجمهم 277

نصبنا رماحا فوقها جدّ عامر 122

نضحت أديم الودّ بيني و بينهم 108

نظرت إليها بالمحصّب من منى 98

و إذا قذفت إلى الزّناء تعرّها 127

و استبّ بعدك يا كليب المجلس 202

و استعجلوا عن شديد المضغ فابتلعوا 143

و البيض لا يؤدمن إلّا مؤدما 120

و الدّهر غيّرنا و ما يتغيّر 223

و الشّمس قد كادت تكون دنفا 214

و اللّه يصبح من أمام المدلج 334

و المنايا قلائد الأعناق 199

و إنّ ابن إبليس و إبليس ألبنا 258

و إنّي على حبّيهم و تطلّعي 187

ص: 429

و إن يك عامر قد قال جهلا 292

و أبيك حقّا إنّ إبل محمّد 247

و أترك بنت العمّ و هي قريبة 101

و أدركنه خالاته فخذلنه 81

و أشرفت الغزالة رأس حزوى 387

و ألزمته قتبا توسّطه 276

و جلدة بين العين و الأنف سالم 306

و داهية يتّقيها الرّجال 264

و دعوت ربّي بالسّلامة جاهدا 383

و راهنّ ربّي مثل ما قد ورينني 116

و سبينا بنات قيصر قسرا 83

وصلت به ركني و خالط شيمتي 287

و طئنا تميما و طأة المتشاغل 77

و غبراء شعثاء الفروع منيفة 122

و في البحور تغرق البحور 181

و في كلّ شي ء له آية 210

و فينا و إن قيل اصطلحنا تضاغن 82

و قد ينبت المرعى على دمن الثّرى 82

و قلت نصاحة لبني عديّ 99

و لا تأخذ الكوم الجلاد سلاحها 246

و لست بهيّاب إذا شدّ رحله 312

و لقد غدوت و كنت لا 312

و لكن رحلناها نفوسا كريمة 357

ص: 430

و لكنّي رقوء دم وراق 308

و لمّا علا شمطه المضبأين 296

و لن أذكر النّعمان إلّا بصالح 80

و ليس دين اللّه بالمعضّى 165

و ما كنت إلّا مثل قاطع كفّه 231

و محترش ضبّ العداوة منهم 267

و من نجلاء تدمع في بياض 342

و نعم وليّ الأمر بعد وليّه 208

و وطئتنا وطأ على حنق 76

و هم رأّموها غير ظأر و أشبلوا 43

ويل امّهم معشرا جمّا بيوتهم 105

و يهماء باللّيل غطشى الفلاة 264

هذّب في جنسه و نال المدى 205

هما حيّان يصطليان حربا 249

همت بغلها بالسّبلجين و أوفضت 243

هنالك لا أبالي طلع بعل 266

يا حفص ماليلك ذا التفصّي 268

يا ربّ كلّ غابق و مصطبح 147

ياما أمليح غزلانا شدنّ لنا 350

يرسلها التغميض إن لم ترسل 284

يسألني الباعة ما نجارها 250

يعيش المرء ما استحيا بخير 112

يودّ الفتى طول السّلامة و الغنى 383

ص: 431

فهرس الأعلام

أبا القاسم 319

أبا بكر بن سفيان 42

أبا بكر محمّد بن موسى الخوارزمي 94، 145

أبا عبيد 232

أبا عليّ محمّد بن عبد الوهّاب 28

إبراهيم بن محمّد بن عرفة الواسطي 207

إبليس 257، 258

ابن الأعرابي 105

ابن امرأة زيد بن أرقم 207

ابن أمّ عبد 321

ابن أحمر 36

ابن ربيعة 40

ابن سعد 40، 389

ابن شهاب 230

ابن عبّاس 172، 207، 392

ابن قتيبة 34، 58، 69، 98، 100، 101، 102، 232، 233، 234

ابن مجاهد 42

ص: 432

ابن مسعود 53

أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد 176

أبو الحسن عليّ بن عيسى الربعي 80، 350

أبو الفتح النحوي 46، 165، 237، 288

أبو الفتح عثمان بن جنّي 41، 80، 264، 350

أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد البغوي 228، 230

أبو القاسم عيسى بن عليّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح 228

أبو أيوب خالد بن زيد 206

أبو بكر النيسابوريّ 229

أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني 42، 229

أبو حنيفة 341

أبو رزين العقيلي 311

أبو زيد 83

أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني 207

أبو عبد اللّه محمّد بن يحيى الجرجانيّ 183

أبو عبيد 231، 233، 267، 274، 276

أبو عبيد اللّه المرزباني 207

أبو عبيد القاسم بن سلام 231

أبو عبيدة 102، 167، 173، 267

أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي الفارسيّ 130

أبو معاوية الضرير 319

أبو هريرة 206، 230، 320، 321

أبي الدرداء 55

ص: 433

أبي أمامة الباهلي 315

ابيّ بن كعب 51

أبي سعيد الخدري 205

أبي سفيان بن حرب 76، 85

أبي سلمة 230

أبي طالب 95

أحمد بن إبراهيم الموصلي 228

اسامة بن زيد 137، 163

أسماء بنت أبي بكر 379

الأخطل 126، 373

الأخفش 311

الإسكندر الرومي 96

الأصمعي 52

الأعشى 105، 113، 264

الأعمش 319

الأوزاعي 230

آل مرّة 35

أمّ الهيثم بنت الأسود 243

امرؤ القيس 144، 151

أمير المؤمنين 51، 62، 79، 80، 95، 133، 155، 199، 204 204، 206، 236، 259، 264

أنس بن مالك 152، 206

إياس بن سلم الأسلمي 246

ص: 434

البراء بن عازب 315، 206

بريدة بن الحصيب الأسلمي 207، 244

بني إسرائيل 328

بني العباس 228

بني سعد 167

ثابت 228

ثعلب 97

جابر بن عبد اللّه 206

جبرائيل 63، 217، 218، 232

جرير 88، 99

جرير بن عبد اللّه البجلي 62

جعفر بن محمّد 173

جعيل بن سراقة 87، 88

حذيفة بن اسيد 206

حذيفة بن اليمان 234

حسّان بن ثابت 287

الحسن 74، 97

الحسن بن عليّ 243

الحسين 74، 97

الحكم بن عبد الرحمان بن أبي نعيم 229

حكيم بن حزام بن خويلد 85، 229

حميد بن ثور 382

الخليل بن أحمد 317

ص: 435

الخنساء 361

خوّات بن جبير الأنصاري 325

داود 95

داود الأصفهانيّ 146

داود بن رشيد 230

ذو الرّمّة 252

ذو القرنين 95، 96

الراجز 34، 120، 214، 255، 276

الراعي 316

رسول اللّه 27، 43، 75، 80، 95، 125، 128، 132، 133، 163، 229، 232، 248، 257، 285، 303، 335، 345، 357، 364

زهير 76، 271

زيد بن أرقم 132، 206، 207

سراقة بن مالك المدلجي 125

سعد بن أبي وقّاص 87

سفيان بن عيينة 75، 184، 240

سلمان الفارسيّ 305

سليمان بن صرد الخزاعيّ 260

سهل بن أحمد بن عبد اللّه بن سهل الديباجي 228

الشافعي 233، 341

شدّاد بن الهاد 356

شريح الحضرمي 54

الضحّاك بن سفيان الكلابي 148

ص: 436

طرفة بن العبد 225

الطّفيل بن عمرو الدوسي 51

عامر بن الأضبط الأشجعي 92

عبادة بن الوليد بن عبادة 229

العباس بن عبد المطلب 390

عبد الجبّار بن أحمد 176، 230

عبد اللّه بن أبيّ بن سلول 132

عبد اللّه بن رواحة 266

عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه الأنصاري 354

عبد اللّه بن عبّاس 171، 320، 333

عبد اللّه بن عمرو بن العاص 74، 116، 229

عبد اللّه بن مسعود 238، 319، 321

عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة 231

عبيد اللّه بن جرير بن جبلة 207

عثمان بن حنيف الأنصاري 155

عثمان بن مظعون 94

العجاج 221

عديّ بن زيد 223

العرباض بن سارية السلمي 62

عروة بن الزبير 240

علقمة 319

علقمة بن عقيل بن علفة 302

ص: 437

عليّ بن إشكاب 229

عمران بن حصين 207، 366

عمر بن إبراهيم بن أحمد المقري أبو حفص الكتاني 229، 230

عمرو بن بحر الجاحظ 336

عمرو بن بحر الجاحظ 336

عمرو بن شعيب 141

عمرو بن هند 225

فاطمة 375

الفرزدق 193، 257، 273

فيروز الديلميّ 315

قرّة بن شهاب 230

القطامي 340

قيس بن أبي حازم 62

الكسائي 119

كعب بن عجرة 453

الكميت الأسدي 43، 58، 108

الكميت بن زيد 187، 207، 260، 295، 308

كميل بن زياد النخعيّ 352

لبيد بن ربيعة 383

لقيط بن عامر بن المنتفق 311

المأمون 228

المبرّد 42، 182، 259

المتلمّس 225

ص: 438

محلّم بن جثّامة الليثي 92

محمّد 27، 28، 43، 62، 76، 85، 152، 247، 359

محمّد بن ربيعة 229

محمّد بن يحيى الجرجانيّ 183

محمّد بن يحيى الصولي 228

محمّد بن يزيد المبرّد 259

مسلم بن إبراهيم 207

مصعب بن الزبير 123

معاذ بن جبل 182، 216، 375

معاوية بن أبي سفيان 243

معن بن أوس المزني 280

موسى 160

المهديّ 97

النبيّ 30، 32، 62، 63، 76، 84، 87، 96، 116، 121، 128، 129، 132، 133

النّمر بن تولب 383

نوح بن قيس 207

الواقدي 84، 275

الوليد بن صبيح 207

الوليد بن عبادة 229

الوليد بن مسلم 230

هشام بن عروة 240

يحيى بن أكثم 228

يوسف بن عطية 228

ص: 439

فهرس الأماكن

أحد 31

بلخ 33

العراق 41

الفرات 33

المدينة 45، 46

مكّة 30، 31

النيل 33

ص: 440

فهرس القبائل

الازد 310

الأنصار 32، 69

بني أميّة 152

بني قيلة 157

ثقيف 75

حمير 36

غطفان 150

مضر 48، 76

ص: 441

فهرس المصادر و المنابع

1- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (ت 460 ه ق)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام- قم، الطبعة الأولى 1404 ه ق.

2- أساس البلاغة، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه ق)، دار صادر- بيروت.

3- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لأبي الحسن عزّ الدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (ت 630 ه ق)، تحقيق:

علي محمّد معوّض و عادل أحمد، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1415 ه ق.

4- إصلاح الغلط، لأبي سليمان حمد بن محمّد الخطّابي البستي (ت 388 ه ق)، تحقيق:

مجدي السيّد إبراهيم، مكتبة القرآن- القاهرة.

5- إصلاح المنطق، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن سكّيت (ت 244 ه ق)، تحقيق: أحمد محمّد شاكر، دار المعارف- مصر، الطبعة الثالثة.

6- إعلام الورى بأعلام الهدى، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ (ت 584 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، دار المعرفة- بيروت، الطبعة الأولى 1399 ه ق.

7- أقرب الموارد، للسعيد الخوري الشرتوني (ت 1849 م)، مكتبة لبنان- بيروت، الطبعة الأولى 1992 م.

8- الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن علي الطبرسيّ (ت 580 ه ق)، تحقيق: محمّد باقر الخرسان، مطبعة النعمان- نجف، الطبعة الأولى 1386 ه ق.

ص: 442

9- الاختصاص، المنسوب إلى أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغداديّ المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الرابعة 1414 ه ق.

10- الأدب المفرد، لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه ق)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة- بيروت، الطبعة الأولى 1416 ق.

11- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغداديّ المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه ق)، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام- قم، الطبعة الأولى 1413 ه ق.

12- الإعتقادات، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ المعروف بالصدوق (ت 381 ه ق)، دفتر نشر كتاب- طهران، الطبعة الأولى 1370 ه ق.

13- الأغاني، لأبي الفرج عليّ بن الحسين الأصبهانيّ (ت 356 ه ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1407 ه ق.

14- الإقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه ق)، مكتبة جامع چهلستون- طهران، الطبعة الأولى 1400 ه ق.

15- الام، لأبي عبد اللّه محمّد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه ق)، دار المعرفة- بيروت.

16- الإمامة و التبصرة من الحيرة، لأبي الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ (ت 329 ه ق)، تحقيق، محمّد رضا الحسينيّ، مؤسّسة آل البيت- قمّ، الطبعة الأولى 1407 ه ق.

17- الإنتصار، لأبي القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالسيّد المرتضى (ت 436 ه ق)، منشورات الشريف الرضي- قم، الطبعة الأولى 1391 ه ق.

18- الإيضاح، لأبي محمّد فضل بن شاذان الأزدي النيسابوريّ (ت 260 ه ق)، تحقيق:

جلال الدين الحسيني الارموي، مكتبة جامعة طهران- طهران- طهران، الطبعة الأولى 1351 ه ش.

ص: 443

19- أمالي الطوسيّ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (ت 460 ه ق)، تحقيق: مؤسّسة البعثة، دار الثقافة- قم، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

20- أمالي القالي، لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغداديّ (ت 356 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت.

21- أمالي المرتضى، لأبي القاسم عليّ بن الحسين المعروف بالسيّد المرتضى (ت 436 ه ق)، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشيّ- قم، الطبعة الأولى 1325 ه ق.

22- أمالي المفيد، لأبي عبد اللّه محمّد بن النعمان العكبري البغداديّ المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه ق)، تحقيق: حسين أستاد ولي و علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الثانية 1414 ه ق.

23- أمل الآمل، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (ت 1104 ه ق)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتبة الأندلس- بغداد، الطبعة الأولى 1385 ه ق.

24- أنساب الأشراف، لأحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 ه ق)، المطبعة الكاثوليكية- بيروت، 1400 ه ق.

25- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (ت 1110 ه ق)، تحقيق و نشر: دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه ق.

26- بدائع الصنائع، لأبي بكر مسعود الكاساني الحنفي (ت 587 ه ق)، المكتبة الحبيبية- باكستان، الطبعة الأولى 1409 ه ق.

27- البداية و النهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقيّ (ت 774 ه. ق)، تحقيق و نشر: مكتبة المعارف- بيروت.

28- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، لأبي جعفر محمّد بن محمّد بن عليّ الطبريّ (ت 525 ه ق)، المطبعة الحيدريّة- النجف الأشرف، الطبعة الثانية 1383 ه ق.

ص: 444

29- بصائر الدرجات، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الصفّار القمّيّ المعروف بابن فروخ (ت 290 ه ق)، مكتبة آية اللّه المرعشيّ- قم، الطبعة الأولى 1404 ه ق.

30- بهجة المجالس، ليوسف بن عبد اللّه بن محمّد القرطبيّ (ت 463 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت.

31- البيان و التبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت.

32- تاج العروس من جواهر القاموس، للسيّد محمّد بن محمّد مرتضى الحسينيّ الزبيديّ (ت 1205 ه. ق)، تحقيق: عليّ شيريّ، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى، 1414 ه. ق.

تفسير التبيان- التبيان.

33- تاريخ الإسلام، لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه ق)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الثانية 1409 ه ق.

34- تاريخ الطبريّ، لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ (ت 310 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الثانية، 1408 ق.

35- تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح المعروف باليعقوبي (ت 284 ه ق)، دار صادر- بيروت.

36- تاريخ بغداد أو مدينة السلام، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغداديّ (ت 463 ه ق)، المكتبة السلفيّة- المدينة المنوّرة.

37- التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه ق)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العامليّ، مكتبة الأمين- النجف الأشرف، الطبعة الأولى 1376 ه. ق.

38- تحف العقول عن آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأبي محمّد الحسن بن عليّ الحرّانيّ المعروف بابن شعبة (ت 381 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الثانية 1404 ه ق.

ص: 445

39- ترتيب كتاب العين، لخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

40- الترغيب و الترهيب من الحديث الشريف، لزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656 ه ق)، تحقيق: مصطفى محمّد عمارة، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1408 ق.

41- تفسير الطبريّ، لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ (ت 310 ه ق)، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسّسة الرسالة- بيروت، الطبعة الأولى 1415 ه ق.

42- تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي (ت 320 ه ق)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، المكتبة العلميّة- طهران، الطبعة الأولى 1380 ه ق.

الجامع لأحكام القرآن- تفسير قرطبيّ.

43- تفسير القرطبيّ (الجامع لأحكام القرآن)، لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد القرطبيّ (ت 671 ه ق)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثانية 1405 ه ق.

44- تفسير القمّيّ، لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ (ت 307 ه ق)، إعداد: السيّد الطيّب الموسوي الجزائريّ، مطبعة النجف الأشرف.

45- تفسير الكشّاف، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه ق)، دار الكتاب العربي- بيروت.

46- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ عليه السّلام، تحقيق و نشر: مؤسّسة الإمام المهديّ عليه السّلام- قم، الطبعة الأولى 1409 ه ق.

47- تفسير كنز الدقائق، لمحمّد بن محمّد رضا المشهديّ (ت 1125 ه ق)، تحقيق: مجتبى العراقي، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، 1407 ه ق.

48- تفسير نور الثقلين، للشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه ق)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، المطبعة العلمية- قم.

ص: 446

49- تلخيص البيان في مجازات القرآن، لأبي الحسن محمّد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضي (ت 406 ه ق)، تحقيق: مكّي السيّد جاسم، عالم الكتب- بيروت، الطبعة الأولى 1406 ه ق.

50- تلخيص الحبير، لأبي الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 777 ه ق)، تحقيق:

عبد اللّه هاشم اليماني المدني، دار المعرفة- بيروت.

51- التمثيل و المحاضرة، لأبي منصور عبد الملك بن محمّد الثعالبي (ت 429 ه ق)، تحقيق:

عبد الفتّاح محمّد الحلو، الدار العربيّة للكتاب- بيروت، الطبعة الثانية 1985 م.

52- التمثيل و المحاضرة.

53- التمحيص، لأبي علي محمّد بن همام الإسكافي المعروف بابن همّام (ت 336 ه ق)، تحقيق و نشر: مدرسة الإمام المهديّ (عج)- قم، الطبعة الأولى 1404 ه ق.

54- تنزيه الأنبياء، لأبي القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالسيّد المرتضى (ت 436 ه ق)، مؤسّسة الأعلمي- بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه ق.

55- التوحيد، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ق)، تحقيق: هاشم الحسيني الطهرانيّ، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الأولى 1398 ه ق.

56- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (ت 460 ه ق)، دار التعارف- بيروت، الطبعة الأولى 1401 ه ق.

57- تهذيب التهذيب، لأبي الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ه ق)، تحقيق:

مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، 1415 ق.

58- ثمار القلوب، لأبي منصور عبد الملك بن محمّد الثعالبي (ت 429 ه ق)، دار المعارف- بيروت.

ص: 447

59- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مكتبة الصدوق- طهران.

60- جامع الأحاديث، لأبي محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القمّيّ المعروف بابن الرازيّ (القرن الرابع ه ق)، تحقيق: السيّد محمّد الحسيني النيسابوريّ، الحضرة الرضويّة المقدّسة- مشهد، الطبعة الأولى 1413 ه ق.

61- جامع البيان، لأبي منصور محمّد بن جرير الطبريّ (ت 310 ه ق)، دار الفكر- بيروت، 1408 ه ق.

62- الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلّي (ت 690 ه ق)، مؤسّسة سيّد الشهداء- قم، الطبعة الأولى 1405 ق.

63- جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد محمّد بن أبي الخطاب القرشيّ، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1406 ه ق.

64- الحبل المتين، للشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين الحارثي الهمداني (ت 1030 ه ق)، مكتبة بصيرتي- قم.

65- حلية الأبرار، لهاشم بن سليمان البحرانيّ (ت 1107 ه ق)، مؤسّسة الأعلمي- بيروت، الطبعة الثانية 1413 ه ق.

66- حلية الأولياء و طبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (ت 430 ه ق)، تحقيق: دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1409 ق.

67- خزانة الأدب، لعبد القادر بن عمر البغداديّ (ت 1093 ه ق)، مكتبة الخانجي- القاهرة، الطبعة الثانية.

68- خصائص الأئمّة عليهم السّلام، لأبي الحسن الشريف الرضيّ محمّد بن الحسين بن موسى الموسويّ (ت 406 ه. ق)، تحقيق: محمّد هادي الأمينيّ، الحضرة الرضويّة المقدّسة مشهد، سنة 1406 ه. ق.

ص: 448

69- الخصال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة الأعلمي- بيروت، الطبعة الأولى 1410 ه ق.

70- الدرّ المنثور في التفسير المأثور، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

71- الدرجات الرفيعة، لصدر الدين عليّ بن أحمد المدني الشيرازي المعروف بالسيّد عليخان (ت 1120 ه ق)، مكتبة بصيرتي- قم، الطبعة الثانية 1397 ه ق.

72- دعائم الإسلام و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام، لأبي حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (ت 363 ه ق)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف- مصر، الطبعة الثالثة 1389 ه ق.

رجال الكشّي- اختيار معرفة الرجال.

73- دلائل النبوّة، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (ت 430 ه ق)، تحقيق: عبد البر عبّاس، دار النفائس- بيروت.

74- ديوار جرير، لمحمّد إسماعيل عبد اللّه الصاوي، دار الأندلس- بيروت.

75- ديوان ابن مقبل، تحقيق: الدكتور عزة حسن، دمشق- احياء التراث القديم، 1381 ق.

76- ديوان الأخطل، لأبي مالك غياث بن غوث المعروف بالأخطل، شرح: مهدي محمّد ناصر الدين، دار الكتب العلمية- بيروت، 1406 ق.

77- ديوان الأعشى، ليميون بن قيس المعروف بالأعشى (ت 629 م)، دار صادر- بيروت، 1414 ق.

78- ديوان الخنساء، لبنت عمرو بن الحرث (ت 24 ه ق)، دار بيروت- بيروت، 1406 ه ق.

79- ديوان الشماخ بن ضرار، شرح و تقديم: قدري مايو، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ق.

ص: 449

80- ديوان العجّاج، رواية عبد الملك بن قريب الاصمعي، تحقيق: الدكتور عزة حسن، مكتبة دار الشرق- بيروت.

81- ديوان العرجي، رواية أبي الفتح الشيخ عثمان بن جنّي (ت 392 ه ق)، شرح و تحقيق:

خضر الطائي و رشيد العبيدي.

82- ديوان الفرزدق، لهمام بن غالب بن صعصعة المعروف بالفرزدق (ت 114 ه ق)، دار بيروت- بيروت، الطبعة الأولى 1404 ه ق.

83- ديوان النابغة الذبياني، شرح و ضبط النصوص: الدكتور عمر فاروق الطباع، دار القلم- بيروت.

84- ديوان أبي العتاهية، لأبي العتاهية إسماعيل بن قاسم (ت 210 ه ق)، دار صادر- بيروت، 1342 ق.

85- ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام، المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، مكتبة ارومية- قم.

86- ديوان أوس بن حجر، تحقيق و شرح: الدكتور محمّد يوسف نجم، دار بيروت- بيروت، 1400 ق.

87- ديوان حسان بن ثابت، لحسان بن ثابت، دار صادر- بيروت.

88- ديوان ذي الرمّة، لغيلان بن عقبة بن بهيش، شرح: أبي نصر الباهلي، تقديم و تحقيق:

واضح الصمد، بيروت- دار الجيل، الطبعة الأولى 1417 ق.

89- ديوان زهير بن أبي سلمى، لزهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني (ت القرن 6 م)، دار صادر- بيروت، 1384 ق.

90- ديوان عدي بن زيد،

91- ديوان عمر بن أبي ربيعة، عمر بن أبي ربيعة، دار بيروت، 1407 ه ق.

92- ديوان عمرو بن معديكرب الزبيدي، صنعة: هاشم الطحان، وزارة الثقافة و الاعلام- بغداد.

93- ديوان كثيّر عزّة، قدري مايو، دار الجيل- بيروت، الطبعة الأولى 1416 ق.

ص: 450

94- ديوان لبيد بن ربيعة العامري، دار صادر- بيروت.

95- ذخائر العقبى، لأبي العباس أحمد بن عبد اللّه الطبريّ (ت 693 ه ق)، دار المعرفة- بيروت.

96- رجال الطوسيّ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (ت 460 ه ق)، تحقيق: جواد القيّوميّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ- قمّ، الطبعة الأولى 1415 ه ق.

97- رجال النجاشيّ، لأبي العباس أحمد بن علي النجاشيّ (ت 450 ه ق)، تحقيق: موسى الشبيري الزنجانيّ، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الرابعة 1413 ه ق.

98- الرسائل السعدية، لأبي منصور الحسن بن يوسف الحلّي (ت 726 ه ق).

99- الرسائل العشر، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الثانية 1414 ه ق.

100- الرواشح السماويّة، لمير محمّد باقر الحسيني المرعشيّ الداماد (ت 1041 ه ق)، مكتبة آية اللّه المرعشيّ، قم، الطبعة الأولى 1405 ه ق.

101- روضات الجنّات في أحوال العلماء و السادات، للسيّد محمّد باقر الخوانساري الأصبهاني (ت 1313 ه ق)، إعداد: أسد اللّه إسماعيليان، إسماعيليان- قم، الطبعة الأولى 1390 ه ق.

102- روضة الواعظين، لمحمّد بن الحسن بن عليّ الفتّال النيسابوريّ (ت 508 ه ق)، تحقيق:

حسين الأعلمي، مؤسّسة الأعلمي- بيروت، الطبعة الأولى 1406 ه ق.

103- رياض العلماء، لعبد اللّه بن عيسى الأفندي الأصفهاني، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مطبعة خيّام- قم، الطبعة الأولى 1401 ه ق.

104- السرائر، لأبي جعفر محمّد بن منصور الحلّي المعروف بابن إدريس (ت 598 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الثانية 1410 ه ق.

105- سنن ابن ماجة، لأبي عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزوينيّ (ت 275 ه ق)، تحقيق:

محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الأولى 1395 ه ق.

106- سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن أشعث السجستانيّ الأزديّ (ت 275 ه. ق)، تحقيق:

ص: 451

محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربيّ- بيروت.

الجامع الصحيح- سنن الترمذيّ.

107- سنن الترمذيّ، لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذيّ (ت 297 ه. ق)، تحقيق:

أحمد محمّد شاكر، دار إحياء التراث- بيروت.

108- سنن الدارقطني، لأبي الحسن عليّ بن عمر الدارقطني (ت 385 ه ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

109- سنن الدارميّ، لأبي محمّد عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارميّ (ت 255 ه. ق)، تحقيق:

مصطفى ديب البغا، دار القلم- بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه. ق.

110- السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقيّ (ت 458 ه ق)، تحقيق: محمّد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

111- سنن النسائي، (بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي و حاشية الإمام السندي)، لأبي بكر عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه ق)، دار المعرفة- بيروت، الطبعة الثالثة 1414 ه ق.

112- سيرة ابن هشام (السيرة النبويّة)، لأبي محمّد عبد الملك بن هشام بن أيّوب الحميري (ت 218 ه ق)، تحقيق: مصطفى سقا و إبراهيم الأنباري، مكتبة المصطفى- قم، الطبعة الأولى 1355 ه ق.

113- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار، لأبي حنيفة القاضي النعمان بن محمّد المصريّ (ت 363 ه. ق)، تحقيق: السيّد محمّد الحسينيّ الجلاليّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ- قمّ، الطبعة الأولى 1412 ه. ق.

114- شرح السنّة، لأبي محمّد الحسين بن مسعود البغويّ (ت 516 ه ق)، تحقيق: علي محمّد معوّض، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1412 ق.

115- شعراء إسلاميون، للدكتور نوري حمّودي القيسي، عالم الكتب- بيروت، الطبعة الثانية 1405 ه ق.

ص: 452

116- الصحاح تاج اللغة و صحاح العربيّة، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ (ت 398 ه. ق) تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين- بيروت، الطبعة الرابعة 1410 ه. ق.

117- صحيح ابن حبّان، لأبي الحسن عليّ بن بلبان الفارسيّ (ت 739 ه ق)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسّسة الرسالة- بيروت، الطبعة الثانية 1414 ق.

118- صحيح البخاريّ، لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاريّ (ت 256 ه. ق)، تحقيق:

مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير- بيروت، الطبعة الرابعة 1410 ه. ق.

119- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوريّ (ت 261 ه ق)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث- القاهرة، الطبعة الأولى 1412 ه ق.

120- صحيفة الإمام الرضا عليه السّلام، تحقيق و نشر: مؤسّسة الإمام المهديّ (عج)- قم، الطبعة الأولى 1408 ه ق.

121- الصحيفة السجّادية، للإمام زين العابدين عليه السّلام، تحقيق: علي أنصاريّان، المستشاريّه الثقافيّة- دمشق.

122- الطبقات الكبرى، لمحمّد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 ه ق)، دار صادر- بيروت.

123- عرائس المجالس، لأبي إسحاق أحمد بن محمّد النيسابوريّ المعروف بالثعلبي (ت 427 ه ق)، دار الرائد العربي- بيروت.

124- العقد الفريد، لأبي عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (ت 328 ه ق)، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى 1411 ه ق.

125- علل الشرائع، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ق)، دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الأولى 1408 ه ق.

126- العمدة (عمدة عيون صحاح الأخبار)، ليحيى بن الحسن الأسدي الحلّي المعروف بابن الطريق (ت 600 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم.

ص: 453

127- عوالم العلوم و المعارف و الأحوال، للشيخ عبد اللّه البحرانيّ الأصفهانيّ (ت القرن 11 ه. ق)، تحقيق و نشر: مدرسة الإمام المهديّ عليه السّلام- قم، الطبعة الأولى 1408 ه ق.

128- عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 940 ه ق)، تحقيق: مجتبى العراقي، مطبعة سيّد الشهداء عليه السّلام- قم، الطبعة الأولى 1403 ه ق.

129- العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه ق)، تحقيق: مهدي المخزومي، مؤسّسة دار الهجرة- قم، الطبعة الثانية 1409 ه ق.

130- عيون الأخبار، لأبي محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 272 ه ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1375 ه ق.

131- غريب الحديث، لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285 ه ق)، دار المدني- جدّه، الطبعة الأولى.

132- غريب الحديث، لأبي الفرج عبد الرحمان بن الجوزي (ت 597 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1405 ه ق.

133- غريب الحديث، لأبي محمّد عبد اللّه بن مسلم الدينوري المشهور بابن قتيبة (ت 276 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1408 ه ق.

134- غريب الحديث للهروي، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224 ه ق)، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى 1384 ه ق.

135- الغيبة، لأبي عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعمانيّ (ت 350 ه ق)، تحقيق:

علي أكبر الغفّاري، مكتبة الصدوق- طهران.

136- الفائق في غريب الحديث، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ه ق)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

ص: 454

137- فتح الباري بشرح صحيح البخاريّ، لأبي الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ه ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ق.

138- الفتح الكبير، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه ق)، دار الكتاب- العربي- بيروت.

139- الفرج بعد الشدّة، للقاضي أبي عليّ الحسن بن أبي القاسم التنوخي (ت 384 ه ق)، منشورات الشريف الرضي- قم، الطبعة الثانية 1364 ه ق.

140- الفرق بين الفرق، لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغداديّ (ت 429 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1405 ق.

141- فقه الرضا (الفقه المنسوب الى الإمام الرضا عليه السّلام)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت، المؤتمر العالميّ للإمام الرضا عليه السّلام- مشهد، الطبعة الأولى 1406 ه. ق.

142- فقه القرآن، لأبي الحسين سعيد بن عبد اللّه المعروف بقطب الدين الراونديّ (ت 573 ه ق)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتبة آية اللّه المرعشيّ- قم، الطبعة الأولى 1397 ه ق.

143- الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة السابعة 1406 ه ق.

144- الفقيه (من لا يحضره الفقيه)، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ- قمّ.

145- فوات الوفيات، لمحمّد بن شاكر الكتبي (ت 764 ه ق)، تحقيق: إحسان عبّاس، دار صادر- بيروت.

146- قرب الإسناد، لأبي العبّاس عبد اللّه بن جعفر الحميريّ القمّيّ (ت بعد 304 ه. ق)، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت- قمّ، الطبعة الأولى 1413 ه. ق.

147- الكافي، لأبي جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (ت 329 ه ق)، تحقيق: عليّ أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة- طهران، الطبعة الثانية 1389 ه. ق.

ص: 455

148- الكامل، لأبي العباس محمّد بن يزيد الأزدي المعروف بالمبرّد (ت 285 ه ق)، تحقيق:

محمّد أحمد الدالي، مؤسّسة الرسالة- بيروت، الطبعة الثانية 1413 ه ق.

149- الكامل في التاريخ، لأبي الحسن عليّ بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (ت 630 ه ق)، دار صادر- بيروت، الطبعة الأولى 1402 ق.

150- الكامل في التاريخ،

151- كتاب الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه ق)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثالثة 1388 ه ق.

152- كتاب سيبويه، لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180 ه ق)، عالم الكتب- بيروت.

153- كشف الخفاء و مزيل الالباس، لأبي الفداء إسماعيل بن محمّد العجلوني (ت 1162 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الثالثة 1408 ه ق.

154- كمال الدين و تمام النعمة، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الأولى 1405 ه ق.

155- كنز الحفاظ، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن سكّيت (ت 243 ه ق)، الآستانة المقدّسة الرضوي- مشهد، الطبعة الأولى 1366.

156- كنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال، لعلاء الدين عليّ المتّقي ابن حسام الدين الهندي (ت 975 ه ق)، تصحيح: صفوة السقا، مكتبة التراث الإسلامي- بيروت، الطبعة الأولى 1397 ه ق.

157- الكنز اللغوي، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكّيت (ت 243 ه ق)، المطبعة الكاتوليكية- بيروت، 1903 م.

158- لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (ت 711 ه ق)، دار صادر- بيروت، الطبعة الأولى 1410 ه ق.

ص: 456

159- مائة منقبة، لأبي الحسن محمّد بن أحمد القمّيّ المعروف بابن شاذان (ت القرن 5 ه ق)، مؤسّسة الإمام المهديّ- قم، 1407 ه ق.

160- المبسوط، لشمس الدين السرخسي (ت 490 ه ق)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

161- المبسوط، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه ق)، تحقيق: محمّد تقيّ الكشفي، المكتبة المرتضوية- طهران، الطبعة الثالثة 1387 ه ق.

162- مجالس ثعلب، لأبي العبّاس أحمد بن يحيى الشيباني المعروف بالثعلب (ت 291 ه ق)، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، دار المعارف.

163- مجمع الأمثال، لأحمد بن محمّد النيسابوريّ (ت 518 ه ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الثالثة 1393 ه ق.

164- مجمع البحرين، لفخر الدين الطريحي (ت 1085 ه ق)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتبة نشر الثقافة الإسلامية- طهران، الطبعة الثانية 1408 ه ق.

نور الثقلين- تفسير نور الثقلين.

165- مجمع الزوائد و منبع الفوائد، لنور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثميّ (ت 807 ه. ق)، تحقيق: عبد اللّه محمّد درويش، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه. ق.

166- المجموع في شرح المهذّب، لأبي زكرياء يحيى بن شرف النوريّ (ت 676 ه ق)، دار الفكر- بيروت.

167- المحاسن، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 280 ه ق)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام- قم، الطبعة الأولى 1413 ه ق.

168- المحلّى، لأبي محمّد عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي (ت 456 ه ق)، تحقيق: أحمد محمّد شاكر، دار الجيل- بيروت.

169- المحيط في اللغة، لأبي القاسم إسماعيل بن عبّاد الطالقاني (ت 385 ه ق)، تحقيق: محمّد حسن آل ياسين، عالم الكتب- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

ص: 457

170- مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور محمّد بن مكرم الأفريقي (ت 711 ه ق)، دار الفكر- دمشق، الطبعة الأولى 1414 ه ق.

171- المخصص، لأبي الحسن عليّ بن إسماعيل النحوي (ت 458 ه ق)، دار الآفاق الجديدة- بيروت.

172- المزار، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه ق)، تحقيق و نشر: مدرسة الإمام المهديّ- قم، الطبعة الأولى 1409 ه ق.

173- المسائل الصاغانية، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد النعمان العكبري البغداديّ بالشيخ المفيد (ت 1413 ه ق)، مؤسّسة دار الكتاب- قم، الطبعة الأولى.

174- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، للحاج الميرزا حسين النوريّ (ت 1320 ه ق)، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام- قم، الطبعة الأولى 1408 ه ق.

175- المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوريّ (ت 405 ه. ق)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة- بيروت، الطبعة الأولى 1411 ه. ق.

176- مسند أحمد، لأحمد بن محمّد بن حنبل الشيبانيّ (ت 241 ه. ق)، تحقيق: عبد اللّه محمّد الدرويش، دار الفكر- بيروت، الطبعة الثانية 1414 ه. ق.

177- مسند الشهاب، لأبي عبد اللّه محمّد بن سلامة القضاعي (ت 454 ه. ق)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسّسة الرسالة- بيروت، الطبعة الأولى 1405 ق.

178- مسند أبي يعلى الموصلي، لأحمد بن عليّ بن المثنّى التميمي (ت 307 ه. ق)، دار الثقافة العربية- دمشق، الطبعة الأولى 1412 ه. ق.

179- مسند زيد بن علي، للإمام الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام، منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت.

180- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، لأبي الفضل عليّ بن الحسن الطبرسيّ (ت قرن 7 ه. ق)، تحقيق: مهدي هوشمند، دار الحديث- قم، الطبعة الأولى 1418 ه. ق.

ص: 458

181- مصادقة الإخوان، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه. ق)، تحقيق و نشر: مؤسّسة الإمام المهديّ (عج)- قمّ، الطبعة الأولى 1410 ه. ق.

182- مصباح المتهجد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه. ق)، تحقيق: علي أصغر مرواريد، مؤسّسة فقه الشيعة- بيروت، الطبعة الأولى 1411 ه. ق.

183- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمّد المقري الفيومي (ت 770 ه. ق)، مطبوعات محمّد علي صبيح و أولاده- مصر.

184- المصنّف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه. ق)، منشورات المجلس العلمي- بيروت، 1390 ه. ق.

185- معانيّ الأخبار، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه. ق)، تحقيق: علي أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ- قمّ، الطبعة الأولى 1361 ه. ش.

186- المعتبر، لأبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلّي (ت 676 ه. ق)، مؤسّسة سيّد الشهداء- قم، 1364 ه. ق.

187- معجم البلدان، لأبي عبد اللّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه الحمويّ الروميّ (ت 626 ه. ق)، دار إحياء التراث العربيّ- بيروت، الطبعة الأولى 1399 ه. ق.

188- معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس الرازيّ (ت 395 ه. ق)، تحقيق:

عبد السلام محمّد هارون، مكتب الأعلام الإسلامي- قم، 1404 ه. ق.

189- مغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأبي عبد اللّه محمّد بن عمر الواقدي (ت 207 ه. ق)، تحقيق:

عبد الرحمن عثمان، دار الفكر- بيروت.

190- المغني لابن قدامة، لأبي محمّد عبد اللّه بن أحمد بن قدامة المقدّسي (ت 620 ه. ق)، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1405 ه. ق.

ص: 459

191- المفردات الراغب، لأبي القاسم الحسين بن محمّد الراغب الأصفهاني (ت 425 ه. ق)، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، الدار السامية- بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه. ق.

192- مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج عليّ بن الحسين الأصفهاني (ت 356 ه. ق)، تحقيق: سيّد أحمد صقر، منشورات الشريف الرضي- قم، الطبعة الأولى 1414 ه. ق.

193- مقالات الاسلاميين، لأبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ اليماني (ت 330 ه. ق)، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية- مصر، الطبعة الثانية، 1398 ق.

194- المقتضب، لأبي العبّاس محمّد بن يزيد الأزدي المعروف بالمبّرد (ت 285 ه. ق)، تحقيق:

محمّد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة، الطبعة الثانية 1399 ه. ق.

195- المقنع و الهداية، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه. ق)، دار المحجة البيضاء- بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه. ق.

196- المقنعة، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغداديّ المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه. ق)، تحقيق و نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الأولى 1413 ه. ق.

197- المناقب، لمحمّد بن سليمان الكوفيّ (ت 300 ه. ق)، تحقيق: محمّد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية- قم، الطبعة الأولى 1412 ه. ق.

198- المناقب، للحافظ الموفّق بن أحمد البكريّ المكّي الحنفيّ الخوارزميّ (568 ه. ق) تحقيق:

مالك المحموديّ، جماعة المدرّسين- قم، الطبعة الثانية 1414 ه. ق.

199- مناقب آل أبي طالب (المناقب لابن شهر آشوب)، لأبي جعفر رشيد الدين محمّد بن عليّ ابن شهر آشوب المازندرانيّ (ت 588 ه. ق)، المطبعة العلميّة- قم.

200- الموضوعات، لأبي عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي (ت 597 ه. ق)، تحقيق: عبد الرحمن عثمان، دار الفكر- بيروت.

ص: 460

201- الموطّأ، لأبي عبد اللّه مالك بن أنس الأصبحي (ت 179 ه. ق)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي- بيروت.

202- نثر الدر، لمنصور بن حسين الآبي (ت 421 ه. ق)، تحقيق: محمّد علي قرنة، الهيئة المصرية العامّة للكتاب- مصر، الطبعة الأولى 1982 م.

203- نقد الرجال، لمصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي (ت قرن 11 ه. ق)، تحقيق و نشر:

مؤسّسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى 1418 ه. ق.

204- نوادر اللغة، لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري الخزرجي (ت 215 ه. ق)، تحقيق: أحمد محمّد عبد القادر، دار الشروق- بيروت، الطبعة الأولى 1401 ه. ق.

205- النوادر في اللغة، لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري الخزرجي (ت 215 ه. ق)، تحقيق:

أحمد محمّد عبد القادر، دار الشروق- بيروت، الطبعة الأولى 1401 ق.

206- النهاية في غريب الحديث و الأثر، لأبي السعادات مبارك بن مبارك الجزريّ المعروف بابن الأثير (ت 606 ه. ق)، تحقيق: ظاهر أحمد الزاويّ، مؤسّسة إسماعيليان- قم، الطبعة الرابعة 1367 ه. ش.

207- نهج البلاغة، ما اختاره أبو الحسن الشريف الرضي محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام (ت 406 ه. ق)، تحقيق: السيّد كاظم المحمّدي و محمّد الدشتي، انتشارات الإمام علي عليه السّلام- قم، الطبعة الثانية 1369 ه. ق.

208- نهج الحق و كشف الصدق، لأبي منصور الحسن بن يوسف الحلّي (ت 726 ه. ق)، مؤسّسة دار الهجرة- قم، الطبعة الأولى 1407 ه. ق.

209- الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت 764 ه. ق)، دار النشر فزانز شتاينر- فيسبادان، 1381 ه. ق.

210- وفيات الأعيان، لابن خلّكان (ت 681 ه. ق)، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر- بيروت.

211- هاشميات الكميت، لكميت بن زيد الأسدي (ت 126 ه. ق)، عالم الكتب- بيروت، الطبعة الثانية 1406 ه. ق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.